الهيئة الانتخابية: قلب الديمقراطية النابض في أمريكا!
في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يتم انتخاب جميع المسؤولين من قِبل الشعب؛ بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، لكن في أمريكا، ليس الأمر كما هو في إيران! فعلى سبيل المثال ـ كما ورد في الفصل الخاص باختيار الرؤساء الأمريكيين ـ وفقاً للمادة الثانية من الجزء الأول من الدستور الأمريكي، لم يكن انتخاب الرؤساء الأمريكيين من خلال التصويت المباشر للشعب؛ وبدلا من ذلك، يتم اختيارهم من قِبل أعضاء الهيئة الانتخابية[i]. فلم يكن لكلّ أمريكي صوت واحد لانتخاب رئيس الولايات المتحدة، وليست غالبية أصوات الشعب هي التي تحدد رئيس الولايات المتحدة، إنّما أصوات أعضاء اللجنة الانتخابية (الذين لم يتم انتخابهم من قِبل الشعب)، هي التي تحدد ذلك!وعلى كل حال؛ إنّ هيئة مؤلفة من 538 [1] عضواً تسمى الهيئة الانتخابية (أي الهيئة التي تختار الرئيس)؛ هي التي تنتخب رئيس الولايات المتحدة.وكما أشرنا، إنّه لا يتمّ انتخاب أعضاء الهيئة المذكورة من قِبل الشعب؛ بل ـ على الأقل منذ 160 عاماً الماضية ـ لم يشارك في اختيار أعضاء هذه الهيئة، سوى مسؤولو الحزبين الجمهوري والديمقراطي فحسب. الجدير بالذكر أنّ بعض الأمريكيين يرون أنّ اختيار الرؤساء الأمريكيين من قِبل أعضاء الهيئة الانتخابية يُعَدّ القلب النابض للديمقراطية[2]![ii] وهذا الأمر لم يكن غريبا بالنسبة لنا؛ لأن بعض الأمريكيين والبريطانيين والإسرائيليين كانوا يطلقون على مرتزقهم محمد رضا (ابن رضا خان)، الذي أعطوه مقاليد الحُكم في إيران (بالرغم مِن فتْك السافاك وجرائمه الواسعة النطاق في هذا البلد)، القلب النابض للديمقراطية في إيران! وعلى كل حال؛ ففي بعض الحالات، غالبية الناس كانت تصوّت لصالح شخص ما؛ لكن أعضاء الهيئة الانتخابية لم يوافقوا عليه! ونتيجة لذلك، فإن الشخص الذي حصل على أغلبية أصوات الشعب لم ينتخب رئيساً للولايات المتحدة!يجدر الانتباه ـ هنا ـ إلى مثالين فقط حدثا في السنوات الأخيرة، من أجل تبيين كيفية اختيار أعضاء الهيئة الانتخابية في أمريكا!في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2000 من الميلاد، كانت غالبية أصوات الناس تعود إلى الـ گور[3]. ولكن بسبب تصويت خمسة أعضاء من الهيئة الانتخابية، أُلقيت غالبية أصوات الشعب ـ البالغ عددهم 51 مليونا[4] ـ في المجاري، تحت عنوان “الديمقراطية” المزيّف. وتمّ اختيار جورج بوش (الابن) رئيساً للولايات المتحدة؛ على الرغم من أنه حصل على نسبة أقل من اصوات الشعب!المثال الآخر هو الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، في هذه الانتخابات، كان الخياران الأخيران للحزبين الديمقراطي والجمهوري على التوالي: هيلاري كلينتون[5] ودونالد ترامب[6]. في تلك الانتخابات أيضاً كانت غالبية أصوات الشعب تعود إلى هيلاري كلينتون، لكنّ النظام الصهيوني الأمريكي، وبسبب أصوات 74 عضواً من أعضاء الهيئة الانتخابية، ألقى بأغلبية أصوات الشعب (التي كانت قرابة 66 مليون صوت)[7] في سلة المهملات، بأكاذيب وخداع وحيل المجرمين الفاسدين الأمريكان، وتحت عنوان “الديمقراطية”؛ وأصبح دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة؛ على الرغم من أنه حصل على عددٍ أقل من الأصوات الشعبية في ذلك الكرنفال[8] الانتخابي الشكلي مقارنة بـ أصوات هيلاري كلينتون! [9]وكان على الناس أن يقبلوا ذلك قسراً وبالاجبار[10]؛ لأنهم مُجبَرون على قبول الدستور الأمريكي والخضوع له؛ مع أنّ ذلك الدستور، لم يُكتب من قِبل نواب الشعب، بل عُقدت جلسات صياغة الدستور سرّاً ولم يُطرح للاستفتاء الشعبي![11]الدستور الامریکی ـ الذي لا يحظى بأصوات الشعب الأمريكي ـ لن يمنع تجارة الرقيق[12]![13] هذا الدستور ليس فقط لن يمنع تجارة الرقّ [أي سرقة مواطني القارة الأفريقية، ونقلهم إلى أمريكا تحت عنوان العبيد؛ حيث مات 40٪ منهم أثناء نقلهم إلى أمريكا]؛ بل ـ في الواقع ـ ضَمن هذا العمل الشنيع إلى عشرين عاماً بعد صياغة الدستور؛ أي حتى عام 1808 من الميلاد! بعد ذلك، اُعتبر إلغاء تجارة الرقيق أمراً اختيارياً (وليس إلزامي)[14].[iii] إضافة إلى ذلك ـ واستناداً إلى المادة الرابعة والفقرة الثانية[15] من الدستور الأمريكي ـ والذي تمّت الموافقة عليها بالإجماع، كان يجب القبض على العبيد الذين هربوا من ولايةٍ ما إلى ولايةٍ أخرى، وإعادتهم إلى أصحابهم الأصليين[16].[iv] لماذا؟! لأن كل الرؤساء الأمريكيين من الجنرال جورج واشنطن[17] إلى جيمس ماديسون[18] كان لديهم عبيد.الجنرال جورج واشنطن كان يمتلك ما بين 250 و350 عبداً، وجيمس ماديسون أكثر من مائة عبد. جيمس ماديسون ـ الذي كتب دستور الولايات المتحدة وأصبح فيما بعد الرئيس الرابع للولايات المتحدة ـ يمتلك أكثر من 100 عبد. يقول جيمس ماديسون عن الربح الذي حصل عليه من خلال العبيد: “أنه ينفق 12 إلى 13 دولاراً سنوياً على كل عبد، إلا أنه يكسب 257 دولاراً سنوياً من كل عبد، ومعظم الأراضي كانت ملكاً لهم أيضاً. انتبه إلى هذا المثال أيضاً:في بداية القرن الثامن عشر، أقل من عشرة إلى اثني عشر شخصاً، كانوا یملکون 75٪ من الأراضي في ولاية نيويورك، وحوالي سبعة آلاف كيلومتر مربع من الأراضي الواقعة فی مرکز ولاية فرجينيا كانت ملكاً لسبعة أشخاص[19].[v] ملاك الأراضي الكبار والشركات كانوا يحظون بأرباح طائلة من العبيد الذين يعملون في حقول القطن والتبغ والسكك الحديدية وحفر مناجم الفحم والرخام وأنابيب النفط وما إلى ذلك[20].[vi] وكان هؤلاء ـ أصحاب العبيد ـ هم صنّاع القرار الرئيسيين في النظام الأمريكي!على أي حال؛ وبحسب رأي القادة الأمريكيين على الرغم من عدم طرح نوع الحكومة، والنظام الانتخابي، والدستور الأمريكي للاستفتاء منذ أكثر من 230 عاماً، وتجاهل أصوات الشعب تماماً، وعلى الرغم من أنّ من بين الولايات الثلاث عشرة التي كانت موجودة في ذلك الوقت، وقّع على الدستور 37 شخصاً من 12 ولاية فقط؛ لكن مع ذلك، وبعد مرور 230 عاماً، يجب أن يوافق عليه سكان الخمسين ولاية الأمريكية وأن يخضعوا له! وإذا لم يعجبهم هذا الأمر، يمكنهم مغادرة أمريكا! لكن إذا كان المواطنون أو السكّان الأصليون لدولةٍ أخرى، تبعد عن أمريكا بـ 11 ألف كيلومتر، قاموا بتحديد نوع الحكومة في بلدهم، ووافقوا على دستورهم بناء على أصوات المواطنين الأصليين في ذلك البلد، بنسبة أكثر من 98٪ من الأصوات؛ إذا لم تتمكن أمريكا من امتصاص دمائهم حتى آخر قطرة ـ كما في الماضي ـ ستقوم بتغيير الوضع من خلال شخصية أمثال المجنون “شعبان” القرن الحادي والعشرين الذي نجدهم في بلادنا[21]؛ لأنّهم أخلّوا في استقرار المنطقة وأمنها! وعرّضوا مصالح أمريكا في المنطقة للخطر.
كنّا نمتصّ دماء دول المنطقة والعالم بسهولة حتى آخر قطرة، وننشر الثقافة الهوليودية في العالم، وامتلكنا آخرتهم ودنياهم، وضحينا بهم وذبحناهم واحداً تلوَ الآخر من أجل الشيطان؛ إلا أنّهم الآن يُخلّون بالصلح والسّلام والاستقرار في المنطقة، ويختلفون مع داعش والنصرة الذين أوجدناهم نحن، لإعادة الصلح والسّلام والاستقرار إلى المنطقة!
- .[1] عدد أعضاء هذه اللجنة يساوي إجمالي عدد أعضاء مجلسي؛ الشيوخ الأمريكي وممثلي الولايات المتحدة، الذي يبلغ عددهم حالياً 538 شخصاً.
- [2]. The very heart of our democracy, the electoral process
- [3]. Al Gore.
- [4]. وكان العدد الدقيق لأغلبية أصوات الشعب 103 أصواتٍ أقل من 51 مليون صوت.
- [5]. Hillary Clinton.
- [6]. Donald Trump.
- [7]. كان العدد الدقيق لأغلبية أصوات الشعب 65844954 صوتاً (أي 48.2٪ من إجمالي الأصوات) التي فازت بها هيلاري كلينتون. كما بلغ عدد أصوات أعضاء الهيئة الانتخابية لهيلاري كلينتون 232 صوتاً.
- [8]. Carnival.
- [9]. بلغ عدد أصوات دونالد ترامب 62.979.879 صوتاً (46.1٪ من إجمالي الأصوات) ؛ يعني ما يقارب من ثلاثة ملايين صوت أقل من أصوات هيلاري كلينتون! وبلغت أصوات أعضاء الهيئة الانتخابية لدونالد ترامب 306 أصوات؛ أي: كان الفارق بين الأصوات الانتخابية لدونالد ترامب وهيلاري كلينتون 74 صوتاً.
- [10]. بالطبع؛ لكل من دونالد ترامب وهيلاري كلينتون علاقة وثيقة مع الصهاينة وإسرائيل، فإن صهر دونالد ترامب صهيوني، وكذلك صهر كلينتون. ابنة دونالد ترامب إيفانكا (Ivanka)، متزوجة من جاريد كوشنر(Jared Kushner)، وقد ورد في تقرير الصهاينة الإسرائيليين أنهم يربون أطفالهم تربية اليهود. كذلك ابنة كلينتون، تشيلسي (Chelsea)، متزوجة من صهيوني يدعى مارك ميزفينسكي (Marc Mezvinsky). أقرب أصدقاء وشركاء دونالد ترامب من الصهاينة أيضاً، بمن فيهم مايكل كوهين (Michael Cohen)، وهو المساعد التنفيذي لدونالد ترامب في المنظمات والمؤسسات اليهودية.
- بيل كلينتون وزوجته هيلاري كلينتون لديهم نفس الوضع وربما أسوأ، فحاييم سابان (Haim Saban) الناشط الصهيوني الإسرائيلي كان أحد المتبرعين والداعمين الرئيسيين لهيلاري كلينتون في تلك الجولة الانتخابية. ومارتن إنديك (Martin Indyk)، الذي كتبنا عنه وعن جون كيري في فصلٍ آخر من هذا الكتاب، هو أيضاً من أصدقاء هيلاري كلينتون المقربين وأحد مستشاريها الرئيسيين.
- [11]. جيمس ماديسون James Madison)) هو الذي كتب الدستور الأمريكي، وفي 17 سبتمبر 1787 (أي منذ أكثر من 230 عاماً) وقّع عليه 37 من مالكي العبيد وأصحاب الأراضي والقادة العسكريين.
- [12]. تجارة العبيد (الرقيق) في أمريكا تعني سرقة أبناء القارة الأفريقية ونقلهم إلى أمريكا كعبيد! خلال هذه الرحلات الصعبة، مات أربعون في المائة من السود الأفارقة.
- [13]. The Constitution never abolished the slave trade.
- [14]. The Constitution never abolished the slave trade. Indeed, the importation of slaves was explicitly guaranteed for another twenty years until 1808, after which there would be the option—but no requirement—that it be abolished.
- [15]. Article IV, Section 2.
- [16]. Slaves who escaped from one state to another had to be delivered up to the original owner upon claim, a provision (Article IV, Section 2) that was unanimously adopted at the Convention.
- [17]. كان رئيس “جمعية فيلادلفيا” أو “هيئة صياغة الدستور”.
- [18]. كتب نص دستور الولايات المتحدة، وانتُخب فيما بعد الرئيس الرابع للولايات المتحدة.
- [19]. By 1700, three-fourths of the acreage in New York belonged to fewer than a dozen persons. In the interior of Virginia, seven individuals owned over 1.7 million acres.
- [20]. Large landowners and corporations profited greatly from slave labor. Slaves were used to lay railroads, construct oil lines, harvest tobacco and cotton, and dig for coal, salt, and marble.
- [21]. بعد رحيل أنور السادات، حَكم حسني مبارك مصر من عام 1981 إلى 2011، وزعم أنّ أكثر من 99٪ من الشعب المصري صوتوا له. بعد 30 عاماً مِن حكم حسني مبارك، رتب الشعب المصري ثورة في عام 2011 وأطاح بحسني مبارك. في 19 مارس 2011، أثناء حكم المجلس العسكري، صوت 77٪ من الشعب المصري لصالح تعديل تسع مواد من الدستور المصري، وفي عام 2012، انتخب المصريون محمد مرسي رئيساً لمصر بحوالي 64٪ من الأصوات. لم يعارض محمد مرسي سياسات أمريكا وإسرائيل؛ بل إنه كتب رسالة إلى شمعون بيريز الملعون، وفي تلك الرسالة خاطب شمعون بيريز “أخي العزيز”!
- وبما أنّ أمريكا وأسيادها؛ أي الصهاينة وإسرائيل، لا يلتفتان إلى آراء وأصوات الشعب المصري، في عام 2013 ، ومن خلال انقلاب عسكري، اعتقلوا محمد مرسي، وأرسلوه إلى السجن، ووضعوا عبداً باسم عبد الفتاح السيسي في الحكم؛ لكي تحكم المحكمة بالإفراج عن حسني مبارك أولًا، وثانياً: يطمئنوا من تطبيق السياسات الصهيونية في مصر مائة بالمائة.
- ومن المناسب أن يسأل الشعب المصري لماذا لا يستمر تصويتنا ورأينا الذي لم يمر عليه سوى عام أو عامين؟ ولماذا تحلّونه بسهولة وتدوسون عليه! في حين يبقى تصويت 39 بلطجياً ينتمون إلى منظمات الماسونية الذين وقعوا على مادة تسمى دستور الولايات المتحدة منذ قبل 230 عاماً، ولا يزال سارياً في أمريكا؛ وإن كان الشعب الأمريكي يخالفه ولم يوافق عليه!
- [i]. Parenti, Michael, Democracy for the Few, Wadsworth, Boston, 9th edition, 2011, P. 222.
- [ii]. Schultz, David; Election Law and Democratic Theory (Election Law, Politics, and Theory); Routledge, New York, 2016, p. 267.
- [iii]. Parenti, Michael, Democracy for the Few, Wadsworth, Boston, 9th edition, 2011, P.. 10.
- [iv]. Parenti, Michael, Ibid.
- [v]. Parenti, Michael, Ibid, P. 5.
- [vi]. Parenti, Michael, Ibid, P.18.