وفاة الرسول (ص) «لقد أُصبنا فيك يا حبيب الله»
طوال الوجود الشريف للنبي الأكرم، عاش الحسين مرحلة الطفولة يشم رحيق الوحي ويغذى العلم، ويعيش الأمن في كنف جده وعزّ الإسلام الظاهر، وزهو تلك الأيام المجيدة في ظل انتصارات الإسلام وسلطانه الذي أظهره على الدين كله ولو كره المشركون، حيث جيش الإسلام يرجع من غزو الأعداء وهو ينتظر جده وأباه وشمائل النصر بادية تبرز عزة الإسلام في الجهاد وقتال أهل الباطل.
بوفاة رسول الله (ص) فقد الحسين (ع) ذلك الحضن الدافئ والقلب الرؤوف واليد الحانية وذلك الوجود القدسي الطاهر. في ذلك اليوم المؤلم يرتمي الحسين على جسد جده باكيًا منتحبًا، مناديًا «يا أبتاه يا رسول الله»، بفقد النبي (ص) بدأت الرزايا والمصائب تترى على أهل البيت وتظافرت الأمة على هضم حقهم، وقد شهد الحسين تلك الابتلاءات والمصائب وكان على رأسها:
- غصب الخلافة: لقد رأى الحسين كيف انقلبت الأمة بعد رسول الله على الولي بالحق أمير المؤمنين، وعاش أجواء التحولات السياسية والفكرية لدى الأمة ونكرانها للولاية الإلهية والوصية الربانية عبر انتهاك أحد أدوار الإمامة وهو استلام السلطة بعد رسول الله (ص) وإقامة الحكومة الإسلامية، لذا تمركز هدف الأئمة (ع) حول إعادة إقامة الحكومة الإسلامية بعد وفاة النبي (ص) وإن تعددت الوسائل والطرق للوصول للهدف الأساسي إلا أن هذا كان نصب أعينهم، فشهد الحسين أول احتجاج على الانقلاب السياسي عبر الاعتصام في بيت الزهراء والامتناع عن بيعة أبي بكر والذي رافقه لاحقًا اقتحام المنزل من قبل السلطة وفض الاعتصام والاعتداء على الموجودين ولم يستثنوا النساء وخصوصًا الزهراء (ع) حيث جرى عليها ما جرى.
- استهداف الزهراء (ع) وسلب حقوقها: كان أحد أهداف الحكومة الانقلابية تجريد المعارضة العلوية من عناصر القوة لديها، والذهاب بعيدًا في التعدي والقهر كي تقمع أي حركة معارضة في مهدها، فلم يضعوا اعتبارات ولا خطوط حمراء حتى لمقام السيدة فاطمة عندما انحازت لحق أمير المؤمنين وصدعت بموقفها، وكان ضمن تلك التجاوزات الخطيرة الهدم أو الحرق لبيت فاطمة إذا لم يبايع المعتصمون بداخله الخليفة الانقلابي، وقد صرَّح أحدهم محذرًا «إن في البيت فاطمة» حيث استوقفه خطورة هذه الخطوة إلا أن جسارة الخليفة الثاني جعلته يقول «وإن»[1]!! فلا أحد ينكر مقامها في الأمة!! فهل هناك من ينكر فضل سيدي شباب أهل الجنة من هذه الأمة! ثم جرى ما جرى من أحداث الاقتحام من ضرب وعصر وإجهاض، ثم أخذ أمير المؤمنين ملببًا بحبائل سيفه مجبرًا ليبايع سلطة الأمر الواقع، ومن إجراءات السلطة تجريد الزهراء (ع) من حقوقها المالية والاعتبارية، حيث غصب تركتها من رسول الله وهي الوارث الوحيد لنبي من الأنبياء!! أي النصيب الأكبر على الإطلاق، فحتى زوجات النبي يتشاركن في مجموعهن في الثمن فقط، وأما الزهراء فتعتبر الوارث الوحيد لما ترك الرسول (ص) بلحاظ أن نساء النبي لم ينجبن أولادًا منه، فضلاً عن كون «فدك والعوالي» كانت نحلة من رسول الله (ص) للزهراء إلا أن السلطة البكرية تجاوزت كل تلك الاعتبارات وقبضت على تلك الأملاك الفاطمية كي لا تكون مصدر قوة اقتصادية وقاعدة للمعارضة مستقبلاً «السلام عليكِ أيتها المظلومة المغصوبة، السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة».
- مع أمه للمطالبة بالحقوق: تخرج الزهراء (ع) ومعها الحسنان (ع) تدور على بيوتات المدينة، تستنهض الأمة للثورة، وتذكيرها بالحقوق والواجبات، مطالبة بحقوق الولاية من السلطة الغاشمة، حيث ينقل لنا التاريخ خروجها (ع) مع الحسن والحسين لأربعين يومًا تلف بيوتات المدينة مذكرة الأمة بحقهم عليهم، وشهد الحسين مباشرة الخطبة العظيمة لأمه في المسجد النبوي والتي وضعت في ذلك الخطاب أهم الأسس العقائدية والفكرية للمعارضة المشروعة، وكان يرافقها الحسن والحسين كما في الرواية «خرجت فاطمة ومعها جمعٌ من بنيها ولمة من حفدتها تمشي مشية رسول الله متوجهة للمسجد، فدخلت فوضعت دونها ملاءة فخطبت في المسلمين … إلى آخر الرواية والخطبة الشريفة».
- الحسين الطفل المعارض: لقد سجّل الحسين (ع) مواقفه المعارضة للظلم منذ صغر سنه وثار مشاركًا مع والديه في محنة انقلاب الأمة، كما كان له (ع) مواقفه المنفردة رغم صغر سنه، ففي إحدى المرات دخل مسجد النبي (ص) وكان عمر يخطب في الجموع باعتباره الخليفة، فجاء الحسين وسط المسجد ونادى بأعلى صوته موجّهًا الكلام لعمر: «انزل أيها الكذاب عن منبر أبي رسول الله (ص)»[2]. أراد إيصال رسالة مفادها أن هذا الموقع ليس لك وأنك تبوأت منصبًا ومقامًا هو حق أصيل لغيرك، فجاء الرجل للحسين الطفل حيث وصلت رسالته وفطن مغزاها، فقال له: «من علمك هذا؟ أبوك علي بن أبي طالب؟»[3]
[1]– كتاب السقيفة والخلافة، شيخ محمد رضا المظفر، صفحة 14
[2]– بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 30، صفحة 47
[3]– نفس المصدر