معنى الاقتصاد المقاوم والبحث في ثلاثة أسئلة
جدول المحتويات
الاقتصاد المقاوم يعني أن يكون لدينا اقتصادٌ يحافظ في مسيره على النموّ الاقتصادي في البلد، وكذلك ينبغي أن يكون لديه القدرة على التقليل من الآفات التي تصيبه؛ أي أن يكون الوضع الاقتصادي للبلد والنظام الاقتصادي بحيث يكون تأثّره وأضراره وخسائره قليلةً مقابل حيل الأعداء التي ستبقى دومًا وبأشكالٍ مختلفةٍ، وأن يحافظ على استقرارٍ أكبر[1].
إنّ الاقتصاد المقاوم ضروريٌّ للبلاد، سواء أكان هناك حظرٌ أم لم يكن، فحتّى حينما لا يكون هناك حظرٌ مفروضٌ على هذا البلد، سيبقى الاقتصاد المقاوم ضروريًا ولازمًا لهذا البلد[2].
إنّ الاقتصاد المقاوم هو ذلك الاقتصاد المقتدِر، الذي لا ينهار ولا يقع رأسًا على عقب بسبب الاستفزازات العالميّة، أو الهزّات العالميّة، أو بسبب سياسات أميركا وغير أميركا[3].
الاقتصاد المقاوم يعني: أن نُشيِّد وأن نُنظِّم اقتصاد البلاد بطريقةٍ لا تؤثّر عليه الاهتزازات العالميّة، فلا نُصابُ بمصيبةٍ عندما يهبط سعر النفط من مئة دولار إلى خمسة وأربعين دولارًا، ولا نقيم مأتماً إذا هدّدنا الأمريكان بحظر الشيء الفلاني علينا أو الشيء الفلاني أو الشيء الفلاني، أو إذا حظروه فعلًا، ولا تحلُّ بنا مصيبةٌ إذا حظر الأوروبيّون ملاحتنا.
إذا كان في بلد اقتصادٌ مقاومٌ فلن تستطيع أيٌّ من هذه الاهتزازات الدوليّة أن تضرّ بحياة الناس ومعيشتهم؛ هذا هو معنى الاقتصاد المقاوم، معناه أن تكون بُنيَة الاقتصاد في داخل البلد بشكلٍ يُنتفع معه مِن الطاقات الشعبيّة، ويُستعان بها استعانةً حقيقيّةً؛ لذا يجب أن نبرمج بنية الاقتصاد ونُعزّزه[4]، وأن يكون الاقتصاد معتمدًا على الناس[5].
يوجد ثلاثة أسئلة حول الاقتصاد المقاوم، والتي تتعلّق بحقيقة الاقتصاد المقاوم، وأنا سأطرح هذه الأسئلة.
السؤال الأول:
ما هو الاقتصاد المقاوم، وما هو غير المقاوم؟ ما هي خصائصه الإيجابيّة والسلبيّة؟
السؤال الثاني:
هل يمكن تحقيق الاقتصاد المقاوم الذي أطلقناه شعاراً، أم هو خيال ووهم؟
السؤال الثالث:
إذا كان الاقتصاد المقاوم ممكن التحقّق، فما هي مقتضياته وما هي الأعمال المطلوب إنجازها؟
وأنا اليوم، سأجيب عن هذه الأسئلة الثلاثة المتعلّقة بالاقتصاد:
السؤال الأوّل:
ما هو الاقتصاد المقاوم، وما هو غير المقاوم؟
أوّلاً:
هو نموذجٌ علميٌّ يتناسبُ مع حاجات بلدنا، وهذا هو البُعد الإيجابيّ، ولكنّه ليس محصورًا ببلدنا فقط، فإنّ كثيراً من البلدان حاليًّا، وبالالتفات إلى هذه الهزّات الاجتماعيّة والانهيارات الاقتصاديّة المفاجِئة في هذه السنوات العشرين أو الثلاثين الماضية، قد فكّرت وأوجدت نماذج مشابهة للاقتصاد المقاوم بما يتناسب مع ظروفها وأوضاعها؛ إذاً، الأمر الأول: هذه الحركة التي نقوم بها نحن، تشكّل هاجسًا ومطلبًا لبلدان أخرى أيضًا، وليست خاصّةً بنا فقط.
ثانيًا:
حين قلنا: إنّ هذا الاقتصاد المنشود، هو اقتصادٌ ذاتيُّ الإنتاج. فماذا يعني هذا الأمر؟ إنّه يعني أنّ الاقتصاد ينبع من إمكانات وطاقات بلادنا وشعبنا من الداخل، فرُشد هذه الشتلة ونموّ هذه الشجرة مستندان إلى إمكانات بلادنا، هذا هو معنى «ذاتيّ الإنتاج»، ولكن في نفس الوقت نفسه هذا لا يعني أن يكون اقتصادًا منطويًا على الذات، الاقتصاد المقاوم لا يعني أبدًا أن نحصر اقتصادنا ونحدّه داخل بلدنا، كلّا! بل هو اقتصادٌ داخليّ الإنتاج ولكنّه خارجيّ التوجّه، يرتبط ويتفاعل مع اقتصادات العالم، ويتعامل معها بقوّة.
بناءً عليه فهو اقتصادٌ ذاتيّ الإنتاج، ولكنّه ليس منغلقًا على نفسه.
إنّني أؤكّد هذا الأمر، لأنّه قد بدأت الأقلام والألسن والأذهان المغرِضة، بالافتراءات والادّعاءات في هذا المجال، وبدأت تُردّد أنّ هؤلاء يريدون تحديد اقتصاد البلد وحصره في الداخل وحسب، وهم يطرحون أشكالًا وألوانًا من التحليلات، لكي يفصلوا الناس والمسؤولين ويُبعدوهم عن هذه الطريق ـ الذي هو طريق السعادة ـ وأنا أذكر هذه الأمور لتنوير الرأي العامّ عندنا.
ثالثًا:
إنّ هذا الاقتصاد الذي يُطرح باسم الاقتصاد المقاوم، هو اقتصادٌ شعبيٌّ مرتكِزٌ على الناس، أي إنّه لا يدور حول محور الحكومة الاقتصاد الحكوميّ، إنّه اقتصادٌ شعبيٌّ، يتحقّق بإرادة الشعب وبتمويلٍ الناس ومشاركتهم، ولكن عدم كونه حكوميًّا رسميًّا لا يعني أنّ الحكومة لا تتحمّل مسؤولية تجاهه، كلّا! بل على الحكومة مسؤوليّةُ التخطيط والبرمجة، وإعداد الأرضيّة المناسبة، وتهيئة الإمكانات اللّازمة، والإرشاد والمساعدة، فالعمل الاقتصاديّ والنشاط الاقتصاديّ بيد الناس، مُلك الناس، لكن الحكومة بوصفها مسؤولة في المجال العامّ، تقوم بالإرشاد والإشراف والمساعدة، وحين تلحظ أنّ هناك من يريد أن يستغلّ الأوضاع، وارتكاب المفاسد الاقتصاديّة، فإنّها تقف بوجهه وتمنعه، وحين تلحظ أنّ هناك من يحتاج إلى المساعدة، تمدّ له يد العون؛ بناءً على هذا، فإنّ توفير الظروف المناسبة هو واجب الحكومة، وعليها أن تسهّل الأمور.
رابعًا:
ذكرنا أنّ هذا الاقتصاد هو اقتصادٌ قائمٌ على العلم، بحيث يستفيد من التقدّم العلميّ، ويعتمد على التطوّر العلميّ، ويضع الاقتصاد على محور العلم، ولكن هذا لا يعني أبدًا، أنّ هذا الاقتصاد محصور بالعلماء، وأنّ العلماء فقط يمكنهم أن يلعبوا دورًا في الاقتصاد المقاوم، كلّا! فكلّ التجارب والمهارات يمكنها أن تؤثّر وتساهم إسهاماً كبيراً في هذا الاقتصاد، سواء تجارب أصحاب الصناعات أم العمّال ذوي التجارب والمهارات المتنوّعة؛ لذلك، حين يُقال: «محوريّة العلم»، فهذا لا يعني بأنّ ذوي التجربة والخبرة من الصناعيّين أو المزارعين والذين قاموا بإنجازاتٍ وأعمالٍ كبرى طوال سنواتٍ متماديةٍ على أساس التجربة، لا يمكنهم أن يلعبوا دورًا في الاقتصاد المقاوم، كلّا! إنّ لهم دورًا مهمًّا جدًّا.
خامسًا:
هذا الاقتصاد يدور حول محور «العدالة»، أي إنّه لا يكتفي بمؤشّرات الاقتصاد الرأسماليّ من قبيل معدّل النموّ القومي أو الناتج الإجمالي المحلّي، فالمسألة ليست في أن نقول بأنّ النموّ القومي قد ارتفع إلى هذا المستوى أو أنّ الناتج الإجماليّ المحلّي وصل إلى ذلك الحدّ مثلما تشاهدونه في مؤشّرات الاقتصاد الرأسماليّ في العالم.
فعلى الرغم من أنّك تجد بلدًا ما، الناتج الإجماليّ المحلّي فيها ارتفع كثيرًا، لكنّك تجد فيه أناسًا يموتون جوعًا! هذا لا نقبله ولا نؤمن به.
بناءً على هذا، فإنّ مؤشّر «العدالة»، العدالة الاقتصاديّة والعدالة الاجتماعيّة هو من المؤشّرات المهمّة في الاقتصاد المقاوم، وهذا لا يعني عدم الاهتمام بالمؤشّرات العلميّة الموجودة في العالم، كلّا! ينبغي الاهتمام بها أيضًا، ولكن العمل يسير ويدور حول محور «العدالة»، والعدالة في هذا البيان وهذا البرنامج لا تعني توزيع الفقر على الجميع، بل هي بمعنى إنتاج الثروة وزيادة الثروة القوميّة.
سادساً:
عندما قلنا: إنّ الاقتصاد المقاوم هو الحلّ الأمثل لمشكلات البلد الاقتصاديّة، فهذا أمرٌ لا شكّ فيه، ولكنّه لا يعني أنّ هذا الاقتصاد مُوجَّه إلى مشكلات البلد الحاليّة فقط. إذ إنّ بعض هذه المشكلات ترتبط بالحظر والعقوبات المفروضة، وبعضها يرتبط مثلًا بكون البرنامج الفلانيّ كان خطأً. كلّا! إنّ الاقتصاد المقاوم دائمٌ ومستمرٌّ؛ الاقتصاد المقاوم هو بمعنى التقوية والتثبيت والتمتين لأسس الاقتصاد، ومثل هذا الاقتصاد هو الذي يثمر وينتج ويفيد الناس، سواء كان في أوضاع الحظر والعقوبات أم في الظروف الأخرى؛ هذا هو السؤال الأول.
السؤال الثاني:
هل البرنامج الاقتصاديّ الذي تطلقون عليه اسم الاقتصاد المقاوم هو أمرٌ خياليّ ورؤية تحلمون بها؟ أم هو قابلٌ للتحقّق عمليًّا؟
والجواب هو كلّا! هو ممكن التحقّق تحققّاً كاملاً وعملياً وحتمياً. لماذا؟ بسبب الإمكانات والموارد، فبلدنا يتمتّع بموارد استثنائيّة؛ وسأشير هنا إلى بعض هذه الموارد، وهي من الأمور التي لا تتطلّب إحصاءاتٍ عجيبة وغريبة، بل هي أمام أنظار الجميع والكلّ يرونها بأُمّ العين.
إحدى هذه الموارد المهمّة، مواردنا البشرية، فقدراتنا البشريّة هي إحدى أكبر طاقات بلدنا، وهذه فرصةٌ كبيرةٌ.
لقد قلنا سابقًا: إنّ عدد الشباب في البلاد ـ ذوي الأعمار بين خمسة عشر وثلاثين عامًا ـ يُشكّل الفئة والغالبيّة العظمى من عدد سكّان شعبنا، وهذا بحدّ ذاته موردٌ مهمٌّ؛ لدينا عشرة ملايين خرِّيج جامعيٍّ، عشرة ملايين من شبابنا الذين درسوا طوال سنين وتخرّجوا في الجامعات، وحاليًّا لدينا أكثر من أربعة ملايين طالب جامعيّ سيتخرّجون خلال بضع سنوات، فليعلم شبابنا الأعزّاء، أنّ هؤلاء الملايين الأربعة من الطلاب الجامعيّين يعادلون 25 ضعفًا قياسًا مع عدد الطلاب الجامعيّين عند سقوط النظام الطاغوتيّ، لقد ازداد عدد سكان البلاد ضعفَين ولكن عدد الطلاب الجامعيّين تضاعف 25 مرّة عمّا كان حينها، اليوم لدينا هذا العدد من الطلّاب والخرّيجين، وإضافة إلى هؤلاء يوجد الملايين من أصحاب التجارب والمهارات.
لاحظوا، أولئك الذين هبّوا في زمان الحرب لنصرة قوّاتنا المسلّحة؛ ففي زمان الحرب، كانت إحدى مشكلاتنا تعطّل الأجهزة والوسائل، وقصف المراكز المختلفة الذي كان يؤدّي إلى فقدان الوسائل اللّازمة لقوّاتنا، كوسائل النقل والحمل والمواصلات وما شابه، فانطلق بعض الصناعيّين وأصحاب التجارب والمهارات من طهران والمحافظات ـ وأنا كنتُ شاهدًا على هذه المسائل في بدايات الحرب وكنتُ أراهم ـ وقد وفقنا مؤخّرًا بحمد الله وعُدنا نلتقي بمجموعة منهم، لقد كانوا شبابًا في تلك الأيّام، والآن بعد أن قطعوا كلّ تلك السنوات الطوال، لا يزالون بنفس تلك الروحيّة المفعَمة بالحماس والاندفاع.
نزلوا حينها إلى ميادين الحرب وإلى الخطوط الأماميّة للجبهة، واستُشهد بعضهم، قاموا بأعمال الصيانة والترميم والتصنيع والابتكار: هذه الجسور العجيبة والغريبة والتي استفادت منها قوّاتنا المسلّحة كثيراً، الإمكانات المتنوّعة، السيّارات، شقّ الطرقات وما شابه، كلّها تحقّقت على أيدي هذه الطاقات الخبيرة والماهرة، واليوم هم موجودون وأمثالهم الكثير إلى ما شاء الله، ممّن لم يدرس ويتخرّج في الجامعات، ولكن لديه التجربة والمهارة اللتان تنفعان وتفيدان أحيانًا أكثر من الجامعيّين المتخصّصين بكثير، وهذه أيضًا من الموارد والطاقات التي لدينا في المجال الزراعيّ وكذلك في المجال الصناعيّ.
من موارد البلد المهمّة: المصادر الطبيعيّة، وقد ذكرتُ السنة الماضية، وفي هذا المكان: إنّ مجموع النفط والغاز لدينا هو الأوّل في العالم، أي إنّه لا يوجد بلدٌ في العالم يمتلك ما لدى إيران من نفطٍ وغازٍ معًا، إنّ مجموع النفط والغاز عندنا أكثر من جميع بلدان الشرق والغرب.
وهذه السنة ـ وفيما أنا أتحدّث معكم الآن ـ هناك اكتشافات جديدة في مجال الغاز، تشير إلى ارتفاع احتياط الغاز عمّا كان عليه السنة الماضية، هذا هو وضع النفط والغاز لدينا.
يوجد في بلدنا أكبر احتياطيّ من مصادر الطاقة التي يحتاجها العالم في الإنارة، والتدفئة، والصناعة، والازدهار بواسطة الطاقة والنفط والغاز، إضافة إلى ذلك، هناك مناجم الذهب والمعادن النادرة المنتشرة في كلّ أنحاء البلاد: الأحجار، والحديد، والمعادن، الأحجار الكريمة، أنواع المناجم والمعادن الأساسية، كلّ هذه الموارد التي تُعتبر أمّهات الصناعة، كلّها موجودة في بلدنا، هذه أيضًا طاقة كبرى.
هناك موردٌ آخر، يتمثّل في موقعنا الجغرافيّ، فإنّنا جيرانٌ لخمسة عشر بلدًا نتشارك معًا في المواصلات، فشبكة المواصلات والترانزيت من الفرص الكبرى للبلدان، وهذا متوفّرٌ في بلدنا الذي يتّصل من الجنوب بالمياه الحرّة، ومن الشمال بالمياه المغلَقة، ويعيش في هذه البلدان المجاورة لنا، ما يُقارب 370 مليون نسمة، يشكّلون في تواصلهم وارتباطهم فرصةً كبيرةً جدًّا لاقتصاد بلادنا، هذا إضافة إلى أسواقنا الداخليّة، فإنّ سوقًا فيه 75 مليون نسمة هو سوقٌ مهمّ لأيّ اقتصادٍ في العالم.
من الموارد الموجودة أيضًا في بلدنا، البنى التحتيّة الصلبة والناعمة (البرامج)، فمن البرامج الناعمة سياسات الأصل 44 (الخصخصة) ووثيقة الرؤية المستقبليّة، وكذلك البرامج والأعمال التي أُنجزت في السنوات الماضية، وهناك بنى تحتيّة متنوّعة كالطرقات الدوليّة، والسدود، والجسور والمصانع وما شابه، وكلّها تشكّل أرضيّات جيّدة جدًّا لتقدّم اقتصاد البلاد، هذه موارد وطاقات لأيّ بلد.
حسنٌ، يمكن للبعض أن يقول: لو لم يكن هناك حظرٌ وعقوباتٌ، لكنتم استفدتم من هذه الموارد والطاقات استفادة كبرى، ولكن مع وجود هذه العقوبات لا يمكنكم الانتفاع بها، هذا خطأ، هذا الكلام ليس صحيحًا، لقد استطعنا في الكثير من المسائل الأخرى أن نصل إلى مستوياتٍ عاليةٍ، ونتائج باهرةٍ على الرغم من وجود العقوبات والحظر، و «إنتاج العلم» هو أحد الأمثلة، والتطوّر الصناعي والتقني مثال آخر، مع أنّه قد فُرضت علينا عقوبات في هذه المجالات، ولا تزال حتّى الآن.
في مجال العلوم الحديثة والمتطوّرة، إنّ أبواب المراكز العلميّة الأساسيّة في العالم مغلقة أمام العلماء والطلاب الإيرانيّين، ولكن في الوقت نفسه، تقدّمنا في علوم النانو، وكذلك في مجال الطاقة النوويّة وفي الخلايا الجذعيّة، وأيضًا في الصناعات الدفاعيّة والصواريخ والطائرات من دون طيّار، لقد تطوّرنا وتقدّمنا رغم أنف العدوّ، فلماذا لا يمكننا التقدّم في الاقتصاد؟! نحن الذين حصدنا كلّ هذه النجاحات في الساحات والميادين المختلفة، قادرون ـ إن عقدنا العزم ومضينا يدًا بيدٍ ـ على أن نحقّق الازدهار في الاقتصاد أيضًا، ولن ننتظر العدوّ متى يرفع الحظر؟ ولن ننظر متى يوافق على النقطة الفلانيّة؟ فليذهب إلى الجحيم! ولننظر إلى أنفسنا ونرى ماذا يمكننا أن نفعل بأنفسنا.
والآن سأطرح السؤال الثالث وأجيب عنه؛ لقد كان السؤال كالآتي: لكي يتحقّق هذا العمل الكبير «الاقتصاد المقاوم» ما هي المقتضيات والمسائل المطلوبة؟ وما هي الأعمال الواجب إنجازها؟
أختصر الكلام وأقول:
أوّلاً:
يجب على المسؤولين دعم الإنتاج الوطنيّ، فهو الأساس والحلقة الأساسيّة لتقدّم الاقتصاد؛ يجب على المسؤولين دعم الإنتاج الوطنيّ. كيف ذلك؟ عليهم أن يقدّموا الدعم القانونيّ في الأماكن التي تحتاج إلى سنّ قوانين وتشريعات؟ وفي الموارد التي يلزمها دعم قضائي، يجب أن يقدّموا الدعم اللازم، هناك أماكن يحتاج الإنتاج الوطنيّ إلى دعم تنفيذيّ، يجب أن يشجّعوا وينجزوا أعمالًا مطلوبةً، يجب أن يزدهر الإنتاج الوطنيّ.
ثانيًا:
على أصحاب رؤوس الأموال والقوى العاملة (المنتجة)، أن تولي أهمّيّة للإنتاج الوطنيّ أيضًا، بأيّ معنًى؟ بمعنى زيادة الإنتاجيّة والاستفادة من الإمكانات الموجودة بالحدّ الأقصى والأمثل، وعلى العامل حين يعمل أن ينفّذ عمله بكلّ دقّة، «رَحِمَ اللهُ امرءاً عَمِلَ عَمَلاً فَأَتقَنَه»، هذا هو معنى المنفعة والاستفادة كذلك على الذي يستثمر أمواله، أن يسعى للاستفادة بحدّها الأقصى من تشغيل رأس ماله، فيُخفّف مصاريف الإنتاج، لأنّ ضعف التدبير وسوء التدبير، وعدم التخطيط والبرمجة يؤدّون إلى ارتفاع مصاريف الإنتاج، فيقلّ الربح ويقلّ العمل.
ثالثًا:
ينبغي أن يُفضِّل أصحاب رؤوس الأموال في البلد، الأعمال الإنتاجيّة على غيرها من الأنشطة، لقد رأينا كيف أنّ أشخاصًا لديهم رؤوس أموالٍ ـ صغيرة أو كبيرةٍ ـ وكان بمقدورهم أن يوظّفوها في مجالاتٍ ما ويكسبوا بذلك أرباحًا طائلةً، لكنّهم لم يفعلوا ذلك، واتّجهوا نحو الإنتاج، قالوا: نريد أن نقوّي إنتاج البلد، إنّ عملهم هذا حسنةٌ، إنّه صدقةٌ، وهذا من أفضل الأعمال، ينبغي للذين يمتلكون رؤوس الأموال ـ صغيرة كانت أم كبيرة ـ أن يوظّفوها في خدمة الإنتاج الوطنيّ للبلاد.
الأمر الآخر، ينبغي أن يقوم الناس وعلى مختلف المستويات، بالترويج للإنتاج الوطنيّ، ماذا يعني هذا؟ إنّه الأمر الذي طرحته هنا بإصرارٍ وتأكيدٍ شديدٍ منذ سنتين أو ثلاث، ولحسن الحظّ، فإنّ العديد من الناس استجابوا وقاموا به، ولكن ينبغي على الجميع أن يعملوا به، وهو عبارة عن «استهلاك الإنتاج الداخلي».
يا أعزّائي! عندما تشترون بضائعَ وطنيّةً بدل البضائع الأجنبيّة، فإنّكم تخلقون فرص عملٍ بمقدارِ ما تشترون، وتدفعون العامل الإيرانيّ ـ أيضًا ـ إلى أن يقدّم ابتكاراته إلى الساحة؛ فحين يتمّ شراء البضاعة الداخليّة، فإنّ منتجها لديه ابتكارات يومًا بعد يوم، حين تستهلكون بضائع محلّية الصنع، فإنّكم تزيدون بذلك الثروة الوطنيّة.
في الماضي، في زمان الطاغوت (الشاه) راج استهلاك البضائع الأجنبيّة عرفاً وتقليداً! حين كان الناس يذهبون للتسوّق، كانوا يسألون، أوّلًا: أ هذه البضاعة محليّة أم أجنبيّة؟ فإن كانت أجنبيّة رغبوا فيها واشتروها! ينبغي أن نتراجع عن ذلك وينبغي أن يصبح الأمر معكوسًا.
نحن لا نقول: إنّ شراء البضائع الأجنبيّة حرام، ولكن شراء البضائع الوطنيّة أمرٌ ضروريٌّ لجعل الاقتصاد مقاومًا، وهذه العملية تترك آثارها على كلّ شيءٍ في هذا البلد يجب الاهتمام بهذا الأمر، وهذا دور كلّ الناس.
وبالتأكيد، فإنّ مسؤوليّة المسؤولين ومديري البلد هنا ـ كما في الكثير من المسائل الأخرى ـ هي أكبر من الآخرين، إنّ الكثير من المبالغات والإسراف والهدر في تصرّفات الناس وسلوكهم، يعود إلى مشاهدتهم لسلوك الذين يعتبرونهم (الأكابر)، إن زال الإسراف في المستويات العليا، فإنّه سيقلّ بين عموم الناس، وبناءً على هذا، إنّ تفضيل الإنتاج الوطنيّ هو من الأعمال المطلوبة.
سألخّص هذا الشقّ من الكلام، إنّني أقول: إنّ القيام بالاقتصاد المقاوم الذي يعني تقوية أسس الاقتصاد وتمتينها، هو من واجباتنا العامّة حاليًا، والجميع يُمكنه أن يؤدّي دورًا فيه: المسؤولون، ورؤساء القوى الثلاث، وكذلك عموم الناس، وأصحاب المهارات، وأصحاب رؤوس الأموال، وكذا أصحاب الفكر، وبالتأكيد، فإنّ ما ذكرناه هو خلاصة ما ينبغي قوله، ويقع على عاتق أهل الفكر والنظر أن يشرحوا التفاصيل والجزئيّات[6].
- [1]– من خطاب سماحته في لقائه برئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة بتاريخ 23-8-2012م
- [2]– من خطاب سماحته في لقائه بالحشود من أهل آذربيجان بتاريخ 18-2-2015م
- [3]– من خطاب سماحته في الحرم الرضوي المطهّر بتاريخ 21-3-2014م
- [4]– من خطاب سماحته في لقائه بالحشود من أهل آذربيجان بتاريخ 18-2-2015م
- [5]– من خطاب سماحته في الحرم الرضوي المطهّر بتاريخ 21-3-2014م
- [6]– نفس المصدر