صفات الإنسان التنظيمي
جدول المحتويات
من الأسئلة التي تمنح الإنسان إدراكاً أفضل لماهية ركن الإنسان في التنظيمات هو أن ننظر إلى مقاربتنا للإنسان في التنظيمات ونوعه فيها، أي الأشخاص وما هي صفات الأشخاص المناسبين للعمل التنظيمي؟ ما هي الصفات التي يجب أن يتّصف بها الأشخاص المشاركون في التنظيم من أجل بناء تنظيم مثالي؟ فهذه الصفات من الممكن أن تحدّد مسار الارتقاء الذي يجب أن يقطعه الأفراد.
الصفة الأولى – القدرة على التحمّل: أول صفات الإنسان المنظّم هي القدرة على التحمّل، فبصورة عامة تتحرك التنظيمات على أكتاف البشر؛ لذلك الإنسان الذي يريد أن يكون له دور في التنظيم يجب أن يتمكّن من حمل ثقله، فكلّما ازدادت قدرة الأشخاص على التحمّل، فستزداد المسؤوليات التي يجب أن يحملوها على أكتافهم. وبناءً على ذلك، يجب أن يكون قائد التنظيم هو الأقدر على التحمّل. ومن المهم الالتفات إلى هذا الأمر في اختيار قائد المجموعة في التنظيم، وخاصّةً على مستوى تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات والطلبة.
ومن الأضرار التي تحصل في حالة عدم الاهتمام بهذا الأمر خسارة القوى بسرعة كبيرة في التنظيم، فيتعرّض أشخاص لهم دوافع وحوافز وقدرات علمية كبيرة إلى أضرار علمية ونفسية وتنظيمية ويفقدون الدافع للمشاركة في التنظيم بعد توليهم مسؤولية في قوات التعبئة الشعبية أو باقي التنظيمات.
القدرة على التحمل تتكون من ثلاثة عناصر:
- الاستيعاب
- تحمل المسؤوليات
- عدم التخلي عن المسؤولية
الاستيعاب هو قدرة الشخص بالفعل والقوة على تحمّل المسؤولية ومعرفة الآخرين، فالقدرة الفعليّة من أجل معرفة المواهب الخفية. وبالنظر إلى أنّ طاقات الفرد الاستيعابية من الممكن تطويرها، يجب أن نحدّد الطاقة الفعلية للشخص وإلى أيّ مدى يمكن تطويره في الخطوات اللاحقة. ومن ثمّ بالنظر إلى هذا الموضوع، يتمّ منحه مسؤولية مطابقة لقدراته الفردية من أجل تحويل موهبة إلى قدرة.
تحمّل المسؤوليات يتعلّق بالدرجة الأولى بالطموح العالي ودوافع الشخص؛ أن يتقدّم الشخص بنفسه لتحمّل المسؤوليات وحمل الأعباء في التنظيم. لهذا العنصر أهمية كبيرة في معرفة الأفراد.
عدم التخلّي عن المسؤولية يعني أيضاً تحمّل المسؤولية، وقبول المسؤولية، ويعتمد على القدرة على حمل الأعباء، ولكنّ الاستمرار بالمسؤولية وعدم التخلّي عنها يرتبط بمدى «عدم التخلي عن المسؤولية». مثلاً أن يرفع شخص ما كرسياً، أي أن هذه في الحقيقة رفع ثقلاً من على الأرض، والأهم من رفع الكرسي هو الاستمرار بالإمساك به وإلى أيّ مدى يستطيع هذا الفرد تحمّل وزن الكرسي وألا يضعه على الأرض، وهذا هو «عدم التخلّي عن المسؤولية».
الأشخاص الذين لديهم قدرة كبيرة على تحمّل الأعباء ولكنّهم لا يعرفون مدى قدرتهم أو أنّهم ضعفاء في «عدم التخلي عن المسؤولية»، في العادة يعانون من مشاكل في الاستمرار بالمسار. وفي مثل هذه الظروف يجب:
أولاً: أن يمدّ التنظيم يد العون لهؤلاء الأفراد لئلا يصابوا باليأس.
ثانياً: حتى يتمكّن هذا الشخص من معرفة قدرته على «عدم التخلّي عن المسؤولية» أكثر وزيادة طاقته الاستيعابية في هذا المجال. الأشخاص الذين يعرفون طاقتهم ومدى «عدم التخلي عن المسؤولية» لديهم هم قوى فاعلة ونشيطة في التنظيم ولهم دور حقيقي ومؤثّر في الحركة التنظيمية.
حاصل جمع هذه العناصر الثلاثة مع بعضها يمكنه أن يحدّد قدرة الشخص على التحمّل. يجب على جميع أعضاء التنظيم وحتى قائد التنظيم أن يسعوا إلى استخدام طاقة التنظيم وأرضيته وقدراتهم في المجالات أعلاه من أجل أن يتحولوا إلى قوى منتجة ومثمرة في التنظيم.
الصفة الثانية – الإلحاح والمتابعة: الإنسان التنظيمي لحوح في متابعة عمله، فعندما يؤمن بمُثل عليا وأهداف يجب أن يكون ملحّاً في تحقيق ذلك وأن يقوم به بأيّ طريقة من الطرق. بناءً على ذلك يكون الإلحاح من أهم صفات الإنسان المنظّم؛ إذ إنّ وجود هذه الصفة في الفرد يؤدي إلى تعزيز هيكل التنظيم وتعزيزه مقابل مواجهة المشاكل والعوائق؛ إنّ كلّ تنظيم يواجه مشاكل ومصاعب وموانع من قبل الآخرين في طريقه نحو تحقيق مُثله العليا.
وفي هذه الحالات إذا لم يملك أعضاء التنظيم الإلحاح والمتابعة لأداء وظائفهم، فإنّهم سيتخلّون عن المثل العليا بسهولة ولم يستطيعوا أن يواجهوا المشاكل التي تعتريهم، وبالتالي سينهار التنظيم الذي ينتمون إليه بسهولة.
إذا تمتّع الأفراد بالإصرار في مواجهة الموانع والمشاكل فإنّهم سيزيحونها عن طريقهم أو سيحوّلون التحدي إلى فرصة أو سيلتفون عليها ويحيطون بها من كلّ جانب؛ مثل الماء الجاري عندما يواجه مانعاً على الأرض؛ فإمّا أنّه يدمّر المانع «عندما يكون المانع قطعة طين هشّة»، أو يحمله معه «عندما يكون المانع ورقة شجرة»، أو يلتفّ على المانع «عندما يكون المانع حجراً صغيراً»، فالماء إذاً لا يتوقّف، بل يغير مسار حركته ويستمر بالتحرك.
الإنسان اللحوح يؤدي إلى ألا تتوقف حركة التنظيم في مساره، ويعثر على حلٍّ لكل مشكلة يواجهها ويحول التهديدات إلى فرص، فعندما أبعد الإمام الخميني (رضوان الله عليه) من موطنه ونفي إلى العراق، كان هذا النفي مشكلة في الظاهر، حيث إنّه عزل القائد عن القوات، ولكنّه أقام حلقات دراسة وربّى الطلاب في النجف الأشرف، وحوّل هذا التهديد إلى فرصة استغلها لصالح الثورة الإسلامية. ولو لم يصر الإمام الخميني على المُثل العليا ولم يضغط من أجل الاستمرار بها، لكان نفيه كفيلاً بوقف الثورة الإسلامية.
الأشخاص الضعفاء وغير المثابرين لا ينفعون التنظيمات، فالشخص التنظيمي يجب أن يكون لحوحاً في جميع الأمور؛ حتى لو تعب الجميع فيجب ألا يتعب هو ويجب أن يستمر على المسار وأن يدفع الآخرين ويحفّزهم على مرافقته.
نحتاج عاملين من أجل الإلحاح والمتابعة:
العامل الأول: يجب أن يكون الفرد مؤمناً بالمُثل العليا للتنظيم إيماناً عميقاً وجدياً؛ إذ كلّما ازداد إيمان أعضاء التنظيم بالمثل العليا واستحكم، كانوا أكثر إصراراً على تحقيق تلك المثل وضحوا من أجل ذلك.
العامل الثاني: القدرة، فإنّ من أراد أن يحقّق المُثل العليا يجب أن يملك القدرة على تحقيقها، ففي مثال جريان الماء، لو لم يمتلك الماء القدرة على حمل الورقة أو تدمير قطعة الطين أو الالتفاف على الحجر، لما استطاع أن يستمرّ بحركته.
القوة تكون في الجسم في المرحلة الأولى، والحركة ومواجهة المشاكل تحتاج إلى القوة الجسمانية والإنسان الضعيف جسدياً لا يستطيع أن يواجه المشاكل. كلما اتسع التنظيم ومُثله العليا أصبح بحاجة للمزيد من القوة في المجالات المختلفة؛ على سبيل المثال من أجل القيام بأمر على المستوى العالمي مثل الثورة الإسلامية، نحتاج إلى القوة الروحية والمعنوية بالإضافة إلى القوة الجسدية.
بالطبع من المهم أن نمتلك الإلحاح من أجل الوصول إلى المُثل العليا وصفاتها، ولكن في بعض الحالات وبناءً على مصالح التنظيم نحتاج إلى تغيير نوع الحركة، وسرعتها وجهتها لمدة قصيرة، وهذا لا يتنافى مع الإلحاح والمتابعة. إنّ الأمر المهم لهذا النوع من الأفراد هو تحقيق المثل العليا، ومن الممكن أن تؤدي إجراءات قصيرة المدى ومتوسطة المدى إلى تغييرات.
الصفة الثالثة – الجسارة: أي عدم الخوف، فالتنظيمات تحتاج إلى أشخاص جسورين من أجل تحقيق مثلها العليا، وتحتاج إلى شخص لا يخاف ويقف بصمود في مواجهة المشاكل والمواجهات من دون خوف؛ وتحتاج شخصاً لا يخشى استعراض قدراته ويتحمّل المسؤوليات التنظيمية بشجاعة من أجل أن يمضي بالعمل التنظيمي.
تتكون الجسارة من عنصرين:
العنصر الأول: استعراض القوة.
العنصر الثاني: عدم التراجع.
إنّ الشخص الجسور يتقدم دائماً من أجل قبول المسؤوليات في التنظيم واستعراض قوته ويبحث عن منافس ويهدد ولا يتراجع، وإنّ التهديدات والهجمات التي يتعرّض لها لا تدفعه إلى التراجع، بل تجعله يمضي في طريقه بقوة أكبر وبالمزيد من الجد والعزم.
الإلحاح والجسارة وجهان لعملة واحدة؛ فالإلحاح له جذور في شخصية الفرد الداخلية ونوع العلاقة بينه وبين المُثل العليا. وبناءً عليه نقيس الإلحاح والجد في مدى تحقيق المثل العليا؛ إذ كلّما ازدادت جديّة الفرد، تبع ذلك زيادة قدرته على تحمّل المشاكل. ولكن الجسارة ترتبط بصورة مباشرة بالعلاقة مع الآخرين وترتبط بالعلاقة بينه وبين الأفراد والمحيط الخارجي؛ فمقدار جسارة الفرد وشجاعته في تحقيق المثل العليا يرتبط بمدى استعداده للتعرّض للتهديدات والمشاكل. ومن ناحية أخرى فإنّ الإصرار له حالة دفاعية ويتناول استقامة الفرد من أجل تحقيق الهدف وكيفية مواجهة المشاكل والموانع، ولكنّ الجسارة هي حالة هجوم وحركة الفرد إلى الأمام، أي مدى استعداده للتعرض للمشاكل وللصعاب ومدى استعداده لعرض نفسه وتنظيمه وعدم خوفه من ذلك.
الصفة الرابعة – الفضول: من صفات الإنسان التنظيمي أن يكون فضولياً، فبعد أن ينجز الإنسان التنظيمي مسؤوليته بصورة صحيحة، يبدأ بالنظر إلى أعمال الآخرين لا بهدف الإيذاء، بل من أجل تعزيز التنسيق مع باقي أجزاء التنظيم وتقديم المساعدة عند الحاجة. افرض أنّ شخصين يريدان أن يطويا سجادة، فإذا انتبه كل منهما إلى قسمه فقط، فمن المحتمل جداً أنّ السجادة لن تلف بصورة صحيحة ومتقارنة؛ لذلك هؤلاء الأفراد عند التقدم بعض الشيء ينظرون إلى الشخص الثاني ويقيسون مدى تقدمه أو تأخره عنهم، وهذا ما نقصده بالفضول في العمل التنظيمي.
وللفضول معنى سلبي أيضاً! وفي المعنى السلبي يكون هدف الشخص الاطلاع على أخبار الآخرين لا غير، ولكن في الفضول التنظيمي وهو المراد هنا يكون الهدف هو التنسيق في العمل ومساعدة الآخرين من أجل القيام بالأعمال التنظيمية؛ إذ كلّما ازدادت معرفة الأفراد بأبعاد وأجزاء التنظيمات المختلفة، ازدادت معرفتهم بالطاقات الداخلية في التنظيم وتحسّنت وسيكون أداؤهم في تنفيذ الخطط التنظيمية أفضل. وبهذه النظرة الإيجابية للفضول في التنظيم، يتمّ اكتشاف مواطن الضعف والنقص من قبل الأعضاء في التنظيم ويتمّ التخطيط من أجل معالجتها، وبهذا سيكون التنظيم في حالة حركة نحو الأفضل بصورة دائمة.
الملاحظة المهمّة التي تسجّل حول الفضول هي أنّه واجب الأعضاء في الدرجة الثانية، فالواجب الأول للعضو في التنظيم هو القيام بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، لذلك يجب ألا يسخر طاقاته للفضول ما دام لم يتمّ العمل الذي أوكل إليه أو ما دام يعاني من نقص في إتمام عمله بصورة جيدة. بالطبع يجب ألا ننسى الفضول في التنظيم وربّما يمكننا الاطلاع على حال وأوضاع الآخرين عن طريق علاقات الصداقة في التنظيم واستغلال الأوقات الميتة أو أوقات الاستراحة مع الأصدقاء عن طريق الحوار والكلام المستمر بين الأعضاء، وفي هذه الحالة سيكون هناك فضول ويتحقّق ولو بنحوٍ محدود.
بعد بيان هذه المزية للفضول، يجب أن يكون لقائد التنظيم أكبر مقدار من الفضول، حيث إنّ المسؤول عن المضي بالمجموعة، والفضول من الأمور المهمّة من أجل المضي بعجلة التنظيم. ومن هذا المنطلق، يجب أن يخصّص قائد التنظيم قوةً وطاقة ومدة أكثر من الآخرين في التنظيم، وهذه المزية هي من الاختلافات بين التنظيم والمؤسسة؛ ففي المؤسسة يتمّ تخطيط كل شيء من الأعلى إلى الأسفل والشخص مسؤول عن القيام بمهمّته فقط، ولا يحمل أيّ مسؤولية أو هاجساً تجاه باقي أجزاء المؤسسة، ولكن في التنظيمات يكون من واجب الأفراد أن يقوموا بالفضول في أعمال الآخرين وأن يكونوا على علم بأعمالهم من أجل إقامة أكبر تنسيق ممكن.
الصفة الخامسة – التعلّق والتشديد والتركيز: أعضاء التنظيم يتهرّبون من التغييرات والقيام بأعمال غير منظّمة، ويحاولون التركيز على مسار ومجال علم معين، وهؤلاء الأفراد يتعلقون بهذا المسار ولا يتركونه إلى أن ينتهوا منه. بهذه الصفة بدلاً من أن ينخرط الفرد في عدد من التنظيمات، فإنّه يعمل في تنظيم واحد ويركّز جهده فيه إلى النهاية، والشخص الذي لا يتعلّق بالتنظيم فإنّه يعمل لمدّة معيّنة في القطاع الاقتصادي لتنظيم وقبل إتمام العمل ينتقل للعمل في مجال آخر أو تنظيم آخر، ويتكرّر الأمر في النشاط أو في التنظيم الجديد. على الجانب الآخر، نجد شخصاً مثل الشهيد قاسم سليماني أنّه قاد قوة القدس في حرس الثورة الإسلامية لمدة 22 عاماً وسخّر كل جهوده في هذه القوة، ولم يكن يتنقل من قسم إلى قسم. وفي بعض الحالات يكون واجب الفرد ومن الضروري أن يغيّر مكانه أو أن يعمل في أكثر من تنظيم في آنٍ واحد، ولكنّ هذه الحالات تخالف القاعدة الكلية وهي بسبب الضرورة التي تقتضي ذلك فقط؛ إذ في الحالة العادية والحالة المطلوبة يجب أن يركّز كلُّ فرد على مثل أعلى واحد وهدف واحد.
من سمات الأشخاص المتعلّقين أنّهم لا يتركون العمل التنظيمي قبل الانتهاء منه؛ أي أنّهم لا ينفكّون عن التنظيم إلا بعد أن ينتهوا من العمل الذي بدأوه، ويا للأسف نادراً ما نرى هذه الصفة حتى في الحياة الفردية للأشخاص، وهذا يؤدي إلى ندرة الأشخاص العظماء والقدوات؛ مثلاً يدرس الشخص الهندسة المدنية لمدة أربع سنوات، ومن ثمّ يتّجه لدراسة الماجستير في مجال إدارة الأعمال وبعد التخرج يعمل في شركة تجارية لمدة خمس سنوات، ولكنّه لا يبقى في ذلك المكان ويتّجه إلى مجال الإنتاج وغيره من المجالات الأخرى، وهذا التخبّط والتقلّب والتغيير يؤدي إلى أن لا يتمتع الشخص بالنضج الكامل في أيّ مجال من المجالات، وهذا يجعله شخصية غير منتجة لا يمكن الاستفادة منها.
الصفة السادسة – الطاعة: يجب أن يكون الإنسان المنظّم مطيعاً، وأن يتمكّن من قول «حاضر» وأن يعمل بذلك، والملاحظ أنّ من المشاكل المهمّة في مجال التنظيمات هو أنّ الأعضاء لم يتعلّموا الطاعة ولا يمكنهم التخلّي عن آرائهم من أجل مصالح الجماعة، وهذا الأمر يؤدّي إلى التفرقة في التنظيمات والخلافات وحتى تدمير التنظيم. يجب أن يعرف الإنسان التنظيمي مكانه في التنظيم بصورة جيدة وأن يعلم ضرورة عدم النقاش بعد اتخاذ القرار وصدور الأوامر، ويجب ألا يبحث عن أخطاء في القرار، بل يجب أن يسخّر جميع طاقته من أجل القيام بالمهمّة. وبناءً على ذلك لا يكفي أن يقول: حاضر، بل يجب أن يكون الفرد بالغاً وفاهماً إلى درجة تسخير جميع ما يملكه من قدرات من أجل تنفيذ أوامر التنظيم حتى لو كان رافضاً لها، وبخلاف ذلك سيعاني التنظيم من ضعف حقيقي.
يجب الانتباه إلى أنّ الطاعة هي سمة الأشخاص التنظيميين، وهي تقرّر العلاقة بين الأشخاص والتنظيم، ولكن يجب ألا تكون التعاملات في التنظيم على أساس طاعة الأفراد للتنظيم. بعبارة أخرى: إنّ العلاقة بين القادة والأعضاء يجب أن تكون على أساس الإقناع؛ إذ كلما زاد اقتناع العضو بالمثل العليا للتنظيم وبالدرجة الثانية بالعمليات المطلوبة، فإنّ أداءه سيكون أفضل، وفي هذه الحالة:
أولاً: ستعمل الكوادر بإخلاص أكبر؛ لأنّها مقتنعة بالعمل الذي تقوم به، وهذا له تأثير كبير في تحقيق الهدف.
ثانياً: في الأزمات – عندما لا تكون هناك فرصة لاتخاذ القرارات من قبل المسؤول الأعلى – يمكنهم أن يتخذوا القرارات بأنفسهم والقيام بالمهمّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ الإنسان التنظيمي يجب ألا يتوقع إقناعه دائماً، ويجب أن يتمكّن من طاعة القرارات المبهمة أيضاً.
للأسف في بعض التنظيمات بسبب عدم الالتفات إلى هذا الموضوع البسيط، نرى أنّ قائد التنظيم أو المحيطين به يستخدمون حربة «الطاعة» من أجل التخلّص من المنتقدين وطبقة النخبة في التنظيم وعزلهم، وهو أمر يضرُّ بالتنظيم، فيجب أن يتمكّن قائد التنظيم من إقناع المنتقدين، ويجب أن يتخذ التنظيم سياسة إقناع أكبر عدد ممكن في علاقته مع الأشخاص، ويجب أن يكون للأفراد أكبر مقدار من الطاعة للتنظيم.
تعد التلقائية في العمل من نتاجات الطاعة، فيجب أن يشخّص الإنسان التنظيمي واجبه ويقوم به من دون وجود مراقب أو قائد، فلا يهمّه وجود المراقب أو عدم وجوده، ولا يهمّه هل سيحاسبه القائد على الأداء أم لا؟ أو كيف سينظر الآخرون له؟ بل هو يقوم بواجبه في ظلّ جميع الظروف من دون الحاجة إلى وجود من يضغط عليه.
هذه الصفة هي من الفوارق بين التنظيم والمؤسسة، ففي المؤسسة لا بدَّ من وجود قوّة مراقبة وتفتيش، أو يجب أن يكون هناك نظام للتحفيز والعقوبات من أجل أن يعمل الأشخاص بطريقة صحيحة، ولكن في التنظيمات، وبسبب عمق المُثل العليا والعلاقة بينها وبين العمليات، يقوم الأعضاء بواجباتهم تلقائياً ولا حاجة لهذه الأمور. بالطبع هذا لا يعني رفض نظام التحفيز والعقوبات أو الرقابة، بل إنّ وجود هذه الصفة في التنظيمات تؤدي إلى تركيز قوة المراقبة على أمور أخرى مثل الاتجاه العام لحركة التنظيم وغير ذلك.
يجب الانتباه إلى أنّ الطاعة تؤدي إلى وجود مشاكل أيضاً ويجب التفكير بأساليب وطرق من أجل معالجة هذه المشاكل ومنعها، فمن مشاكل الطاعة إمكانية اتكاء الاستغلاليين على الفرد واستغلاله، ومن الطبيعي أنّ الفرد المطيع والتلقائي في العمل سيقوم بواجبه على أكمل وجه فيكون عنصراً جيداً لمحبّي السلطة والمستبدّين والتنظيمات المشابهة، يجب أن يلتفت الأفراد إلى ذلك من أجل ألا تعرضهم صفتهم هذه للاستغلال. ولا شك في أنّ امتلاك الشخص التنظيمي باقي الصفات التي ذكرنها إلى جانب صفة الطاعة سيحول دون تعرضه للاستغلال من قبل الآخرين.
الصفة السابعة – تعريف الأفراد للآخرين: هذه الصفة تتبلور لدى القادة بالدرجة الأولى، فالقادة الجيدون يعرّفون الأفراد للآخرين، إذ إنّ قادة التنظيمات يعرفون الأعضاء وطاقاتهم حقّ المعرفة ويحاولون عرض هؤلاء على التنظيمات وعلى الأشخاص الذين يحتاجون إليهم، وهؤلاء القادة يعملون مثل اللاصق، فهم يلصقون الأشخاص والتنظيمات بعضها ببعض، وهؤلاء يعلمون ما هي طاقات كل شخص وما هي التنظيمات التي تحتاجه؛ لذلك يربطون بين الأشخاص وحتى في داخل التنظيم بالنظر إلى معرفتهم بقدرات الأشخاص واحتياجاتهم، فإنّهم يستطيعون الربط بين الأشخاص داخل التنظيم.
للأسف يخفي القادة في الكثير من التنظيمات أفرادهم الخبراء والأقوياء من أجل ألا يستفيد الآخرون منهم، أمّا القائد التاجر فهو يحاول أن يعرض هذه الكوادر أكثر من أجل أن يوفّر أرضية مناسبة لرشد الكوادر والتنظيم من أجل الحركة باتجاه الهدف. والنقطة الأساسية والمهمّة في هذا الأمر هي العمل بصورة صحيحة ومعرفة التاجر. إذا أراد التاجر أن يربط بين الأشخاص والتنظيمات بصورة صحيحة فيجب أن يكون على معرفة جيدة بالطاقات والاحتياجات والمعلومات كي يعمل بصورة صحيح في الربط.
وضع رسم بياني 31
صفات الإنسان التنظيمي
- القدرة على التحمل
- الاستيعاب
- تحمل المسؤوليات
- عدم التخلي عن المسؤولية
- الإلحاح والمتابعة
- العوامل
- أن يكون الفرد مؤمناً بالمثل العليا
- القدرة
- الجسارة
- العناصر
- استعراض القوة
- عدم التراجع
- الفضول
- التعليق والتشديد والتركيز
- الطاعة
- تعريف الأفراد للآخرين
2- أنواع حالات الإنسان في التنظيمات
العلاقة بين الأفراد والتنظيم ليست علاقة متشابهة، فعلى أطراف التنظيم يوجد الكثير من الأشخاص تحت مسمّيات مختلفة يقومون بأدوار حسنة إذا ما تمّ تصنيفهم بطريقة جيدة، فيمكن استخدام طاقة كلٍّ منهم على النحو المطلوب. لذلك يمكن تصنيف العلاقة بين الأفراد والتنظيم على ثمان مستويات:
- القائد
- النواة الصلبة
- الكوادر
- الأعضاء
- الجمهوري
- المناصرين
- الناس
- المعارضين
وفي هذا الكتاب ركن الأشخاص في التنظيم يشمل أربع طبقات فقط وهي: القائد، والنواة الصلبة، والكوادر، والأعضاء، وعلى الرّغم من أنّ الطبقات الأخرى تتعامل مع التنظيم إلا أنّها ليست ضمن الركن.
- قائد التنظيم: الشخص الذي يحمل على عاتقه المسؤولية الرئيسية في قيادة التنظيم، ومن أهم صفات القائد إتقانه وعلاقته بالهدف والمُثل العليا للتنظيم. بالنظر إلى أنّ للقائد أهمية كبيرة في التنظيم وله شأن خاص، فإنّه يعرّف بأنّه ركن من أركان التنظيم وسنشير إلى ذلك لاحقا.
- النواة الصلبة للتنظيم: مجموعة صغيرة من الأفراد الذين يعملون إلى جانب قائد التنظيم وعلى مستوى ما بعد القائد ويحملون على عاتقهم المسؤولية الرئيسية في التنظيم. والحقيقة أنّ الانسجام المبدئي في التنظيم والنواة الأولية له تتكوّن في النواة الصلبة وهي التي تؤدي إلى الانسجام في أجزاء التنظيم؛ فكلّما زادت قوة العلاقات والارتباطات في النواة الصلبة، زادت قوة العلاقة والصلابة بين الكوادر والأعضاء، والنتيجة تزداد قوة التنظيم.
- كوادر التنظيم: يأتون في المستوى الذي يلي النواة الصلبة. في الحقيقة إنّ النواة الصلبة هي التي ترسم شكل التنظيم والكوادر هي عموده الفقري، فالنواة الصلبة تؤسّس التنظيمات ومن ثمّ تطور عملها عن طريق الكوادر. ومن ميزات الكوادر أنّهم يرتبطون بصورة مباشرة بالأعضاء في التنظيم. في الحقيقة يجب أن يشرف كل شخص من الكوادر على عدد من الأعضاء في أداء وظائفهم، وأن يقوم بجزء من الواجبات والأدوار التنظيمية بمساعدة هؤلاء.
- أعضاء التنظيم: هؤلاء الأفراد يحملون على عاتقهم مسؤولية حركة التنظيم وتنفيذ العمليات. على الرّغم من أنّ دور العضو هو دور صغير في الرؤية الإستراتيجية للتنظيم، ولكن اصطفاف الأجزاء بعضها إلى جانب بعض يؤدّي إلى حركات كبيرة ومهمّة في التنظيم. يمكن القول وبثقة أنّ أيّ حركة تنظيمية لن تتحقّق إلا بوجود الأعضاء. العضو هو شخص يتحمّل مسؤولية في التنظيم ويضحّي من أجله، وهذه التضحية قد تكون بالمال أو بغير المال؛ مثلاً التضحية بالوقت، وبالقوة، والقدرات وغيرها، وبناءً على ذلك فإنّ مجرّد ارتباط الشخص بالتنظيم لن يجعل منه عضواً، بل يمكن اعتباره عضواً عندما يدعم العمل التنظيمي ويكون مستعداً للتضحية في سبيل ذلك.
- جمهور التنظيم: الأشخاص الذين تؤثّر عمليات التنظيم عليهم؛ أي أنّ التنظيم يحاول التأثير عليهم. في رؤية الإدارة الغربية يُعد ذوق الجمهور هو المعيار الرئيسي للإستراتيجيات والسياسات العامّة للتنظيم، ولكن في التنظيمات الشعبية تكون قوة التنظيم والتنسيق بين أعضائه هي ما يحدّد الإستراتيجيات والسياسات العامة للتنظيم. إنّ التنظيم الذي يحترم أفراده ويعمل على تنظيم العلاقة بينهم سيحصل على استحسان الجمهور شاء أم أبى.
- مناصرو التنظيم: على الرّغم من أنّهم ليسوا ضمن جمهور التنظيم ولا يتأثّرون بأعماله ولكنّهم يدعمون أهداف التنظيم ومُثله العليا ويهتمون بهذا التنظيم. هؤلاء هم المناصرون والمحبون للتنظيم، على الرّغم من أنّهم ليسوا من ضمن جمهوره. وفي الهيئات الدينية نعتبر آباء الحاضرين وأمّهاتهم من مناصري التنظيمات.
- الناس: أشخاص يعيشون في المجتمع ولا يبالون بالتنظيم، وهذا يعني أن ليس لهم أيّ موقف تجاه التنظيم سلباً أو إيجاباً، وهم منكبون على متابعة أعمالهم.
- معارض التنظيم: هو الشخص الذي يرفض أهداف التنظيم ومُثله العليا وله موقف معادٍ للتنظيم. الشخص الذي لا يريد أن يسمع رسالتنا وهو يرفضها، والشخص الذي لا يتقرب من التنظيم ولا يسمح للمحيطين به بالتقرب من التنظيم، وبعض المعارضين لهم موقف أشد ويقومون بوضع خطط ضد التنظيم من أجل إيقاف حركته أو إخراجه عن مساره.
الملاحظة الأخيرة التي يجب أن نذكرها في هذا الموضوع هي أنّ قيمة التنظيم تكمن في الحركة بين هذه الطبقات، فنُّ التنظيم يكمن في هذه التنقلات؛ وهذا يعني أنّنا يجب أن نعمل على تحويل المعارض إلى شخص عادي والشخص العادي إلى مناصر، والمناصر إلى جمهور، ونسير على هذا المنوال، لذلك يجب أن تقوم بتوفير مسار من أجل تنقل الأشخاص بين طبقات التنظيم. وهناك حالة معاكسة وهي أن تستمر النواة الصلبة بالتحوّل إلى كوادر وهذه تنظيمات ضعيفة من الممكن أن يكون أداء قائدها غير صحيح.
وضع رسم بياني 32
العلاقة بين الأفراد والتنظيم
- القائد
- النواة الصلبة
- الكوادر
- الأعضاء
- الجمهوري
- المناصرين
- الناس
- المعارضين