شرح المقطع الثاني – بريطانيا
عند مراجعة الكتب التاريخية الأمريكية، يمكن ذكر العديد من المطالب الواسعة والمتنوعة حول أعمال البريطانيين وظلمهم والجرائم التي ارتكبوها في المستعمرات الأمريكية التي كانوا يسكنون فيها، سواء أكانت بحقّ السكان الأصليين لأمريكا، أم كانت بحقّ عامة الناس الذين من ضمنهم المسيحيون بمختلف طوائفهم (كالكاثوليك، أو الكويكرز Quakers) أو أتباع الأديان الأخرى، والعبيد السود. وباختصار: فقد وضع المستعمرون البريطانيون في عام 1661م قانونًا بعنوان “قانون العربة والسوط”[1]، وكانوا يعرّون القسم العلوي من أجساد النساء الكوكيرز، أي بدءًا من الخاصرة ، ويجلدونهن، وتنفيذ هذا الأمر لم يكن محصورًا في مستعمرات البريطانيين في أمريكا، فقد ارتُكِبت تلك الجرائم في بريطانيا أيضًا، وذكرته المصادر البريطانية المختلفة، حتى إنّ سيدة بريطانية تكلّمت عن هذا الموضوع في رسالة الدكتوراه التي كتبتها في اختصاص التاريخ في جامعة واريك[2] البريطانية في عام 2014م، وقد قرأ الكاتب رسالتها. وإنّ البعض يظنّون – ويا للأسف الشديد! – أنّ من المستحيل ارتكاب تلك الجرائم في تاريخ البريطانيين، ولم تحدث مثل تلك الأمور، وعندما نُشير إلى رسالة الدكتوراه المذكورة، يدّعون أنّها مختلقة وقد تمّ تأليفها إزاء الحصول على مبلغٍ من المال، وعندما نذكرُ أنّها كانت في جامعة واريك البريطانية، وأنّها قد نوقِشت، يقولون: إنّها جامعة غير معروفة، وعندما نُذكرهم بأنّ تلك الجامعة كانت في المرتبة الحادية والتسعين عالمياً عام 2018م، وأنّها كانت تأمل في عام 2019م أن تحصل على المرتبة التاسعة والسبعين[3]، يقولون عندها: إنّهم يعترفون بالجامعات التي تحتل المرتبة الأولى إلى الخامسة فقط. فبماذا سنُجيبهم حينها؟! على كلِّ حال، كانوا في بعض الموارد يُعرّون النساء، ويجلدوهنّ بالسياط وهنّ يحملن أطفالهنّ[4]، أو يُعرّونهنّ عن جميع ما يرتدين في البرد القارص، ويقطعن مسافة طويلة وهنّ مرتديات أحذية فقط ليصلن إلى منازلهنّ، وكن يمرضن بسبب هذه المعاملة الوحشية[5]، ويمتن[6].
جميع هذه الجرائم تمّ تنفيذها تحت عنوان “حرية التعبير” و”حرية العقيدة”، وقد ملأت شعارات الغرب الكاذبة هذه أسماع الدنيا، وقد وقع العديد من الأفراد الجهلة – ويا للأسف الشديد! – ضحية لذلك الكلام المعسول.
تنفيذ قانون “العربة والسوط”، صورة لمسيحي من أتباع الكوكرز ربطوه بعربة ويجلدونه بالسوط، ليتمّ تنفيذ مدّعى الغرب “حرية العقيدة والبيان” بحقّه، وليسير أبناء البريطانيين في أمريكا على نهج أمّهم في أمريكا ويُكملوا طريقها وسياساتها! هذه الصورة مأخوذة من كتاب This is America My Country أي هذا وطني أمريكا[7].
صورة لثلاثة نساء مسيحيات من أتباع الكويكرز، تم تقييدهنّ خلف عربة ليُنقلن من مدينة إلى أخرى، ويُضربن بالسياط في كل مدينة، ليتم تنفيذ حرية الفكر والبيان، والدفاع عن حقوق البشر والديموقراطية التي يدّعيها الغرب، بحقهنّ. |
كانوا لا يكتفون بحرق كتابات الكويكرز ووثقائهم، بل كانوا يُعرّونهم أيضًا ويضربونهم بالسياط (يُعرّون النساء بدءًا من الخاصرة، ويربطونهنّ بعربةٍ، ثمّ يجولون بهنّ المدن، ويضربونهنّ بالسياط في كلّ مدينة، حتى تسيل الدماء من رقابهنّ وصدورهنّ العارية. (وفي بعض الموارد كان المسؤولون يأمرون بجلد النساء حتى يسيل الدم من أجسامهنّ العارية[8].[9]وقد نقلت العديد من المصادر هذا الأمر[10]). (وفي بعض الموارد في بريطانيا – كمبريج مثلًا – كانوا يربطونهم على عمود يُطلق عليه اسم “عمود الجلد”[11]، ثمّ يجلدونهم بسياط متشعّبة وفي طرف كل شعبة منها تُعقد ثلاث عقد[12] حتى تكون أكثر إيلامًا)[13]، كما كانوا يشقّون فتحات أنوفهم، ويسجنوهم. (كنموذج على ذلك: امرأة من مسيحيي الكويكرز تُدعى إليزابيث هوتن[14] في بريطانيا، كان لديها سبعة أولاد، وكان عمرها 47 سنةً، سُجنت أول مرة لمدة 16 شهراً، وسُجنت في المرة الثانية لمدة 6 أشهر، وفي المرة الثالثة لمدة 3 أشهر، ثمّ غادرت بريطانيا وذهبت إلى أمريكا، لكن أُلقي القبض عليها هناك وأُعيدت إلى بريطانيا، وعندما كانت في 65 من العمر ذهبت إلى نيو إنجلاند[15]، وذاقت هناك الكثير من الآلام، وفي نهاية المطاف ذهبت إلى جامايكا، وتوفِّيت وهي في 73 من عمرها[16]). كما كانوا يقطعون آذان بعض المساجين، ويمنعون عنهم الطعام أيامًا حتى يقتربوا من حافّة الموت، أو كانوا يطبعون على وجوههم أو أكتافهم اليسرى أو أيديهم حرف H بالصرب الحامي[17]، وكانوا أيضًا يثقبون ألسنتهم، ويطردونهم، وينهبون أموالهم و …إلخ، وحتى كانوا يعدمون نساءهم في بعض الحالات. وإنّ الموارد المذكورة هي جزء صغير من جرائم الدواعش بربطات عنق في بريطانيا وعلى الأراضي الأمريكية.
صور لجون إندكوت محافظ ولاية ماساشوسيت، ونقل السيدة ميري داير إلى مكان الإعدام يُرافقها بعض العسكريين والطبالين.
في هذه الصورة تظهر السيدة ميري داير بينما يرافقها بعض العسكريين إلى مكان الإعدام، وبعض الأشخاص يضربون الطبول. |
ورد في الكتابات المتبقية من مسيحيي الكويكرز ما يلي: يا له من جيل مُراءٍ يحكمون على الآخرين وهم أنفسهم مذنبون[18]! وفق القانون الذي أقرّوه، كان على كلِّ شخصٍ من مسيحيي الكويكرز لا يُشارك في مراسمهم الدينية أن يدفع 5 شيلينغات بدل كلّ يوم، ويُغرم بمبلغ 40 شيلينغاً، وعليه أن يدفع 50 شيلينغاً للاجتماع والدعاء مجدّدًا[19].[20] وتُعدّ هذه الغرامات والمبالغ طائلة![21]حتى إنّهم كتبوا رسالة إلى ملك بريطانيا، وطلبوا منه أن يرحمهم، وكانوا يُطلقون على قتلاهم لقب شهداء[22]، وكان بعض المعدومين يصرخون قبل إعدامهم ويهتفون بعقائدهم الدينية، لكنّ الأشخاص الذين كانوا يُطلقون على أنفسهم اسم “بيورتين” (هو فرع من المسيحيين البروتستانت) – وكان جون اندكوت من مؤسّسي هذا الفرع في ولاية ماساشوسيت – يقولون: إنّ الكويكرز ليسوا سوى سحرة لا يؤمنون بالتعميد وغيرها من طقوس، لهذا يجب أن يعاقبوا بشدّة، وحتى يجب أن يُعدموا في بعض الموارد. الأمر الجدير بالذكر أنّ هؤلاء المسيحيين الذين كانوا يتعاملون بهذه الطريقة مع الكويكرز كانوا يؤمنون بالتثليث، ويعتبرون أنّ المسيح هو ابن الله، لكن كانوا يعتبرون مسيحيي الكويكرز أتباع الشيطان[23].
قُبِض على ربّان السفن التي أحضرت مسيحيي الكويكرز إلى أمريكا، وغُرّم بمبلغ 100 باوند، وحُبس في السجن، وكذلك كان هذا مصير الأفراد الذين يحمون مسيحيي الكويكرز ويوفّرون لهم مكانًا ولو لساعات، فكان عليهم دفع غرامة بدل كلِّ ساعة. كان جون اندكوت[24] محافظ ولاية ماساشوسيت لمدة 15 سنة، وقد أمر خلال مدة حكمه بإعدام أربعة رجال من مسيحيي الكوكيرز وامرأة تُدعى ميري داير[25]وذلك في الأول من حزيران 1660م.
صورة السيدة ميري داير قبل لحظات من إعدامها، وعندما كان حبل المشنقة حول رقبتها، كانت الفرقة الموسيقية تعزف الألحان وتقرع الطبول. |
من الجدير ذكره أنّ العديد من المطالب المذكورة لم تُنقل في المصادر الأمريكية فحسب، بل نقلت بعضها الكتب الدرسية التاريخية المعتبرة في أميركا (وهي تسعى دائمًا إلى تحسين صورة أمريكا البشعة) التي تُدرّس في الجامعات المختلفة، وقد ذكرت تلك المصادر أنّ السيدة ميري داير لم تكن تعلم بحكم إعدامها إلى أن علّقوا حبل المشنقة على رقبتها، وفي ذلك اليوم جرى إعدام شخصين آخرين تظهر أقدامهما في الصور أعلاه. وقد أوردنا في الهامش ما ورد في المصادر الإنجليزية عن الموضوعات المذكورة[26]. وللاطلاع أكثر على الجرائم والجنايات التي ارتُكبت بحقّ مسيحيين الكويكرز وغيرهم يمكن الرجوع إلى الكتب التي استندنا إليها وقد وردت أسماؤها في الهوامش[27].
يشهد التاريخ بأنّ النظام الملكي البريطاني وأعوانه في الأراضي الأمريكية، لم يكونوا على استعداد حتى لسماع اعتقادات مسيحيي الكويكرز، وكانوا يثقبون ألسنة النساء والرجال المسيحيين الكويكرز بالحديد الحامي، حتى يمنعوهم من الكلام، وحتى يصعب فهم كلامهم، وقد خلقوا بأفعالهم تلك اتجاهات مشابهة لها في البلدان الإسلامية – كالبهائية والوهابية – وروّجوا لها حتى يوجّهوا للإسلام ضربات قاسية ما زالت تبعاتها مستمرة إلى يومنا هذا!
إنّ الموارد المذكورة عن تعذيب مسيحيي الكويكرز وقتلهم هي جزء من جرائم البريطانيين الداعشية، وإحدى الموارد التي يذكرها أبناء انجلترا عمّا ارتكبته أمُّهم – بريطانيا – هي استعمال القطران الحامي[28] والريش، وحقيقةً إنّ هذا النوع من التعذيب لم يكن خاصًا ببريطانيا، وقد نفّذته بعض البلدان الأوروبية أيضًا[29].[30] وفي طريقة التعذيب هذه كانوا يسكبون القطران الساخن على جسد الضحية، ثمّ يرشّون الريش عليه حتى يلتصق بالقطران، يقول الأمريكان: إنّ في تطبيق قوانين القمع (وكان بعض الأفراد يعتبرها مجحفة ولا تحتمل)[31] التي شرّعها البرلمان البريطاني في عام 1774، كان البريطانيون يطبّقون هذا النوع من التعذيب لتطبيق تلك القوانين في المستعمرات البريطانية[32].[33]
صورة لسكب القطران الحامي على رأس أحد البريطانيين وجسده، ورشّ الريش عليه، وذلك في المستعمرات البريطانية في أمريكا. (في بعض الحالات كانوا يرمونهم على الريش بدل رشِّ الريش عليهم).
- [1]The Cart and Whip Act.
- [2]Warwick.
- [3]The World University Ranking.
- [4]Naomi Pullin, Female Friends and the Making of Transatlantic Quakerism, 1650-1750, Cambridge University Press, 2018, Pp. 222 – 223. And also, Phyllis Mack, Visionary Women: Ecstatic Prophecy in Seventeenth-Century England, University of California Press, Los Angles, California, 1995, P. 132.
- [5]brutal treatment.
- [6]Naomi Pullin, Female Friends and the Making of Transatlantic Quakerism, 1650-1750, Cambridge University Press, 2018, P. 76.
- [7]Donald H. Sheehan, This is America My Country, Veteran’s Historical Book Services Inc., USA, 1952, P. 76.
- [8]The mayor of the city [Cambridge] ordered that she and her woman companion be stripped to the waist and “whipped at the market cross till the blood ran down their bodies.”
- [9]E. Digby Baltz ell, Puritan Boston and Quaker Philadelphia, Transaction Publishers, Brunswick, New Jersey, U.S.A.,7th edition, 2007, P. 86.
- [10]Peter Bowler, The True Believers: Oddities and Curiosities of Religious Faith, 1986, P. 88; Perspectives, 1991, Volumes 6-8, P. 19; A Faith to Live by, 1962, P. 44; Lucy Violet Hodgkin, A Book of Quaker Saints, 1949, P. 181; The Friend, Volume 14, 1841, P. 6; Edward T. James, Janet Wilson James, Paul S. Boyer, Notable American Women, 1607-1950: A Biographical Dictionary, 1971, P. 623; McClure’s Magazine, Volume 1, 1893, P. 749.
- [11]Whipping-post.
- [12]Three-stringed whip, with three knots at the end.
- [13]E. Digby Baltzell, Puritan Boston and Quaker Philadelphia, Transaction Publishers, Brunswick, NewJersey, U.S.A.,7th edition, 2007, P. 86.
- [14]Elizabeth Hooten.
- [15]New England.
- [16]E. Digby Baltzell, Puritan Boston and Quaker Philadelphia, Transaction Publishers, Brunswick, NewJersey, U.S.A.,7th edition, 2007, Pp. 85-86.
- [17] يبدو أنّهم كانوا يطبعون حرف H إشارة إلى كلمة heretic التي تعني زنديق؛ لكي يميزوا هؤلاء الأفراد عن غيرهم.
- [18]Oh Hypocritical generation! who are Condemning of others for that whereof themselves are guilty; …
- [19]Every man to pay 5 s. per day, who come not to their Assembly, and imposing fines of 40 s. and 50 s. a piece on such as meet together to Worship the Lord ….
- [20]Edward Burrough (Society of Friends); A Declaration of the Sad and Great Persecution and Martyrdom of the People of God, called Quakers, in New-England, for the Worshipping of God (1661); University of Nebraska – Lincoln; P. 6.
- [21]فكل 20 شيلينغاً يعادل باوندًا واحدًا (أي أنّ 5 شيلينغات تُعاد ربع الباوند). وهذه القوانين تعود إلى عام 1660م، لاحظوا الأسعار في تلك السنوات! ففي عام 1759 كان الراتب السنوي لمدير مدرسة في منطقة كارولاين في ولاية فرجينيا 60 باوندًا، وسعر المسدسين 3 باوندات و 15 شيلينغاً، وسعر سرج الحصان باوندين، ولذلك كانت الغرامات المفروضة على مسيحيي الكويكرز تُعد طائلة وكثيرة.
- [22]Martyr.
- [23]The minions of Satan.
- [24]John Endecott.
- [25]Mary Dyer.
- [26]Quakers were repeatedly stripped and whipped; the ears of the men were cut off. In 1661 the Cart and Whip Act decreed that all Quakers, men and especially women, were to be stripped, tied to a cart’s tail, branded on the left shoulder, and then whipped through every town until they had reached the borders of the colony. … man or woman, to have their tongues bored through, with a red-hot iron… Four Quaker women were ordered to be stripped to the waist, tied to a cart’s tail and conveyed “from constable to constable,” through twelve New England towns, and to be whipped in every town. The women were flogged so terribly that the blood coursed down their naked backs and breasts,… Some were branded in the face and “burned very keep with a red-hot iron with H. for heresies.” Others had their ears cut off, faces scarred and nostrils slit open in a saturnalia of sadistic punishment.
- [27]Lucius Manlius Sargent; Dealings with the Dead: by a Sexton of the Old School; Volume 1; Dutton and Wentworth; Boston, 1856; P. 227; and also: David Hackett Fischer; Albion’s Seed: Four British Folkways in America; Oxford University Press, Inc., 198 Madison Avenue, New York, New York 10016; 1989 Oxford; P. 194; and William Greenough Schofield; Freedom by the Bay: the Boston Freedom Trail; 1974; P. 43; and Joseph Besse; A Collection of the Sufferings of the People Called Quakers: For the Testimony of a Good Conscience; Volume 2; Luke Hinde, London, Lombard Street; 1753; P. 239; and etc.
- [28]hot tar.
- [29]Tar and feathering started in Europe. / It was also used for a form of physically and emotionally painful public humiliation called tarring and feathering
- [30]Urenna Sander, True Season of Love, 2009, P. 248. Also, Brad Thor, Hidden Order: A Thriller, 2013, P. 297, and etc.
- [31]Coercive (or Intolerable) Acts.
- [32]… the acts of tarring and feathering only that shew their displeasure to persons who have offended them; they have other modes of punishment, …
- [33]Great Britain Parliament, The Parliamentary History of England from the Earliest Period to the Year 1803, Vol. XVII, A.D. 1771-1773; 1813, Pp. 1171-1173.