مواضيع

ما هي أمريكا وأين تقع؟

ما هي أمريكا وأين تقع؟

أمريكا خليطٌ من الحضارة، حقوق الإنسان، الحريّة، الرفاهية والعديد من الأمور الأخرى! طبعاً؛ الحضارة، حقوق الإنسان، الحريّة والرفاهية، كلّها من نصيب المواطنين الأمريكيّين مئة بالمئة، و«العديد من الأمور الأخرى» هي من نصيب الآخرين! المواطنون الأمريكيّون مئة بالمئة هم عبارة عن الرجال ذوي البشرات البيضاء وأصحاب رؤوس الأموال، الذين تزداد أصفار ثرواتهم كلّ يوم. وإذا كنتم متردّدين في هذا التعريف، فمن الضروري أن تراجعوا هذه الأسطر:

أمريكا مكانٌ لا يعتبر المسؤوليّات والأعمال الشاقّة من شأن النساء، أمور مثل المشاركة في الانتخابات! لهذا السبب، عندما توجّهت سيّدة تُدعى سوزان براونل آنطوني[1] – من قادة حركة إحياء حقوق النساء – في العام 1872 إلى واحدة من مراكز الاقتراع لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكيّة وألقت ورقة باسمها في الصندوق، تمّ اعتقالها وحوكمت وأُجبرت على دفع 100 دولار.[2] في تلك الأيام كان العامل الأمريكي يتقاضى 3 دولارات في الأسبوع! من الطبيعي أنه عندما لا يرتأي القانون أن تشارك النساء في عمل صعب وشاقّ مثل الانتخابات، فإنّ هذه الخطوة التي بادرت إليها السيدة أنطوني مثّلت خرقاً للقانون ولم تكن أمريكا المكان الذي يقدر على استيعاب أيّ خرق للقانون، حتّى لو كان من يخرق القانون سيّدة فاضلة ومحترمة!

طبعاً؛ بعد سنوات، استطاعت السيدات الأمريكيّات بإصرارهنّ ومثابرتهنّ، دفع رجالهنّ إلى منحهنّ الحقّ في المشاركة في أمور صعبة مثل الانتخابات، وكانت النتيجة أن تمّ منحهنّ حقّ المشاركة في الانتخابات، وإضافة إلى ذلك مُنحن أيضاً حقوقاً مثل التوظيف في الجيش، العمل في خدمة العلم وقيادة الطائرات الحربيّة، المشاركة في فرق التعذيب في سجن أبو غريب والتعرّي بشكل كامل في الأفلام السينمائيّة، لكي لا «يتذمّرن» فيما بعد بسبب عدم المساواة بينهنّ وبين الرجال الأمريكيّين!

أمريكا مكانٌ «يتساوى فيه الجميع، لكنّ البعض أكثر تساوياً من البعض الآخرين!»[3]، أي أنّ حوالي التسعة والتسعين بالمئة من الناس متساوون مع بعضهم البعض، ونسبة الواحد بالمئة الآخرين منهم – أي المواطنين الأمريكيّين بشكل جذري – متساوون مع بعضهم أكثر من الآخرين. هذا هو الأمر الذي اعترض عليه قادة اتحاد العمّال الصناعيّين في العالم[4]، وقد تمّت محاكمتهم على ذلك عام 1918 مدّة خمسة أشهر. فلتتوقّعوا كيف يكون العقاب عندما تكون المحاكمة بهذا النحو!

صرّح بيل هيوود[5]، أحد الأعضاء في هذا التشكيل، في المحكمة بالقول: «العديد من عمّال أمريكا يُطلق عليهم اسم المشرّدين فاقدي الحسب والنّسب. أولئك الذين لا يملكون حتّى غطاءً يستخدمونه للنوم، وهم مجبرون على العثور على عمل، وأن يتركوا عائلاتهم لسنوات ويتناولوا أسوأ الأطعمة ويناموا في أكثر الأماكن تعفّناً وأن يجعلوا من الأواني التي يتناولون فيها طعامهم هدفاً لرصاص الشرطة. لقد كان لا بدّ للذين تتراجع أجورهم يوماً بعد يوم على تلقّي الصفعات والجلد بالسياط من رجال القانون، ولسنا نعرف السّبب الذي كان يدفع القساوسة المؤمنين والعطوفين إلى تشجيع رجال القانون على ضرب العّمال أكثر وبقسوة أشدّ!»[6]

أمريكا مكانٌ فريدٌ بقوانينه النموذجيّة على المستوى العالمي! فقوانينها فريدة لدرجة أنّها تتجذّر في أعماق شعبها وتسكن قلوبهم. في العام 1986، حُكم في كاليفورنيا على رجلٍ أسمر البشرة بالسجن المؤبّد وجريمته كانت أنّه سرق «قطعة بيتزا»! كانت قد تمّ وضع هذه العقوبة وفق قانونٍ يُدعى «قانون الضّربة الثالثة»![7] من البديهي أن هذه القوانين المحكّمة هي القادرة حصراً على أن تكفل تطبيق حقوق الإنسان! من حقوق الإنسان، حقّ تملّك الإنسان لكلّ قطع البيتزا التي اشتراها! عندما ينقض أحد السّود هذا الحقّ ويسرق قطعة من بيتزا خاصّة بمواطن أمريكيّ آخر، سيكون في واقع الأمر قد حرم ذاك المواطن من حقّه الإنساني ولا بدّ أن يتمّ حبسه إلى الأبد. في واقع الأمر، لقد تحوّلت أمريكا إلى أمريكا الحاليّة بفضل هذا النوع من القوانين!

قوانين أمريكا شاملة وعالميّة لدرجة أنّها تضمن حقوق الحيوانات المتوحّشة أيضاً، إضافة إلى حقوق الإنسان! فوفق واحدة من هذه القوانين، استطاع «أحد الكلاب» في السادس عشر من أغسطس عام 2014 التقدّم في واحدة من الانتخابات الرسميّة بالكامل وبفارق كبير من الأصوات على منافسه (الذي كان رجلاً أمريكيّاً!) وحصل على منصب رئاسة البلديّة في واحدة من مدن مينه سوتا[8]!


  • [1] Susan Brownell Anthony (1820 – 1906): ناشطة اجتماعيّة مناصرة لحقوق الإنسان في أمريكا.
  • [2] ييسرائيل والصهيوديمقراطية، السيد هاشم مير لوحي، طهران، دار نشر المعارف، الطبعة السادسة: 2012، ص 289.
  • [3] مقتبس من رواية «قلعة الحيوانات» لكاتبها «جورج اورول»
  • [4] Industrial Workers of the World (IWW): اتحاد العمّال الدولي الذي تمّ تأسيسه في العام 1905 ميلادي.
  • [5] William Dudley Haywood (1869 – 1928)
  • [6] تاريخ أمريكا، هاوارد زين، ص 491.
  • [7] ييسرائيل والصهيوديمقراطية، السيد هاشم مير لوحي، ص 329.
  • [8] Minesota State
المصدر
كتاب تاريخ أمريكا المستطاب | الدكتور محمد صادق كوشكي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى