عصر آخر خمسة أئمة(ع) مرحلة تعاظم قدرة الشيعة

دعوني أقول هذه الجملة أيضاً ثم أتكلم عن القسم المتبقي [من الجلسة السابقة] وعن موضوع هذه الليلة وهو موضوعنا الأساسي.
في مرحلة ما بعد الإمام الثامن -أي الإمام التاسع، والعاشر، والحادي عشر، هؤلاء الثلاثة- كانت مسألة التشيع أكثر عمقاً، حسب استنباطي عن هذا الموضوع. كان الشيعة أكثر عدداً، وقدرة، ويوجّهون ضرباتٍ أقوى [للجهاز الحاكم]. لهذا بقي هؤلاء الأئمة الثلاثة بين سجن وتبعيد وزجر وتعذيب. ومع أنّ مكان سكنهم هو المدينة لكنهم كانوا دائماً تحت مراقبة حكام زمانهم. كانوا يأتون بهم إلى بغداد وسامراء-حسب مكان تواجد الحكومة- وترون أنهم دفنوا في سامراء والكاظمية، لم يُدفن أحدهم في المدينة. كانوا يأتون بهم إلى هناك ويُبقونهم تحت المراقبة، ويوظفون الجواسيس [لتتبع حركاتهم]، ويرسلون الأموال ويمتحنونهم، وكانوا يحاولون توجيه ضرباتٍ لهم أيضاً، ومن ضمن الأعمال التي قاموا بها -تعرفون هؤلاء الأئمة الثلاثة كانوا شباباً وماتوا في عمر الشباب بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين عاماً- هي محاولتهم جذب الشباب من خلال أساليب معيّنة، ربما استطاعوا جذبهم إليهم. رجلٌ ثورويّ تقيّ زاهد ينظر إلى الدنيا نظرة استهزاءٍ وسخرية، هو إنسان في النهاية وشاب، وإذا ما استطاع الإنسان أن يجرّه إلى الفساد والابتذال فهذا أسهل الأمور. قال المتوكل إنّ ابن الرضا هذا، يقصد به الإمام الهادي -كانوا يطلقون لقب ابن الرضا على الأئمة الثلاثة- أتعبني وآيسني -كيف يرهق إنسانٌ لوحده حكومة بأكملها- قد أستطيع جرّه للملاهي والمعاصي وشرب الخمر، ولأنه لم يستطع ذلك، قال له وزيره يكفي أن تحضر أخيه من المدينة؛ لأنه شخصٌ فاسق وهو أحد إخوة الإمام، كان أهل بيت النبي أشخاصاً ثوريين أتقياء، كان أغلبهم هكذا، ويوجد بينهم بعض المدللين المرفهين الذين يسيئون استخدام عنوان الإمام وسمعته، ويهتمون بالملذات وينشغلون بالملاهي وكانوا يبنون آمالهم على كونهم أولاد النبي ولن يدخلوا جهنم، وكم حارب الإمام هذه الفكرة القائلة أنّ أولاد النبي لن يدخلوا جهنم[1]. النبي نفسه قال لفاطمة الزهراء -وهي ابنته مباشرة- قال لها: «يا فاطمة إنني لن أغني عنك من الله شيئا».[2] اليوم يريدون إثبات أنني لا أذهب إلى جهنم -مع أنّ نسبي يصل إلى الإمام السجاد بعد ثلاثين واسطة- وذلك لأنني سيد وابن النبي! لقد قال النبي شيئاً آخر لفاطمة(ع) وقد ذكر الأئمة ذلك كثيراً. الخلاصة أنّه كان يوجد بعض الأشراف الذين يهتمون بملذات الدنيا. قال له أحضر أخيه من المدينة وهو يُدعى ابن الرضا أيضاً -وهو أيضاً من أبناء الإمام الرضا من دون واسطة- وجُرّه نحو الفحشاء والفجور وهذه الأمور. وبالفعل أرسلوا في طلبه، مع أنّ الموضوع كان سرّياً ولا يجب أن يعرف به الإمام، لكن اكتشفت تنظيمات الإمام هذا الأمر ووقف الإمام بنفسه مقابل أخيه، وعندما جاء أخوه حذّره وأخبره بخطة الأعداء وقال له لا تذهب إليهم. وقال أخوه -وكان إنساناً ضعيف الإرادة- بأنني لا أجرؤ على رفض طلبهم لأنهم دعوني لهذا الأمر. فقال له الإمام إذاً اعلم أنك لن تصل إليه، ويكتب التاريخ أنّ أخ الإمام هذا كان يذهب يومياً إلى دار الخلافة وهم يقولون له كل يوم إنّ الخليفة سكران أو نائم أو شرب خمراً أو دواءً. وبقي هناك مدّةً من الزمن حتى قتل الخليفة الذي كان قد طلبه وجاء خليفة آخر لم يكن يريد منه شيئاً ولم يُوفّق [في الوصول إليه كما قال له الإمام].[3] وأنا أظنّ أنّ تنظيمات الإمام كانت تخترق تنظيمات الخلافة وكان الحرّاس مأمورين بعدم السماح لهذا الرجل بالمرور والتّذرع بأنّ الخليفة سكران أو نائم أو ليس موجوداً أصلاً. وإلاّ فإنّ الخليفة لم يكن دائخاً كل يوم أو سكراناً بشكلٍ متواصل، نعم لقد كان يسكر لكن ليس بشكلٍ يوميّ. كان عبد الله هذا يأتي كل يوم ويقول لهم: إنّ الناس يدخلون ويذهبون، لكنهم يجيبونه قائلين: كلّا، الخليفة ليس موجوداً، إنه نائمٌ أو سكرانٌ أو متعبٌ، ولا يسمحون له بالدخول. أنا أظنّ أنّ التنظيمات [الخاصة بالإمام] كانت واسعة وممتدة إلى هناك.
في قضية أبو العديان التي تُذكر على المنابر كثيراً وربّما تكون قضيةً صحيحة، عندما طلب منه الإمام العسكري بأن يذهب إلى المكان الفلاني ويعود إليه، ثم أخبره بمسألة إمام الزمان، هنا ذهب أبو العديان إلى المدائن وجمع من شيعة المدائن أموالهم وما يجب أن يدفعوه وأحضرها إلى الإمام العسكري.[4] أين تقع المدائن؟ جنوب بغداد وسامراء، أي عاصمة الخلافة. لقد كان ذلك المكان مركز التشيع، وذلك بسبب قوة التنظيمات. خلاصة الأمر، هؤلاء الأئمة الثلاثة وصلوا إلى ذروة النشاط في الأيام الأخيرة وكانت هناك تنظيمات تعمل معهم وهذه القضايا غامضة طبعاً.
تعليق واحد