عند زاوية المصلّى

كان لقائي الشخصي الأول مع أبي قسّام في سنة 2014م؛ حيث شاء الله أن يجمعنا في مبنى 4 من سجن جو المركزي، كان اللقاء في أول صلاة فجر لي في المبنى؛ حيث كانت الأبواب تفتح لصلاة الفجر، فكانت العنابر 4-5-6 تلتقي معاً في المصلّى؛ علماً أن الشهيد كان في عنبر 4، أما أنا فكنت في عنبر 6.
أبو قسّام كان يصلّي في مكانه المعتاد، وهو الزاوية الخارجية للمصلّى، وإلى جانبه كان يصلّي دائماً نزيل لبناني الجنسية، ويبدو أني لم أكن قد استوعبت الوضع بصورة تامة، لأني صليت إلى جانب أبي قسّام دون أن أعرف!!.
احتاج الأمر مني عدة أيام قبل أن أكتشف أن الرجل الأسمر صاحب النظارة هو ذاته محمد سهوان، الذي كنت أحب رؤيته على خشبة المسرح. لم يكن أبو قسّام طويلاً؛ بل كان معتدل الطول، لكن كان عريض المنكبين وصاحب جسد رياضي منحوت حتى وإن كان يحاول إخفاءه خلف ثيابٍ فضفاضة، كنت أصافحه كما أصافح باقي المعتقلين قبل الانسحاب إلى عنبر 6؛ حيث كان الإخوة يقرؤون دعاء الصباح.
كنت أنام في الممر وحدي؛ حيث غرفتنا كانت أولى الغرف امتلاءً في المبنى، وعندما تكلمنا مع أحد الضباط وافق على فتح باب الغرفة كي أتمكن من الدخول عند الحاجة. شخصياً كنت أستغل الإنارة في الممر من أجل القراءة، ومن جانبه لاحظ أبو قسّام ذلك، فجاء إليّ بعد عدة أيام، وسألني عبر بوابة العنبر قائلاً: «أنت فلان؟»، فأجبته: «نعم».
فقال لي إن أخته تعمل مع أختي، وإنها أوصته بي خيراً، ثم أردف قائلاً: «شكلك تحب القراءة؟ راح أجيب لك كتاب يعجبك»، وبالطبع رحبت بهذا العرض المغري.
في صباح اليوم التالي، أحضر لي الشهيد قصة من 2000 صفحة (نعم ألفي صفحة)، تتكلم عن تاريخ بعض المدارس الفكرية الأولى، وكانت الصفحة الأولى تحمل اسم صاحب الكتاب الأصلي «حسين سهوان»، ورغم صفحاته الكثيرة إلا أن الكتاب أعجبني فعلاً كما توقع الشهيد وإن كان رفع الكتاب قد أنهك ذراعي.