مواضيع

صعوبة الأوضاع واشتداد الفتن في عصر الإمام علي والإمام الحسن (عليهما السلام)

حسناً، الآن الإمام الحسن في مواجهة معاوية، الإمام بماضيه المشرّف ونمط تفكيره -أي نمط تفكير جده النبي(ص)- في ظلّ هذا الجو غير المناسب، وأنا لم أتحدث بالتفصيل عن عدم التناسب هذا وأجواء المجتمع؛ يبدو أنّه كان عليّ أن أسهب في الشرح.

عندما فتحت جيوش الإسلام البلدان المجاورة واتّسعت رقعة الحدود الإسلامية من الناحية الجغرافية، لم يتعمّق الفكر بمقدار سعة الحدود الجغرافيّة للأسف. لقد أسلم الناس، ورضوا بالإسلام، لكن لم يكن كإسلام أبي ذر، ولا مثل إسلام الّذين كانوا تعلّموا في مدرسة قوية داخل الحجاز أو في المدينة أو في مكة؛ إنّهم أناس رأوا دينًا من بعيد وأعجبهم على أيّ حال، وجذبتهم دعوات الحرية في هذا الدين، والشّعارات الجذّابة والتي غالباً ما كانت تقترن بالعمل، فالتحقوا به [اعتنقوا الإسلام]. لكن هذا شيء، والتّعمق في العقائد والأفكار الإسلامية شيء آخر. التّواجد تحت مكبس التمارين الإسلامية الشّديدة، المشاركة في أنواع الميادين الجهاديّة الصعبة بأنواعها المختلفة والحصول على التّجارب المختلفة، وصقل النفس، مسألة أخرى، حيث كان أكثر الناس محرومين منها.

ثمّ إنّ صورة المتنازعين على الخلافة لم تكن واضحة للناس. اليوم يسهل علينا تعريف النّاس بوجه معاوية الحقيقي؛ اليوم لا يمكن لأحدٍ الدفاع عن معاوية في المجتمع الإسلامي والمعاويون مدانون في التاريخ؛ هذا يتعلّق بالحاضر، وكلّ ذلك ببركة صلح الإمام الحسن طبعاً وسنوضّح ذلك.

أما في ذلك الزمان، لم يكن الناس يعرفون معاوية كما أعرفه أنا وأنتم اليوم. في ذلك اليوم كان هناك شخصان يتنازعان على الخلافة -أقصد في زمان أمير المؤمنين، قبل الإمام المجتبى(ع)- حتى كان هناك شخصان يتنازعان على الخلافة في نظر عامة الناس، أحدهما صهر النبي(ص) وابن عمّه -علي بن أبي طالب- والآخر هو أخو زوج النبي(ص)، والصحابي، وكاتب الوحي[1] -معاوية بن أبي سفيان- لم يكن الفرق بين معاوية وعلي(ع) واضحاً للناس كوضوحه لي ولكم اليوم؛ كانوا ينظرون من بعيد ويحكمون بشكلٍ سطحيّ على القضية. الفرق في أنّهم كانوا يعتقدون أنّ أهلية معاوية للحكم أقل من أهلية علي(ع). كانت المسألة في هذه الحدود ولم تتجاوزها أكثر، طبعاً هذا يعود للأشخاص الذين كانوا يعيشون في مناطق بعيدة عن الكوفة؛ لم يكن الوضع على هذه الحالة مائة في المائة في داخل الكوفة وكان فيها الكثير من الناس الذين يعرفون حقيقة معاوية، لكن مع هذا كانت هناك مجموعة من الناس يحكمون على معاوية وأمير المؤمنين(ع) على هذا النحو.

لهذا السبب انقضت سنوات حكومة علي(ع) الخمس بتلك المرارة. كانت المشكلة التي يعاني منها علي(ع) هي هذه النقطة، لم يكن هناك كفر صريح ضده لكي يحاربه طبقًا لآيات القرآن الكريم الصريحة. كانت المشكلة التي يعاني منها علي(ع) تداخل صفوف الحق والباطل في زمانه. كان الناس يحكمون على الظاهر ولا يفهمون الأمور كما يجب وقد قضى علي(ع) مدة طويلة من عمره الشريف في تبيين الحقائق.

ففي حرب صفّين يأتي أحدهم ويقف بوجه أمير المؤمنين ويقول يا علي! لماذا تحارب هذا الفريق؛ بينما نحن نرى أنهم يصلّون جماعة، نرى أنهم يقرؤون القرآن -هذه هي مصيبة السذاجة والسّطحية- نحن نرى أنهم يتلون الأذان ويعظّمون ذكر الرسول؛ لماذا نقاتل إخوتنا المسلمين؟ ثم أرسله أمير المؤمنين إلى عمّار، وقال له اذهب وقل هذا الكلام لعمّار واسمع ما يقوله لك بدقة.[2] عندما ذهب إلى عمّار، قال له: أقسم بالله! لقد رأيت هذه الراية، وشعار معاوية هذا، وراية بني أمية هذه، حيث كان نفس الشخص الواقف تحتها اليوم، أي معاوية، يقف تحتها في ذلك اليوم، وفي الجهة المقابلة للحرب رأيت نفس هذه الراية المنصوبة فوق رأس علي بن أبي طالب اليوم منصوبة هناك ويقف تحتها النبي وكان هذان الجيشان يتقاتلان تحت هاتين الرايتين.[3] أي كان يقول لماذا أنت ساذج إلى هذه الدرجة؟ لماذا أنت سطحيّ إلى هذا الحد؟ لماذا لا تنظر إلى السوابق؟ لماذا لا تقرأ الملف [منذ بدايته]، لماذا لا تفهم الحقائق؟ وإلاّ فمن الطبيعي جداً أن يلتحق بنو أمية -أعداء الإسلام- بالإسلام ظاهرياً عندما لا يمكنهم محاربة الإسلام بشكلٍ علني، طبيعي جداً، يجب أن يكون الأمر كذلك، لكن يجب معرفة حقيقة الأمر.

المشكلة التي واجهت الإمام أمير المؤمنين أنه أراد أن يُعرّف الناس حقيقة الأمر؛ هذه المشكلة لم تكن موجودة في زمن الرسول(ص)؛ وهذا هو الفرق بين زمن الرسول(ص) وزمن علي(ع). «ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن ذاك ضغث فيُمزجان فحينئذ يشتبه الحقّ على أوليائه[4]» هذا بعضٌ من فضفضة علي بن أبي طالب. يأخذون بعضاً من الحقّ وجزءًا منه، ويمزجونه مع الباطل؛ ويقدّمون باطلهم للنّاس في صورة الحقّ فيخضع لهم الرأي العام؛ يلبسون ملابس الحقّ ويأتون إلى ميدان الحرب لمواجهة الحقّ؛ يرفعون المصاحف بأيديهم ويُحاربون القرآن وعلي(ع)، وهو القرآن الناطق، كان على الإمام(ع) أن يوضّح هذا للناس.

لقد حارب أمير المؤمنين(ع) لمدة خمس سنوات -إلّا بضعة أشهر تقريباً- في هذه الحرب، حارب طلحة والزبير بسبب اختلاف الصفوف هذا، أي اختلاف الحقّ والباطل، وحارب الخوارج للسبب نفسه أيضاً.

كان الخوارج براعم تفتّحت من شجرة بني أمية الخبيثة، وهناك احتمال قويّ بأنّ معاوية هو من حرّض الخوارج أساسًا، وأنّ رؤساءهم كانوا يأخذون الأوامر منه بشكلٍ مباشر.

حارب علي(ع) الخوارج، واشتبك مع بني أمية في حرب صفّين، واضطّر وأُجبر على التّحكيم، وحارب قبل هذا طلحة والزبير؛ وسبب كل هذه الحروب هو الاختلاف في الصفوف؛ لأنّ الحقّ لم يكن عارياً أمام الناس، ولم يكن بالإمكان ظهوره بهذا الشّكل.

لم يكن أمام علي(ع) من مفرّ سوى المضيّ في هذا الطريق، كانت الخسائر التي تكبّدها جيش أمير المؤمنين(ع) في هذا المجال طبيعيّة جدّاً. ولو كان الرسول(ص) موجوداً في نفس الأوضاع، لواجه نفس تلك المشاكل، من دون شك: حالة الخلط وسوء الفهم، وعدم وضوح الحقّ، وعدم تمايز الحقّ عن الباطل، وتمسّك الناس بشعارات الدّين الظّاهرية وترك أساس الدين ولبّه، والاهتمام بالقشور ونسيان الجوهر.

كان الناس قد نسوا أنّ الإسلام يعني التسليم لله دون قيدٍ أو شرط. نسوا أنّ الإسلام يعني اتّحاد جميع الطّبقات بعضها مع بعض إضافةً إلى جميع الحقوق والمزايا الاجتماعية. ونسوا أيضاً أنّ الإسلام لا ينسجم مع العنصريّة، ولا مع الاختلاف الطّبقي، ولا مع تخمة فريقٍ وحرمان آخر، لقد نسوا جميع هذه الأمور، وتذكّروا فقط أنّ الإسلام فيه صلاة، عندما يرون أنّ الصلاة موجودة، يستنتجون وجود الإسلام؛ تذكرّوا أنّ الرسول(ص) كان يأخذ الناس إلى الحج أو يُرسلهم إليه، وفي تلك الأيام كانوا يذهبون إلى الحج أيضاً، لذا كان بالهم مرتاحاً بأنّ الإسلام موجود، وهذا هو بلاء الإسلام طيلة أربعة عشر قرناً، كان المسلمون غالباً ما يواجهون مثل هذه المشاكل، كانوا قد رضوا ببعض شعائر الإسلام الظّاهرية، شعاراتٍ دون محتوى، وبعيدة عن العقل، أجسادٌ منفصلة عن الروح وقشورٌ خالية من اللّب وخاوية؛ كانوا يُطمئنون أنفسهم بهذه الأمور؛ واليوم ما تزال نفس المشكلة قائمة.

في مجتمعٍ مثل هذا، مجتمع اعتاد على النظام الطبقيّ طوال اثني عشر عاماً من حكومة عثمان، واعتاد على الرّاحة والدعة والتمييز أيضاً؛ أراد أمير المؤمنين(ع) أن يُطبّق حكومة النبي(ص)، أراد أن يُعرّف الناس على الإسلام الحقيقي؛ وأراد أن يضخّ بين الناس روح الإسلام والتوحيد، والخضوع مقابل الله وعدم الخضوع لأيّ قدرةٍ سوى الله، لا أدري إن كنتم تُدركون مدى صعوبة هذا العمل! إنّه صعبٌ جداً! ليت الأمر تعلّق بنشر الدعوة في أوساط أناس لا يعرفون شيئاً عن روح الإسلام، ولم يسمعوا عنه شيئاً، فدعوة مثل هؤلاء الناس أسهل بكثير مقارنةً مع الناس الذين يعرفون بعض الأمور عن الإسلام، ولديهم تصوّرات خاطئة عنه، فهموا بعض المسائل من الإسلام، لكنّهم لم يفهموا كلّ الإسلام ولم يفهموا روح الإسلام، فإزالة الانحرافات واستبدالها بواقعياتٍ وحقائق أصعب من أصل إظهار الحقائق وتبيين ما هو موجود. كان عمل أمير المؤمنين(ع) هو هذا العمل الأوّلي، ومضت خمس سنواتٍ من حكومة أمير المؤمنين(ع) بالانشغال في مثل هذه الأمور.


  • [1] لا يعتقد سماحته بأنّ معاوية كان كاتب الوحي.
  • [2] جئتك لذلك فقال عمار: تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة [لي؟] – وأومأ إلى راية عمرو بن العاص ـ قاتلتها مع رسول الله(ص) مرات وهذه الرابعة فما هي بخيرهنّ ولا أبرّهنّ بل هي شرّهنّ وأفجرهنّ، أشهدت بدرا وأحدا ويوم حنين أو شهدها أب لك فيخبرها لك؟ قال: لا. قال: فإن مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله(ص) يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين وإن مراكز هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب فهل ترى هذا العسكر ومن فيه؟ والله لوددت أن جميع من أقبل فيه [مع] معاوية [ممن] يريد قتالنا مفارقا للذي نحن عليه كانوا خلقا واحدا فقطعته وذبحته والله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور أترى دم عصفور حراما؟ قال: لا بل حلال قال: فإنهم حلال كذلك أتراني بينت؟ قال: قد بينت قال: فاختر أي ذلك أحببت – بحار الأنوار، ج 32، ص 492 – المترجم.
  • [3] وقعة صفّین، ص340-341؛ بحار الأنوار، ج32، ص491-492.
  • [4] نهج البلاغة، الخطبة رقم 50 (بتصرّف).
المصدر
كتاب صلح الإمام الحسن (ع) | الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى