الوجه الأخر لمصطلح الحرية في أمريكا

في هذا الجزء من الكتاب، عندما نتحدث عن موضوع الحرية في أمريكا، فإننا نقصد ما جرى في العقود الأخيرة والأزمنة المعاصرة، وليس أحداثا وقعت قبل أكثر من قرن!
إنّ الشعب الأمريكي لم يُحرم من الحرية السياسية فحسب؛ بل إنه يقع تحت السيطرة الكاملة للنظام الصهيوني الأمريكي بطرق مختلفة، لدرجة أنّ الأشخاص الأبرياء يُعتَقلون بحججٍ واهية، وتتمّ مصادرة ممتلكاتهم. هناك كتاب تحت عنوان Tyranny of Good Intentions (أي: حكومة طاغية ذات نوايا حسنة) كتبه أمريكيان يدعيان: بول كريج روبرتس[1] ولورانس إم ستراتون[2]. يُشير هذا الكتاب إلى نقاطٍ مختلفة يتصف بها النظام الاستبدادي في أمريكا. ورد في مقدمة هذا الكتاب أنه خلال العصور الوسطى، استخدم المسؤولون الحكوميون قوة رجال الشرطة لإثراء أنفسهم؛ بحيث تقوم الشرطة بأخذ المسافرين الذين يمرّون بتلك المناطق، وتجعلهم في زنزانات تابعة لقلاع هؤلاء الحكّام كرهائن؛ من أجل أن يدفعوا المبالغ التي يطلبها هؤلاء الحكّام المستبدون منهم، فأُطلق على هؤلاء ـ أي الذين كان لديهم هذا السلوك الجشع ـ عنوان الـ (بارونات[3] اللصوص[4]). أضاف مؤلفا الكتاب المذكور: في الولايات المتحدة الأمريكية ـ في عصرنا الحاضر ـ نظراء هؤلاء [أي نظراء الحكّام المستبدين] يؤدون دورهم أفضل بكثير من الـ (بارونات اللصوص)؛ لأنهم تركوا أخذ الرهائن، وأصبح عملاء الحكومة الفيدرالية وعملاء الولايات والحكومات المحلية الأمريكية يصادرون ممتلكات الناس بشكلٍ علني [i]، ففي الفصول الخمسة عشر من ذلك الكتاب[5]، تمت مناقشة نقاط مهمة جداً تتعلق بوضعية النظام الصهيوني الأمريكي الاستبدادي ـ كما يطلق عليهم الأمريكيون ـ، وكيفية افتقار الشعب الأمريكي إلى الحرية. وقد أشار مؤلفا الكتاب المذكور إلى أمثلةٍ لضحايا أمريكيين على يد النظام الأمريكي لإثبات أقوالهم. فعلى سبيل المثال: يجب الإبلاغ بشكلٍ كامل عن جميع أنشطة الأشخاص وأموالهم، وإلا سيتمّ اتهامهم باتهامات كـ: إرهابيون محليون، أو غاسلو أموال، أو مهرّبون، أو متهربون من الضرائب، وما إلى ذلك؛ ولن يذهب هؤلاء إلى السجن فحسب؛ بل سيفقدون جميع ممتلكاتهم أيضاً. واللافت للنظر أنه ليس محامو هؤلاء فقط يؤدون دور عملاء الحكومة ؛ بل إن موظفي البنوك والمطارات والفنادق وغيرها أيضاً يؤدون هذا الدور، ويعملون كعملاء للحكومة، ويرفعون تقارير بكل القضايا المشبوهة[6]. كمثال: هناك طبيب يدعى الدكتور ريتشارد لوي[7] من بلدةٍ صغيرة تدعى هولي فيل، من ولاية ألاباما، والذي لا يزال يداوي مرضاه مقابل 5 دولارات، ويسكن في بيتٍ عادي، ويقود سيارةً مستعملة، في عام 1988، خسر أكثر من ثلاثة ملايين دولار ـ أي ما ادخره طوال حياته ـ. واللافت في الأمر أنه قد تمت محاكمة كلّ من رئيس البنك ونجل رئيس البنك، الذي كان للدكتور ريتشارد لوي حسابٌ مصرفيٌّ فيه، أمام المحكمة. شخصٌ آخر، يدعى ويلي جونز[8]، في عام 1991، بما أنّه لم يستخدم بطاقة الائتمان عند شراء تذكرة الطائرة، ودفع ثمن التذكرة نقداً، بدا الأمر مريباً بالنسبة لهم، فتمت مصادرة أمواله النقدية؛ لأنّ الناس، باستخدام بطاقات الائتمان لمشترياتهم، يحددون بالضبط أين كانوا وكم أنفقوا. والأمر الذي ينبغي الإشارة إليه هو أنّ مؤلفَي الكتاب المذكور كتبا: يؤدي حمل مبلغ مائة دولار ـ نقدية ـ إلى حدوث مشكلة للشخص في بعض الأحيان، ويمكن اعتباره سبباً لعمليات مشبوهة من وجهة نظر الشرطة. لذلك؛ من الأفضل لك دائماً استخدام بطاقات الائتمان. كما تطورت الأمور إلى حد أنه إذا ذهب شخص ما إلى فندق وكان معه عددٌ كبير أو قليل من الحقائب، أو استخدم هاتف الفندق لإجراء مكالماته الخارجية، فإن هذا الأمر مشبوه من وجهة نظر موظفي الفندق، ففي هذه الحالة، يؤدي موظفو الفندق أيضاً دور عملاء المخابرات الحكومية، ويبلّغون عن وجوده وتحركاته، ليصبح تحت مجهر الحكومة. كما تجدر الإشارة إلى أنّ الحالات المذكورة في الكتاب المذكور كانت قبل أحداث وسيناريو 11 سبتمبر، والوضع الحالي أسوأ بكثير من الماضي!
سؤال: هل يمكن تسمية هذه الوضعية، “بالحرية”؟
إذا تعرض شخص للمراقبة والاستجواب، فقط لأن لديه عدداً قليلاً أو كبيراً من الحقائب، فماذا سيتم فعله مع الشخص الذي يصف النظام الأمريكي بالصهيوني والديكتاتوري ويريد إسقاطه؟! وإلى أي مدى تتم مراقبة ذلك الشخص واستجوابه؟! (طبعا؛ نحن لا نقصد الشخص الذي ينظّم مظاهرات غير قانونية، أو يهاجم الشرطة أو يضربهم، أو يضرم النار في الأماكن العامة ويقتل الناس و…! لأن معاملة أمريكا لمثل هؤلاء الناس واضحة، وسوف يتعاملون معهم بطريقة يصبح عبرة للجميع)، وسنشير خلال هذا الجزء من الكتاب إلى موارد مختلفة لتبيين هذا الامر أكثر.
النقطة الأخرى التي لابدّ من الإشارة إليها؛ هي أنّ أمريكا تهاجم أي دولة متى أرادت، كما أنّ أمريكا تقتل أي أمريكي متى شاءت ـ دون أي سبب ـ من خلال إجراءات محكمية! وإذا كان ذلك الشخص خارج أمريكا، تصدر بحقه مذكرة اغتيال، ليتمّ قتله على يد عملاء أمريكيين. لقد كان الأمر هكذا عبر التاريخ، إلا أنه بعد سيناريو 11 سبتمبر، أصبحت هذه القضايا مكشوفة للكثير من الشعب الأمريكي! [9]. سابقاً، كانت الولايات المتحدة كلّما تقرّر اغتيال أو قتل شخص ما، تتابع الأمر من خلال عملائها، وتنفذه بطريقة لا يشعر بها الناس، وإذا تمّ اتهامها من قِبل الشعب بارتكاب تلك الجرائم، تنكر ذلك؛ تماماً مثل غيرها من المطالب الكاذبة التي تعبر عنها أمريكا باستمرار. على سبيل المثال؛ إنكار انقلاب 28 أغسطس 1332، الذي ارتكبته أمريكا في إيران، لمدة 30 عاماً تقريباً؛ وجريمة قتل 10 آلاف شخص في أنجولا، التي تمّ الكشف عنها عام 1980 من خلال جون ستوكويل، كبير ضباط وكالة المخابرات المركزية، الذي كان متورطا في هذه الجريمة أيضاً، لكن هنري كيسنجر ووليام كولبي، رئيس وكالة المخابرات المركزية، نفيا ذلك. مؤلف الكتاب لم يسمع أي خبر صحيح من القادة الأمريكيين! على أيّ حال؛ بعد سيناريو 11 سبتمبر، والموافقة على القوانين المختلفة، بما في ذلك قانون باتريوت[10] أو قانون تفويض الدفاع الوطني[11] – والذي تمت الموافقة عليه من قِبل مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين في 14 و15 ديسمبر 2011، وبعد 16 يوماً ـ أي في 31 ديسمبر 2011، وتمّ التوقيع عليه من قِبل باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة، وأصبح قانوناً بتمويلٍ قدره 662 مليار دولار، منذ ذلك الوقت، أخذت الحكومة الأمريكية تكشف ـ علناً ـ عن بعض جرائمها التي تنوي ارتكابها. لذلك؛ ووفقاً لقانون تفويض الدفاع الوطني، يمكن للولايات المتحدة، دون أي سبب، اعتقال أي مواطن أمريكي (فما بالك بغير الأمريكي!) ونقله إلى قاعدة عسكرية أمريكية، وتعذيبه هناك، وإبقاؤه في السجن إلى أي أمد تريد، وقتله في النهاية؛ دون أن يعلم أقرباء المعتقل مكانه وماذا حدث له! نعم! جميع ذلك، يتم بموجب قانون تفويض الدفاع الوطني!

الصورة رقم 6 – مظاهرة ضد قانون تفويض الدفاع الوطني في الولايات المتحدة – في هذه المظاهرة يرتدي أحد المتظاهرين الأمريكان ملابس سجناء غوانتانامو، وقد كتب على اللافتة التي يحملونها: قانون تفويض الدفاع الوطني، يعني سجن غوانتانامو للجميع!

الصورة رقم 7 – مظاهرة ضد قانون تفويض الدفاع الوطني في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية -، في هذه المظاهرة قام بعض المتظاهرين الأمريكيين، وهم يرتدون ملابس سجناء غوانتانامو، بالكتابة على اللافتة التي يحملونها، نفس عبارة الصورة السابقة أي: (تفويض الدفاع الوطني، يعني سجن غوانتانامو للجميع!). الشخص الموجود على اليمين في هذه الصورة يحمل لافتة تطالب بإنهاء التعذيب في شيكاغو!

الصورة رقم 8- في هذه الصورة يقول الأمريكيون إن قانون تفويض الدفاع الوطني يسمح للحكومة الأمريكية باستخدام الجيش الأمريكي – ضد المواطنين الأمريكيين الذين يتساءلون عن البرامج السياسية الأمريكية – دون أيّ تهمة أو محاكمة، وإلقائهم في السجن لفترة غير محددة. كُتِب في أسفل الصورة هذه العبارة: “يبدو أنّ قانون تفويض الدفاع الوطني هو المورد الوحيد الذي اتفق فيه زعماء الحزب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي مع أوباما.
بالطبع وكما ذكرنا سابقاً، كان هذا هو وضع أمريكا في الماضي أيضاً؛ لكن بطريقة أخرى، ففي بعض الأحيان، يتهمون شخصاً ما بالقتل والاغتصاب ونحو ذلك، أو يسجنوه للفترة التي يريدونها، أو يقتلونه في السجن، أو يدّسون له السُّم ويطلقون سراحه، ليموت خارج السجون الأمريكية![12]
النقطة الأخرى؛ هي أنّ الحرية التي تتمع بها أمريكا، عبارة عن الحرية في الدعارة والفساد، وليست الحرية السياسية! فليس من الغريب أن يكتب ديفيد هورويتز – وهو يهودي صهيوني – كتاباً حول 101 أستاذ جامعي، ويعتبر هؤلاء الأساتذة – الذين ينتمون إلى جامعات أميركية مختلفة – كأشخاص خطرين على السياسات الأميركية. وهذه الحالة ليست عجيبة، إنما هي عجيبة بالنسبة للأشخاص الذين يعتقدون أنّ هناك حرية تعبير في أمريكا! فكما ذكرنا من قبل، في عام 1918 – عندما كانت الحرب العالمية الأولى على وشك الانتهاء – تمت الموافقة على “قانون التحريض على الفتنة”[13] من قِبل الكونغرس الأمريكي، والذي بموجبه يُحكم على الأشخاص الذين لديهم أي تعبير عن الرأي جاحد (أو غير شاكر)[14]، أو عبارة مهينة (أو مسيئة) [15] على الحكومة الأمريكية أو العَلَم أو الدستور، بالسجن عشرين عاماً[16].[ii] وكان الوضع على نحو أنه تحدث أحد في حوار خاص في بيت أحد أقاربه، وقال إن “هذه الحرب هي حرب الأغنياء!” والبوح بمثل هذه الحقيقة، وليس علناً؛ بل في بيت أحد أقاربه، وفي حوار خاص، يؤدي إلى اعتقاله ومحاكمته؛ ويحكم عليه في المحكمة بدفع غرامة خمسة آلاف دولار والسجن لمدة عشرين عاما! [iii] غرامة خمسة آلاف دولار قبل أكثر من مائة عام، تعادل سعر سبعة كيلوغرامات من الذهب! إلّا أنّكم ترون أنّ النظام الصهيوني الأمريكي، ذاته الذي يعمل في بلده بمثل هذه القوانين القاسية والمقيتة، يحشّد المنافقين – جماعة مسعود رجوي ومريم أبريشم چي – الذين تلطخت أيديهم بدماء الآلاف من الأبرياء من الشعب الإيراني – ويمنحهم المال، ليواصلوا ـ قدر استطاعتهم ـ جرائمهم ضد الشعب الإيراني و…!
على أيّ حال؛ إن يجمع ديفيد هورويتز قضايا حول هؤلاء الأشخاص في كتاب، فإن منظمة مكتب التحقيقات الفيدرالي وغيرها من منظمات التجسس الإرهابية الأمريكية، ـ ومنذ عدة عقود قبل ذلك وفي بعد أوسع بكثير ـ كانت لديهم ملفات عن أشخاص مثل هؤلاء المواطنين الأمريكيين، وقد وضعوهم تحت سيطرتهم ومراقبتهم الكاملة! إنّ النظام الصهيوني الأمريكي لا يراقب المواطنين الأمريكيين عن كثب وباستمرار فحسب؛ بل يمنح نفسه الحق في التجسس على المواطنين ورجال الدولة في البلدان الأخرى، أيضاً. إنّ التجسس الأمريكي على مواطنيها ومواطني الدول الأخرى ليس أمراً جديداً، إلا أنّ هذا الامر انكشف للكثير من الناس في السنوات الأخيرة، منذ أن بدأ جواسيس مثل إدوارد جوزيف سنودن[17] – جاسوس منظمة المخابرات المركزية الأمريكية الإرهابية ووكالة الأمن القومي الأمريكية – بالكشف عن جزء من أنشطة هذه الوكالة. مما أدّى إلى معرفة بعض الناس بأنّ موضوع تجسّس أمريكا على مواطنيها والدول الأخرى إنّما هو موضوع حقيقي وعين الواقع. وعندما احتج الشعب الأمريكي على ذلك، طمأن باراك أوباما (بوصفه رئيساً للولايات المتحدة) الشعب الأمريكي، وقال لهم بأن لا يقلقوا! فإننا نحتفظ بهذه المعلومات كبيانات وصفية (مِتادِیْتا)[18] في صندوقٍ سرّي (للغاية)، ونستخدمها عندما تستوجب الضرورة. فبعد ذلك، ترى أنّ الجنرال مايكل هايدن[19] – الذي كان الرئيس الخامس عشر لمنظمة الأمن القومي الأمريكي من عام 1999 إلى عام 2005، والرئيس العشرين لوكالة المخابرات المركزية من عام 2006 إلى عام 2009 ـ في 1 أبريل 2014، أعلن في مناظرةٍ تلفزيونية [20]في قاعة شريفر بجامعة جون هوبكنز[21] في الولايات المتحدة: “إننا نقتل الناس بناءً على البيانات الوصفية الـ (مِتادِیْتا)![22]“[23]. وكما ذكرنا من قبل، البيانات الوصفية تشمل معلومات حول من تتصل به؛ وكم مرة (خلال اليوم أو الأسبوع، الخ) تتصل بهم؛ والفترة الزمنية التي تتحدث معهم؟ تسمى هذه المعلومات بالبيانات الوصفية. ففي هذه المناظرة، يذكر الجنرال مايكل هايدن أنّ معلومات البيانات الوصفية تبيّن لنا شخصية الأفراد بشكلٍ جيد للغاية. إنهم يدّعون أنه لا علاقة لنا بمضمون كلام الأشخاص، ومعلومات البيانات الوصفية هذه كافية بالنسبة لنا، وإننا نقتل الناس بناءً على هذه البيانات الوصفية! نعم؛ بهذه السهولة! هذا الأمر يستطيع أن يكون مؤشراً ورسماً بيانياً للديمقراطية والحرية في أمريكا! بطبعية الحال؛ كان هذا هو حال النظام الأمريكي على الدوام، وأمريكا كانت ولا تزال “تذبح بالقطن”، والمثال الذي يمكن ذكره بهذا الخصوص قضية (عِزرا باوند)[24] الذي وردت في فصل الحرية في أمريكا: من النصّ إلى العمل.
وليس الأمر أنّ كل جريمة ترتكبها أمريكا داخل أمريكا أو خارجها، أوتعترف بها فيما بعد، تنكشف وثائقها وأسنادها ـ السريّة والمصنفة ـ وتوضع في متناول الشعب الأمريكي، وإن كان الأمر يتعلق بقتل قادة أمريكا المجرمين الذين أنفسهم تورطوا أيضاً بهذه الجرائم! على سبيل المثال؛ في 26 أكتوبر 2017، وبعد 54 عاماً سمح دونالد ترامب – رئيس الولايات المتحدة – برفع السرّية والفرز عن جزء من الوثائق المتعلقة باغتيال جون إف كينيدي (22 نوفمبر 1963) ونشْرها[25].[iv] أي: 2891 وثيقة فقط، وليس كل الـ 3140 وثيقة التي تعترف بها أمريكا. فتخيل هل الولايات المتحدة مستعدة لكشف كافة وثائق الجرائم التي ارتكبتها خارج الولايات المتحدة، والتي تشير إلى عمق جرائم أمريكا، ولو أمام الشعب الأمريكي فقط؟ بالطبع كلا! هناك حقائق ووثائق كثيرة لم يُسمح بنشرها في أمريكا. وثائق وكر التجسس الأميركي في طهران مثال على تلك الوثائق والمستندات التي لا يُسمح بنشرها وإدخالها إلى أمريكا. هذه القضايا ليست جديدة؛ بل كان الوضع دائما هكذا! فعلى سبيل المثال؛ كما أن منظمة CIA الإرهابية لديها وسائل إعلام مختلفة ضد إيران والمسلمين، في عام 1949 (أي بعد عام واحد من اعتراف أمريكا بإسرائيل)، تأسّست إذاعة في أروبا تسمى “راديو أوروبا الحرة”[26]، ومن خلالها، أخذت بنشر وبث المحتويات الكاذبة. المحتوى الذي بثته تلك الإذاعة كان كاذباً لدرجة أنه أصبح جلب هذه المحتويات إلى أمريكا وطباعتها ونشرها، مخالفة للقانون![27] وقد ذكرت مصادر أمريكية مختلفة هذه النقطة[v]. إنهم يتحدثون عن حرية التعبير، ولكن ليس كل مقال وفي أي مكان في أمريكا قابلاً للذكر والنشر؛ مع أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تسجل كافة المحادثات الهاتفية والفاكسات والرسائل الإلكترونية للأمريكيين والأوروبيين والإيرانيين وغيرهم!
في فبراير 2012، وقّع باراك أوباما على مشروع القانون HR 347[28]، والذي بموجبه، أينما يتواجد العملاء السريّون للحكومة الأمريكية، لا يحق لأحد أن يتمتع بحرية التعبير[29]، وإلّا سيتمّ اعتقال ذلك الشخص، وسجنه لأكثر من سنة؛ لأنّهم يعُدّون هذا الأمر مسألة جنائية![30] يشير الأمريكيون إلى ملاحظة مفادها: “هل يوجد هناك مكان لا يتواجد فيه العملاء السريون الأمريكيون؟ يقول بعض الأمريكان: “هناك حرية تعبير في أمريكا، طالما لا يسمع صوتك أحد”! وإلا فإنك ستدفع ثمناً باهظاً لذلك. في الواقع؛ إن أمريكا من خلال قوانينها وحيلها المختلفة، لا تسمح للشعب أن يسمع الحق أو أن ينتفض أو يُسقط النظام الأمريكي الاستبدادي والصهيوني، فمراقبة الناس تتمّ بعناية ودقةٍ فائقة وبشكلٍ غير محسوس. قبل عشر سنوات على الأقل، قال جيمي كارتر، الرئيس السابق للولايات المتحدة: إنني إذا أردت إرسال رسالة إلى شخص ما، أفضّل أن أكتبها وأضعها في ظرف وأضع ختماً عليها وأرسلها عبر البريد؛ لأنني إذا أرسلتها عبر البريد الإلكتروني، فأنا متأكّد من أنهم سوف يقومون بفحصها وقراءتها. تخيل الآن عندما يقرؤون رسائل الرئيس الأمريكي الأسبق، فإلى أي مدى يقع الأشخاص الذين هم ضد النظام الصهيوني في الولايات المتحدة تحت مجهر المنظمات اليهودية الصهيونية، أمريكا والنظام الصهيوني إرهابيان! لا يقتصر الأمر على وكالة الأمن القومي[31]NSA) ) التي تستمع وتراقب جميع المكالمات الهاتفية، ورسائل البريد المصورة، ورسائل البريد الإلكترونية، والرسائل النصية وما إلى ذلك؛ بل الأكثر من كل هذا أن مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI)) ووكالات التجسس الأمريكية الأخرى، يقومون بالبحث حتى في قمامة الأشخاص، فإن وجدوا بين تلك القمامة وثائق يمكنهم استخدامها ضد ذلك الشخص، يعتقلونه، وفي بعض الحالات، يستخدمون تلك المستندات كوسيلة ضغط لإسكات الشخص. فعندما يريدون أن يعمل هذا الشخص معهم كجاسوس أو مخبر، يجبرونه ويبتزونه من خلال استخدام تلك الأوراق التي وجدوها في سلة المهملات ضده. على سبيل المثال؛ كان شخص يدعى سكوت كرو[32] تحت مراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي لمدة 8 سنوات – حتى عندما سافر إلى ولايات أخرى في أمريكا ـ كما أنهم استخدموا جيرانه وأصدقاءه أيضاً كجواسيس عليه. قبل بضع سنوات، اكتشف بطريقة أو بأخرى أنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي قام بتجميع أكثر من 2000 وثيقة ضده، واتهمه بأنه إرهابي محلي (أو إرهابي داخلي). وقد ألّف كتابا تحت عنوان “الأعلام السوداء وطواحين الهواء”[33].


الصورة رقم 9 – صورة سكوت كرو – مؤلف كتاب الأعلام السوداء وطواحين الهواء وصورة من غلاف الكتاب المذكور
لا تنتهي القضايا في أمريكا عند الحالات المذكورة أعلاه؛ بل هناك زوايا لا يمكنك أن تتخيّلها بأي حال من الأحوال حاكمة في أمريكا. على سبيل المثال؛ يعرف الكاتب مواطناً أمريكياً يعيش في أمريكا منذ أكثر من 40 عاماً، درس في أمريكا وولد أبناؤه أيضاً في أمريكا. منذ عدة سنوات، وبسبب خللٍ فني في سيارته، ذهب إلى ميكانيكي، يقول الشخص: “عندما كانت سيارتي على الرافعة كنت أنظر إلى أجزائها المختلفة من تحت السيارة، فلاحظت وجود جهاز داخل الصدام الخلفي للسيارة، متصل ببطارية عن طريق سلك، عرضتها على الميكانيكي فتفاجأ أيضاً. أخذت قاطعة سلك من الميكانيكي وقطعت الموصل، ثم فتحت الجهاز وجلبته إلى البيت. اتصلت بمكتب التحقيقات الفيدرالي وقدمت نفسي لهم. حددوا موعداً معي، والتقيت باثنين من وكلائهم في المكان المقرر. بعد ذلك، أخرجت الجهاز من العبوة ووضعته على الطاولة. قال أحدهم: “كم هو حجيم؟! إنّ أجهزتنا ليست بهذا الحجم، هذا الجهاز ليس لنا.” أجل؛ لقد كان جهازGPS) ) یحدد لهم مكان تواجد الشخص المعني، وموقعه، في أيّ وقت، وفي أيّ مكان، كما كان بإمكانهم استماع المحادثات إلى مدىً معين من محيط تلك السيارة. إنّ عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يكذُب عندما قال إنّ ذلك الجهاز لا يخصّهم، فربما لم يكن لديهم جهاز أصغر وقت تركيبه، ولربما ظنوا أنّه سوف لن يلاحظ وجود ذلك الجهاز. على أيّ حال؛ أخذوا الجهاز معهم وقالوا: سنأخذ هذا الجهاز لنرى من قام بتركيبه. والآن عليكم أن تتصورا هل كان بإمكان هذا الشخص – الذي عاش ودرس في أمريكا منذ أكثر من 40 عاماً وهو مواطن أمريكي، وأبناؤه أيضاً ولدوا في أمريكا، ويعمل في شركة أمريكية – أن يظنّ في يوم من الأيام، أنّ جميع تحركاته وأحاديثه مراقبة عن كثب من قِبل وكالات التجسس الأمريكية؟! بيد أنّ القادة الأمريكيين يتحدثون باستمرار عن الحرية وحرية التعبير. بالطبع؛ أمريكا لديها مشكلة مع الناس، لكن ليس الذين يبحثون عن الشهوات وقضايا الدنيا ولا يفكرون أبدا في جرائم أمريكا، في الحقيقة إنّ النظام الأمريكي يرغب في مثل هؤلاء المواطنين!
- [1]. Paul Craig Roberts
- [2]. Lawrence M. Stratton [3]. البارون هو لقب أرستقراطي في إنجلترا.
- [4]. robber barons
- [5]. مع مقدمة الكتاب.
- [6]. إذا تبادر في ذهنك هذا السؤال: لماذا يقدم هؤلاء ـ الموظفون ـ هذه المعلومات عن أشخاص مختلفين للحكومة الأمريكية؟ يجب أن نقول: إنّ الحكومة الأمريكية تَعدُهم بإنّهم إن زوّدوها بهذه المعلومات، وأدّت هذه المعلومات إلى تمكّن الحكومة من مصادرة مبالغ من ممتلكات الشخص، ستدفع لهم 10% من تلك المبالغ. لذلك خضع الكثير من الأميركيين لهذه القضية وصاروا يؤدّون دور الجواسيس والمخبرين للحكومة. لكن النقطة الجديرة بالاهتمام هي أنه في كثير من الحالات، يتمّ القبض على أشخاص أبرياء من قِبل المسؤولين الحكوميين، ويصعب على الكثير منهم إثبات براءتهم؛ لأنه بحسب وجهة نظر الحكومة الأمريكية والمسؤولين القضائيين، أنهم مذنبون حتى يثبتوا براءتهم، وهذا أمر صعب للغاية؛ لأنه أثناء البحث والتنقيب ومتابعة الموارد المختلفة في حياة الناس، سيصادفون أمراً غير قانونيّ، فيستخدمونه ضد ذلك الشخص (وإن كان ذلك المورد، نسخ صفحات من كتاب أو قرص مضغوط يتضمن غرامة لا تقل عن 10 آلاف دولار أو السجن 6 أشهر أو كليهما). كضباط الشرطة الذين يجوبون شوارع أمريكا وطرقها السريعة باستمرار ليلا ونهارا؛ إنهم يتابعونك لدرجة لا يسمحون حتى لسيارةٍ واحدة أن تعترض بينك وبين سيارة الشرطة؛ وبعد أن ترتكب خطأً يقولون: قف جانباً! ويكتبون لك غرامة، وفي نفس الوقت، يقومون بفحص سجلاتك ومخالفاتك. وإذا لزم الأمر، ينقلونك إلى السجن، وينقلون سيارتك إلى موقف السيارات – باستخدام رافعة ـ. فعلى أيّ حال؛ عندما يقع شخص ما تحت مجهرهم، ويرونه فريسة جيدة لهم، بإمكانهم أن يصنعوا له فخاً ويستخدموه كفريسة، كما تفعل البارونات اللصوص المذكورون في كتاب Tyranny of Good Intentions “طغيان النوايا الحسنة”، الذين نالوا مبالغ ضخمة من المال. والآن؛ إذا كنتم تعتقدون أنّ الشعب الأمريكي في مثل هذا الوضع، يتمتع بالحرية؛ فاطلبوا من الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تخلق لكم مثل هذا الوضع؛ لأن الوضع الذي شاهده المؤلف في أمريكا لا يمكن مقارنته بإيران بأي حال من الأحوال!
- [7]. Dr. Richard Lowe, a medical doctor in the small Alabama town of Haleyville.
- [8]. Willie Jones
- [9] . نموذج آخر؛ هو تصريح الجنرال ويسلي كلارك في حوار أجراه مع دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع الأمريكي آنذاك في عهد جورج بوش الابن) بهذا المضمون: إننا (أي أمريكا) يمكننا أن نهاجم أي بلد نريد).
- [10]. Patriot Act
- [11]. National Defense Authorization Act
- [12] . يعرف المؤلف العديد من الأشخاص الذين كانوا ضد الحكومة الأمريكية، وبعد إطلاق سراحهم من السجون الأمريكية أصيبوا بالسرطان ثم ماتوا. تتخلص أمريكا من أعدائها بطرق شتى، فإنّ دسّ السُمّ من قِبل عملاء أمريكا لمعارضيها، من الجرائم الشائعة في أمريكا. هوغو تشافيز – رئيس فنزويلا ـ الذي وقف وقاوم أمريكا، ولم تستطع أمريكا الإطاحة به حتى من خلال تنفيذ انقلاب عسكري، يرى مؤلف الكتاب إصابته بالسرطان الذي أودى بحياته، أمراً مشكوكا فيه للغاية. كما هو الأمر بالنسبة لإسرائيل وإنجلترا وفرنسا أيضا، الأمر الذي لا يخفى على شعوب العالم.
- [13]. Sedition Act
- [14]. disloyal opinion
- [15]. contemptuous reference
- [16]. In 1918, as the war was winding down, Congress passed the Sedition Act, which mandated a twenty-year prison sentence for any “disloyal” opinion or contemptuous reference to the U.S. government, flag, or Constitution.
- [17]. Edward Joseph Snowden
- [18]. Metadata
- [19]. General Michael Hyden
- [20]. تحت عنوان (The Price of Privacy: Re-evaluationg the NSA) أي: ثمن الخصوصية: إعادة تقييم وكالة الأمن القومي، أي: “قيمة وسعر الشؤون الشخصية والخاصة – إعادة تقييم منظمة الأمن القومي الأمريكية”.
- [21]. Shriver Hall, Johns Hopkins University
- [22]. We kill people based on metadata!
- [23]. أجريت هذه المناظرة في الساعة الثامنة صباحا؛ حيث تحدث الجنرال مايكل هايدن بهذا الأمر في الدقيقة 17. وكان مقدم البرنامج مِیْجِر غريِت Major Garrett من قناة CBS الأمريكية، وهو المسؤول عن هذه الشبكة في البيت الأبيض. والطرف المقابل في هذه المناظرة هو أحد الأساتذة يدعى ديفيد كول David Cole.
- [24]. Ezra Pound
- [25]. Trump Allows Release of Most but Not All Remaining Kennedy Assassination Files
- [26]. Radio Free Europe – The CIA creates its first major propaganda outlet, Radio Free Europe.
- [27]. Its broadcasts are so blatantly false that for a time it is considered illegal to publish transcripts of them in the U.S.
- [28]. Bill HR 347
- [29]. The passage of HR 347 in 2012 made it illegal to protest anywhere the Secret Service is present.
- [30]. Obama Makes Free Speech A Felony!!!
- [31]. NSA/National Security Agency
- [32]. Scott Crow
- [33]. Black Flags and Windmills
- [i] Paul Craig Roberts and Lawrence M. Stratton, Tyranny of Good Intentions: How Prosecutors and Law Enforcements are Trampling the Constitution in the Name of Justice, Three Rivers Press, New York, P. 1.
- [ii] Michael Parenti; Democracy for the Few; Wadsworth, 20 Channel Center Street, Boston, MA, 02210, USA, 9th edition, 2011, P. 22.
- [iii] Michael Parenti; Democracy for the Few; Wadsworth, 20 Channel Center Street, Boston, MA, 02210, USA, 9th edition, 2011, P. 255; also Charles Goodell, Political Prisoners in America, Random House, 1973.
- [iv] NBC News, J.F.K. Assasination Files, Oct. 26, 2017, by Ken Dilanian, Alex Johnson, and Corky Siemaszko, also Alan Yuhas, The Guardian, Oct., 27, 2017.
- [v] Oscar Webb; Journey’s Within; Xlibris Corp.; 2012. And also: Rafal Col; The New World Order: The Evil Exposed! Rafal Col Publishing; 2104.