المقتضيات والأمور الضروريّة لإجراء الاقتصاد المقاوم
حسنٌ، لقد طُرح الآن هذا المشروع الكبير الذي يمثّل خارطة الطريق الشاملة والواسعة، ومجرّد طرح السياسات لا يحلّ أيّ مشكلة، فهذه بداية الطريق.
هناك أعمال وأمور يجب أن تتحقّق:
أوّلًا: وفي الدرجة الأولى، يجب أن يكون هناك عزمٌ وجديّة لدى المسؤولين والمديرين الأساسيّين والناشطين بين جماهير الشعب، يجب أن يأخذوا قرارًا حازمًا، فعلى مسؤولي البلاد ـ بالدرجة الأولى في السلطة التنفيذيّة، ومسؤولي الحكومة، وكذلك السلطة التشريعيّة والسلطة القضائيّة، وكذا الأقسام والقطاعات المختلفة التي ترتبط بالمسائل الاقتصاديّة ـ أن يتمتّعوا بالعزم الراسخ؛ فإذا لم يكن هناك قرار جادّ وحازم فلن يتحقّق التقدّم المنشود.
ثانيًا: النزول إلى ميدان العمل، إذ إنّ العمل هنا هو عملٌ صالحٌ، وكلّ من يقوم بعملٍ هنا ويسعى في هذا المجال، سيكون حتمًا مصداقًا لـ: <وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ>[1].
إنّ هذا الطرح هو طرحٌ كليٌّ، فهذه خارطةُ طريقٍ كبرى، ولذا يجب تبديلها إلى برنامجٍ، إلى برامجَ متنوّعة، فإذا حصل هذا، ستُحقَّق حينها الملحمة الاقتصادية بكلّ ما للكلمة من معنى.
لقد أطلقنا على هذا العام اسم عام الملحمة السياسيّة والملحمة الاقتصاديّة، ولقد تحقّقت، بحمد الله، الملحمة السياسيّة، ولكن للأسف، الملحمة الاقتصاديّة تأخّرت، ولكن الآن، وفي نهاية العام -بحسب التقويم الهجري الشمسي المعتمد في إيران- ستكون هذه بداية لملحمةٍ اقتصاديّةٍ، وإن شاء الله، يجب المتابَعَة قطعيّاً في العام 1393 ش[2] بمنتهى الجديّة من لدن المسؤولين، وأن يبدأ تنفيذها عمليّاً.
ثالثاً: هي تبديل هذه السياسات إلى برامج وسياسات تنفيذيّة، وقد صدر الأمر بهذا العمل من لدن رؤساء السلطات الثلاث، لقد أصدر رئيس الجمهوريّة المحترَم، وكذلك رئيس السلطة التشريعيّة المحترَم، ورئيس السلطة القضائيّة المحترَم، أوامرهم إلى إداراتهم وأجهزتهم، بإعداد البرامج التنفيذيّة في كلّ قسمٍ، ولكنّي أريد أن أؤكّد هنا مسألة الجدولة الزمنيّة، يجب أن تحدّدوا المراحل الزمنيّة.
لقد اطّلعت على التعميم الصادر عن النائب الأوّل لرئيس الجمهوريّة إلى الأجهزة التابعة، يجب أن يوضع جدول زمنيّ ليصبح واضحًا مدى تقدّم العمل والمدّة المتوقّعة لإنجاز المشروع، ثمّ ينبغي العمل على تنفيذه، يجب الإسراع في هذا الأمر، وأن تحدّد حصّة كلّ سلطةٍ في البرامج، وكذلك حصّة ودور كلّ جهازٍ في السلطات المختلفة ـ ولاسيّما السلطة التنفيذيّة ـ وكذلك ينبغي تحديد المؤشّرات، وخاصّة الزمانيّة منها، لنتمكّن من الإشراف على العمل، وإدراك مدى تقدّمه وصحّة مسيره.
رابعاً: هو التنسيق بين الأقسام المختلفة، وبالطبع، فإنّ على رؤساء السلطات وضع الآليّات والسبل الملائمة لهذا التنسيق، الذي سيساعد على إنجاح العمل، ينبغي التنسيق بين مجلس الشورى والحكومة، وبين المجلس والحكومة والسلطة القضائية، هناك بعض الأقسام التي لا يمكن التحرّك فيها دون تنسيق، وهناك أقسامٌ أخرى يكون التنسيق فيها مؤثّرًا ولكن بدرجة أقلّ، وعلى كلّ حال التنسيق ضروريٌّ، وعلى رؤساء السلطات أن يعدّوا الآليّات المناسبة لهذا التنسيق، إن شاء الله.
خامساً: هي الإشراف على جميع المستويات، يجب أن يكون هناك إشراف، وينبغي على رؤساء السلطات أن يشرفوا على الأجهزة التابعة لهم، وكذلك على مجمع تشخيص مصلحة النظام أن يقوم وفق المسؤوليّة الملقاة على عاتقه بممارسة دوره الإشرافي كاملاً ويتحقّق ممّا يحصل، كذلك، فإنّ قيادة الثورة والأجهزة المختصّة عندنا سيقومون بالإشراف، إن شاء الله.
بناءً على هذا، فإنّ الإشراف من المقتضيات الأساسيّة.
سادساً: إزالة العقبات، هناك عقباتٌ موجودةٌ ويمكن إزالتها: فهناك عقبات قانونيّة ـ وقد ذكرتُ لرؤساء السلطات في ذلك الاجتماع أنّ «وضع القانون فوق القانون» يزيد الأمور تعقيدًا، لذا يجب إزالة القوانين المزاحمة، ويمكن لمجلس الشورى أن يقوم بهذا العمل، وإلّا فإنّ لدينا حاليًّا قوانين، وإذا شرّعنا فوقها قوانينَ أخرى، فإنّها تحتمل التفسيرات المختلفة وستنتج مشاكل، يجب التدقيق والتمحيص والكشف عن القوانين المزاحم، كذلك يوجد موانع وعقبات حقوقيّة وقضائيّة، ينبغي معرفتها وإزالتها، ينبغي أن يشعر الناشطون الاقتصاديّون وأصحاب الأعمال والمُبتكِرون، وأصحاب رؤوس الأموال والعلماء، بأنّهم لا يواجهون أي عوائق غير منطقيّة وأن يتمكّنوا من الحركة.
سابعاً: العمل السابع المطلوب هو «صناعة الخطاب»، إذ يجب أن يعرض تصوّرٌ صحيحٌ عن الاقتصاد المقاوم، وبالتأكيد هناك مسؤوليّةٌ وواجبٌ على الهيئة العامّة للإذاعة والتلفاز ولكن الأمر ليس خاصًّا بها فقط؛ فلدى الأجهزة الإعلاميّة المعادية للبلد وللثورة ولتقدّمنا الوطني، الكثير من الألاعيب والحملات المضادّة وقد بدؤوا بهذا ـ وشاهدناه نحن ـ وستزيد حملاتهم من الآن فصاعدًا على الاقتصاد المقاوم، إبراز المشاكل والموانع والتهويل والتقليل من أهميّة ما هو في منتهى الأهميّة، إنّهم يقومون بمثل هذه الأعمال.
ينبغي العمل في الجهة المقابلة لهم، وعلى المسؤولين وأصحاب الفكر والحريصين أن يعرضوا صورةً صحيحةً عن هذه الحركة العظمى والعامّة وأن يتمّ بناءُ خطابٍ وترويجُ ثقافةٍ وأجواءٍ كي يعلم الناس حقيقة هذه الحركة ويؤمنوا بها ويطالبوا بها، وعندها ستصبح هذه السياسات عمليّة.
ثامناً وأخيراً: وهي النقطة التي أطرحها وأنهي بها كلامي، هي الرصد والإعلام، فينبغي أن يستحدث مركزُ رصدٍ قويٍّ، يكون يقظًا ودقيقَ النظر، يرصدُ ويراقبُ ويتابع تقدّم هذا العمل بمنتهى الدقّة، وأن يتمّ تجميع المعلومات وتصنيفها، ثمّ الاستنتاج، حيث يمكنه أحيانًا أن يحدّد الحركة التي ينبغي القيام بها في كلّ فترةٍ وفي كلّ مرحلةٍ، ويضع مؤشرات القياس لكلّ قسم، وصولًا إلى تقديم الأخبار للناس من خلال وسائل الإعلام والإعلان، فالناس يحبّون أن يعرفوا.
هذه هي مجموعة المسائل التي كنت أودّ أن أطرحها عليكم، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء.
لقد بدأ العمل على مشروعٍ كبيرٍ، ونحن قادرون ـ إن شاء الله ـ أن ننجز هذا العمل الكبير، بكلّ همّةٍ وبالتوكّل على الله تعالى، وأن نسير به خطوة خطوة، وأن نتقدّم به بالسرعة المناسبة والمطلوبة، وبالشكل الذي أعتقد أنّ آثاره ونتائجه لن تكون على المدى البعيد، فالبرامج هي برامج طويلة الأمد، لكنّ النتائج ستتحقّق عاجلًا وقريبًا إن شاء الله، أي إنّ البدء بجني ثمار هذا العمل والإحساس العام لدى الناس بحلاوة نتائج هذا العمل سيكون قريبًا وليس بعيدًا إن شاء الله[3].