إجراءات الإمام الصادق(ع)

يصل الموضوع إلى ذروته عندما يحين زمان الإمام الصادق. فما يُقال حول الإمام السادس الإمام الصادق(ع)، عادة هو: كان الإمام في زمن تتنازع فيه قدرتان -بنو أمية وبنو العباس- على السلطة، وكلاهما لم يكن لديهما الوقت لملاحقة الأئمة(ع)، فبنو أمية الّذين كانوا [في البداية] مشتبكين مع بني العباس، أو بنو العباس في بداية عملهم كانوا يريدون تدعيم حكومتهم، لذلك مدّ الإمام الصادق بساط العلم وبدأ بالتدريس وقام بتربية أربعة آلاف تلميذ. ما إن يقولوا هذا [الكلام] حتّى يُخيّل للمرء بأنّ الإمام الصادق(ع) جالسٌ على المنبر وقد اجتمع أربعة آلاف شخصٍ في قاعة درسه والإمام يُقدّم الدروس ويُبيّن الحقائق العلمية؛ كلا، القصة ليست على هذه الشاكلة. يوجد بين هؤلاء الأربعة آلاف شخصٍ من كان يذهب إلى «الحيرة»[1] -المدينة التي نُفي الإمام الصادق إليها- وكانوا يقيمون فيها ثلاثة أيام كي يلتقوا بالإمام وقد لا يتمكنوا من ذلك بسبب كثرة الجنود ويعودوا خالي الوفاض؛ كان هذا حال بعضهم. البعض الآخر كان يلتقي بالإمام الصادق أثناء تواريه وهروبه سراً من مكانٍ إلى آخر. والبعض الآخر كان يذهب إلى بيت الإمام(ع) في المدينة سراً. البعض الآخر كان يذهب إلى منزل الإمام فيُخبره الإمام بأنّ المصلحة تقتضي أن لا يلتقيا؛ ويطلب منه أن يذهب إلى عمله ولا يمكث عنده. هكذا كان الأمر حتى بلغ عددهم أربعة آلاف شخص.
في هذه الفرصة والمرحلة التي حصلت فيها الاشتباكات بين بني أمية وبني العباس، وجد الإمام الصادق فرصة لاستقطاب الجموع، وتوسيع دائرة الأشخاص، ووجد الفرصة لتعليمهم، أي توعيتهم، وجد الفرصة لتفهيم الناس بأنّ نظام بني أمية نظام ملوّث بالشرك، وبيّن للناس معنى الشرك والتوحيد. فهّم الناس أن ّالطاغوت الموجود في القرآن هو حكومة هذا الزمان، أي هذا الشخص الأموي الذي يرأس المجتمع الآن. وضّح للناس أنّ المجتمع التوحيدي هو المجتمع الذي يُبنى على الأوامر الإلهية وتكون فيه الحكومة الإلهية، لأنهم لم يسمحوا للناس بمعرفة معنى التوحيد والشرك.
لقد كتبتُ جملة أخرى هنا عن الإمام الصادق(ع)، إنها رواية ملفتة وعلى الرغم من أنني في العادة لا أرغب بنقل المتون ولا أحبّذ ذلك، لكن الليلة، ولأنني أريد أن أعالج الموضوع بشكلٍ مكثّف وأنتهي من إثباته، لذا سأستفيد من هذه الملاحظة التي كتبتها وحضرتها، وهي طرف خيط وفكرة في أذهانكم، راجعوا حياة الأئمة بهذه النظرة من الآن فصاعداً. في حال راجعتم كتاب حديثي أو تاريخي أو سيرة ذاتية أو تفسير، لتروا عظمة ونور حياة الأئمة(ع). يقول: «إنّ بني أمية أطلقوا للناس تعليم الإيمان ولم يطلقوا تعليم الشرك لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه»[2]. لقد سمح بنو أمية للناس بمعرفة الإيمان؛ فالصلاة من علامات الإيمان، والحج علامة من علامات الإيمان، وأداء الحقوق المالية علامة من علامات الإيمان، لكن التوحيد ليس مقترنًا بهذه الأمور بشكلٍ مسلّم وغير قابلٍ للانفكاك. أي يمكن لأحدهم أن يُصلّي ولا يكون موحداً. لم يسمحوا للناس بمعرفة الشرك، لماذا؟ «لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه»، ماذا يعني الشرك؟ الشرك يعني حكومة الوليد بن يزيد، وحكومة مروان الحمار، وحكومة المنصور العباسي، وحكومة هشام بن عبد الملك؛ هذا هو الشرك، وهذا ما يعنيه. الشرك هو أن تضع لله منافساً، وأن تطيع أوامر أحدٍ غير الله؛ «غير الله» هذا يمكن أن يكون صنماً يُدعى هبل، وهو أعجز وأتفه المنافسين، وأحياناً يكون أبو سفيان، وأحياناً عبد الملك، أو هشام بن عبد الملك، أو معاوية، أو يزيد؛ هؤلاء طغاة أيضاً، وهم ينافسون الله.
كانوا يحاولون تعليم الناس هذا البعد الثوروي التوحيدي، ولم يكتفوا بتعليم الناس فكر التوحيد بشكلٍ فلسفي، بل كانوا أيضًا يسعون لتعريفهم بحقيقة التوحيد وماهيته، وقد استمرّ هذا الوضع. وكانوا يوسّعون تنظيمات الشيعة في الأثناء، ولقد وجدت أمثلةً كثيرةً تدلّ على وجود تنظيماتٍ خاصة في جهاز الأئمة. كان لديهم تنظيماتٌ مالية، وكانوا يحاولون حلّ المشاكل المالية التي تحصل بين الأفراد بأنفسهم كي لا يحصل خلافٌ بين الشيعة. يوجد في التاريخ سندٌ واضح وهو أمامي على الطاولة الآن ولا يمكنني تفصيله كاملاً، يكفي [أن تعرفوا] بأنّه عندما تحصل خلافاتٌ مادّية بين الشيعة والتابعين لهذا المنهج، لم يسمحوا ببقاء هذا الخلاف كي يسيء شخصان من الشيعة الظن بالآخر، وكان الإمام الصادق يحل هذا الخلاف من ماله وعلى نفقته.