مؤمن آل فرعون يحذر قومه من عواقب الآخرة
<وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ 32 يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ>
وبعد أن خوف مؤمن آل فرعون قومه من العقوبات الإلهية الدنيوية جزاء ذنوبهم، انتقل إلى تخويفهم من العقوبات الأخروية المهولة وتوجع من أجلهم فقال: <إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ>[1] أي: أخاف عليكم إن بقيتم على الكفر بالتوحيد وتكذيب الرسول الكريم موسى الكليم(ع) وتورطكم في قتله بغير حق عقاب يوم القيامة حين تسمعون الصيحة بالحق فتخرجون من القبور مسرعين إلى ساحة الحساب والجزاء الإلهي، وهو اليوم الفاصل في مسيرة الإنسان الوجودية، حيث يدعو الله(عز وجل) كل أناس بإمامهم وينادي المنادي <أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ>[2] وينادي الظالمون بعضهم بعضاً بالويل والثبور ويستغيث بعضهم ببعض ويطلبون العون والمساندة من بعضهم البعض مما اعتادوا عليه من الجرائم والذنوب والمعاصي في عالم الدنيا، وذلك لهول ما يشاهدونه من أهوال عرصات يوم القيامة، إلا أن أصواتهم واستغاثتهم لا تصل إلى مكان مكين.
وقيل: <يَوْمَ التَّنَادِ>[3] من أسماء يوم القيامة، وهو مأخوذ من النداء أي يوم ينادي أصحاب الجنة أصحاب النار <أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ>[4] ويوم ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة <أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ>[5] فيجيبهم أصحاب الجنة <إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ>[6].
وفي يوم القيامة العظيم يحاول الكافرون الهرب مسرعين من نار جهنم خوفاً من حرها الشديد ومن عذابها المؤلم؛ برجاء النجاة منها ولكن بدون جدوى أو فائدة، فلا فرار من عذاب الله(عز وجل) ولا مخلص ولا منقذ منه إلا الله رب العالمين، ولا ملجأ من الله (جل جلاله) إلا إليه، وهو الغالب على أمره لا يرده ولا ينازعه شيء.
وعليه: فإن مؤمن آل فرعون يريد أن يقول لقومه أن مصيركم إن بقيتم على الكفر والتكذيب والأعمال السيئة وتورطتم في قتل العبد الصالح وولي الله الأعظم موسى الكليم(ع) إلى النار لا محالة؛ لأنكم لا تملكون ما تدفعون به عذاب الله (جل جلاله) لا من أنفسكم ولا من غيركم إلا الله(عز وجل)، واعلموا أن من يخليه الله(جل جلاله) وما اختار لنفسه من الضلال والصواب فما له من هادٍ يهديه من ضلاله إلى الحق والعدل والخير والفضيلة والصواب؛ لأن الهدى بيد الله(عز وجل) وحده، فإذا منع عن أحد من عباده الهدى لعلمه أنه غير لائق به، بخبث طبعه وعناده وفساد فكره وقبيح أخلاقه وسوء أعماله فلا سبيل له إلى الهداية أبداً، فالواجب عليكم بحكم الطبع والعقل أن تأخذوا حذركم وأن تقدموا على الإيمان والطاعة قبل فوات الأوان وأن تمتنعوا على الأقل عن الإقدام على قتل العبد الصالح والناصح لكم موسى بن عمران الكليم(ع).
يقول الشيخ محمد جواد مغنية: «من يسلك طريق الضلال، فإن الله يضله ولا يجد من يهديه، تماماً كمن يشرب السم فإن الله يميته ولا يجد من يحييه»[7] وقيل: <وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ>[8] معناه أن الذين ضلوا في الحياة الدنيا وابتعدوا عن سبيل الهداية والرشاد وتنكّبوا عن الصراط المستقيم وانقطعوا عن الاتصال بالله ذي الجلال والإكرام سيضلون في الآخرة عن كل خير وعن الجنة والرضوان الإلهي والنعيم الأبدي الخالد ويتركون في الشقاء والعذاب المؤلم في النار، قول الله تعالى: <وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى ١٢٤ قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرتَني أَعمى وَقَد كُنتُ بَصيرًا ١٢٥ قالَ كَذلِكَ أَتَتكَ آياتنا فَنَسيتَها وَكَذلِكَ اليَومَ تُنسى>[9]