الإصابة

وفي 2011م، وبعد أن تم قمع الدوار للمرة الثانية، تحولت المواجهات إلى المناطق والقرى؛ حيث كانت المواجهات تتجدد وبشكل يومي في أغلب المناطق، فكان القمع الوحشيّ هو لغة النظام في وجه المتظاهرين العزّل.
في السنابس، ومع اشتداد القمع، انسحب أغلب المتظاهرين، لكن أبا قسّام أصرّ على موقفه السابقة؛ من عدم مغادرة الشارع مادام المرتزقة فيها، فكان أبو قسّام يقول: «إذا هذيلين في الديرة أنا ما أدخل».
لم يكن بالإمكان القبض على الشهيد بسهولة، بسبب معرفة أبي قسّام بشوارع قريته؛ إضافة إلى بنيته الرياضية التي حافظ عليها رغم أنه حينها كان يناهز الأربعين من عمره، لكن شاءت الإرادة الإلهية أن تجتمع عدة ظروف في آن واحد، وأن يتعرض للإصابة، فحينما كان الشهيد في أحد الشوارع، رأى المرتزقة تقترب من ابن أخيه الذي كان عمره حوالي 15 عاماً.
فما كان من الشهيد إلا أن رماهم بحجر كي يلتفتوا إليه ويتركوا ابن أخيه، وحينما حوّلوا انتباههم إلى أبي قسّام، أراد أن يلوذ بالفرار، لكنه تفاجأ بقدوم فرقة أخرى من جهة لم يتوقعها، فأصبح الشهيد أمامهم وجهاً لوجه، والمسافة بينه وبينهم لم تكن إلا ثلاثة أمتار.
التفت أبو قسّام محاولاً الهروب، لكن عدداً من المرتزقة اطلقوا عليه رصاص الشوزن، فأمطروا جسده بزخات من هذه الشظايا المحرمة دولياً، المسافة كانت قريبة جداً، ولكن أغلب الشظايا استقرت في رأسه ورقبته وظهره؛ بل إن عدد الشظايا في رأسه لوحده كان حوالي )80( شظية، استقرّ بعضها في عظام جمجمته.
استهداف الرأس هو دليل واضح على أنهم كانوا يريدون قتل المتظاهرين لا مجرد تفريقهم، حاول الشهيد الفرار في شوارع السنابس رغم حجم الإصابة، فتمكن من الابتعاد عن المرتزقة، لكن نزيف الدم كان غزيراً، فخارت قواه ليسقط فاقداً للوعي أمام أحد المنازل، أهل ذلك البيت سحبوا أبا قسّام للداخل، لتكون تلك آخر مواجهة يخوضها الشهيد، ولعل تلك الإصابة كانت أحد العوامل التي أدت لوفاته ولو بعد حين، وبعد الإصابة غاب أبو قسّام عن الساحة، ولم يسمع به أحد إلى أن تم اعتقاله…