مواضيع

الإمام الحسن(ع) أشجع الشخصيات عبر التاريخ

أعتقد أنّ الإمام الحسن المجتبى(ع) هو أشجع شخصية في تاريخ الإسلام. نعم، قد تسألون هل هو أشجع من علي(ع) وأشجع من أخيه الحسين(ع)، الذي ضحّى بنفسه في ميدان الحرب الدموي بتلك التضحية العجيبة وأودى بحياته؟

أنا أعتقد أن غاندي أفريقيا الجنوبية أشجع من غاندي الهند بكثير. لقد تعرّض غاندي للضرب على أيدي أصدقائه في أفريقيا الجنوبية، تعرّض للضرب على أيدي أولئك الأشخاص الذين تحمّل من أجلهم ألم الغربة وألم القتال وهاجر إلى أفريقيا الجنوبية، لقد اجتمعوا عدة مرات وضربوا غاندي، وارتفعت أصوات اعتراضاتهم عليه مراراً بأنك أنت من تسبب في حصول هذه الصعوبات و..؛ برأيي أنّ غاندي في أفريقيا أكثر إشراقاً وشجاعة من غاندي في الهند، الذي تهتف الفرق والجماعات باسمه.

نعم، الشجاعة الحقيقية هي أن يُقدم الإنسان على ما يتوافق مع مصلحة فكره وإيديولوجية؛ حتى لو لم يفهم ذلك أحد. ولقد كان الإمام الحسن(ع) مستعدّاً للتضحية بنفسه واسمه وسمعته في سبيل المصلحة الحقيقية؛ كان راضياً أن لا يعرفوه في مقابل أن يتعرّفوا على الإسلام، وفي مقابل حفظ الإسلام. هذه هي خلاصة الموضوع بشكلٍ عام.

 هل كان الإمام الحسن(ع) يستطيع أن يستشهد في الحرب مع معاوية؟ لا، لم يكن ذلك ممكناً له.

من هو الشهيد؟ الشهيد هو الذي يُضحي بروحه، ويسفك دمه، في سبيل بقاء الفكر الذي يحترمه؛ هذا هو الشهيد. فالحسين بن علي شهيد لأنه قدّم نفسه كي تبقى القيم التي كان يحترمها في المجتمع الإنساني.

شهداء طريق الحرية طوال التاريخ، شهداء طريق الحقيقة والقيم الأصيلة، هؤلاء شهداء لأنهم كانوا مستعدين لتقديم أنفسهم ووجودهم وما يجعل الإنسان إنساناً، أي حياتهم، في مقابل أن يبقى ذلك الفكر، كانوا مستعدين بموتهم وقتلهم في سبيل فكرهم وهدفهم لضمان بقاء الهدف.

لكن قتل الإمام الحسن في ميدان «المسكن» لم يكن من هذا القبيل. إنّ معنى قتل الإمام الحسن(ع) في ميدان الحرب، هو انسحاب المنافس الوحيد لمعاوية من طريقه، انسحاب الشخص الوحيد القادر على فضح معاوية ونشر زيفه، في مقابل أساليب معاوية المبطنّة والمرائية، [فمقتل الإمام يعني] ألا يجد معاوية مثل هذا الشخص أمامه. لو ضحّى الإمام الحسن(ع) بنفسه، لقُتل الشخص الوحيد الذي يمكنه رفع القناع عن وجه معاوية القبيح وتعريف الدنيا على حقيقة معاوية.

ما هو تصوّرك عن مجتمع يكون معاوية على رأسه ولا يوجد فيه أمثال الإمام الحسن أو الإمام الحسين؛ أن يكون هناك شخصٌ على رأس المجتمع معارضٌ بكامل وجوده؟ معترضٌ على التوحيد الذي يعني نفي جميع القدرات سوى قدرة الله، ومخالف بشدة للوحدة الطبقية، والانتفاع العام من الفرص والإمكانات والحقوق الاجتماعية؛ يقول بأصالة وموضوعية نفسه وكل ما يتعلّق به؛ ليس لديه ذرّة إيمانٍ بالإسلام ولا يلتزم بالإنسانية بمقدار رأس إبرة وهناك فكر واحد يُكوّن جميع أساليبه، وهو الاغترار بالنفس والعجب والتعلق بها.

المجتمع الذي يرأسه هكذا شخص، دون أن يكون هناك شخص عارف بالإسلام فيه، أو لا يكون هناك ملف للثورة الإسلامية في ذلك المجتمع، شخص يمكنه فضح نقاط ضعف معاوية، وتقديمها للتاريخ، -فهي سواء وصلت إلى المجتمع في ذلك الزمان أم لم تصل، لكنها ستصل إلى الأجيال اللاحقة على الأقل- إذا لم يكن مثل هذا الشخص في المجتمع، فما هو انطباعكم عن مثل هذا المجتمع؟

كان من الممكن أن يواجه الإمام الحسن(ع) وضعاً مثل هذا، أي عندما كان محاصراً في المدائن، مع أصحابه ضعاف الرأي والنفوس، ومع الأعداء المتربصين الذين حاولوا اغتياله عدة مرات بل وهجموا عليه بهدف قتله[1]، كان يمكنه في ذلك الوقت أن يصطحب مجموعة من أصحابه المخلصين وينطلق في الخفاء باتجاه «مسكن» ويقوم بهجوم مباغت مع جيشه الذي ينتظر أوامره هناك بقيادة قيس بن أسعد، يهاجمون قلب جيش الأعداء ويُقتلون جميعاً ويُقتل الإمام الحسن أيضاً. كان بإمكان الإمام الحسن(ع) أن يقوم بهذه الخطوة؛ طبعاً هذا عمل بمقدور الجميع فعله، لكن ما منع الإمام الحسن(ع) من القيام بهذا الأمر لم يكن الخوف، فالإمام الحسن لا يخاف الموت.


  • [1] بعض الشواهد:
  • الف) الاغتيال في معسكر المدائن: أنساب الأشراف، ج3، ص34-35.
  • ب) الاغتيال حين الصلاة: علل الشرائع، ج1، ص220-221.
المصدر
كتاب صلح الإمام الحسن (ع) | الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى