بداية التنظيمات الشيعية السرية منذ زمن الإمام الحسن(ع)
متى بدأت هذه التنظيمات؟ ومن أسّسها؟ من أوجد هذه السلسة الطويلة؟ يُشير التاريخ إلى أنّ الإمام الحسن المجتبى هو من فعل هذا. كان الشيعة موجودين قبل عصر الإمام الحسن، الشيعة أي الذين كانوا ينظرون إلى الإسلام من وجهة نظر أمير المؤمنين(ع)، كانوا موجودين منذ زمن الرسول. «أنت وشيعتك هم الفائزون»[1] النبي(ص) هو من قال هذا الحديث ويُفهم من ظاهره أنهم كانوا موجودين في ذلك الزمان. وبعد حادثة السقيفة الأمر واضح، فقد كان الشيعة موجودين، ولم يكن وجودهم خفي وسري، ولم يكونوا في حالة تقية، لم يكونوا مستترين أصلاً. لم يكن الشيعة في حالة استتارٍ مطلقاً في زمن الخلفاء الثلاثة. كان أبو ذر يُظهر حمايته علناً، وكذلك عمار بن باسر وعبد الله بن مسعود والآخرون كانوا يظهرون دعمهم علناً لأمير المؤمنين وأنه هو من يستحقّ الخلافة والآخرون لا يستحقونها.[2] في زمن الإمام الحسن بدأت هذه الجماعة بالعمل سرًا؛ ومنذ ذلك الوقت حفر هذا النقب. هناك نرى أشخاصاً من الشيعة يتظاهرون بعدم التشيع، طبعاً عدم تظاهرهم ليس مثل الأزمنة اللاحقة، فكان أخف وطأة، وكانوا شيعةً معتقدين، [لكنهم] كانوا يُفكرون في استعادة الحقّ.
هذه هي الجملة التي أشرتُ إليها وهي منقولة عن طه حسين: بعد أن تمّ الصلح وعاد الإمام إلى المدينة -وقد عاد بعد بداية الخلافة بسبعة شهور كحدٍ أقصى وهناك خلافٌ على المدة- جاء شخصان من كبار الشيعة أحدهما هو سليمان بن صرد الخزاعي والآخر، بشير الهمداني، لا أذكر اسمه جيداً- لقد رأيت اسمه اليوم لكن ذاكرتي ضعفت كثيراً- هذان الشخصان رجعا من الكوفة إلى المدينة، لم يكونا في المدينة لحظة الصلح بل كانا في الكوفة -ربما كانا يحرسان الحدود، أو أنهما حاكمان في منطقة ما، هذه الأمور ليست واضحة، لكنهما لم يكونا في الكوفة إجمالاً. لم يكونا وسط الأحداث ولم يريا ما حصل عن قرب. قالوا له يا ابن رسول الله! أيها الإمام! نحن مستعدّان لنعيدك إلى الكوفة، سنسبقك ونُخرج الحاكم منها، ونُرتّب الأوضاع كي تدخل أنت منتصراً إلى هناك. يقول طه حسين هذه الجملة، -وعندما قلت أنها مذكورة في التاريخ قصدت جميع التواريخ- يقول طه حسين أنه في ذلك اليوم الذي سمع فيه الإمام هذا الاقتراح من سليمان بن صرد جلس معه في اجتماعٍ خاص مع ذلك الشخص الثاني، وعندما خرجا من عند الإمام، كان غضبهما قد خمد. كانا قد هدئا ولم يتكلما بشيء عن هذا الموضوع، وقالا لأصحابهم لنعد إلى الكوفة. هذا هو الشاهد؛ يقول طه حسين -وأنا أؤيد هذا الاحتمال بشدة بعد المطالعات التي قمت بها في هذا المجال ويوجد الكثير من الشواهد الدالة على هذا الأمر في كلمات الإمام- يقول أظن أنّ نواة حزب التشيع الأساسية وُضعت في تلك الجلسة بين الإمام الحسن وسليمان[3].
عندما نقول حزباً سياسياً لا يخطر على بالكم فوراً بأنه عندما يُقال بأنّ الشيعة حزب سياسي أي ليس لديهم أساسٌ مذهبي؛ لا، ماذا يعني السياسي في الإسلام؟ إن السياسة في قلب الدين في الإسلام. المسائل المتعلقة بالحكومة وقيادة الأمة وشكل المجتمع وإدارة الأمة، هذه كلها موجودة في عمق الدين. المسائل السياسية يعني نفس المسائل الدينية في الدرجة الأولى. إذاً حزب الشيعة السياسي أي الحزب الذي لديه أنشطة سياسية مصبوغة بصبغة إسلامية؛ [حزب] لديه فهم خاص عن الإسلام أخذه من النبي عن طريق الإمام علي؛ ولديه تصور خاص عن المسائل الإسلامية. يقول: حزب الشيعة السياسي -أي الحزب الذي لديه أنشطة سياسية وقد واجه حكومات ذلك العصر ليوصل أهل البيت إلى الحكم- زُرعت بذرته في هذا الاجتماع الذي عقد هنا. هذا ما يقوله طه حسين وهذا كلام صحيح جداً.
ويؤيّد هذا الكلام أيضًا الكاتب العراقي المعاصر لنا والذي كتب عن الإمام الحسن كتاباً [4]-باقر شريف القريشي؛ والذي نقلتُ عنه جملة في ذلك اليوم حول تعدد الزوجات وأنّ المنصور هو من صنع هذه الإشاعة.[5] إنه شخصٌ متبحّر ضليع في مسائل الإمام الحسن(ع). وأنا أؤيّد هذا الأمر مع وجود الشواهد والقرائن في هذا المجال.
- [1] أمالي الشيخ الطوسي (ره)، ص551.
- [2] بعض الشواهد:
- الف) أباذر: شرح الأخبار، ج2، ص499-500.
- ب) ابن مسعود والآخرون: بحار الأنوار، ج28، ص208-214.
- سليمان بن صرد كان من أصحاب النبي(ص) وأنصار أمير المؤمنين(ع) سكن في الكوفة بعد وفاة النبي وكان مع الإمام في حرب صفين والنهروان. كان من الذين دعوا الإمام الحسين(ع) ومن قادة قيام التوابين. راجع: الطبقات الكبرى، ج4، ص219-220.
- [3] الفتنة الكبرى، علي وبنوه، طه حسين، ص189.
- [4] حياة الإمام الحسن(ع).
- [5] حياة الإمام الحسن(ع)، ج2، ص452-454.