نجاة مؤمن آل فرعون وهلاك فرعون وجنوده
ولم يترك الله القوي العزيز عبده الصالح مؤمن آل فرعون الناصح الأمين لقومة وحيداً في ساحة النزال أمام الذئاب البشرية المفترسة بدون رحمة، بل حماه من مكر فرعون وحاشيته وبطانته الفاسدة الذين أضمروا له السوء وعزموا على قتله، وحماه من خططهم الشيطانية التي حاكوها للإيقاع به والانتقام منه بكل وسيلة؛ لأنه أظهر معارضتهم وأبدى ما يكرهون وأعلن موافقته التامة لموسى الكليم(ع) فيما يدعوهم إليه من التوحيد والإيمان بالنبوة والعمل من أجل الآخرة، وفيما يطالب به النظام الفرعوني الفاسد من الإصلاح السياسي والحقوقي والعدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات على أساس المواطنة ونحو ذلك من المطالب الشرعية الواقعية.
وهذا أمر لا يحتمله الحكام المستبدون الظلمة والقائمون على الأنظمة الدكتاتورية، حيث تضيق صدورهم من حرية الكلمة والمطالب الإصلاحية والحركات الإصلاحية والثورية، فقد أغضب مؤمن آل فرعون بأطروحاته الجريئة فرعون وحاشيته غضباً شديداً، واشتد حنقه عليه فأرادوا به شراً وخططوا للكيد والإيقاع به والانتقام منه بكل وسيلة، فحفظه الله(عز وجل) من كيدهم الباطل ومكرهم السيء، وكف بأسهم الشديد عنه وأبطل مفاعيل مخططاتهم الشيطانية والخبيثة، وأنجاه منهم وخلصه من شرهم، وعلى العكس مما يريدون: انقلب كيدهم ومكرهم السيء على أنفسهم، فالله (جل جلاله) ولي الذين آمنوا وهو الذي يدافع عنهم ويحميهم ويكفيهم شر عدوهم، ويخلصهم منه، وفق مقتضى حكمته وحسن تدبيره في الحياة، قول الله تعالى: <إِنَّ اللَّـهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ>[1].
أي: إن الله(عز وجل) يدفع الأعداء وغوائل المشركين والكفار ووساوس الشيطان الرجيم وشرور أنفسهم وسيئات أعمالهم ويحمل عنهم عند نزول البلاء والمكاره ما لا يتحملون، وذلك بسبب إيمانهم وصبرهم على البلاء والمكاره وجهادهم في سبيل الله(عز وجل)، وأن الله سبحانه وتعالى يحب كل أمين قائم بأمانته وشكور لمولاه على نعمه، وفي المقابل لا يحب كل من يخون دينه وإنسانيته وضميره ووطنه ويتخلى عن مسؤولياته الإنسانية والدينية والوطنية وعن تكليفه الشرعي تحت الخوف والطمع أو التملق أو نحو ذلك، ويكفر بنعم الله تبارك وتعالى الظاهرة والباطنة ويجحد بها ويخون الأمانة التي حمله الله (جل جلاله) إياها، أمانة الحكم والرعاية للأمة وشؤونها العامة، ويجحد المعروف والإحسان ويسيء لمن نصح له، فهذا مبغوض إلى الله (جل جلاله) وممقوت عنده وسيجازيه بعدله على كفره وخيانته.
وقيل: أن حزقيل «مؤمن آل فرعون» انتهز فرصة مناسبة فالتحق بموسى الكليم(ع) وعبر البحر مع بني إسرائيل فكان من الناجين معهم وكانت عاقبته إلى السعادة الأبدية الحقيقية، وقيل: أنه هرب إلى جبل وبقي مختفياً فيه، وجمع بعض العلماء بين القولين، بالقول: أنه هرب إلى الجبل في أول الأمر ثم التحق بموسى الكليم(ع) وكان من الناجين مع بني إسرائيل. وفي الحديث عن الإمام الصادق(ع): «كان حزقيل يدعو قومه إلى توحيد الله سبحانه وتعالى ونبوة موسى(ع). وإلى البراءة من ربوبية فرعون، فوشى به الواشون إلى فرعون وقالوا: إن حزقيل يدعو إلى مخالفتك ويعين أعداءك على مضادتك. فقال لهم فرعون: ابن عمي وخليفتي على ملكي وولي عهدي إن فعل ما قلتم استحق أشد العذاب على كفره بنعمتي، وإن كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم أشد العذاب لإيثاركم الدخول في مساءته، فجاء بحزقيل وجاء بهم فكاشفوه وقالوا: أنت تجحد ربوبية فرعون الملك وتكفر بنعماه. فقال حزقيل: أيها الملك!! هل جربت عليّ كذباً قط؟ قال: لا. قال: فسألهم من ربهم؟ قالوا: فرعون هذا. قال: ومن خالقكم؟ قالوا: فرعون هذا. قال: ومن رازقكم الكافل لمعائشكم والدافع عنكم مكارهكم؟ قالوا: فرعون هذا. قال حزقيل: أيها الملك فأشهدك وكل من حضرك أن ربهم هو ربي وخالقهم هو خالقي ورازقهم هو رازقي ومصلح معائشهم هو مصلح معائشي لا رب لي ولا خالق لي ولا رازق لي غير ربهم وخالقهم ورازقهم، وأشهدك ومن حضرك أن كل رب ورازق وخالق سوى ربهم وخالقهم ورازقهم فأنا بريء منه ومن ربوبيته، وكافر بإلاهيته، يقول حزقيل هذا، وهو يعني أن ربهم هو الله ربي، ولم يقل أن الذي قالوا أنه ربهم هو ربي، وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره، وتوهم وتوهموا أنه يقول فرعون ربي وخالقي ورازقي، فقال لهم فرعون يا رجال السوء ويا طلاب الفساد في ملكي ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمي وهو عضدي، ثم أمر بالأوتاد فجعل في ساق كل واحد منهم وتد وفي صدره وتد، وأمر أصحاب أمشاط الحديد فشقوا بها لحومهم من أبدانهم»[2]
وقد جرت عادة بطانات السوء على مثل هذه الوشاية بالصالحين والمصلحين تملقاً إلى الدكتاتور وخوفاً على مصالحهم ومكانتهم من الضياع وهؤلاء يستحقون أن يمكر بهم جزاء نيتهم الخبيثة وأعمالهم السيئة.
وقيل: إن فرعون وحاشيته سطوا على حزقيل الرجل الصالح والناصح الأمين لقومه وقتلوه، ونال بذلك شرف الشهادة العظيم، أو قطعوه بعد قتله إرباً إرباً ولكن الله(عز وجل) ثبته على الدين الحق ورسخ قدمه في طريق الهدى والإيمان ووقاه من سوء المنقلب والارتداد بأن يفتنوه بمخططاتهم الشيطانية الخبيثة عن دينه الحق، بالانحراف تحت تأثير الإغراء والتخويف والتعصب ونحو ذلك من أسباب الضلال والانحراف والانزلاق عن الدين الحق والهداية المستقيم.
وهكذا يكون حال كل مؤمن صادق استكمل شمائل الإيمان الصادق الحقيقي، وجاهد بكلمة الحق ضد الظلم والطغيان والفساد والاستبداد فإنه يكون بعين الله عز جل لا يصيبه سوء إلا بإذن الله، وإن أصابه سوء ففي سبيل الله (جل جلاله) ولحكمة بالغة من الله سبحانه وتعالى وعلى الله تبارك وتعالى جزاؤه، وفي جنة الخلد مقامه وإلى عرش الله ذي الجلال والإكرام مزاره، وفي النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى وأنوار قدسه والتحدث إليه بهجته وقرة عينه وسروره.
وفي مقابل نجاة حزقيل (مؤمن آل فرعون) وحسن عاقبته، أحاط بفرعون وأتباعه الضالين المكذبين بما جاءهم من عند رب العالمين من المعجزات والبينات سوء العذاب، وهلكوا بالغرق في مياه البحر عن آخرهم في صبيحة واحدة، ولم ينجُ منهم أحد أبداً. كان ذلك عذابهم في عالم الدنيا أما بعد الموت والرحيل عن عالم الدنيا فسوف يلحقهم عذاب النار في البرزخ، يعرضون عليها في قبورهم صباحاً ومساءً دائماً من غير انقطاع إلى يوم القيامة. في صحيحي البخاري ومسلم وفي مجمع البيان وغيرهم قول الرسول الأعظم الأكرم(ص): «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغدي والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة، فإذا قامت القيامة يلحقهم عذاب الآخرة العظيم الخالد في نار جهنم، إذ يقول الله تعالى لملائكة العذاب: أدخلوا فرعون وأتباعه في جهنم إلى المكان الذي يذوقون فيه أشد العذاب فيها وأعظمه، فكانت عاقبتهم إلى الشقاء الأبدي الكامل»[3].
وقيل: أن عبارة <النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا>[4] تدل على أن الكفار يعذبون في عالم البرزخ بالعرض على النار، أي: من بعيد، ويعذبون في عالم الآخرة بعد البعث والنشور بالإدخال فيها، ولا شك ولا ريب فإن الإدخال فيها أشد عذاباً من العرض عليها.
وقيل: أن ذكر الغدو والعشي في العذاب البرزخي فيه إشارة إلى الوقت الذي يقترن عادة في حياة الفراعنة والمترفين مع أوقات لهوهم واستعراض قوتهم وإظهار جبروتهم وطغيانهم، وهذا لا يتنافى مع دوام العذاب وعدم انقطاعه، وإنما يشير فقط إلى أوقات اشتداده وما في ذلك من العبرة والموعظة، وهذه العقوبات الإلهية الشنيعة تنتظر المكذبين بالرسل الكرام(عليهم السلام) والمعاندين لأمر الله (جل جلاله) ونهيه، والساعين في الأرض بالظلم والطغيان والفساد من الفراعنة المتجبرين والحكام المستبدين الظلمة المترفين الأنانيين المستغلين وأعوانهم ومن لف لفهم ونهج نهجهم الباطل والمعتم بالظلمة في الحياة.
ويعتبر حزقيل (مؤمن آل فرعون) وأمثاله من الصالحين المصلحين الشرفاء حجة كافية على الناس أجمعين في تبليغ كلمة الحق والصدق والعدل وإيصالها واضحة صريحة إلى الناس: الحكام والرعية، بأسلوب رائع مقنع يشع منه النور والإخلاص والوفاء والمروءة ونحوها، وتثير في النفس إحساساً روحياً عميقاً ورعشة سماوية تصل العبد بربه في صفاء ونقاء سريرة، وهي حجة على النخبة: السياسية والاقتصادية والفكرية والأدبية والفنية ونحوها، التي تدعي الإيمان والوطنية وتسكت عن قول كلمة الحق والعدل والصدق، خوفا من العقاب أو طمعاً في الثواب: المصالح والمناصب. أو تملقاً أو تعصباً أو نحو ذلك.
فقد صدع مؤمن آل فرعون بكلمة الحق والصدق والعدل في وجه فرعون الطاغية وملئه من الأشراف وكبار الموظفين المدنيين والعسكريين، ووقف بشجاعة منقطعة النظير في وجوههم ولم يستوحش من الوحدة ولم يخف ولم يرتع رغم ما كانت لديهم من القوة وما كانوا يتصفون به من الشدة والقسوة، وهو لا يملك إلا نفسه وإيمانه وثبات جنانه، وضحى بالملك والجاه والمنصب والثروة وكل زخارف الحياة الدنيا وبهارجها، وذلك إيماناً منه بتكليفه الديني والوطني وبعدالة قضيته وسلامة موقفه ويقينه برجوعه إلى ربه (جل جلاله) في يوم القيامة، وحصوله على الثواب الجزيل من عنده.
وأثبت بأن المؤمن الصادق في إيمانه رجلاً كان أو امرأة يستطيع بصدقه وإخلاصه وقوة عزمه وإرادته وذكائه وحسن تدبيره وتصرفه وثبات جنانه أن يؤثر في إرادة أعتى الفراعنة والجبابرة، ويحبط المخططات الشيطانية الجهنمية الخبيثة ويقلب الموازين، وأن يوفر سبل النجاة للمؤمنين، ويمهد لهم سبيل الانتصار حتى وإن كان وحيداً لا يملك إلّا نفسه وإيمانه وقوة إرادته ومنطقه، ولا يوفق لمثل هذا الشرف العظيم إلا ذو بصيرة ويقين وحكمة وصبر وجلد وتحمل، وهذا يؤكد أهمية البصيرة والتخطيط والحكمة والتنويع في أساليب الدعوة والعمل السياسي: الثوري والإصلاحي، بحيث يكون مناسباً للظروف وفاعلاً في تحقيق الأهداف والغايات.
فقد يستحسن في بعض الأحيان التكتم وإخفاء القناعات والصدع بكلمة الحق، وذلك يتوقف على تشخيص متطلبات الواقع ومقتضيات الأهداف والغايات، كما يشكف عن دور السياسة وقوة المنطق والحكمة في التدبير والتصرف في دحر العدو الذي قد يتفوق مرات عديدة على دور السلاح المادي، والحذر من الجمود والخضوع للعاطفة والانفعال.
الجدير بالذكر أن مقولة فرعون: <وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ>[5] تدل على غلبة منطق السياسة والغلبة والمصلحة (البرجماتية) على منطق العقل والحجة والبرهان، والهيمنة عليه وعزل حياة الإنسان وواقعه القائم ومصيره الوجودي في الحياة عن الحقائق الوجودية والكونية، فلا قيمة للمعجزات الباهرات والبينات الواضحات والمنطق المتين والبيان الساحر الذي ينفذ إلى أعماق النفس، وكل ما جاء به موسى الكليم(ع) من عند رب العالمين ليثبت به صدق نبوته ورسالته؛ لأن المهم عند القوم أن موسى الكليم(ع) يريد أن يغير الدين الرسمي الموروث للدولة. أي: يريد أن يغير الهوية الدينية والثقافية والتاريخية للشعب ويضر بمصالح النخبة الحاكمة والمتنفذة، وهذا ما ينبغي الالتفات إليه والاهتمام به، وهو أمر مرفوض لديهم بغض النظر عما جاء به موسى الكليم(ع) من الحجج والبراهين والأدلة على صدقه وصواب منهجه وعدالة مطالبه، أو عليه أن يجابه ويحارب ويقتل ويقضى على دعوته.
وهذا عينه المنطق والمنهج السائد والمهيمن على السياستين الداخلية والخارجية، على الدول في عالمنا المعاصر، حيث يرفض بشكل قاطع أن تعمل جماعة على الدعوة إلى دين أو فلسفة مغايرة لما هو قائم، وتجرم الجماعة وتحارب بغض النظر عما تأتي به من حقائق وقوة منطق، وقد يصنف عملها في إطار العمالة للأجنبي والتدخلات الخارجية لدولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، وتعطي هذه الدولة التي تزعم التدخل في شأنها الداخلي لنفسها الحق في محاربة تلك الدولة إعلامياً وسياسياً وعسكرياً، تحت عنوان الدفاع عن النفس ونحوه، وهذا رجعية ما بعدها رجعية، ونقوص في المسيرة الإنسانية، يعيدها إلى العهود السخيفة التي تتجاهل إنسانية الإنسان وحقوقه الطبيعية، وقيمة الفكر في حياته.
وقد حاول مؤمن آل فرعون أن يفند هذا المنهج غير الإنساني المتخلف، ويرد الاعتبار لمنطق العقل والبرهان، ويعيد السيادة والهيمنة على منطق السياسة والمصلحة (البرجماتية) ويربط واقع الإنسان وخيره وسعادته ومصيره في الدارين الدنيا والآخرة بالحقائق الوجودية والكونية والسنن الإلهية والتاريخية الحاكمة على واقع الإنسان وحياته، ولا شك فإن كلام مؤمن آل فرعون ونصائحة كانت تعتمد على العقل والمنطق السليم وتخاطب وجدان الإنسان وضميره وتنفذ إلى من يسمع له ويستجيب إلى نصائحه الصادقة ودعوته المباركة، ولكن الإعلام الفرعوني المضلل والقائمين على النظام الفرعوني من السياسيين الفاسدين والمترفين الانتهازيين والمثقفين النفعيين أحالوا بين الناس وبين الاستجابة لنصائح مؤمن آل فرعون ودعوته، وأبعدوهم عن الحقيقة وأضلوهم ضلالاً مبيناً فأضروا بهم وغشوهم، وحالوا بينهم وبين خيرهم ومصلحتهم وأسباب سعادتهم في الدارين الدنيا والآخرة، واستعدوهم على أولياء الله الصالحين وعلى المصلحين الناصحين لهم، وهذا ما يجري في ظل الأنظمة الدكتاتورية والحكومات المستبدة الظالمة في كل عصر ومصر، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
كما يكشف الدور العظيم الذي قام به مؤمن آل فرعون في الحفاظ على حياة ولي الله الأعظم موسى الكليم(ع) عن أهمية التقية والمرونة في أساليب الدعوة والعمل السياسي الإصلاحي والثوري، فالتقية الحقيقية الصادقة النابعة من الإيمان والتي يؤتى بها عن وعي وبصيرة نافذة ليست دليلاً على الضعف والخوف ونحوهما، بل هي دليل على الرشد والحكمة والتمكين من أساليب العمل وأدواته وعدم الخضوع للعاطفة والانفعال، أي: التحلي بالواقعية والإجرائية في العمل، فالظروف قد تتطلب التكتم وإخفاء القناعات، وقد تتطلب الجهر وإظهار القناعات والصدع بالحق، ولا توجد ظروف مناسبة لجميع الحالات والممارسات، وعدم التمييز بين مختلف الظروف دليل على عدم الرشد وعدم الوعي، ويؤدي إلى الفشل في المهام والابتعاد عن تحقيق الأهداف والغايات.
فالتقية الحقيقية تمكن العاملين من إدارة الصراع مع الظالمين والبغاة بإحكام وبعيداً عن العواطف والانفعالات الهوجاء، وتتيح الفرصة إلى اختراق صفوف الأعداء واكتشاف أسرارهم ومخططاتهم لمقاومتها عن علم ودراية، والنفوذ إلى ذهنية العدو والعمل على تغييرها لصالح القضية العادلة والأهداف المشروعة، وتوجيه الضربات المباغتة للعدو، كما تعني التقية كتمان وإخفاء الخطط الاستراتيجية عن العدو والتمكن من مباغتته، ولولا التقية لما تمكن حزقيل (مؤمن آل فرعون) من النهوض بمسؤوليته في المحافظة على حياة ولي الله الأعظم موسى الكليم(ع)، ودوره المؤثر جداً في خدمة دعوته ورسالته وإحباط مخططات فرعون وحاشيتة للكيد بموسى الكليم(ع) والقضاء على رسالته، حتى قيل بحق وحقيقة: ليس هناك أفضل من الظفر بشخص مؤمن بالقضية العادلة والأهداف المشروعة يزرع في أجهزة العدو ومؤسساته ويعيش في أوساطه.
وتكتسب التقية أهمية استثنائية في أوقات المحنة واشتداد حدة الصراع وحين تكون الجماعة المؤمنة أو الإصلاحية أو الثورية والمعارضة قلة تخضع لأكثرية لا ترحم ولا تتعامل بمنطق، والتقية ليست عقيدة أو فكرة شيعية بل هي أسلوب عملي واقعي حكيم يعمل به ويلجأ إليه كل العقلاء في العالم على طول التاريخ وعرض الجغرافيا بوعي أو بدون وعي، باسم التقية أو بأي إسم آخر، فالمهم هو المضمون وليس الاسم أو العنوان.