تعريف مفهوم القيادة
علم الإدارة[1] يعتبر أنّ القيادة هي عملية تهدف لإدارة المؤسسة وإيجاد حافز وتواصل مؤثر من أجل تأدية باقي الواجبات؛ لتسهيل تحقيق أهداف المؤسسة وتشجيع الموظفين للقيام بواجباتهم[2]. لذلك أهم ملاحظة في القيادة هي توجيه الأعضاء وممارسة النفوذ[3]؛ وهو ما يمكن أن نعتبره نوعاً من الحكم على القلوب. بعبارة أخرى: القائد هو الشخص الذي يمتلك الجاذبية وهذه الجاذبية تختلف عن الجمال؛ فكم شخصاً يملك الجمال ولا يملك جاذبية القيادة! يقول الله تعالى في القرآن الكريم في قيادة سيدنا طالوت: <وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ>[4].
إنّ عبارة <وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ> لا تعني أنّه كان رياضياً فقط والناس ينجذبون إليه، بل كان صاحب شخصية جذابة وكاريزمية. وإذا سألوا الأفراد في التنظيم لماذا تقومون بالعمل الفلاني؟ فقالوا: بسبب المسؤولية الملقاة على عاتقنا، وقمنا بذلك من أجل أن نحصل على راتبنا، فهذا يعني أنّ هذه ليست بتنظيمات. ولكن إذا قالوا في الجواب: لأنّنا نحبُّ فلاناً وهو قد طلب ذلك، لذلك أقوم بهذا العمل، فهذا يدلُّ على أنّ الفرد يمتلك الكاريزما بين أفراد التنظيم. ومن المؤكد أنّ هذا النوع لا ينفي استلام الراتب مقابل الأعمال والواجبات، بل إنّ النقطة التي نؤكدها هي تسليط الضوء على الرغبة الباطنية للقيام بما يقوم به الفرد.
بناءً على ذلك يمكن تقسيم ما يقوم به الإنسان إلى ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: البعض يقومون بالعمل على أساس الالتزام؛ لأنّهم يحبون قائدهم.
الصنف الثاني: البعض يقومون بالعمل فقط من أجل الحصول على المال؛ وهذه المجموعة تقوم بالحدّ الأدنى المطلوب من العمل وتكتفي بذلك.
الصنف الثالث: تقوم بالعمل خوفاً من التعرّض للعقاب أو يقومون بذلك بسبب الإجبار.
ولدينا تصنيف مشابه لذلك في حديث عن أمير المؤمنين (ع) إذ قال: «إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأَحْرَار»[5].
هذا التصنيف ناجم عن الاختلاف في المعرفة. إذا كانت العلاقة بين الأعضاء والقائد في التنظيم بهذا الشكل، فإنّ هذا التنظيم قد وصل إلى مرحلة الحياة ولن يزول. ويمكن أن نرى نموذجاً بارزاً للقيادة في شخصية الإمام الخميني (رضوان الله عليه) على سبيل المثال في كسر الحصار المفروض على آبادان، فقد أرسل الإمام رسالة إلى قائد الحرس الثوري آنذاك، محسن رضائي، بأنّ مدينة آبادان يجب ألا تسقط، ونقل رضائي الرسالة للمقاتلين عبر اللاسلكي. قال المقاتلون: إنّ الإمام قد أرسل رسالة لذلك يجب ألا تسقط المدينة، ولم يعودوا يتكلّمون عن نقص العتاد أو الاستسلام. وفي مثل هذه الظروف كانوا يحملون الحجر إذا اضطروا أو يحصلون على العتاد غنيمة من العدو ويفعلون كلّ ما بوسعهم كي ينفّذوا أمر الإمام الخميني؛ وهذا يعني طاعة القائد بحبٍّ واهتمام وتنفيذ الأوامر، وهذا يعني أنّ القائد هو قائد للقلوب والأرواح؛ وهذا لم يكن أمراً مباشراً من الإمام للمقاتلين، بل رسالة تمّ نقلها لهم عبر طرق مختلفة، فقدموا أرواحهم على طبق الإخلاص من أجل تنفيذ الأمر.
وضع رسم بياني 40
أصناف الناس
- الذي يعمل على أساس الالتزام لأنه يحب قائده
- الذي يعمل للحصول على المال ويقوم بالحد الأدنى من العمل
- الذي يعمل تجنباً للعقاب
في الحالة الملموسة للتنظيم، إذا استطعنا تعيين هذا المعنى للقيادة، فإنّ التنظيم سيكون تنظيماً واقعياً ومتماسكاً جداً، في هذه الحالة يمكن إنجاز الكثير بالقليل. وسبب هذا الكلام يكمن في الإجابة عن السؤال حول سبب انتصار الثورة الإسلامية؛ وفي دراسة جذور انتصار الثورة الإسلامية، يقولون: إنّ الشعب، والدين والقيادة أسباب الانتصار، ولكن يبدو أنّ هناك خطأ في وضع هذه الأمور معاً واعتبار أنّ لها نفس التأثير؛ إذ إنّ عنصري الشعب والدين كانا موجودين منذ 50 سنة قبل انتصار الثورة، ونفس الشعب كان مع آية الله مدرس وآية الله كاشاني ولكن لم تحصل الثورة، لماذا؟ لأنّهم لم يملكوا القائد.
توجد قصة تنسب إلى عصر ظهور نادر شاه افشار، حيث شاهد نادر شاه في الحرب ضدّ الأفغان رجلاً عجوزاً يقاتل بسيفين ويقتل الكثير من الأعداء بشجاعة، فاستدعى نادر شاه العجوز، وظنّ المحيطون به أنّه يريد أن يشكر العجوز وأن يعطيه شيئاً. عندما جاء العجوز، وبّخه نادر شاه وقال: لماذا لم تقاتل بهذه الشجاعة عندما شنّ محمود أفغان هجومه ضدّ إيران، فهؤلاء الشباب لم يكونوا موجودين عندها ولكن أنت كنت موجوداً؟ فقال العجوز: في ذلك الحين نحن كنّا هنا، ولكن نادر لم يكن معنا. الملاحظة المهمّة في القصة هي الجملة الأخيرة، فالقائد هو الذي يدفع الناس للحضور في الساحة بقوة.
بصورة عامة إنّ القائد هو الذي يدفع الناس نحو المُثل العليا، والقائد هو الذي يختار الأشخاص ويضعهم في الحلقة الأولى والثانية والثالثة حوله ويرتّب التنظيم. بعبارة أخرى: يمكن القول أنّ ركن القائد هو الذي ينظّم الأركان الأخرى.
ملاحظة في عمل ضدّ التنظيمات، إذا أردت أن تجعل تنظيماً من التنظيمات ينهار، فيجب أن تعمل على إضعاف قائده وتشويه العلاقة بينه وبين الأعضاء. وبهذا الفهم لمكانة القائد، يمكن أن نفهم السبب الذي يدفع أعداء الإسلام وإيران إلى مهاجمة ولاية الفقيه بصورة دائمة؛ وذلك لأنّ العدو قد فهم دقيقاً أنّ ولاية الفقيه هي أساس وقاعدة تنظيمات الثورة الإسلامية وإذا استطاع أن يهدمها فإنّ التنظيمات ستتدمّر.
بناءً على ما مرّ يمكن تعريف ركن القيادة في التنظيم في جملة واحدة بما يلي:
«القيادة، مكانة في التنظيم تتولّى مسؤولية حركة التنظيم نحو المُثل العليا، والسبب الرئيسي لقوة التنظيم هو القيادة وليس ترتيب الرتب أو…إلخ».
من هذا التعريف يمكننا التوصّل إلى الصفات الأخرى لموقع القيادة، كما يمكننا معرفة بعض الصفات الشخصية الضرورية لهذا الموقع.
- [1]من الجدير بالذكر أنّ علم الإدارة له نتاجات وثقافة واسعة في موضوع القيادة، ويستطيع المهتمون بهذا المجال أن يدرسوه بصورة خاصة عن طريق مراجعة الكتب المرجعية في هذا المجال. هنا تم استخدام أجزاء من تلك الكتب في كتابة المواضيع الرئيسية في ركن القائد في التنظيمات الإسلامية.
- [2]الإدارة العامة، السيد مهدي الواني، ص141.
- [3]السابق، ص 142.
- [4]سورة البقرة، الآية 247.
- [5]نهج البلاغة، الحكمة 237.