الهجرة الحسينية الشريفة
على سنة جده المصطفى في بدء الفتح العظيم من خلال الهجرة، ولكن هذه المرة كانت بشكل معاكس، فقد هاجر النبي (ص) من مكة إلى المدينة وها هو الحسين يرجع من المدينة لمكة وكأنه يقول لقد انطلق جدي من مكة برسالة الإسلام وهي الآن تكاد تندرس وتضيع لترجع إلى المربع الأول ومن مكة المحمدية تبدأ الثورة لإعادة إصلاح الدين من جديد!! أخبر الحسين أهل بيته وشيعته بالمدينة بعزمه على الخروج من المدينة متوجهًا نحو مكة وغرضه القيام على هذه الطغمة الحاكمة، فجاءه العديد من الأشخاص المقربين يناصحون إما بعدم الخروج لخطورة الوضع عليه وإما أن يتوجه إلى مكان آخر غير مكة ويدعو من هناك الناس إلى بيعته.
ولكن بصيرة الحسين كانت ترى شيئًا آخر لا يراه بقية الناس حتى المقربين منهم وهو (ع) يؤسس لوضع جديد وقواعد للتعامل مع الحكم الظالم المستبد بوجوب الثورة، وأعطى لهذه الثورة شرعية باقية ما بقي الظلم والجور، وأن الخطر الأكبر هو قبول ذلك الظلم والتبرير له.
إن نهوض الحسين ضد يزيد ليس منازعة على سلطة، وبحسب تعبير سماحة السيد القائد: «لا نخلط بين الهدف والنتيجة، فهدف الحسين هو أداء التكليف الشرعي، والنتيجة المتحققة من ذلك إقامة حكم الله، ولا يتم ذلك الحكم إلا بوسيلة لبسط اليد على السلطة، ولكن الحسين كان سينهض سواء كان معه أحد أو لا أحد، فهو معني بهدفه وهو أداء التكليف الشرعي، وأما تحقق النتائج فهو مرتهن بالأسباب الواقعية»[1].
ومن الشخصيات التي ناصحت الحسين في مسألة خروجه أخوه محمد بن الحنفية الذي قاس الأمر على المعطيات الميدانية والسياسية بأن اقترح خروج الحسين إلى بلاد يقدر على التحصن فيها والامتناع على السلطة ويدعو من هناك إلى البيعة لنفسه، وحذره من الذهب لمكة أو لأهل العراق.
ومع ذلك فالحسين المشفق وبكل سكينة يخاطب أخاه: «يا أخي قد نصحت وأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديدًا»[2] كما ناصحه آخرون كأم سلمة زوجة النبي (ص) وابن عمر. اصطحب الحسين معه في رحلته أهل بيته وإخوته رجالاً ونساءً، وكان يوم خروجه من المدينة على الناس كيوم وفاة رسول الله، ومضى في طريقه نحو مكة واتخذ الطريق الأعظم الذي يسلكه الناس نهارًا جهارًا ومعلنًا رأيه دون وجلٍ من سلطة ليعلم الناس جميعًا بأن الحسين خارج على سلطة بني أمية الظالمة، وأن واجب الأمة هو إسقاط هذا النظام الفاسد بكل هيئاته ورموزه، خرج الحسين خائفًا على الدين من أن يندرس ويضيع لذا تجده وهو خارج من المدينة يكرر الآية الكريمة: <فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ>[3] على سنة نبي الله موسى عندما خرج من أرض فرعون الظالم خائفًا على دينه وعقيدته، وكان خروجه من المدينة بتاريخ السابع والعشرين من رجب سنة 60 هـ المصادف ليلة الأحد.
[1]– النقل بالمضمون
[2]– وقعة الطف، المجلد الأول، صفحة 83
[3]– القصص: 21