مواضيع

اتصاف الر سول بحسن الخلق

قول الله تعالى: <وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ>[1].

بيان المفردات  

الخلق:

قيل: أنّ الخَلق (بفتح الخاء) والخُلق (بضم الخاء) هما في الأصل واحد، كالشَرب (بفتح الشين) والشُرب (بضم الشين) لكن خُصَّ الخَلق (بالفتح) بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر، وخصّ الخُلق (بالضم) بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة، وقيل: حسن الخُلق (بالضم) لصورة الإنسان الباطنة (نفسه) وأوصافها ومعانيها المختصة بها، بمنزلة الخَلق (بالفتح) لصورته الظاهرة (الجسمية) وأوصافها ومعانيها.

والخُلق في اللغة: العادة في إدراك أو فعل، والسجية والطبع والمروءة والدين، والصورة الباطنة للإنسان، وقيام الليل تمسك بأخلاق النبيين: قيام الليل تمسك بسجايا النبيين وعاداتهم.

والخُلق في الإصطلاح: هيئة (ملكة) نفسانية تصدر بها الأفعال المحمودة، مثل: الشجاعة والعِفّة، والمذمومة، مثل: الجبن والبخل عن النفس، بتلقائية وسهولة ويسر، أي: بدون تقدُّم رؤية وفكر وتكلف، فإن كانت الهيئة (الملكة) تصدر عنها الأفعال الجميلة عقلاً وشرعاً، مثل: الشجاعة والعدل والِعفّة والوفاء ونحوها، سُمّيت خلقاً حسناً، وإن كانت تصدر عنها الأفعال القبيحة، مثل: الجبن والظلم والبخل والخيانة، سُمّيت خلقاً سيئاً، وعليه: يخرج من الخلق الأفعال غير الراسخة، مثل: غضب الحكيم، وتخرج أيضاً الأفعال المتكررة التي تصدر بعسر، مثل: من يتدرب على الكرم والشجاعة.

وينقسم الخُلق إلى قسمين: حسن وسيء، ويختص الخُلق الحسن بوصف الأدب.

وتنتهي الأخلاق الإنسانية كافة إلى ثلاث قوى في النفس تصدر عنها أفعال الإنسان، وهي:

  • القوة الشهوية: تصدر عنها الأفعال المنسوبة إلى جلب المنافع للإنسان، مثل: الأكل والشرب والنكاح واللباس والمسكن والمركب ونحو ذلك، وفضيلتها الأساسية العفّة، وتتفرّع عنها العديد من الفضائل.
  • القوة الغضبية: تصدر عنها الأفعال المنسوبة إلى دفع الأضرار، مثل: دفاع الإنسان عن نفسه وعرضه وماله، وفضيلتها الأساسية الشجاعة، وتتفرّع عنها العديد من الفضائل.
  • القوة العقلية: تصدر عنها الأفعال المنسوبة إلى الفكر والإدراك، مثل: التصوّرات والتصديقات وتأليف القياس وإقامة الحجة، وفضيلتها الأساسية الحكمة، وتتفرّع عنها العديد من الفضائل.

ولأنّ النفس مؤلفة من تلك القوى الثلاث، وجب أن تسلك كل قوة مسلك الاعتدال بعيداً عن الإفراط والتفريط؛ لأنّ بالإفراط والتفريط تخرج القوة عن المقدار المجعول لها في الحكمة الإلهية في أصل الخلقة والتكوين، وتبطل به الغاية من التركيب، ويسمى الاعتدال في قوى النفس الثلاث: العدالة وتعني: إعطاء كل ذي حق من القوى الثلاث حقه، ووضعه في موضعه الذي ينبغي له، والعدالة هي أم الفضائل كلها.

ويمكن تقسيم الفضائل بحسب غاياتها عند الفاعل إلى ثلاث مستويات بعضها فوق بعض، وهي:

  • الفضائل الاجتماعية: تعني إصلاح النفس وتعديل ملكاتها لكسب الصفة المحمودة والثناء الجميل عند الناس في المجتمع، وهذه الفضائل ليست بفضائل واقعية، وقد تكون رذيلة في الحقيقة والواقع، كأن يتورط الشخص في قتل الأبرياء وظلمهم وسلب حقوقهم، لأنّ المجتمع الذي يعيش فيه يريد ذلك.
  • الفضائل الدينية الشرعية: تعني إصلاح النفس وتعديل ملكاتها من أجل مرضاة الله سبحانه وتعالى وثوابه، وهي فضائل واقعية، وطريق إلى الكمال الإنساني والسعادة الحقيقية.
  • الفضائل الدينية العرفانية: تعني إصلاح النفس وتعديل ملكاتها حباً لله ذي الجلال والإكرام والانقطاع إليه عن غيره والفناء فيه والبقاء به، فلا يحبّ شيئاً إلّا له وفيه، ولا يريد إلّا وجهه، ولا شغل له بثناء جميل من أحد غيره، ولا بجنة ولا بنار، وإنما همّه ربه ذو الجلال والإكرام، ودليله حبّه، وزاده ذلّ العبودية إلى ربّه ومعشوقه، ونحو ذلك.

والخلاق: ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه.

والخليق: الجدير بالشيء كأنه مخلوق فيه، مثل: زيد خليق بالشجاعة.

والخلقة: الفطرة.

والأخلاق النسبية: هي مجموع قواعد السلوك المقرّرة في زمان معيّن لمجتمع معيّن، وتقابلها الأخلاق المطلقة: وهي مجموع قواعد السلوك الثابتة التي لا تتغيّر ولا تتبدّل، وتصلح لكل الأفراد في كل المجتمعات في كل زمان، مثل: الشجاعة والعفة والصدق والوفاء ونحوها.

والتقدم الخلقي: مطابقة السلوك العملي لقواعد الأخلاق النظرية من أجل حياة إنسانية أفضل وأطيب.

وعلم الأخلاق: يسمى الحكمة العملية وفلسفة الأخلاق، وهو العلم الذي يهتم بمعرفة الفضائل ويبين حدّ كل واحدة منها، ويبيّن كيفية التحلي بها واتخاذها ملكة راسخة في النفس، ومعرفة الرذائل، وتبيين حدّ كل واحدة منها ويبيّن كيفية التخلي منها وتصفية النفس وتهذيبها، ويعرف به صلاح أحوال النفس وفسادها.

والأخلاقي: المنسوب إلى الأخلاق، والمتعلّق بالحكمة العملية، والمعنوي المتعلّق بالنفس في مقابل المادي المتعلّق بالجسد.

وإذا أضيف لفظ الأخلاق إلى لفظ آخر: دلّ على مجموع قواعد السلوك المتعلّقة بالشيء الذي يدلُّ عليه ذلك اللفظ، مثل: أخلاق الموقف، وأخلاق الواجب، وأخلاق المهنة.

وإذا أضيف لفظ الأخلاق إلى جماعة مُعيّنة: دلّ على مجموع قواعد السلوك الخاصة بتلك الجماعة مثل: أخلاق العرب، وأخلاق الفرس، وأخلاق المسلمين، وأخلاق الملحدين ونحو ذلك.

والأخلاق الإسلامية: هي مجموع الأفعال التي تقوم على قواعد عامة ثابتة مستمدة من العقيدة والشريعة الإسلامية، وقيل: الأخلاق في الإسلام ليست جزءاً من الإسلام، بل حتى روحه وجوهره، وفي الحديث الشريف عن الرسول الأعظم الأكرم(ص) أنه قال: «إنّ أكمل المؤمنين إيماناً، أحسنهم أخلاقاً»[2]، وفي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) أنه قال: «حسن الخلق خير قرين، وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه»[3].

وتحتلُّ الأخلاق في الإسلام أهمية فائقة، في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم الأكرم(ص) أنه قال: «إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»[4]، وفي الحديث عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) أنه قال: «إنّ الله جعل مكارم الأخلاق وصلة بينه وبين خلقه، فحسب أحدكم أن يتمسك بخلق متصل بالله(عز وجل)»[5]، وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «إنّ الله ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهدين في سبيل الله يغدو عليه ويروح»[6].

والأخلاقية: تطلق على الأمر الذي يتضمن الاختيار ومعنى الخير والشر، ويقتضي تصور الفعل والقصد منه، وتنقسم إلى قسمين: أخلاقية إيجابية تتعلق بالأفعال الحميدة، وأخلاقية سلبية تتعلق بالأفعال المذمومة، ويقابلها: الأمر الذي هو بمعزل عن الأخلاق، مثل: الأفعال الاضطرارية وغير الاختيارية وسلوك الحيوان، فلا توصف بالأخلاقي ولا باللاأخلاقي، يقول العلامة المطهري: «إنّ أعمال الإنسان تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

  1. أعمال أخلاقية حين يكون أرفع من الحيوان.
  2. أعمال منافية للأخلاق حين يكون أدنى من الحيوان.
  3. أعمال لا أخلاقية، أي: لا علاقة لها بالأخلاق أصلاً.»[7]

وإذا أطلق لفظ الأخلاقية على مبادئ السلوك: دلّ على القيم المطابقة للمثل العليا الأخلاقية.

وإذا أطلق لفظ الأخلاقية على السلوك العملي: دلّ على مطابقة هذا السلوك لمبادئ الأخلاق.

يقول الفخر الرازي: «الإنسان له قوتان: قوة نظرية وقوة عملية، والدين يرجع إلى كمال القوة النظرية، والخلق يرجع إلى كمال القوة العملية»[8]، ويقول العلّامة الطباطبائي: «الآراء والعقائد التي يتخذها الإنسان إما نظرية لا تعلّق لها بالعمل من غير واسطة، كالمسائل المتعلّقة بالرياضيات والطبيعيات وما وراء الطبيعة، وإما عملية متعلقة بالعمل بلا واسطة، كالمسائل المتعلقة بما ينبغي فعله وما لا ينبغي، والسبيل إلى القسم الأول (النظري) هو اتباع العلم واليقين المنتهي إلى برهان أو حس…، وفي القسم الثاني (العملي) اتباع ما يوصل إلى الخير الذي فيه سعادة الإنسان أو النافع فيها، واجتناب ما ينتهي إلى شقائه أو يضره في سعادته»[9].

والمذهبية الأخلاقية: هي النظرية التي تقرر أن للأخلاق قيمة مطلقة، وتقابلها المذهبية اللاأخلاقية: وهي النظرية التي تنكر قيم الأخلاق، أو تغير ترتيبها الموضوعي، مثل: مذهب الفيلسوف الألماني نيتشه (1900-1844م) الذي استبدل الأخلاق المسيحية القائمة على المحبة بقيم أخلاقية تقوم على إرادة القوة وعبادة الإنسان الأعلى.

العظيم:

السيد والرفيع القدر والكبير، وقيل: أول الوضع كان للأجسام، وأصله كبر عظمه، ثم استعمل لكل شيء كبير محسوساً كان أو معقولاً، وعيناً كان أو معنى، مثل: الربّ العظيم، والعرش العظيم، والجبل العظيم، والإنسان العظيم، والجيش العظيم، والمال العظيم، والعذاب العظيم، والملك العظيم، والنبأ العظيم، والفكر العظيم، والحبّ العظيم، والجمال العظيم ونحو ذلك. ويستعمل العظيم في الخير وفي الشر، فيقال: الفضل العظيم، والظلم العظيم.

وعَظُمَ الشيء: كَبُرَ.

وأعظم الأمر: صار عظيماً.

وأعظمه الأمر: هاله واستعظمه: عدّه عظيماً.

ومعظم الشيء: أكثره وجله.

والعظيم: من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الذي جلّ عن حدود العقول فلا تدرك العقول كنهه وحقيقته، وقيل: لغلبته على الأشياء وقدرته عليها، ولأنّ كل شيء سواه هو ذليل خاضع له، وقيل: لأنه الخالق للخلق العظيم، وفي الحقيقة: يعتبر كل عظيم غير الله سبحانه وتعالى ناقص؛ لأنه إنما وُصِفَ بالعظيم بالإضافة إلى غيره، أما هو في نفسه ناقص وفقير ومحتاج إلى غيره، أما الله سبحانه وتعالى فهو عظيم مطلق في ذاته وصفاته وأفعاله وجميع كمالاته.

وقيل عن الفرق بين الكبير والجليل والعظيم: أنّ الكبير راجع إلى كمال الذات، والجليل راجع إلى كمال الصفات، والعظيم راجع إلى كمال الذات وكمال الصفات.

وقيل: الجلال يستعمل في غير الأجسام، والعظيم يستعمل في الأجسام وفي غير الأجسام.

وقيل: العظيم نقيض الحقير، والكبير نقيض الصغير، وقد يكون الشيء كبيراً ولا يكون عظيماً، وقد يكون صغيراً ولا يكون حقيراً؛ لأن العظيم يكون بصفات الشيء المعنوية وليس بصفاته الحسية.

وقيل عن الفرق بين الكثير والعظيم: أن الكثير يستعمل في الأجزاء المنفصلة ولا يستعمل في الأجزاء المتصلة، فيقال: المال الكثير، ولا يقال: الجبل الكثير، والعظيم يستعمل في الأجزاء المنفصلة وفي الأجزاء المتصلة، فيقال: المال العظيم، والجبل العظيم.

والعظمة: الكبرياء والجبروت والفخامة.

والعظيمة: النازلة الشديدة.

والمعاظم: الحرمات والحقوق.

والتعظيم: التبجيل. وعظّمه وأعظمه: بجّله ووقّره وفخّمه.

والتعظّم: الكبر والزهو والتجبر.

واستعظم وتعظّم: تكبر.

وتعاظم: تصنّع العظمة.

وجنون العظمة: حالة نفسية مرضية شاذة يصاحبها الشعور الكاذب الوهمي بالقدرة والعظمة، تدفع صاحبها إلى المبالغة في تقدير نفسه وفي طموحه ومطامعه، فيخترع حوادث خيالية وهمية تناسب شعوره الكاذب بالقدرة والعظمة، فيتوهم أنه إله أو نبي أو قدسي أو أنه أعظم الناس منزلة ومكانة وأعلاهم مرتبة وأرفعهم درجة ونحو ذلك من الأوهام التي لا أساس لها ولا حقيقة ولا واقع إلا في خياله المريض وتصوراته الشاذة.


 القلم: 4-[1]

 تحف العقول، صفحة 39-[2]

 تحف العقول، صفحة 141-[3]

 بحار الأنوار، جزء 16، صفحة 21 – كنز العمال، الحديث: 5217-[4]

 نثر الدرر، جزء 1، صفحة 304-[5]

 بحار الأنوار، جزء 68، صفحة 375-[6]

 الإنسان الكامل، الشهيد مرتضى مطهري، صفحة 164-[7]

 التفسير الكبير، الفخر الرازي، جزء 10، صفحة 101-[8]

 تفسير الميزان، العلّامة الطباطبائي، جزء 1، صقحة 389-[9]

المصدر
كتاب رسول الرحمة | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى