مواضيع

إجمال حديث موسى الكليم مع فرعون الطاغية

<هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ 15 إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى 16 اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ 17 فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ 18 وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ 19 فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ 20 فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ 21 ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ 22 فَحَشَرَ فَنَادَىٰ 23 فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ 24 فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ 25 إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ>[1]

قص الله تبارك وتعالى حديث موسى الكليم(ع) مع فرعون الطاغية، لنبيه الكريم ورسوله الأمين محمد بن عبدالله(ص) في ظل صراعه المرير مع طواغيت قريش بهدف تسلية قلب حبيبه وصفيه وخيرته من خلقه محمد بن عبدالله(ص) وتسلية قلوب المؤمنين الصالحين المجاهدين في سبيل الله(عز وجل)، الذين يتعرضون إلى الاضطهاد والأذى من فراعنة زمانهم والحكام المستبدين الجائرين عليهم، وتطييب خواطرهم وتطمينهم وحملهم على أن لا يخافوا من قوة الأعداء الظاهرية مهما بلغت، لأن تدمير قواتهم وإهلاكهم على يد الله(عز وجل) أسهل مما يمكن أن يتصوره كل إنسان.

وللتأكيد لهم: أن الله(عز وجل) سينصرهم على أعدائهم ويظهرهم عليهم حتماً، كما نصر الله(عز وجل) موسى الكليم(ع) وبني إسرائيل المستضعفين، على فرعون الطاغية والمتجبر وقومه المستكبرين، رغم الفارق الكبير في ميزان القوة: العدد والعتاد لصالح فرعون وقومه، وتلك العاقبة الحسنة الممدوحة لموسى الكليم(ع) وبني إسرائيل، بسبب إيمانهم بالله ذي الجلال والإكرام وتوحيده في الطاعة والعبادة، ولرفضهم الذل والهوان والظلم والطغيان ومقاومتهم له وصبرهم في المقاومة وتقديمهم التضحيات اللازمة، والعاقبة السيئة المذمومة لفرعون الطاغية وقومه، بسبب إفراطهم في العناد والتعصب، وإصرارهم على الكفر وتكذيب الرسول الكريم موسى الكليم(ع) وعلى الأخلاق القبيحة والأعمال السيئة والجرائم والجنايات الشنيعة، وعدم استفادتهم من المعجزات النيرات الباهرات، ومن البينات الواضحات والأدلة الساطعة القاطعة والمواعظ المخلصة والنصائح الصادقة للهداية إلى الحق والعمل بمقتضاه.

وفي الآيات: تهديد لفراعنة قريش وطواغيتهم، ولجميع الفراعنة والحكام المستبدين الظلمة والمترفين المستغلين وأعوانهم في كل عصر ومصر، بأن يلاقوا نفس المصير الأسود الذي لاقاه فرعون الطاغية وجنوده وأتباعه، من عقوبة الهلاك والاستئصال، وخزي الدنيا واللعن المستمر من عالم الغيب والشهادة إلى نهاية الدهر في عالم الدنيا، ثم عذاب البرزخ المهين وعذاب القيامة المؤلم العظيم الخالد بعد الموت، وذلك لعل وعسى أن يرعووا ويتراجعوا عما هم عليه من العناد والتعصب الأعمى والتعجرف والكفر والضلال والاستكبار والظلم والطغيان والعصيان والاستبداد وأخواتها من المعاصي، ويكفوا عن إيذاء الرسول الأعظم الأكرم(ص) والمؤمنين الصالحين المجاهدين في سبيل الله(عز وجل)، والمطالبين بالإصلاح والحقوق الواقعية المشروعة: الطبيعية والمكتسبة.

فبعد أن قضى موسى الكليم(ع) أقصى المدة وأتم الأجلين: (10 سنوات) في خدمة شيخ الأنبياء شعيب(ع) في قرية مدين عند النهاية الشمالية لخليج العقبة جنوبي فلسطين، خرج بأهله: زوجته وابنيه ومعه غنمه، متوجهاً إلى وطنه مصر، ولما وصل إلى صحراء سيناء المصرية وفي ليلة مظلمة مباركة شديدة البرد، ضل الطريق ولم يعرف إلى أين يتوجه وجاء زوجته الطلق وألم الولادة، ولم ينقدح زنده، وكان في أمس الحاجة إلى النار، يستضيء بها مع أهله ويستدفئوا بها.

فبينما هو كذلك: إذ رأى ناراً على بعد من جانب جبل طور سيناء الأيمن، فسر بما رأى كثيراً واستبشر خيراً، وعلم بأن وجود النار دليل على وجود أناس عندها، فقال لأهله: هذه نار أراها من بعيد، الزموا مكانكم، سأمضي إلى مكان النار لأسأل أهلها عن الطريق فيهدونني إليها، ولآتيكم منها بقبس (شعلة) نستضيء بها أوجذوة نستدفئ بها في هذا البرد الشديد.

فلما قرب من موضع النار وحضر عندها، وجدها تخرج من شجرة شديدة الخضرة، وسمع تسبيح الملائكة، ورأى نوراً عظيماً يملأ الوادي الذي تقبع فيه الشجرة المباركة، وسمع نداءاً ربانياً من الشجرة النورانية التي كانت تنبت في الجانب الأيمن من وادي طوى المقدس، الذي يقع أسفل الجانب الأيمن من جبل طور سيناء، والجانب الأيمن هو في الحقيقة بالنسبة إلى موسى الكليم(ع)؛ لأن الجبل والوادي لا يمين لهما ولا شمال في أنفسهما، وإنما اليمين والشمال بالنسبة إلى الشخص صاحب اليمين والشمال الذي يقابلهما.

وكان النداء: <إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين>[2] وهو أول ما أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى الكليم(ع) وقلده الرسالة، وأمره بأن يذهب ومعه أخوه ووزيره وشريكه في الرسالة هارون(ع) إلى فرعون الطاغية وملئه المستكبرين في عقر دارهم، ويبلغهم رسالة رب العالمين إليهم، وعلل ذلك التكليف: بما عليه فرعون وملؤه من الإفراط في التكبر والعلو والطغيان.

وقد تمادى فرعون في غيه وطغيانه حتى ادعى الألوهية والربوبية بغير حق ولا حجة ولا برهان صحيح.

قول الله تعالى: <اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ>[3] مما يدل على مخالفة الطغيان لحقيقة الإنسان وفطرته وغاية وجوده، وما يترتب عليه من الفساد في الأرض والانحلال في السلوك والانحطاط في الحضارة، وأنه في غاية القبح والسوء في نفسه، وتجب مجاهدته في النفس، ومقاومة الطغاة بكل وسيلة مشروعة.

وأمر الله (جل جلاله) موسى الكليم(ع) أن ينهى فرعون الطاغية عن الطغيان بالقول اللين والأسلوب الجميل اللطيف، قول الله تعالى: <فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ>[4] أي: هل لك رغبة وميل إلى أن تطهر نفسك من قذارة الكفر والشرك والطغيان والعصيان وسائر الرذائل الروحية والأخلاقية والانحرافات السلوكية، لتكون لائقاً للارتقاء في مدارج كمال الإنسانية والقرب من الله العلي الأعلى ذي الجلال والإكرام والتخلق بأخلاقه واكتساب صفات كماله؟

والعبارة تدل على أن التجبر والطغيان رجس خبيث ونقص خطير في النفس الإنسانية ويجب على الإنسان بحسب فطرته وطبعه السليم وبما هو عاقل، أن يتطهر منهما لكي يتمكن من الارتقاء في مدارج الكمال الإنساني والقرب من الله العلي الأعلى ذي الجلال والإكرام والفناء فيه والبقاء به واكتساب صفات كماله: صفات الجمال، وصفات الجلال، فما يراه الطغاة في التكبر والتجبر على أنه كمال، هو في الحقيقة والواقع: رجس ونقص، ويجب على الإنسان بما هو إنسان، أن يتطهر منهما، إلا أن الطغاة لا يرون ذلك، بسبب فساد فطرتهم ومنطقهم، وأن دعوات الأنبياء الكرام(عليهم السلام): تتضمن الدعوة إلى تطهير النفس من الطغيان والتجبر، وتزكيتها بالتواضع والدخول في طور العبودية لله ذي الجلال والإكرام، وإعادتها إلى فطرتها السليمة التي خلقت عليها.

وعبارة: <فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ>[5]عرض فيه لطف ولين وترغيب بحكم الطبع الإنساني السليم لدى الإنسان السوي مستقيم الفطرة، كما يقول الرجل الكريم لضيفه: هل لك أن تنزل بنا؟ وقد تمت المخاطبة بلفظ <تَزَكَّىٰ>[6] بدلاً من «أزكيك» أو نحوها، ليدل على أن التزكية الحقة للنفس وتطهيرها، يجب أن تنبع من رغبة ذاتية صادقة في النفس، لا أن تفرض عليها من الخارج، وأن توفير أسس وظروف موضوعية خارجية لا تكفي، وإن كانت تلعب دوراً ثانوياً مكملاً، فالدور الأساسي الذي يبنى عليه تزكية النفس الحقة، هي الرغبة الذاتية التي تنبع من داخل النفس.

وأمر الله (جل جلاله) نبيه الكريم موسى الكليم(ع) أن يبين لفرعون الطاغية الطريق الوحيد إلى التطهر من رجس التكبر والتجبر والطغيان، والوصول إلى الكمال الإنساني اللائق به والمقدر له بحسب الحكمة الإلهية البالغة، وهو المعرفة بالله ذي الجلال والإكرام، وطاعته وعبادته وحده لا شريك له والفناء فيه والبقاء به والتخلق بأخلاقه واكتساب صفات كماله: صفات الجمال وصفات الجلال، قول الله تعالى: <وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ>[7].

أي: أرشدك إلى معرفة ربك ذي الجلال والإكرام، الذي خلقك وهو مالكك ومدبر أمرك وإليه مصيرك ومرجعك، وأهديك عن يقين لا يقبل الشك إلى توحيده وطريقة وعبادته، فتطمع في رضاه وثوابه فتطيعه، وتخشى عظمته وتخاف عدله وغضبه وسخطه وانتقامه وعقابه فلا تعصيه.

أي: تؤدي الواجبات الشرعية عليك، وتترك المحرمات، فهو الطريق الوحيد إلى الوصول إلى كمالك الإنساني اللائق بك والمقدر لك، ونجاتك من غضب الله(عز وجل) وانتقامه وعقابه والحصول على سعادتك الحقيقية في الدارين الدنيا والآخرة.

وعبارة: <فَتَخْشَىٰ>[8] تعني: الخشية الملازمة للإيمان الصادق والمعرفة الحقيقية بالله ذي الجلال والإكرام، والداعية إلى طاعته، والرادعة عن معصيته، فالخشية إنما تأتي أو تكون بعد المعرفة ولا تكون بدونها، قول الله تعالى: <إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ>[9] فكل من عرف الله ذا الجلال والإكرام حق معرفته، أطاعه حق طاعته، وارتدع أبداً عن معصيته، واتصف بالخيرية وعمل الصالحات، وتخلى عن الشر والأعمال القبيحة، وحسن مظهره ومخبره.

فالمعرفة بالله ذي الجلال والإكرام والخشية منه من جهة والخيرية والصلاح من جهة ثانية متلازمان لا ينفكان عن بعضهما، والمعرفة والخشية من جهة والشرية والفساد من جهة متناقضان لا يجتمعان.

وعليه: يلزم من المعرفة بالله ذي الجلال والإكرام والخشية منه، الشعور العميق بالمسؤولية والاتصاف بالخيرية والأمانة والوفاء ونحوها، وترك التجبر والتكبر والطغيان والعصيان والاستكبار من الأصل أو بالتوبة الصادقة النصوحة، والرجوع إلى الله(عز وجل)، وعدم تعدي طور العبودية لله رب العالمين بأي شكل من الأشكال وفي أي حال من الأحوال أو ظرف من الظروف وتحت تأثير أي عامل من العوامل.

نعم قد يتظاهر بعض المنافقين بالخشية بهدف خداع الضحية فيأمن له ثم يباغته بالانقضاض المفاجئ عليه، أو من أجل أن يضفي الشرعية على جرائمه، وهؤلاء المجرمون من المنافقين إنما ينخدع بهم البسطاء من الناس، أما أصحاب البصائر العارفين بحالهم فلا ينخدعون بهم أبداً.

ولا تكون المعرفة بالله ذي الجلال والإكرام والخشية منه، إلا عن هداية ربانية، ورشد واستنارة عقلية في عملية التفكير.

وعبارة: <وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ>[10] عرض منطقي بليغ، سعى لاستنزال فرعون بلطف ومداراة عن دابة غروره وعتوه وكبريائه، إلى التواضع والطاعة لله ذي الجلال والإكرام، وهذا يدل على ضرورة اتصاف الدعاة والمصلحين بالرحمة والحرص الصادق على نجاة الناس ومصلحتهم، وليس التظاهر الخبيث بالنصح كما يفعل الفراعنة والحكام المستبدون الظلمة من أجل خداع الشعوب وتضليلهم بهدف تعزيز ملكهم وسلطتهم على الشعوب وسلب ثرواتها وخيراتها بغير حق، وإحاطة الدعاة من يريدون هدايته باللطف والرعاية والمحبة وتحسيسه بحسن نيتهم ونبل مقاصدهم، واستخدام اللين والأساليب الجميلة في الخطاب، ولا يكفي إقامة الدليل المنطقي، وإن كان ذلك كافياً لدى الخاصة الذين ينذر وجودهم بين الناس في المجتمعات، قول الله تعالى: <لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ>[11]

وذكر الهداية بعد التزكية: <هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ 18 وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ>[12] للدلالة على أن تزكية النفس وتطهيرها، مقدمة يجب أن تسبق الهداية، فلا تتم الهداية إلا بها، قول الله تعالى: <ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِين>[13] فالمتقون قد تلبسوا في الحقيقة بهداية ربهم الخاصة، بسبب اتصافهم بما سبق من سلامة الطبع وتصفية النفس وطهارتها من الصفات الخبيثة، مثل: العناد والتعصب الأعمى والاستكبار على الحق ونحوها، وقبولهم لما ينسجم مع الفطرة ومنطق العقل السليم، فهم بين هدايتين:

أ.  هداية فطرية سابقة صاروا بها متقين.

ب. هداية قرآنية لاحقة إكراماً من الله تبارك وتعالى لهم بسبب تقواهم السابق.

فذهب موسى الكليم بمعية أخيه هارون(عليهم السلام) إلى فرعون وملئه يحملان معهما رسالة ربهما إليهم، وأبلغوهم برسالة ربهم إليهم بلطف ولين وترغيب وأسلوب جميل كما أمرهما ربهما، وأراهم موسى الكليم(ع) المعجزة النيرة الساطعة الكبرى، وهي: قلب العصا حية حقيقية عظيمة، وسماها الله(عز وجل) <الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ>[14] لأنها كانت الأصل، والثانية وهي اليد السمراء التي تخرج بيضاء من غير مرض تشع نوراً عظيماً كالتابع لها، وقيل: أراد بالآية الكبرى: العصا واليد، وجعلهما واحدة للجنس، أو لأنّ الثانية كأنها من الأولى لكونها تابعة لها، وهي تثبت بشكل قاطع وبما لا يقبل الشك أو الريب أو التردد صدق دعواهما في النبوة والرسالة من رب العالمين سبحانه وتعالى.

إلا أن فرعون وملأه أخذتهم العزة بالإثم، واستكبروا على الحق وأهله وجحدوه، تحت تأثير التجبر والتكبر والغرور والشعور بالقوة الزائفة وعزة الملك والسلطان، حيث لم ينفع معهم اللطف واللين والأسلوب الجميل في الخطاب، وإظهار المحبة والحرص والرعاية، وإظهار المعجزات النيرات الباهرات والبينات الواضحات والأدلة والبراهين العقلية الساطعة القاطعة ونحوها، فلم يصدقوا موسى الكليم(ع) ولم يقتنعوا بما جاءهم به من عند رب العالمين من المعجزات والبينات ولم يذعنوا للحق المبين.

بل كذبوا موسى الكليم(ع) وعصوه فيما أمرهم به من الواجبات وترك المحرمات، واتهموه بالسحر والخداع والتضليل، ووصفوا ما جاءهم به من المعجزات النيرات العظيمة بالسحر، واتهموه كذباً فوق ذلك: بأن له أهدافاً سياسية انقلابية خبيثة، وهي: الانقلاب على النظام الفرعوني القائم، بهدف إسقاطه والسيطرة على الحكم والثروة، وطرد الأقباط من مصر للاستئثار بالحكم والثروة، كما هو دأب الفراعنة والحكام المستبدين الظلمة في كل عصر ومصر، إذ يرمون الأولياء الصالحين، والمصلحين الشرفاء، والمطالبين المخلصين بحقوق الإنسان: الطبيعية والمكتسبة بداء أنفسهم الخبيثة، خارجين بذلك عن طور العبودية لله الواحد القهار، وعن حقيقة الإنسانية وملكاتها، ومخالفين للعقل والمنطق والفطرة والطبع الإنساني السليم، وقرروا أن يقابلوا المعجزات الإلهية التي جاء بها موسى الكليم(ع) من عند رب العالمين بالسحر، زاعمين ظلماً وعدواناً على الحقيقة بأنها من جنس السحر لا غير، فقالوا: <أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ 57 فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ>[15].

وبذلك: فقد تولى فرعون وملؤه وأعرضوا عن الإيمان وطاعة الرحيم الرحمن، وعملوا بجد واجتهاد في إظهار العناد والطغيان والعصيان والفساد في الأرض، وتدبير الكيد والمكر السيء لمعارضة موسى الكليم(ع) ومحاربته والسعي لإبطال دعوته، فبعث فرعون كبار ضباط جيشه ومعهم الجنود إلى جميع أنحاء مصر ومدنها وقراها، ليجمعوا له من كان فيها من السحرة المهرة العارفين بفنون السحر، والواقفين على دقائقه، والمطلعين على خباياه وأسراره، ويحشروهم في يوم العاصمة: طائعين أو كارهين، ليبارز بهم موسى الكليم(ع) في يوم الزينة «يوم العيد» المتفق عليه موعداً للمبارزة في الساحة العامة، ليثبتوا بسحرهم العظيم، كذب دعوى موسى الكليم(ع) النبوة والرسالة من رب العالمين.

كما جمع قومه الفاسقين وأهل مملكته أجمعين، ونادى فيهم بصوت مسموع، وقيل: أمر منادياً ينادي في محافلهم ومجالسهم، بقوله: <أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ>[16] أي: إنه زعم الربوبية العليا لأهل مملكته جميعاً، وليس لطائفة أو جماعة منهم خاصة، فبيده حياتهم وأرزاقهم وتدبير شؤونهم، ويحفظ بإرادته صلاح أمورهم، ولا إله لهم ولا رب فوقه، فهو أعلى في الربوبية من جميع الأرباب التي يقول بها قومه، ويفضل نفسه على سائر آلهتهم، ويجعل نفسه أقرب إله من رب الأرباب وإله الآلهة «واجب الوجود» الذي لا يمكن إدراك حقيقة ذاته ولا يمكن التوجه إليه مباشرة، وإنما يتوجه إليه ويتقرب بواسطة الآلهة غيره، مثل: الآصنام والفراعنة ونحوهم.

وهذه الحالة المرضية تنتاب كل حاكم يقع تحت تأثير الغرور والتكبر والتجبر والأنانية المفرطة وفقدان البصيرة بالذات والمصير، ويبتلي بغفلة جماهير الشعب، وضعف عقول النخبة السياسية والاقتصادية والفكرية والفنية والمهنية، وإذعانهم له وانقيادهم تحت تأثير التعصب الأعمى أو الخوف أو الطمع فيغتر بذلك، وقد يدعي الألوهية والربوبية والمالكية، أو يتصرف عملياً وكأنه إله، مع أنه يعلم في قرار نفسه علم اليقين: أنه بشر كسائر البشر، مخلوق وليس خالق، ومرزوق غير رازق، وأنه فقير وضعيف ومحتاج في نفسه، يجري عليه نفس ما يجري على غيره من البشر من الأحوال، فهو يتنفس ويأكل ويشرب وينكح ويمرض ويموت وغيره.

لكن غفلة الجماهير وتملق النخبة الفاسدة ومسايرتهم له وإذعانهم إلى باطله، وتنازل الجميع عن حقوقهم الأساسية: الطبيعية والمكتسبة، وعن إنسانيتهم وعزتهم وكرامتهم وانحنائهم طائعين له، أغراه كما يغري غيره من الفراعنة والطواغيت والحكام المستبدين والمترفين، بالتمادي في غيهم والظلم والطغيان والاستكبار والعصيان، وإن وجد من يصدقه، فسوف يدعي الألوهية والربوبية، ويقول: <أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ>[17] كما فعل فرعون، ولن يتعفف عن ذلك!! قول الله تعالى: <كَلَّا إِنَّ الإنسان لَيَطْغَىٰ 6 أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ>[18] أي: إن الإنسان إذا ملك السلطة والقوة والثروة، فإنه يتمادى في الطغيان والفساد، ما لم يوجد من يراقبه ويحاسبه ويأخذ بيديه ويمنعه، مما يدل على ضرورة المراقبة والمحاسبة الشعبية والبرلمانية والقضائية على الحكام ومعاقبتهم على المخالفة، من أجل منعهم عن الظلم والطغيان والفساد في الأرض بجميع أشكاله.

وكان الذي كان من فرعون الطاغية؛ لخوفه الشديد على نظامه السياسي الفرعوني الفاسد من الانهيار، وعلى موقعه وهيبته ومكانته الدينية والمدنية وامتيازاته المعنوية والمادية من الضياع؛ لأن عقيدة التوحيد التي يدعو إليها موسى الكليم(ع) تنقض ما يدعيه لنفسه من الألوهية والربوبية الباطلة، وذلك: رغم تطمين موسى الكليم وهارون(عليهم السلام) له ببقاء ملكه ودوام عزه إن هو أسلم لرب العالمين وأطاعه، أي: إن هدف موسى الكليم وهارون(عليهم السلام) هو الهداية والإصلاح، وليس السيطرة على الحكم والثروة والتمتع بالامتيازات، إلا أن فرعون لغروره وطغيانه، يرى نفسه فوق الحق وفوق أن يؤمر أو ينهى.

ولما فشلت الدبلوماسية والأساليب السلمية والإجراءات الأمنية والحيل في القضاء على الدعوة وإيقافها، ونجح موسى الكليم(ع) بالخروج ببني إسرائيل من مصر ليلاً خفية على فرعون وأعوانه، متوجهاً إلى فلسطين المقدسة، ثم علم فرعون بخروجهم، وخشى أن تقوى شوكتهم هناك، ويعقدوا تحالفات سياسية وعسكرية ضده، فجمع جنوده وحشد أنصاره وخرج في أثرهم بجيش جرار ضخم لا قبل لبني إسرائيل به، بهدف القضاء المبرم عليهم واستئصال شأفة وجودهم.

مما يدل على فرط عناده وإصراره مع أعوانه على الكفر والطغيان والعصيان واستكبارهم على الحق وأهله، ولم يستفيدوا من المعجزات النيرات الباهرات والبينات والحجج الواضحات، والأدلة والبراهين الساطعة القاطعة، والمواعظ الصادقة والنصائح المخلصة.

ولأنهم يشكلون خطراً جدياً شديداً على الإنسانية ومسيرتها التكاملية، ولأن تركهم وشأنهم مع القدرة عليهم مخالف للحكمة الإلهية البالغة ولسنن الله(عز وجل) في الكون والحياة، فقد أخذهم الله(عز وجل) أخذ عزيز مقتدر، وعاقبهم بذنوبهم، فأغرقهم أجمعين في نهر النيل العظيم، الذي كان مصدر حياتهم وعزهم وثروتهم وقوتهم وحضارتهم وفخرهم، ولم يُبقِ منهم أحداً، وألحقهم بعد هلاكهم لعنة دائمة مستمرة، من الله (جل جلاله) ومن الملائكة ومن الناس أجمعين، حتى يرث الله(عز وجل) الأرض ومن عليها، وأدخلهم بعد هلاكهم إلى نار البرزخ ثم يدخلهم في يوم القيامة بعد البعث والنشور إلى نار جهنم خالدين فيها أبداً.

وقدم الله تبارك وتعالى ذكر عذاب الآخرة على عذاب الدنيا، بقوله تعالى: <فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأولَىٰ>[19] مع أن عذاب الدنيا متقدم زماناً على عذاب الآخرة، إشارة إلى أن عذاب الآخرة هو الأشد، وهو العذاب الدائم الذي لا يزول، بينما عذاب الدنيا أخف وإلى زوال، ويجب بحكم العقل والفطرة: اتقاء عذاب الدنيا والآخرة، إلا أن اتقاء عذاب الآخرة يجب أن يكون أشد وبشكل لا يقبل التساهل.

وقيل: <فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأولَىٰ>[20] المراد: نكال كلمته الآخرة، وهي قوله: <أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ>[21] ونكال كلمته الأولى، وهي قوله: <مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي>[22] وبينهما أربعون سنة، وإتماماً للحجة عليه، وفي الحديث النبوي الشريف: «قال جبرئيل: قلت يا رب تدع فرعون وقد قال: <أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ>[23] فقال: إنما يقول هذا مثلك من يخاف الغوث»[24].

وقد ورث بنو إسرائيل المستضعفون بعد هلاك فرعون وجنوده الأرض والسلطة والثروة والمقدرات، مما يدل على أن الله (جل جلاله) لا يتخلى عن عباده المستضعفين المجاهدين، الذين يلتزمون بالتكليف الإلهي، بالصبر والمقاومة وتقديم التضحيات اللازمة، التي بها يستحقون الثواب، ويتأهلون لتحقيق الخلافة الإلهية للإنسان في الأرض، وإقامة حضارة إنسانية راقية ومتكاملة ومتوازنة، تتجسد فيها صفات الكمال الإلهي، وتلبي جميع احتياجات الإنسان الفكرية والروحية والمادية.

وأن الباطل مهما قويّ واستعلى ووجد له أنصاراً وأعواناً وأتباعاً كثر، فإنه ينهزم لا محالة في نهاية المطاف أمام راية الحق وأنصاره ويزول؛ لأن الحق قوي في نفسه ومدعوم بقوة العقل والمنطق السليم والفطرة والسنن الإلهية الحاكمة في الكون والحياة، والباطل ضعيف في نفسه، ومخالف للعقل والمنطق السليم والفطرة والطبع الإنساني، ومناهض للسنن الإلهية الحاكمة في الكون والحياة، قول الله تعالى: <وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا>[25].

ويعتبر المصير الأسود المأساوي الذي لحق فرعون الطاغية وجنوده وأتباعه المستكبرين على الحق والعباد، هو عينه المصير الأسود المؤلم الذي ينتظر كل الطغاة والفراعنة والحكام المستبدين الظلمة والمترفين المستغلين وأتباعهم الظالمين، الذين يسعون في الأرض فساداً ويعملون وفق إرادتهم ومصالحهم على الشعوب المستضعفة بغير حق، متبعين شتى الطرق وبالأساليب الدنيئة؛ مثل: المكر والخداع والكذب والتضليل، والعنف والإرهاب، وإشعال الفتن الدينية والطائفية والعرقية، وشراء الذمم والضمائر الرخيصة، وتصفية المعارضين: بدنياً ومعنوياً، عن طريق القتل والسجن والتشريد وتشويه السمعة، ونحو ذلك.

وينبغي أن يعلم: أن كل من يدعي ما ليس فيه من الفضائل، ويحب أن يمدح بما لم يعمل، ويأخذ ما ليس له، ويتولى من المناصب ما هو ليس أهلاً له، ونحو ذلك، فهو على مبدأ فرعون ومنهجه في الحياة، وقد ثبت بالتجربة: أن الإنسان إذا تولى منصباً قيادياً أكبر من كفائته فإنه إما أن يتحلى بالواقعية والشجاعة الأدبية فيعترف بعدم كفائته ويترك المنصب، أو يظهر ضعفه ويفرض نفسه عليه ويفشل، أو يتقوى بالإدعاءات الباطلة فيفسد، والفشل أقل ضرراً من الفساد.

والعاقبة السيئة المذمومة التي لحقت بفرعون وجنوده وأتباعه الظالمين، بأن أهلكهم الله(عز وجل) أجمعين، رغم قوتهم وكثرتهم، وأزال ملكهم ودولتهم – والتهديد الإلهي بأن يكون نفس العاقبة السيئة والمصير الأسود لكل من يعمل مثل عملهم – له أكبر الأثر في نفوس المجاهدين المستضعفين، يشحذ همتهم، ويقوي عزيمتهم، ويجعلهم يعيشون الأمل بالنصر على الأعداء والتمكن منهم، ويبعد عنهم اليأس والقنوط، ويزيل عنهم الشعور بالتعب والضعف، ويشعرهم بالأنس في جميع الأحوال والظروف.

وهي عبرة بالغة ودرسٌ شاخصٌ لكل الأجيال عبر التاريخ، يعتبر بها كل إنسان عاقل شأنه الخشية والاعتبار، يخشى الله(عز وجل)، ويخشى الشقاء والعذاب وسوء العاقبة والمصير، بحكم غريزته وسلامة طبعه وفطرته، فيتدبر الأحوال والعواقب بعقله وضميره، ويحتاط تمام الاحتياط لنفسه، فلا يفعل مثل ما فعل فرعون وملؤه، ولا يعمل مثل عملهم الخبيث السيء، لئلا تكون له نفس العاقبة السيئة المذمومة ونفس المصير الأسود، ويحل عليه ما حل بهم من الهلاك والخزي واللعن ما بقي الدهر، والعذاب المهين في عالم البرزخ، ثم العذاب المؤلم العظيم الخالد في نار جهنم في الآخرة.

وذلك: بحكم العقل والمنطق السليم، وجرياً على السنن الإلهية الحاكمة في الكون والحياة، وهي سنن ثابتة لا تقبل التغير والتبديل، قول الله تعالى: <اسْتِكْبَارًا فِي الأرض وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأولِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا>[26].

وكل عاقل سليم الطبع والفطرة يخشى الله سبحانه وتعالى، ويخشى الشقاء والعذاب والعاقبة السيئة والمصير الأسود والذكر السيء في الحياة، ويتدبر بعقله العواقب ويحتاط لنفسه تمام الاحتياط، أما من يتجاهل عقله وضميره ويذهل عن نفسه وعن السنن الإلهية الحاكمة في الكون والحياة، فتهجم عليه الدواهي وتأخذه من مأمنه.

وعليه: لا يوجد مؤمن حقيقي صادق الإيمان واليقين، ولا عاقل فطن سليم الطبع والفطرة، يعمل مثل عمل فرعون وملئه، وكل من يفعل مثل فعلهم من الطواغيت الضالين والفراعنة المتجبرين، والحكام المستبدين الظلمة، والمترفين المستغلين الأنانيين، وأتباعهم من الإنتهازيين النفعيين الفاسدين، فهو ليس بمؤمن حقيقة أو عملياً، حتى وإن تظاهر بالإيمان نظرياً وصلّى وصام، وليس بإنسان حقيقة حتى وإن كان أجمل الناس هيئة وأكثرهم مالاً وجنداً وقوة وعتاداً وأعظمهم ملكاً وجاهاً.

وفي عبارة: <وَأَهْدِيَكَ إلىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ>[27] مدح وثناء لكل إنسان يخضع لمنطق العقل والشرع، ويحافظ على سلامة طبعه وفطرته، ويخشى من الله(عز وجل) حق خشيته، فيؤدي الواجبات ويزيد من المستحبات، ويترك المحرمات وما يستطيع من المكروهات، ويتدبر العواقب، ولديه الشعور بالمسؤولية، ويحاسب نفسه في جميع سلوكه وتصرفاته على ضوء أحكام العقل والدين.

وفي هلاك فرعون وملئه دليل على صدق نبوة موسى الكليم وهارون(عليهم السلام) وصدق رسالتهما من الله رب العالمين إلى الناس، ويثبت ربوبية الله سبحانه وتعالى للناس جميعاً، وهدفية الخلق، والبعث والجزاء: الثواب بالجنة والرضوان، والعذاب بالنار والحرمان في يوم القيامة، وإثبات ضرورة النبوة والرسالة والهداية الربانية للناس في الحياة، لبلوغ كمالهم الإنساني اللائق بهم والمقدر لهم في أصل الخلق وفق الحكمة الإلهية البالغة والحصول على السعادة الإنسانية الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة.


  • [1]. النازعات: 15-26
  • [2]. القصص: 30
  • [3]. النازعات: 17
  • [4]. النازعات: 18
  • [5]. نفس المصدر
  • [6]. نفس المصدر
  • [7]. النازعات: 19
  • [8]. نفس المصدر
  • [9]. فاطر: 28
  • [10]. النازعات: 18
  • [11]. التوبة: 128
  • [12]. النازعات: 18-19
  • [13]. البقرة: 2
  • [14]. النازعات: 20
  • [15]. طه: 57-58
  • [16]. النازعات: 24
  • [17]. نفس المصدر
  • [18]. العلق: 6-7
  • [19]. النازعات: 25
  • [20]. نفس المصدر
  • [21]. النازعات: 24
  • [22]. القصص: 38
  • [23]. النازعات: 24
  • [24]. الخصال، صفحة 346
  • [25]. الإسراء: 81
  • [26]. فاطر: 43
  • [27]. النازعات: 19
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك – الجزء الثاني | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟