أسباب ضرورة وجود الاقتصاد المقاوم
لقد ذكرنا أربع نقاطٍ أساسيّة في مقدّمة النصّ الذي قمنا بتقديمه باعتبارها الدوافع والأسباب التي دفعت إلى تدوين هذه السياسات، وأنا سأكرّر هنا هذه النقاط الأربع:
النقطة الأولى:
هي الإمكانيّات والطاقات الكامنة الماديّة والمعنوية الهائلة في البلاد؛ فقد أشرنا إلى هذه القضيّة في مقدّمة السياسات التي جرى تقديمها وإبلاغها، وهي قضيّة لها جانبٌ كبيرٌ من الأهميّة، فإمكانيّات البلاد واسعةٌ جدًا، والعديد منّا غير مطلعٍ على مدى هذه الإمكانيّات العجيبة، أو غير مُتفطّنين لأهمّيتها، قد نعلم بها، وإحصاءاتها في أيدينا لكنّنا لا نهتم لها. هكذا هم بعض المسؤولين، يمتلكون الإحصاءات لكنّ هذه الإحصاءات لا تحظى باهتمامهم.
ومن أمثلة ذلك الطاقات البشريّة التي سبق أن أشرت إليها، فنحن الآن في أحسن الأحوال من حيث الطاقات البشريّة ومن حيث التوفّر على الملاكات الشابّة، أي إنّ أكثر من 31 % من سكان إيران الآن هم بين الخامسة عشرة والتاسعة والعشرين من العمر، وهذه الوضعيّة ممتازة واستثنائيّة. طبعًا إذا لم يجر الاهتمام بما قلته مرارًا حول السكان والنسل فسوف نفقد هذه الميزة في مستقبلٍ غير بعيدٍ، وسوف يجري إعلان سياسات النسل أيضًا إن شاء الله، وهي الآن في طور الإعداد.
أمّا وضعنا في الوقت الحاضر، فهو كالآتي: هناك أكثر من 31 % من السكان شباب، ولدينا من الطلبة الجامعيّين أكثر ممّا كان لدينا في بداية الثورة بـ 25 ضعفًا، علمًا أنّ سكان البلد ازداد بالقياس إلى بداية الثورة بمقدار الضعف، على حين ازداد عدد الطلبة الجامعيّين 25 ضعفًا، أي وصلنا من مئة وعشرين ألف طالب جامعي إلى أربعة عشر مليوناً ومئة ألف طالب جامعي؛ وهذا شيء على جانب كبير من الأهميّة وحدثٌ عظيمٌ جدًا، فهذا النموّ مهمٌ وما نمتلكه الآن مهمٌّ، ولدينا الآن عشرة ملايين طالب جامعي، وخمس وستون ألف عضوٍ في الهيئات العلميّة في الجامعات وهو عشرة أضعاف ما كان لنا في بداية الثورة، ولدينا خمسة آلاف شركة علميّة ومعرفيّة، ويعمل فيها حاليّاً سبعة عشر ألف مُتخصّص وناشط.
لاحظوا كم هذه الإمكانيّات مهمّة، وكانت النتيجة أنّه وطبقًا لتقارير المراكز التي تحدّد المراتب العلميّة للبلدان أحرزنا المرتبة الخامسة عشرة في العالم ـ في أحد المراكز كنّا في المرتبة السادسة عشرة وفي مركزٍ آخر أحرزنا المرتبة الخامسة عشرة، في هذه الحدود ـ وهذه طبعًا أرقام العام الميلادي السابق أي سنة 2013م؛ وهذا الأمر مهمٌّ جدًا.
إنّ مرتبتنا في بعض الحقول العلميّة أعلى من ذلك أيضًا، ففي بعض الفروع العلمية نعدّ من البلدان السبعة أو الثمانية الأولى في العالم، وفي بعض الأمور نحن من البلدان الأربعة أو الخمسة الأولى في العالم، وهذه هي البنية التحتيّة الأساسيّة: أي الطاقات البشريّة.
ولدينا موارد أخرى من الثروات، وهي الأرصدة والثروات المعدنيّة، فنحن نحتلّ المرتبة الأولى في العالم من حيث احتياطيات النفط والغاز، وقد ذكرتُ هذا في بداية العام المنصرم[1]، فمن حيث مجموع احتياطيات النفط والغاز ـ الاحتياطيّات الجوفيّة داخل الأرض ـ نحن في الرتبة الأولى في العالم؛ أي إنّنا من حيث الغاز ثاني بلد في العالم ومن حيث النفط ثاني أو ثالث بلد في العالم، وفي الفترة الأخيرة رفع لي السيّد رئيس الجمهورية تقريرًا يفيد أنّنا ارتفعنا إلى المرتبة الأولى عالميًا في احتياطيّات الغاز، وأنّنا أصبحنا ثاني بلد عالميّاً في احتياطات النفط يقينًا، وهذا مهمٌّ جدًا؛ فما من بلد في العالم يمتلك المقدار الذي تمتلكه إيران من النفط والغاز.
إنّ النفط والغاز هما شريان حياة العالم في الوقت الحاضر، هذا هو الحال في الوقت الحاضر في الأقل، وسيبقى هكذا إلى سنين طويلة في المستقبل، ومن غير المعلوم متى ستستغني البشريّة عن النفط والغاز وتتحرّر منهما؛ إنّ هذه المادّة الحيويّة الأساسيّة موجودةٌ في بلادكم أكثر من أيّ بلدٍ آخر، فهل هذه الثروة قليلة؟! وهل هو شيءٌ قليل؟!
كان هذا عن النفط والغاز، وهناك إلى جانبهما ما لدينا من ثروات معدنيّة أخرى، من قبيل مناجم الذهب ومناجم الإسمنت ومناجم المعادن النادرة والقيّمة، فالتقارير التي تصل إلينا تقارير عجيبةٌ جدًا في بعض المجالات؛ هذا عن الإمكانيّات المعدنيّة في البلاد.
وهناك الإمكانيّات الصناعيّة والتعدينيّة المتنوّعة والهائلة، فنحن في المرتبة السابعة عشرة في اقتصادات العالم ـ وهذه من الإحصاءات والتقارير الدوليّة ـ بنحو ألف مليار دولار من النتاج المحلّي الإجمالي.
أمّا ما لدينا من ثروة في البنى التحتيّة من قبيل الطرق والسدود، فيوجد في البلاد اليوم أكثر ست مئة سدّ بأحجامٍ مختلفةٍ، وقد تسلّمت الثورة الإسلاميّة هذا البلد وليس فيه ـ في كلّ أنحاء البلاد ـ أكثر من عشرة سدود أو خمسة عشر سدًا.
واليوم يوجد ست مئة ونيّف من السدود الموزّعة على أنحاء البلاد، وبأحجامٍ كبيرةٍ وصغيرةٍ، والبعض منها كبيرةٌ ومهمّةٌ جدًا، وكذا الحال بالنسبة إلى قضيّة الطرق، فالإحصاءات بخصوص الطرق هي الأخرى إحصاءاتٌ جيّدة.
وهناك المزايا والإمكانيّات الجغرافيّة، والإطلال على المياه الحرّة، وموقع التقاطع بين الشمال والجنوب والشرق والغرب والذي يُحّقق لنا ميزة مهمّة جدًا لنا، فهي تعطينا ميزة المعبر -الترانزيت-.
وهناك التنوّع الإقليمي، والموارد المختلفة للطاقة النظيفة، من قبيل الطاقة المائيّة والطاقة الشمسيّة والطاقة النوويّة، هذه كلّها موارد وإمكانيّات موجودة في البلاد.
النقطة الثانية:
إذاً، كانت هذه هي النقطة الأولى التي تُحفّزنا للاتجاه نحو نموذجٍ اقتصاديٍّ اسمه الاقتصاد المقاوم.
هي المشكلات التي نعاني منها، وهي مشكلاتٌ مزمنةٌ وقديمةٌ، ولا يمكن معالجتها إلّا بحراكٍ اقتصاديّ جماعيٍّ مهمٍّ، ومن هذه المشكلات التبعيّة للنفط التي أشرنا إليها، ومنها أيضًا التعوّد على الاستيراد، من دون مراعاة الأولويّات، وهي عادةٌ نحن مصابون بها للأسف ولم نستطع الإقلاع عنها، فأنظارنا مسمّرة على الإنتاج الخارجي.
وهناك التضخّم المزمن والبطالة والعيوب الموجودة في بعض بُنياتنا الاقتصاديّة وأشكال نظمنا الماليّة ـ نظمنا الماليّة والمصرفيّة والجمركيّة ـ وهناك الإشكال الذي نعاني منه في نموذج الاستهلاك، والإشكال في عمليات الإنتاج، والإشكال في الكفاءة الإنتاجيّة، فهذه هي المشكلات الموجودة في البلاد وهي التي ينبغي مجابهتها.
إنّ وجود هذه المشاكل، لهو من الأمور التي تثير أيّ إنسانٍ مخلصٍ وأيّ مسؤولٍ يمتلك الهمّة لإطلاق مشروعٍ أو حركةٍ من قبيل الاقتصاد المقاوم، وهذه المشاكل لا يمكن معالجتها إلّا بحركةٍ جهاديّةٍ وجماعيّة ومخلصةٍ ومستمرّةٍ بكلّ ما تستلزمه من أمورٍ سوف أتعرّض لها.
النقطة الثالثة:
هي التهديدات الاقتصاديّة الخارجيّة؛ لقد كان الحظر موجودًا في السابق، لكن هذا الحظر تحوّل تقريبًا منذ شتاء سنة 90 ش -الموافق لشتاء عام 1432هـ وعام 2011م- إلى حربٍ اقتصاديّةٍ، ولم يعد عنوانه الحظر الهادف، بل هو عبارة عن حربٍ اقتصاديّةٍ حقيقيّةٍ معلنةٍ ضدّ أمّتنا، والسبب في هذه الحرب ليس الملف النووي، ولا قضيّة حقوق الإنسان، ولا القضايا الأخرى التي من هذا القبيل.
إنّهم يعرفون السبب، ونحن نعرفه أيضًا؛ إنّ السبب هو الرغبة التي لدى الأمّة الإيرانيّة بالاستقلال، السبب هو رفع كلمةٍ جديدةٍ على أساس مباني الإسلام؛ إذ ستكون نموذجًا تحتذيه البلدان الأخرى والشعوب المسلمة؛ إنّهم يعلمون أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة إذا نجحت في هذه الميادين والمجالات فلن يعود بالإمكان الحؤول دون نموّ هذه الحركة في العالم، وهي حركةٌ مهمّةٌ، فهذه هي حقيقة المسألة.
أمّا الذرائع الأخرى، فهي في يومٍ من الأيّام الملف النووي، وفي يوم آخر التخصيب، وفي يوم آخر حقوق الإنسان، وفي يوم آخر كلام آخر على هذا الغرار.
لقد كان الحظر مفروضًا علينا حتّى قبل بدء قضيّة الطاقة النوويّة، وسيكون بعد ذلك أيضًا، هذه القضيّة النوويّة وهذه المفاوضات إذا وصلت إلى نتيجةٍ إن شاء الله فسوف ترون أن هذه الضغوط ستبقى أيضًا، ويجب أن نصون أنفسنا حيال هذه الضغوط، يجب تمتين البنية الداخليّة وتقويتها، يجب تقوية الاقتصاد حتّى ييأس العدوّ من التأثير على هذه الناحية، وحينما ييأس العدوّ سوف يرتاح بال الشعب والمسؤولين في البلاد.
النقطة الرابعة:
هي الأزمات الاقتصاديّة في العالم؛ حيث سبق أن أشرتُ أنّها ناجمة عن الاقتصاد الغربي والاقتصاد الأمريكي، وفي أوربا نفسها كانت المشاكل الاقتصاديّة في أمريكا هي التي خلقت لهم المشاكل، هذا على الرغم من وجود أرضيّةٍ مساعدة لديهم على حصول تلك المشاكل؛ وكذا الحال في مواطن أخرى أيضًا.
إنّنا لا نرغب في بناء سورٍ حولنا، فنحن لا نستطيع ولا نريد أن نقطع علاقاتنا بالعالم من النواحي الاقتصاديّة، فهذا الأمر غير ممكٍن، وغير جيّدٍ وغير محبّذٍ، وعندئذٍ سوف نتأثّر -شئنا أم أبينا- بالاقتصاد الخارجي؛ ولذلك يجب أن نعزّز اقتصادنا ونقوّيه.
كانت هذه هي الأسباب والدوافع الأربعة لضرورة الاقتصاد المقاوم[2]