مواضيع

العزة مانع لنفوذ العدو

إنّ العزة الحقيقية والكاملة حسب المنطق القرآني هي لله ولكل من هو في الجبهة الإلهية. في المواجهة بين الحق والباطل وبين الجبهة الإلهية والجبهة الشيطانية، تكون العزة من نصيب الذين يتخندقون في الجبهة الإلهية.

هذا هو منطق القرآن الكريم. يقول(عز وجل) في سورة فاطر: <مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا>[1]. ويقول في سورة المنافقون: <وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ>[2] العزة لله، وللرسول وللمؤمنين.. مع أن المنافقين والكافرين لا يعون هذه الحقيقة ولا يفهمون أين العزة وأين هو قطب العزة الحقيقية. ففي سورة النساء يقول عن الذين يربطون أنفسهم بمراكز القوى الشيطانية من أجل نيل بعض المكانة والوجاهة والاقتدار: <أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا>[3]. متسائلاً هل يبحث عن العزة هؤلاء الذين يلجئون إلى خصم الله وإلى أعداء الله وإلى القوى المادية؟ فإن العزة عند الله. وفي سورة الشعراء يقدّم القرآن الكريم تقريراً لمجموعة التحديات التي واجهت أنبياء الله العظام – كالنبي نوح والنبي إبراهيم والنبي هود والنبي صالح والنبي شعيب والنبي موسى – يتطرّق بالتفصيل للتحديات التي واجهها هؤلاء الأنبياء الكبار ليوصل التقرير الإلهي الوحياني لأسماع الناس. قائلاً في كل مقطع يريد فيه التعبير عن غلبة جبهة النبوة على جبهة الكفر: <إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ 8 وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيم>[4]. أي مع أن الطرف المقابل كانوا هم الأكثرية، والسلطة والقوة بأيديهم، والمال بأيديهم، والسلاح بأيديهم، لكن جبهة التوحيد هي التي تنتصر عليهم، وهذه آية من آيات الله وربّك هو العزيز الرحيم. وبعد أن يكرر القرآن الكريم هذا التقرير على طول سورة الشعراء المباركة، يخاطب الرسول الأكرم(ص) في آخر السورة قائلاً: <وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ>[5] أي توكل واعتمد على الله العزيز الرحيم الذي يضمن انتصار الحق على الباطل <الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ>[6] إنه يرى حالك في حين القيام والسجود والعبادة والحركة والسعي والعمل.. إنه حاضر ناظر يراك <إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ>[7] إذن يجب طلب العزة من الله حسب منطق القرآن الكريم.

حينما تكون العزة من نصيب إنسان أو فرد أو مجتمع فإنها ستكون كالسور المتين من حوله بحيث يصعب على الأعداء التغلغل إليه ومحاصرته والقضاء عليه، وتصون الإنسان من توغل الأعداء غلبتهم عليه. وكلما كانت هذه العزة مترسخة في الطبقات الأعمق من وجود الفرد والمجتمع كلما كانت الحصانة والمناعة أكثر. ويصل الأمر إلى درجة أن الإنسان كما يصان من تغلغل وغلبة الأعداء السياسيين والاقتصاديين، يصان كذلك من تغلغل وتسرّب العدو الأكبر والأصلي أي الشيطان. إما الذين يتمتعون بالعزة الظاهرية فلا تكون تلك العزة في داخلهم وإلى الطبقات العميقة من وجودهم، لذلك يبقون عزّلاً بلا دفاع مقابل الشيطان.

من المعروف أن الاسكندر المقدوني كان يسير في طريق، والناس تنحني له. وكان هناك رجل عابد ورع مؤمن جالس في زاوية، فلم ينحن للاسكندر ولم يبد احتراماً ولم ينهض له. فتعجب الاسكندر وقال: أئتوني بهذا الرجل. فجاءوه به فقال له: لماذا لم تنحن أمامي؟ فأجاب: لأنك عبد لعبيدي، فلماذا أنحني أمامك؟ فقال الاسكندر: وكيف؟ فأجابه الرجل: لأنك عبد شهواتك وغضبك، والشهوات والغضب من عبيدي وتحت تصرّفي وأنا سيدها.

وعليه فإذا تغلغلت عزة النفس إلى الطبقات العميقة من وجود الإنسان، عندها لن يؤثر الشيطان ولا أهواء النفس على الإنسان، ولن تحوّل الشهوات والغضب الإنسان إلى ألعوبة بيدها.[8]


  • [1]. فاطر: 10
  • [2]. المنافقون: 8
  • [3]. النساء: 139
  • [4]. الشعراء: 8-9
  • [5]. الشعراء: 217
  • [6]. الشعراء: 218-219
  • [7]. الشعراء: 220
  • [8]. بيانات سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني(ق) بتاريخ 3-6-2012م
المصدر
كتاب النفوذ في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى