مواضيع

سبب نزاع الإمام الحسن(ع) مع معاوية وجذوره

علينا أن نرى ما هو سبب النزاع بين الإمام الحسن(ع) ومعاوية، هل كان نزاعًا على الخلافة؟ إذا ما أخذنا هذا النزاع بمعنى النزاع بين شخصين كلّ منهما يدّعي أحقيّته في الحكومة والزعامة، فطبعًا ستظهر المشاكل التي نحن بصددها الآن، لكنّ النزاع بين الإمام الحسن ومعاوية لم يكن بين مدّعيين للخلافة؛ بل بين فكرين، كان الخلاف بين إيديولوجية ثورية تكامليّة [تهدف] إلى بناء الإنسان، وبين فكر رجعيٍّ يبرّر ويحلّل كل الأمور على أساس مصالحه الشّخصية. وبعبارة واضحةٍ جداً، وقابلةٍ للفهم في الثقافة الإسلامية، كان نزاعًا بين التوحيد والشرك والكفر والإيمان؛ وهذه هي ماهية الحرب بين الإمام ومعاوية في الأساس.

إذا عرفنا طبيعة النزاع بين الإمام الحسن(ع) ومعاوية على هذا النحو، سنفهم طبعاً أنّ هذا النزاع لا يعود إلى سنة أربعين للهجرة، أي سنة استشهاد الإمام أمير المؤمنين(ع) وتصدّي الإمام المجتبى(ع) للحكم -المسألة تعود إلى نصف قرنٍ أو أكثر، فقد كانت قبل ذلك اليوم؛ أي [كانت في الأساس] بين خاتم الأنبياء(ص) وبين أبو سفيان. هذه هي الحرب التي اضطرّ الرسول(ص) لخوضها لمدة ثلاثة عشر عاماً في مكة وعندما هاجر إلى المدينة وشكّل الحكومة الإسلامية ونظّم أتباعه بالشكل المطلوب، كانت هذه الحرب قائمة بين مكة والمدينة، هذه هي الحرب بين الموت والحياة وجميع آيات القرآن التي تدور حول القتال والجهاد، مصداقها العيني في ذلك الزمان هو الاصطفاف مع النبي(ص) أو مع الكفار والمشركين، وعلى رأسهم وأهم أركانهم كفّار قريش وعلى رأسهم أبو سفيان؛ هذه الحرب هي نفسها.

عندما جمع الإمام المجتبى(ع) المجاهدين التابعين له وأرسل[1] بعضهم إلى «المسكن»[2] وأخذ معه[3] بعضهم إلى المدائن[4]، وألقى على الجيش خطبة حثّهم فيها على القتال، في الحقيقة كان ذلك استمراراً للعمل الذي قام به والده أمير المؤمنين(ع) مع هذا الفريق وأسلاف هذا الفريق و[قام به] قبله النبي. لم يكن عمل الإمام المجتبى عملاً جديداً أي تعبئة الجيش وقتال معاوية. إنّ الانتقاد الذي وجهه بعض المؤرّخين البسطاء -إذا لم نقل المغرضين- إلى الإمام المجتبى بأنّه لماذا خرج الإمام المجتبى من الكوفة بمجرد حصوله على الخلافة وبيعة الناس له، وذهب إلى المدائن وأرسل البعض إلى المسكن خلال مدّة لا تتجاوز الشهرين؛ لماذا أسرع إلى حرب معاوية؟ وقد أوردوا هذا الإشكال على الإمام الحسن(ع)، فقد هاجموا قضية الإمام الحسن من مختلف الجوانب ومن جميع الجهات. البعض يقول لماذا ذهب الإمام الحسن(ع) إلى الحرب أصلاً؟ لماذا حارب معاوية؟ كان من الأفضل له ألا يحارب. أولئك الذين يعترضون على الإمام الحسن(ع) بهذا الاعتراض لا يعرفون التسلسل التاريخي لنزاع الإمام المجتبى التاريخي مع معاوية؛ أساس هذه الحرب التاريخية عبارة عن حرب النبي(ص) مع والد معاوية هذا؛ أي أبو سفيان. لقد حارب النبي(ص) بني أمية ثمان سنوات؛ حارب قريش بقيادة أبي سفيان في السنوات الأخيرة. في السنة الثامنة للهجرة ذهب النبي(ص) إلى مكة بصحبة عشرة آلاف جندي وفتحها، واستسلم بنو أمية عندما رأوا جميع طرق الدفاع عن النفس مسدودة أمامهم؛ أي أسلموا ظاهريًا. اعتنق أبو سفيان وأبناؤه وجميع عشيرته الإسلام، وطبعاً لم يكن إسلاماً، بل استسلاماً أمام القوات الحربية. فباعتقاده أبو سفيان فإنّ الفكر يُستعمل للحفاظ على النفس.

كانت مسألة [الحفاظ على] النفس تحظى بأولوية عند النّاس الذين يسيرون في الجهة المعاكسة لثورة الإسلام التكاملية. فإذا كانوا يقدّسون فردانيّتهم، أو يؤمنون بالتمايز الطبقي، أو بتفوّق العنصر العربي على الموالي، كل هذا لأجل أنفسهم ومصالحهم؛ لم تكن تعنيهم العقيدة، بل كانت العقيدة فداء النفس؛ على عكس جبهة التوحيد والإسلام حيث النفس فداًء للعقيدة والفكر، والأصالة للعقيدة. لذا عندما وجدوا أنفسهم محاصرين من قبل جيش النبي، وشعروا أن لا مفرّ أمامهم، اضطروا للاستسلام؛ كانوا إيمانهم ظاهري، بينما قلوبهم ممتلئة بالحقد على النبي وتوّاقة للانتقام. لا أظنّ أنّ هناك في التاريخ من يجرؤ ويدّعي بأنّ أبا سفيان آمن للحظة بالنبي(ص) بالمعنى الواقعي للإيمان. نعم، انبرى أشخاص عبر التاريخ للدفاع عن معاوية وغير معاوية، بل وحتى عن يزيد، بغية دمجهم بالمسلمين، لكن لا يمكن ذكر هذا الكلام عن أبي سفيان، لا يمكن ذلك أبدًا.

عندما وصل عثمان إلى الحكم، كان الرجل العجوز -أبو سفيان- قد فقد بصره، لكنه كان مثل قائدٍ معنوي وحقيقيّ لبني أمية. وقد قال في إحدى الخلوات أنّ الحكم قد وقع في أيدينا؛ ما حاربنا محمداً لأجله لسنين، صار الآن بأيدينا؛ حذاري أن تضيّعوه، حافظوا عليه ليكون دولة بينكم.[5] ذهب إلى قبر الحمزة سيد الشهداء؛ أي الشخص الذي استشهد في حرب أحد -وحرب أحد هي الحرب التي قادها أبو سفيان بنفسه وكان القائد المباشر لها- وقال: «يا أبا عمارة»؛ وضرب بقدمه على القبر، يا أبا عمارة -وهي كنية حمزة- الأمر الذى كنت تقاتلنا عليه بالأمس قد ملكناه اليوم، ويقصد حكومة عثمان.[6] فهنا حصلوا على ما يريدون. والمقصود هو أنه لا يمكن القول أنّ أبا سفيان أسلم بالمعنى الواقعي، بل استسلم كي تسلم روحه. إلاّ أنّ شكل العمل تغيّر؛ ففي السابق كانوا يواجهون الإسلام ويقفون ضده بشكلٍ علني ويحاربون الإسلام بلا مواربة؛ مثل حرب أحد. لكن لاحقًا، عندما تم التعريف عن بني أمية على أنهم خلفاء النبي في المجتمع الإسلامي لم يعد هناك معنى للحرب العلنية مع الإسلام؛ فكانت الحرب النهائية تحت قناعٍ من الصداقة وطلب الخير.

يزيد بن أبي سفيان وأخ معاوية الأكبر، أحد الجنود الذين شاركوا في حرب الشام أو أحد القادة، ثم تولّى حكم تلك المنطقة، وحصل على دعم الخلفاء وحكم لمدّةٍ من الوقت من دون منازعٍ أو معارض، وفعل ما يريد لتطوير فكره الرّجعي والشركي، وسعى لسيادة فكر معاوية في الشام، وكانت سياسة معاوية تقوم على نفي الأحرار المتنوّرين من حوله ومن عاصمة حكومته. لم يكن يسمح لأيّ شخصٍ واعٍ بالتواجد في المجتمع الذي يحكمه. لقد رأيتم كيف نفى[7] أبا ذر، وبعد استشهاد الإمام المجتبى(ع) كان يتشاور مع مستشاريه بشأن الإمام الحسين(ع)، وكان يعتقد بضرورة تنفيذ نفس الأسلوب معه، أي أُشير عليه بذلك، وهو أيضاً وافق بوجوب إبعاد الإمام الحسين(ع) عن مقر الخلافة ونفيه إلى مكان بعيد.[8]

هذه الحرب حرب بين الحق والباطل؛ بين الإسلام والكفر، بين التوحيد والشرك، بين الفكر الإسلامي الثوريّ والفكر الأموي المناهض للثورة. في السابق كانت المدرسة النبوية في مقابل المدرسة الأموية؛ لكن بعد سنوات صارت المواجهة بين المدرسة العلوية والمدرسة الأموية، وعندما حارب أمير المؤمنين(ع) معاوية، كانت حرب التوحيد ضد الشرك. الإسلام والإيمان الّلذان يحاربان الكفر، وكأن حروب زمن النبي(ص) تتكرر. وعندما وصل الدور إلى الإمام المجتبى(ع) فيما بعد، تكرّر المشهد نفسه؛ مع اختلاف الشخص الذي يدير المشهد. إذاً استمرّ الإمام المجتبى(ع) في السير على طريق جده النبي(ص) وأبيه أمير المؤمنين(ع)، ومشى على خطاهم في جميع المراحل منذ أن بدأت الحرب مع معاوية، وعبّأ جيشاً، ونظم الجنود وذهب إلى ميدان الحرب وأرسل بعض المخضرمين إلى ساحة المعركة. لذا لم تكن الحرب بين هذين الإثنين حرباً بين متنازعين على حكومة؛ بل كانت حرباً بين فكرين أو حرباً بين فكر ثوريّ ومجموعة أشخاصٍ أو تنظيم مناهضٍّ للثورة؛ بدأت مثل هذه الحرب بين الإمام الحسن ومعاوية.


  • [1] مقاتل الطالبين، ص71؛ اختيار معرفة الرجال، ص112؛ بحار الأنوار، ج44، ص51.
  • [2] المَسكِن موضع في الكوفي (الصحاح، ج5، ص2136) قريب من ساحل نهر الدجيل ودير الجاثليق. في عام 72 ه ق، في هذا المكان حصلت واقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير والتي أدّت إلى قتل مصعب وقبره معروفُ هناك.
  • معجم البلدان، ج4، ص125-128.
  • [3] الأخبار الطوال، ص216-217؛ إرشاد الشيخ المفيد (ره)، ج2، ص10-12؛ بحار الأنوار، ج44، ص46-47.
  • [4] المدائن أو التيسفون، في شرق نهر دجلة في العراق، عاصمة ملوك الساسانيين في إيران، والتي سيطر المسلمون عليها عام 16 للهجرة. بقايا قصر أنوشيروان في هذه المدينة، هي مكان دفن صحابيين كبار مثل سلمان الفارسي. راجع: معجم البلدان، ج5، ص74-75.
  • [5] أنساب الأشراف، ج5، ص12؛ مروج الذهب، ج2، ص342-343؛ بحار الأنوار، ج31، ص197.
  • [6] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحدید، ج15، ص136؛ بحار الأنوار، ج33، ص89.
  • [7] انساب الأشراف، ج5، ص542-543؛ أمالي شیخ مفید (ره)، ص161-165؛ بحار الأنوار، ج22، ص414-416.
  • [8] أخبار الدولة العباسية، ص81-83.
المصدر
كتاب صلح الإمام الحسن (ع) | الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى