كذبة ذكاء معاوية ودهاؤه السياسي

من الجيّد أن أذكر هذه المسألة أيضاً أنّ أحد الأمور التي تؤدي إلى التشخيص والحكم الخاطئ في موضوع الصلح هو أنّه قد أشيع عن معاوية أنّه شخص ذكي جداً وداهية[1]، والقاعدة تقتضي بأنّه إذا عُرف أحد الشخصين المتنازعين بالذكاء فسيعرف الآخر بالسذاجة. طبعاً هو كذلك. عندما تسمعون بخصومة شخصين وتعرفون أو تعتقدون بذكاء وصواب رأي وتدبير أحدهما، وإذا كنتم قد رأيتم منه فعلاً مجملاً ومشتبهاً تحملون على أساس تلك السابقة وتقولون: «إنّ هذا عملاً ذكياً، لا بدّ أننّا لسنا مطّلعين على صوابيّة هذا العمل»، وفي النقطة المقابلة، توصف أفعال الطرف الآخر في مواجهة شخصٍ ذكي ومقتدر، بالسذاجة وقلّة التدبير؛ والحال أنّ التاريخ يرينا أنّ إشاعة دهاء معاوية، أو ذكاؤه وحدّة رأيه، ما هي إلا إشاعةً لا أساس لها من الصّحة.
لم يكن معاوية رجلاً داهية، ولم يكن رجلاً ذكياً جداً. كان يستخدم أساليب لا يعد استخدامها ذكاءً، بل قلّة ضمير. ليس من الذّكاء أن يكذب الإنسان ويفتري وأن يصل إلى مآربه من خلال هاتين الصفتين في تعامله مع شخصٍ لا يتعامل بهما. هذا لا يسمّى ذكاء وشطارة؛ هذه شيطنة، نوعٌ من الشيطنة. نعم لا إشكال في وصف معاوية بفضيلة الشّيطنة في التاريخ، لكن التّدبير والعمل على أساس حساباتٍ معيّنة تختلف ماهيته عن الشّيطنة، كما أن الذّكاء يختلف عن الشّيطنة. وفي مقابل معاوية كان الإمام الحسن(ع) شخصاً لا يعمل بهذه الشيطنة.
لكن تدبير الإمام الحسن(ع) وذكاءه وحدّة رأيه يُدهش الإنسان الذي يدقّق النظر ويفهم ويحلّل قصة الصلح جيداً، يرى أنّه عمل بشكلٍ أعمق وأروع ممّا قد يصل إليه فكر أمثال معاوية الذي لا يستطيع أن يحسب له حساباً، لقد فكّر الإمام الحسن(ع) وعمل.
- [1] تجارب الأمم، ج1، ص574؛ تاریخ مدینة دمشق، ج19، ص182.