الحاجة إلى إنتاج ثقافة العمل الجماعي
كثيراً ما دار الكلام حول التنظيمات والعمل التنظيمي على مدى تاريخ الثورة الإسلامية وفي ثقافتها وأدبياتها، وبوسعنا أن نقول جازمين: إنّ الثورة الإسلامية نشأت واستمرّت على أكتاف أشخاص تنظيميين، إنّ ضرورة التنظيم وفهم أبعاد العمل التنظيمي ومعرفة مفاهيم ذلك وقيمه أمر لا يُخفى على الأجيال الثورية، ولكنّ هناك سؤالاً مهمّاً حول ذلك، وهي لماذا لم يتمّ شرح هذا الأمر الهام إلى هذه الدرجة وتوضيحه بطريقة جيدة للأجيال اللاحقة، ولم تدرك هذه الأجيال أهمية الموضوع وضرورته كما كانت الأجيال الأولى للثورة تدركه؟ إنّ هذا السؤال من الأسئلة المهمّة التي تعلّل جميع الخطوات التي نقوم بها من أجل شرح ماهية، وأبعاد وكيفية التنظيم والعمل التنظيمي.
إنّ مفهوم التنظيم والتطبيق الواسع لمعناه وأبعاده أمر يحتاج إلى الشرح لتفهمه الأجيال الثورية الجديدة التي تعتبر ركناً أساسياً في مسيرة الثورة، ويجب أن يعملوا ضمن إطار العمل التنظيمي من أجل الارتقاء بجودة الحياة. لذلك يبدو جدلياً أنّ هناك حاجة للقيام بحركة علمية وتعليمية في هذا المسار. ومن نقاط الضعف التي نعاني منها وهي نقطة لها جذور في الثقافة العامة والنسيج الاجتماعي لنا، ويمكن القول أنّها نقطة شنّ العدو الكثير من الهجمات ضدّها عن طريق الفكر والمحتوى؛ هي موضوع مقدار أنس آحاد المجتمع بصورة عامّة والنخبة بصورة خاصة بموضوع العمل الجماعي والتنظيمي ومدى التزامهم بهذا الأمر. إذا كنّا نؤمن بأنّ تحقيق الثورة الإسلامية أمر يحتاج إلى بذل الجهد، فيجب أن نعلم أنّ التخطيط في هذا المجال يحتاج إلى التوصل إلى إدراك مشترك وعميق للعمل الجماعي، وهو إدراك يؤدّي إلى التزام عامّ وثقافي عميق، وترسيخ فكرة العمل وروح العمل الجماعي وبصورة خاصة العمل التنظيمي.
لذلك نحتاج إلى الشرح النظري والعلمي للعمل التنظيمي وطرقه ومقتضياته ومميزات العمل التنظيمي في المجال العام بالمجتمع الإيراني ولدى القوى الثورية. وبإلقاء نظرة سريعة على الأعمال الجماعية الناجحة في العالم الإسلامي، يمكننا أن نستنتج أنّنا في المجال التنظيري ما نزال لم ننتج ثقافة شاملة في العمل الجماعي والتنظيمي بالخطاب الإسلامي، ولم يتمّ اشتقاق العمل الجماعي والتنظيميّ في النظرة الإسلامية من تلك الثقافة. وإنّ كل ما تمَّ شرحه لنا في مجال العمل التنظيميّ هو مقتبس ومشتق من مفهوم الحزب والعمل الحزبي في ثقافة المجتمع الغربي وهو أمر يتناغم أكثر مع الاحتياجات الثقافية لتلك المجتمعات.
لذلك يُعد الحديث عن التنظيم الإسلامي والثوري خطوة جيدة من أجل فتح المجال أمام إنتاج ثقافة داعمة وخاصّة لهذا المفهوم. ومن أجل إنتاج تلك الثقافة والتوصل إلى نموذج جيد في هذا الإطار يجب أن نخوض في الموضوع من زاوية العمل الجماعي والتنظيمي في المصادر الدينية والثورية، وأن نراجع هذه المصادر من أجل أن نرسم ملامح هذا المفهوم في الحق والباطل، أي أن نقوم بعملية التنظير في هذا المجال.
يوصف العمل التنظيمي وثقافته اليوم بأنّه الحلقة المفقودة التي يحتاجها تيار تحقيق ثورة إسلامية، ويشار إلى هذه الحلقة المفقودة في جميع المواقف، وهي أمر ضروري ولا يمكن تجنّبه لأجل الدخول في ميادين الإدارة الاجتماعية والحكومية. وهذا المفهوم أمر عام ويدخل في المجالات الثقافية، والسياسية، والاجتماعية والاقتصادية ممّا زاد من أهمّيته.
المشكلة في هذا المجال هي أنّنا نعاني من نقص في التنظير بمجال ثقافة العمل التنظيمي؛ أي أنّ علم المدراء والنشطاء الثوريين محدود ومبني غالباً على التجارب الشخصية، وهو أمر لم يتمّ تدوينه وعرضه على المجتمع. لذلك نحن بحاجة إلى استخراج ثقافة العمل التنظيمي من الثقافة الدينية – المبنية على الآيات والأحاديث – وأن نرسم الخارطة العامة لجوانب العمل التنظيمي.
يجب أن نعلم أنّ شرط تحقيق الخطوة الثانية للثورة الإسلامية عملياً هو التوصّل إلى نموذج محلّي إسلامي وثوري للتنظيم والعمل التنظيمي. لذلك يجب أن نتعلّم فنّ العمل الجماعي وأن نُعلِّمه من أجل أن تنتشر الثورة الإسلامية في المجتمع العالمي. ومن الجدير بالذكر هنا أنّنا لا نستطيع الاعتماد على أسلوب التجارب والتعلم من التجارب لأجل تحقيق هذا الأمر؛ لأنّ التحرّك على مسار التجربة والتغيير سيؤدي إلى ضياع الوقت الذي يُعتبر عنصراً مهمّاً في تيار صناعة الثورة الإسلامية.
يمكن القول إنّ هذا الكتاب قام بإنتاج محتوى مبنيّ على تجارب الثورة الإسلامية والأصول الدينية الإسلامية، ومن خلاله نسعى لعرض صورة للتنظيم الإسلامي والثوري حتى يتمكّن الجيل الشاب المهتم بهذا المجال أن يتصور ذلك من خلال هذه المفاهيم. إنّ هذا الأمر يستلزم الالتفات إلى ماهية العمل التنظيمي وأسبابه وتأثيراته. حديثنا عن ماهية العمل التنظيمي وأسبابه وتأثيراته أمر مهم نسعى من خلاله إلى رسم صورة لذلك الأمر لدى القارئ المحترم.
أكدت الكتب الأخرى التي تتناول هذا الموضوع[1] ونؤكد نحن أيضاً أنّ القوى الفاعلة في مجال العمل التنظيمي في البلاد تحتاج إلى محتوى من أجل تعزيزها، وهذا المحتوى يجب أن يكون:
أولاً: مبنيّاً على أسسنا الدينية والثورية الإسلامية من أجل أن يتمكّن من رسم صورة التنظيم الإسلامي.
ثانياً: يجب أن يكون هذا المحتوى عملياً، ويجب أن ينطوي على أمور يمكن تنفيذها في مجال التنظيمات الموجودة في البلاد، وأن ينسجم مع البيئة والاحتياجات المحلية في بلادنا.
ثالثاً: يجب أن يكون هذا المحتوى قابلاً للنقل والنشر، أي يجب أن يكون له جانب علميّ.
- [1] ـ راجع كتاب «استجمع نفسك» و«احمل حقيبتك» من مطبوعات دار نشر امتداد دانش بالتعاون مع مؤسسة مدرسة تشكيلات إسلامي مضمار.
تعليق واحد