الحسين والمجتمع
ساهم الرسول الأكرم (ص) في إيداع حب الحسين في نفوس أبناء الأمة واعتبر حب الحسين عبادة ومحط رضا الله «أحبَّ الله من أحبَّ حسينًا»[1]، كما مارس الحسين التفاعل الاجتماعي مع محيطه واهتمامه به، فمنذ صغر سنه يتفاعل مع موقف الأسير والمسكين واليتيم كما تحكيه لنا سورة الإنسان، وينطلق من هذه الأجواء التربوية إلى آفاق أوسع في متابعة الأمة وقضاء حوائجها وتلبية نداء التكليف الشرعي لأهل البيت كتعليمه لذلك الرجل الوضوء ثم مشاركة والده أمير المؤمنين في متابعة قضية الثورة على عثمان وبعدها المشاركة في حروب أمير المؤمنين. وكان الإمام الحسين يحرص على التواصل مع القبائل واهتمامه بالمجتمع وأحواله والسؤال عن أقوامهم خصوصًا الشباب، ومثال ذلك لما أتاه يومًا جُعيد الهمداني بادره الإمام بالسؤال: «أخبرني عن شباب العرب»[2] فأخبره، وكان الإمام الحسين يولي اهتمامًا بالشباب وفئة اليافعين لأنهم ركيزة الإسلام البشرية التي ستحفظ الدين إذا حفظناهم وأعطوا الرعاية الكافية، فإذا ضاعوا ضاعت الأمة ومستقبلها؛ لأنهم سيقودون دفة الإسلام يومًا ما. ومنها لما جاوره أناس من أنطاكيا في الشام سألهم عن سيرة أميرهم فيهم وأوضاعهم السياسية والمعيشية.
إذًا الأمة كانت تجد في الحسين الحضن الدافئ والملجأ، وهناك حب خاص متأصل في وجدانها تجاه الحسين امتدَّ على مرّ الزمان، وهو الخط العام في الإسلام ويمثل وجدان الأمة الحقيقي وشعور غالبية المسلمين، وهذا لا ينافي واقع التقصير في الأمة تجاه الحسين وما ترتب عليه في كربلاء.
ويمكن إضافة شيء في علاقة الحسين بالمجتمع هو رحلاته للحج تلك الفريضة الاجتماعية والتي مكّنت الحسين من التواصل مع شرائح واسعة من المجتمع، فحتى لمّا أراد النهوض بثورته المباركة كانت الانطلاقة من مكة، وهو موسم الحج، مكان المنبر الإعلامي واللقاء العام؛ ليطرح الحسين رؤاه للأمة وتشخيص واقعها، وتبرز تلك العلاقة بين الأمة والحسين في ذلك الموسم من كل عام، حيث نلمس ذلك في رواية بشر وبشير ابني غالب الأسديين الذين رووا لنا دعاء عرفة الجانب العاطفي والروحي عندما يأتي الحسين لعرفة ويجتمع الناس حوله يحجون بحجه ويبتهلون الله بابتهاله ويبكون لبكائه خشية من الله وتضرعًا.
لقد أسس الحسين منظومة متكاملة من العلاقة الروحية بينه وبين الأمة لها أبعاد عقائدية وعبادية وسياسية وتربوية، وأكرر هنا بأن خذلان الأمة وتقصيرها مع الحسين في ساعة العسرة لا يعني عدم وجود تلك الرابطة. وشاهد ذلك ثورة التوابين بعد استشهاد الحسين (ع) الدامي مثّل صعقة لوجدان الأمة وضميرها، وهي إحدى ثورات العشق بعد تقصيرهم في تلبية نداء الحسين، وعمومًا من يعصي الله سبحانه وتعالى لا يعني أنه لا يحب الله جل وعلا ولكن غلبة الاعتبارات الأخرى والغفلة عن الحق تجعل الكثير ينحازون لخيارات صنم النفس، لذا قالها الحسين (ع) صرخة ليوقظ ضمير الأمة: «الناس عبيد الدنيا والدين لعقٌ على ألسنتهم، يدورونه ما درّت معايشهم، فإذا ما مُحّصوا بالبلاء قلّ الديانون»[3].
[1]– بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 43، صفحة 271
[2]– تاج العروس من جواهر القاموس، مرتضى الزبيدي، جزء 13، صفحة 63
[3]– بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 44، صفحة 383
تعليق واحد