Site icon دار الوفاء للثقافة والإعلام

هيهات منا الذلة

لم يبق مع الحسين حين وصوله كربلاء سوى تلك الصفوة الخالصة الصافية من هذه الأمة وعددها اثنان وسبعون رجلاً إضافة إلى أهل بيته والنساء والأطفال. ضاق الخناق والمفاوضات ووصلت لطريق مسدود، المطلوب أن يتسلم الحسين أو أن يقاتل حتى الموت، فماذا كان جوابه (ع)؟: «إِنَّ اَلدَّعِيَّ اِبْنَ اَلدَّعِيِّ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اِثْنَتَيْنِ بَيْنَ اَلسَّلَّةِ وَاَلذِّلَّةِ وَهَيْهَاتَ مِنَّا اَلذِّلَّةُ»[1]. أي: أن ابن زياد جعلنا بين خيارين إما الحرب وإما الاستسلام، ويستحيل على صاحب النعمة الربانية والأمانة الإلهية أن يذل نفسه فهو إذلال لدينه وخيانة للأمانة الإلهية والعهد الرباني. بل وأكثر من هذا إن الحسين لا يخشى الموت، بل يراه سعادة وفوزًا في سبيل الله بينما العيش في كنف الشيطان وحزبه ذلك هو الخسران المبين. «إِنِّي لاَ أَرَى اَلْمَوْتَ إِلاَّ سَعَادَةً وَاَلْحَيَاةَ مَعَ اَلظَّالِمِينَ إِلاَّ بَرَماً»[2].

بدأ الزحف نحو مخيم الحسين (ع) عصر يوم الخميس التاسع من المحرم، وكانت العمليات العسكرية الأخيرة التي تسبق المعركة الكبرى لتأكيد إصرار العدو على موقفه وإخضاع إرادة الحسين وكسر عزيمته عندما يرى الجيش الزاحف وهو يرفع كفه للسماء، الحسين لا يرى إلا الله، وهو يقول:

«اَللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ، وَرَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وَ عُدَّةٌ، كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ اَلْفُؤَادُ وَ تَقِلُّ فِيهِ اَلْحِيلَةُ، وَيَخْذُلُ فِيهِ اَلصَّدِيقُ وَيَشْمَتُ فِيهِ اَلْعَدُوُّ، أَنْزَلْتُهُ بِكَ وَشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ، رَغْبَةً مِنِّي عَمَّنْ سِوَاكَ، فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفْتَهُ، فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ وَمُنْتَهَى كُلِّ رَغْبَةٍ»[3]. إنه الحسين الذي حدّد هدفه بوضوح ولم يتغير الأمر لديه بأن يكون عنده أنصار أم لا، فهو عندما نزل أرض كربلاء وجه صرخته المدوية قائلاً: «قَدْ نَزَلَ مِنَ اَلْأَمْرِ مَا قَدْ تَرَوْنَ وَإِنَّ اَلدُّنْيَا تَغَيَّرَتْ وَتَنَكَّرَتْ وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ اَلْإِنَاءِ وَخَسِيسُ عَيْشٍ كَالْمَرْعَى اَلْوَبِيلِ أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى اَلْحَقِّ لاَ يُعْمَلُ بِهِ وَإِلَى اَلْبَاطِلِ لاَ يُتَنَاهَى عَنْهُ لِيَرْغَبِ اَلْمُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ رَبِّهِ حَقّاً»[4] فلا خير في حياة في ظل الباطل، والخير كله في طلب الحق والتضحية من أجله.


[1]– اللهوف في قتلى الطفوف، السيد بن طاووس، جزء 1، صفحة 95

[2]– مثير الأحزان، المجلد الأول، صفحة 44

[3]– وقعة الطف، المجلد الأول، صفحة 205

[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 44، صفحة 363

Exit mobile version