مواضيع

تلقي الرسالة الإلهية

<فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ 30 وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ 31 اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِين>

فلمّا قرب من موضع النار وحضر عندها، وجدها تخرج من شجرة شديدة الخضرة لا تزيد النار إلا اشتعالاً لحظة بعد لحظة، ولا تزداد الشجرة إلا خضرةً وجمالاً، فلا حرارة النار تحرق الشجرة ولا رطوبة الشجرة تطفئ لهب النار أو تبطئ توقدها، وسمع تسبيح الملائكة ورأى نوراً عظيماً يملأ الوادي فألقيت عليه السكينة وشملته الهيبة والوقار، وسمع نداءً ربانياً ملأ كيانه وطربت إليه روحه وأنست به نفسه وسكنت روعته وذهبت عنه الوحشة، وكان النداء من جانب الطور الأيمن وهو الجبل المسمى طور سيناء الذي كلم الله سبحانه وتعالى عبده ووليه موسى بن عمران(ع) عليه تكليماً، ويقع الجبل عن يمين الوادي المباركة. والمراد بالأيمن يمين موسى الكليم(ع) لا الجبل ولا الوادي؛ لأن الجبل والوادي الأيمن بمعنى: الأبرك أو الأكثر بركة من اليمن والبركة، بدليل قول الله تعالى: <أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا>[1] والبقعة المباركة هي البقعة من الوادي التي كانت الشجرة النورانية التي نودي منها موسى الكليم(ع) ثابتة فيها، ومباركتها لتشرفها بأن جعلها الله تبارك وتعالى موضعاً لتكليم موسى الكليم(ع) واصطفائه بالرسالة، ولكثرة من فيها من الأنبياء الكرام من ذرية إبراهيم الخليل(ع) من بني إسرائيل، ولكثرة خيراتها.

على أن كلام الله سبحانه وتعالى لم يكن قائماً بالشجرة كقيام الكلام بالمتكلم؛ بحجة أن الكلام عرض يحتاج إلى محل يقوم به، وإنما كانت الشجرة الحجاب الذي احتجب كلام الله سبحانه وتعالى به، حيث كلم الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم موسى بن عمران(ع) من ورائه بما يليق بساحة قدسه من معنى الاحتجاب قول الله تعالى: <وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ>[2].

أي: إن الله تبارك وتعالى خلق الكلام في الشجرة، وهذا يدل على أن كلام الله حادث وليس بقديم؛ لأنه فعل كسائر أفعاله سبحانه وتعالى، وكان الكلام من الله سبحانه وتعالى مباشرة، أي: بدون واسطة الملك، ويعتبر التكليم والوحي من غير واسطة الملك أعلى منازل الوحي ومراتب الأنبياء الكرام(عليهم السلام)، وكانت هذه اللحظة هي لحظة نزول الوحي على قلب موسى الكليم(ع) وإشراقه في قلبه وأنسه بكلام ربه، وكانت بلا شك: أعظم وسام ناله موسى الكليم(ع) في حياته، وكانت ألذ لحظة روحية في نفسه الطاهرة الشريفة، ولهذا قال الله تبارك وتعالى: <وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا>[3] أي: أدنيناه وقربناه تقريباً معنوياً بتقريب المنزلة لدينا من أجل المناجاة معنا، وقال الله تبارك وتعالى له: إني أنا الله الذي يشافهك، فاخلع نعليك تأدباً وتواضعاً، إنك في الوادي المقدس طوى، وقال في مناجاته له: تبارك من تجلّى لك بكلامه وقدرته وظهور سلطانه من النار.

وبارك الله في النور المتقد بالنار، فالذي رأيته يا موسى وحسبته ناراً هو في الحقيقة ليس ناراً، وإنما هو نور إلهي مقدس خلقته بقدرتي وهديتك إليه بفضلي ورحمتي وأنت الذي تقف إلى جانب هذا النور مبارك أيضاً؛ لأني قد اخترتك للنبوة والوحي واصطفيتك للرسالة، تبشر عبادي المؤمنين بثوابي وتنذر الكافرين والمنافقين والعاصين بعقابي، وتنشر بركة رسالتك مني في الأرض بين عبادي بأعمالك الصالحة وهدايتك الناس إلى معرفتي وطاعتي وعبادتي وإصلاح أحوالهم وأوضاعهم بأمري، فاستمع لما يوحى إليك مني، وبارك الله تعالى فيمن حول النار معك من الملائكة المسبحين المقربين من ساحة القدس الذين يحيطون بتلك البقعة المقدسة المباركة.

يا موسى!! إنني أنا الله رب العالين الذي يشافهك، الخالق المالك المدبر للعوالم كلها، فكافة العوالم مربوبة لي، وأنا الله العزيز الذي قهر جميع الأشياء، ولا يمتنع عليه شيء، وأذعنت له كل المخلوقات، والذي جاء بالأمور الخارقة، الذي لا يغلبني شيء فيما أريد وأعزم عليه من خلق وتدبير، الحكيم الباني خلقي وتدبيري وفعلي وجميع أموري على الحكمة والإحكام والاتقان، فأضع الأشياء كلها في مواضعها وأنزلها جميعها في منازلها، ومن حكمتي وحسن تدبيري أن اختارك لرسالتي وتكليمي؛ لأنك أهل لذلك، ومن عزتي أن تعتمد علي وتثق بي، ولا تستوحش من وحدتك وانفرادك وقلة أنصارك ومن كثرة عدوك وجبروتهم فإن نواصيهم جميعاً بيدي وأمورهم كلها تحت إرادتي وتدبيري، وأنا قادر على إهلاكهم والقضاء المبرم عليهم، ونصرك عليهم بلا عناء، فهذا التعبير في الحقيقة مقدمة أو توطئة حكيمة لما سيأتي به لاحقاً من المعجزات، وعليه: فأنا وحدي الذي يستحق الطاعة والعبادة لا شريك لي فأطعني واعبدني وحدي، وأقم الصلاة لذكري، أي: أخبره بألوهيته وربوبيته وكمال ذاته وصفاته وعظيم أفعاله ليطيعه ويمتثل أمره ونهيه.

وعبارة: <سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين>[4] في سورة النمل تدل على تنزيه الله سبحانة وتعالى عن أن يكون جسمانياً يحيط به المكان أو يجاوره الحدوث وما يعترض الجسم من العوارض أو يتوهم به نقص من كون التكلم جاء من وراء حجاب الشجرة المباركة، فهو الكامل ذاته وصفاته والعظيم في أفعاله. وقيل: العبارة تدل على تعجب موسى الكليم(ع) من عظمة ما قضى له من جلائل الأمور، وأن مكونها هو رب العالمين.

ثم أعلمه: بأن يوم القيامة آت لا محالة ولا شك في ذلك ولا ريب، وفيه تحاسب كل نفس على ما عملت في الحياة الدنيا وتجزى عليه: إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وأوصاه: فلا يشغلك شيء أو أحد ممن يكفر عن الاستعداد لها والعمل الصالح لأجلها، فتشقى وتكون من الهالكين، أي: الإيمان بالآخرة يقتضي الإحساس العميق بالمسؤولية وكثرة العطاء والعمل الصالح لأجلها، وهذا هو سبيل السعادة الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة.

ثم أراه الله (جل جلاله) بعض معجزاته النيرة الباهرة لتكون دعماً له ودليلاً واضحاً قاطعاً على صدق نبوته ورسالته وعدالة قضيته ومشروعية مطالبه السياسية والحقوقية من النظام الفرعوني الجائر، فأمره أولاً بأن يلقي عصاه من يده فألقاها، فإذا هي حية بيضاء حقيقية لها صورة عظيمة مهيبة تتلوى وتهتز وتتحرك باضطراب كأنها جان كناية عن السرعة والخفة في الحركة مع عظم جسمها، وتلقي الخوف والرعب في قلوب الناظرين إليها، حتى أن موسى الكليم(ع) نفسه خاف منها وهرب مدبراً منها من شدة الذعر، ولم يعد إلى الموضع الذي كان فيه، وذلك على مقتضى الطبيعة البشرية، وهو الخوف الذي لا ينافي الإيمان ولا ينقصه، وهو من أسباب الحذر والحيطة واللجوء إلى الله(عز وجل)، الأمور التي لا تحدث بدونه، فناداه الله (جل جلاله): أقبل ولا تخف من الحية ولا ضررها ولا من غيرها من المخاوف بحضرتي.

أي: نهي مطلق يؤمنه عن كل ما يسوء أو مما يخاف منه، ما دام في حضرة القرب والمشافهة، فجميع المخاوف مندرجة في قضائي وقدرتي، والتصرف بها وتدبيرها بيدي وحدي وأنت من الآمنين من كل سوء؛ لأنك صفيي ورسولي، والذين اختصصتهم لوحيي واصطفيتهم لرسلي لا ينبغي لهم أن يخافوا غيري ثقة بي ولا يخافوا ولا يستوحشوا بحضرتي، لعصمتهم مما يوجب عقابي من ظلم أنفسهم بمعصية أو ظلم غيرهم باعتداء أو إضلال أو نحوهما، ولأنهم في حراسة مني وأمان من المخاوف والمهالك كلها، وإن كانوا في أنفسهم أخوف الناس مني لما يتجلى لهم من عظمتي وجلالي؛ لأنهم في مقام القرب مني والأمن المطلق في حرمي والأنس بي؛ لأن الأمن المطلق حاكم في حضرتي، فلا مجال للخوف إذاً، خصوصاً عند الحظوة بوحيي وتكليمي، ويعتبر هذا المقام مقاماً سامياً مقترناً بالضمان الإلهي عن الانحراف والخوف والحزن والوحشة، وهو مقام لا يستطيع الشيطان الرجيم اختراقه والوصول إلى أهله، وهو المقام الذي يدور في حماه العشاق من خواص الأولياء الصالحين والمؤمنين المجاهدين الذين يقدمون على الشهادة والتضحية وتحمل الأذى والمشقات في سبيل الله ذي الجلال والإكرام بنفوس راضية مطمئنة.

وفي التعبير تعليم وتأديب إلهي لموسى الكليم(ع) وليس فيه أي شيء من التوبيخ والتأنيب، وإنما الخوف والحزن والوحشة تكون للبعيدين عن حضرتي من الكفار والمشركين والمنافقين والمذنبين العاصين لأمري ونهيي، فإنهم مستحقون لغضبي وعقابي في الدارين الدنيا والآخرة؛ لأن الأمن والأنس يكون بالقرب مني والخوف والوحشة تكون في البعد عني، فكلما كان الموجود أقرب مني كان أكثر أمناً وأنساً، وكلما كان أبعد عني كان أكثر خوفاً ووحشة، وهذه قاعدة وجودية ثابتة لا تتغير في الدارين الدنيا والآخرة، وبسبب ما يصدر عنهم من الجرائم، ما لم يتوبوا ويعودوا عن جهلهم بي إلى معرفتي، وعن معصيتهم لي إلى طاعتي، فإن تابوا وأنابوا وأخلصوا في توبتهم وندموا على ما عملوا من السوء، وعزموا على ألا يعودوا، وبدلوا سيئاتهم حسنات ومعاصيهم طاعات، فإني غفور رحيم، لا ييأس عاقل عارف بي من رحمتي وغفراني، أغفر ذنوبهم وأشملهم برحمتي ورضواني، وأجزل لهم الثواب، وإني أرحم بهم من الوالدة بولدها، فلا يخافون بعد توبتهم النصوحة شيئاً.

الجدير بالذكر: أن فرار موسى الكليم(ع) من العصا بعد أن تفاجأ بتحولها إلى ثعبان مبين كان جرياً على الطبيعة البشرية، حيث جبل الإنسان السوي على الخوف والفرار في مثل هذا الموقف، خصوصاً إذا لم يكن لديه شيء يدافع به عن نفسه، ولم يرد أمر من جانب الحضرة الإلهية المقدسة بأن يلزم مكانه، أو نهي له عن الفرار، فعمل ما تمليه عليه فطرته وطبيعته الإنسانية التي جبل عليها، وليس في خوفه وفراره ما ينافي الشجاعة والإيمان والنبوة.

وقيل أن عبارة: <أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ>[5]، تدل على أبلغ ما يكون في التأمين ومنتهاه، لأن لفظ <أَقْبِلْ> يدل على الأمر بالإقبال، وهو واجب الامتثال، ولكن قد يقبل وهو لم يزل في الأمر المخوف، ولفظ <وَلَا تَخَف> يدل على النهي عن الخوف، أي يجب أن يقبل وهو غير خائف، ولكن عدم خوفه لا يعني الوقاية والأمن من المكروه، وعبارة: <إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِين> تدل على ارتفاع المحذور والوقاية والأمن من كل مكروه.

وعليه: فالعبارة تدل على منتهى التأمين والوقاية من جميع المخاوف، فاستجاب موسى الكليم(ع) لأمر ربه (جل جلاله) وأقبل إلى الموضع الذي كان فيه من البقعة المباركة عند الشجرة النورانية التي كلمه الله تبارك وتعالى من ورائها تكليماً، وهو آمن مطمئن غير خائف ولا مرعوب واثق بربه، وكان في ذروة الأنس بالحضور بين يدي ربه ذي الجلال والإكرام وتكليمه ومناجاته، وقد ازداد بذلك إيمانه وتم يقينه وشملته السكينة والهيبة والوقار، ليكون قبل ذهابه إلى فرعون الطاغية المتجبر، وحمل الرسالة الربانية إليه، على يقين تام، وأكثر قوة وصلابة في ذات الله(عز وجل)، ولا يشعر بشيء من هيبة فرعون وجبروته الزائف المصطنع، وكيف يشعر بهيبة فرعون وجبروته من رأى تجليات عظمة الله وجبروته، وأنس بالحضور بين يديه وكلامه ومناجاته؟!

وهذا يدل على أن الإيمان يزيد وينقص، ومن الأسباب التي يزداد بها الإيمان ويتم بها اليقين، الصبر على البلاء وعند الشدائد واللجوء إلى الله (جل جلاله) في ذلك، كما يكشف عن أهمية التجارب الروحية في تحصيل اليقين والتحلي بالصبر والثبات وضرورتها في إعداد الدعاة المجاهدين، ليكونوا أشداء في ذات الله (جل جلاله)، ولا تأخذهم في أداء التكليف الشرعي الإلهي لومة لائم ولا عذل عاذل، وللوقوف في وجوه الطغاة والفراعنة المتجبرين، رغم قلتهم وكثرة عدوهم وقوته وقسوته وبطشه، ويكونوا مأهلين للقيام بالمهام الصعبة جداً والشاقة ابتغاء وجه الله ذي الجلال والإكرام والفوز برضاه وقربه والنظر إلى سبحات وجهه وأنوار قدسه.

وأن من أعظم نعم الله تبارك وتعالى على عبده ومعونته له على أموره وحسن رعايته له ورحمته ولطفه به أن يريه من آياته في الآفاق وفي نفسه، ويعلمه من بيناته ما يزيد به إيمانه وتطمئن إليه نفسه، وتثبيته إياه على الحق والقول الثابت، ويربط على قلبه عند المخاوف والشدائد والأمور المذهلة، فلا يخاف غيره، ويملك نفسه، وليتمكن من التفكير السليم والقول السديد والعمل الصواب والتصرف على هدى من أمره ونحو ذلك، فلا يضر نفسه ولا يضر غيره ممن ينبغي أن يحسن إليهم وينفعهم.

ثم أمر الله (جل جلاله) عبده ورسوله ووليه الأعظم موسى الكليم(ع) أن يضع يده السمراء في جيبه (فتحة صدر القميص) ثم يخرجها، ففعل، فلما أخرجها وجدها بيضاء من غير مرض، وذات شعاع تتلألأ نوراً أضاءت له الدنيا، وتبهر الناظرين إليها حسناً وجمالاً، وهذه معجزة ثانية (اليد) آية من النور والأمل والرحمة تناسب البشارة، ليكون موسى الكليم(ع) بهاتين المعجزتين العصا واليد بشيراً ونذيراً للناس.

ثم قال الله تبارك وتعالى لموسى(ع): <وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْب>[6]، أي: اضمم يدك إلى صدرك أو اضمم عضدك إلى جنبك ليذهب عنك بذلك ويزول تماماً الخوف والارتجاف الذي اعتراك من رهبة الموقف وخوارقه العظيمة في ذلك الليل المظلم والصحراء الموحشة، وترجع إليك السكينة والطمأنينة الروحية التي تستحقها بإيمانك ويقينك، وما تشرفت به من أمر النبوة والرسالة والولاية، وتشملك الهيبة والوقار، وذلك من أجل أن يظهر الله تبارك وتعالى كامل عنايته ورعايته ولطفه بعبده ورسوله ووليه موسى الكليم(ع).

وفي العبارة حث لموسى الكليم(ع) على الجد في أمر الرسالة والعزم الراسخ الذي لا يزول على تحمل المسؤولية، وما أمر به من التكليف الإلهي الشريف، فلا يمنعه خوف أو طمع أو نحوهما من ذلك، وقيل: أوصاه الله (جل جلاله) بأن يتحلى بسيماء الخاشع المتواضع، ويتخلى عن الكبر والخيلاء والإعجاب بالنفس ونحو ذلك، فتلك هي صفة الأنبياء الكرام(عليهم السلام) والمؤمنين الموحدين الفانين في كبرياء الله وجلاله.

وكانت هذه الحادثة الفاضلة والتكليم الإلهي لموسى الكليم(ع) من وراء حجاب الشجرة ابتداء الوحي والنبوة والرسالة لموسى بن عمران الكليم(ع)، ثم قال له ربه: اذهب بهاتين المعجزتين النيرتين الباهرتين، فإنهما حجتان قاطعتان على صدق نبوتك ورسالتك، إذهب بهما إلى فرعون وملئه لتبلغهم الرسالة مني إليهم، وتدعوهم إلى معرفتي وطاعتي وعبادتي وحدي لا شريك لي، فإني وحدي المستحق للطاعة والعبادة بحق وحقيقة، وطاعتي وعبادتي الأساس الوحيد لكرامة الإنسان وكماله وسعادته الحقيقية في الدارين الدنيا والآخرة، وطاعة غيري وعبادته لا تقوم على أساس صحيح واقعي، وتكون سبباً لمذلة الإنسان وهدر كرامته ونقص إنسانيته وتخلفه: المعرفي والتربوي والحضاري، وهلاكه وشقائه في الدارين الدنيا والآخرة، وقد جاوز فرعون وملؤه الحد وبلغوا الحالة القصوى في الظلم والطغيان والفساد، وخرجوا عن طور العبودية إلى التكبر وإلى أقبح وجوه الكفر والمعصية، مثل: ادعاء الألوهية والربوبية والمالكية والاستكبار في الأرض بغير الحق والعتو والعلو على العباد ونحو ذلك من الجرائم والمزاعم الباطلة بدون حجة واضحة أو برهان.


  • [1]. النمل: 8
  • [2]. الشورى: 51
  • [3]. مريم: 52
  • [4]. النمل: 8
  • [5]. القصص: 31
  • [6]. القصص: 32
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك – الجزء الثاني | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى