مواضيع

دور المنصور العباسي في زيادة الإبهام حول صلح الإمام الحسن(ع)

على مرّ التاريخ وكلّما تقادم الزمان على هذا الحدث، اشتركت أيدٍ كثيرة -سواء أيدي الأعداء أو الأصدقاء- في زيادة شربكة هذه العقدة.

العدو المنصور العباسي مثلاً، خليفة زمانه المقتدر، والذي انتصر على بني أميّة بادّعاء النسب الهاشميّ والذي كان يرتوي من نبع الصلح في الحقيقة، فلو لم يكن صلح الإمام الحسن(ع)، لما كانت واقعة كربلاء، ولو لم تكن واقعة كربلاء، لم تقع جميع الثورات التي عرفناها إلى الآن حسبما يبدو من ظاهر الحسابات التّاريخية، والله أعلم على أيّ حالٍ كانت الدنيا وبأيّ شكل. وهذا هو الموضوع الذي يجب أن نتطرّق إليه اليوم. المنصور العباسي نفسه وحكومته وسلطته التي اغتصبها كلها بنحوٍ أو بآخر من نتائج صلح الإمام الحسن(ع). لقد ثار بنو العباس باسم بني هاشم وبحجّة الثّأر لدم الحسين(ع)، وأطاحوا بحكومة الجبر والطّغيان الأمويّة، لكن عندما وصل إليهم الحكم بدل الغاصبين الذين سبقوهم، استعملوا نفس الأساليب السابقة في الحكم.

الإسلام لا يعادي الفرد؛ والتّشيع أيضًا لا يحارب الفرد؛ بل يحارب النّمط، يحارب الفكر. بنو أميّة وبنو العباس من وجهة نظر منطق الإسلام، وفريق الشّيعة التّابع للإسلام وأصدقاء وحماة الإسلام الحقيقي، هؤلاء لم يكن لديهم مشكلة معيّنة مع بني أميّة؛ بل كانوا يخالفون نهجهم في الحكم وفي بناء المجتمع، وفي إدارة الناس، كانوا يخالفون هذه القضايا؛ بنو أمية وبنو العباس -هذه الألقاب- ليست مطروحة، لذلك حاربوا المنصور العباسي وأخيه السّفاح ثم حاربوا أبناءه، والعجيب هو أنّ تلك الحروب كانت على يد بني الحسين -السّادات الحسينيين- من بني هاشم؛ هذه الوجوه المشرقة والمنيرة في تاريخ الإسلام وهي طبعًا غير معروفة لأكثر الناس.

 عندما كان المنصور العباسي يريد أن يتعرّض لأولاد الإمام المجتبى(ع)، كان يقدح في الإمام الحسن(ع) [قائلًا]: «وأمّا حسنهم». في خطابٍه مجموعةٍ من الخراسانيين -ولا أعلم سبب زيارتهم للمنصور- قال: «وأمّا الحسن»، جدّ هؤلاء المتظاهرين والثوار، هؤلاء الناس الّذين لا تعُجبهم حكومتنا الآن، جدّهم الأعلى الحسن، هو من باع الخلافة بحفنة من مال الدّنيا وركن إلى زاوية بيته ولم يهتمّ سوى بشهواته النفسانية ثم مات في فراشه.[1] [وكذلك] مسألة تعدّد زوجات الإمام الحسن(ع) [أيضاً]، وأنّه كان مطلاقاً،[2] يتزوج ثم يطلّق، فأصل هذا الكلام يعود إلى المنصور العباسي[3] وذلك حسب بحثٍ قام به أحد الكتّاب العرب المعاصرين، واللّافت أننا نحن الجهلة نكرر اليوم نفس كلام المنصور، كلام صادر من فم عدو وخصم، وأحياناً نتصدى لتبرير هذا الكلام. هذه أيادي الأعداء، هي التي تسعى لإخفاء الوجه الحقيقي والأصيل لواقعة الصّلح عن الناس، للإيحاء بأنّ صلح الإمام الحسن(ع) كان بمثابة بيع الخلافة أو الهروب من ميدان الحرب أو الخوف من الموت أو حبّ الاستمرار بالحياة.


  • [1] تاريخ الطبري، ج8، ص93؛ مروج الذهب، ج3، ص300.
  • [2] صفة الرجل الذي يتزوّج كثيراً ويطلّق.
  • [3] حياة الإمام الحسن(ع)، قرشي، ج2، ص452-454.
المصدر
كتاب صلح الإمام الحسن (ع) | الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى