مواضيع

التسلط على تاريخ صدر الإسلام

مجرد أن نجلس ونقول أنّ آية نزلت وجاء جبرئيل وبعث النبي بالرسالة ونفرح بأن آمن فلان ولم يؤمن فلان، فهذا لا يعالج مشكلة، المسألة هي أن نستلهم الدروس من هذه الحادثة التي وهي أمّ كل الأحداث في فترة حياة الرسول المباركة، كل هذه الأعوام الثلاثة والعشرين دروس.

ذات مرة قلت لبعض الأصدقاء إن علينا دراسة حياة الرسول بالملّي مترات، فكل لحظة في حياته حدث ودرس وتجل إنساني عظيم، وهكذا هو الحال بالنسبة لكل هذه السنوات الثلاثة والعشرين. ليقرأ شبابنا تاريخ حياة الرسول من المصادر الموثوقة ويروا ما الذي حدث.

حين ترون أن أمة بهذه العظمة قد ظهرت إلى الوجود – واليوم أيضاً تكمن أفضل الأقوال وأفضل الحلول، وأفضل الدروس، وأفضل المعالجات للبشرية في منظومة الأمة الإسلامية – فقد ظهرت ونمت وتجذرت بهذا الشكل، وإلاّ لن نتقدم إلى الأمام لمجرد أن الحق معنا، الحق وبجانبه الصمود، يقول الإمام علي – وقد رويت عنه قوله هذا مراراً – في حرب صفين: «وَلَا يَحْمِلُ هَذَا الْعَلَمَ إِلَّا أَهْلُ الْبَصَرِ والصَّبْرِ»، لا يستطيع حمل هذه الراية إلاّ من تكون لديهم بصيرة أولاً، فيفهمون ما القضية وما الهدف؟ ثانياً: من يتحلّون بالصبر، والصبر هو الاستقامة والصمود والثبات. هذا هو الدرس الذي ينبغي أن نتعلّمه من البعثة[1].

وإنّني أوصي الشباب والمحصّلين والطلبة وغيرهم أن يجهدوا في معرفة التاريخ ويدقّقوا فيه، ليعرفوا ماذا حدث؟ <تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ >[2].

يقول القرآن لنا: انظروا إلى الماضي، وتعلّموا من دروس التّاريخ. الآن قد يجلس البعض وينسج فلسفة بأنّه لا يمكنك أن تمارس الماضي في الزّمن الحاضر، سمعت أنّهم يقولون هذه الأشياء وبالطّبع هم كالّذين يخزّنون الثّلج! في تصوّرهم، يجب إثارة القضايا بطرقٍ فلسفيّةٍ. لا علاقة لنا بهم، القرآن الصّادق المصدّق يدعونا للتّعلّم من التّاريخ، التّعلّم من عِبَر التّاريخ هو نفس القلق الّذي أعربت عنه للتّوّ. علينا أن نهتمّ بشأن التّاريخ إذا أردنا التّعلّم منه، لأنّه يوجد شيءٌ في هذا التّاريخ، هذا الاهتمام يتعلّق بالمستقبل، ما سبب هذا الاهتمام ولماذا؟ ماذا حدث؟

ما حدث هو في صدر الإسلام، قلت ذات مرّةٍ: يجب على الأمّة الإسلاميّة أن تفكّر في سبب وصول الأمّة الإسلاميّة بعد خمسين عاماً من وفاة الرّسول الأكرم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى نقطةٍ دفعت المسلمين – من وزيرهم وأميرهم وقائدهم وعالِمهم وقاضيهم ومجرمهم – إلى أن يتجمّعوا في الكوفة وكربلاء ويسحبوا فلذة كبد الرّسول(ص) بهذه الوضعيّة المروّعة؟! حسناً؛ على المرء أن يفكّر، لماذا حدث هذا؟ لقد أثرتُ هذا الموضوع قبل سنتين أو ثلاث سنوات في خطابٍ أو خطابين بعنوان «دروس عاشوراء». طبعا؛ دروس عاشوراء كدرس الشّجاعة وخلافه أمرٌ مختلف، الأهمّ من دروس عاشوراء هو عِبَر عاشوراء. لقد قلت ذلك من قبل، سيصل الحال إلى نقطةٍ حيث سيحضرون مرقد الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الأحياء والأسواق أمام النّاس، ويتّهمونه بأنّه من الخوارج!

الخوارج لا يعني أنّهم أتوا من الخارج. في ذلك الوقت، لم يتمّ استخدام مصطلح الخارجيّ بالمعنى الموجود اليوم. الخارجيّ هو جزءٌ من الخوارج، وهو من خرج عن شيءٍ. في الإسلام، هناك ثقافةٌ مهمّةٌ؛ وهي أنّه إذا قام شخصٌ ما على الإمام العادل، فسوف يلعنه الله ورسوله والمؤمنون وقوى المؤمنين. إذًا؛ الخارجيّ يعني الشّخص الّذي يخالف الإمام العادل، لذلك كان كلّ المسلمين يكرهون الخوارج في ذلك الزّمان؛ أي الذين خرجوا على الإمام.

… بينما أتحدّث إليكم، اُدرسوا أنفسكم وانظروا أين أنتم؟ وهذا يعني أنّ الموضوع مؤتمن على العقل؛ أي أن لا تخلطوا بين التّاريخ والقصّة، التّاريخ يعني سيرتنا الذّاتيّة في مشهدٍ آخر:

سيكون من الجميل وصف العشّاق

يُقال في حديث الآخرين

التّاريخ يعني أنا وأنتم؛ نحن الّذين هنا اليوم، لذا؛ إذا أردنا توصيف التّاريخ، يجب أن ينظر كلٌّ منّا إلى نفسه ويرى في أيّ جزءٍ من القصّة هو موجود، ثم دعونا نرى ماذا فعل شخصٌ مثلنا كان في هذا الجزء ذلك اليوم عندما تعرّض لضربةٍ؟ احرصوا على عدم القيام بذلك.

لنفترض أنّك حضرت صفّ تدريبٍ على أصول التّكتيك. هناك، على سبيل المثال، تحدّد جبهة العدوّ الافتراضيّة، كما تحدّد جبهتك الافتراضيّة، ثمّ تلاحظ التّكتيكات الخاطئة للجبهة الخاصّة بك، وترى أنّ مصمم خطّتك قد ارتكب خطأً، وعندما تريد أن تصمّم خطّةً بتكتيكٍ معيّن فإنّك تتجنّب ارتكاب تلك الأخطاء. أو، على سبيل المثال، كان التّكتيك صحيحاً؛ لكنّ القائد، أو مشغّل الرّاديو، أو عنصر المدفعيّة، أو الرّاصد، أو الجنديّ العاديّ، قد ارتكب في جبهته خطأً ما، افهم أنّه لا يجب عليك تكرار هذا الخطأ. هذا هو التّاريخ.

جدوا أنفسكم في مشهدٍ سأشرحه من زمن صدر الإسلام. البعض هم من العوامّ وليس لديهم القدرة على اتّخاذ القرارات. عامّة الناس هؤلاء، تبعاً للصّدفة والجوّ العام، إذا تواجدوا في وقتٍ كان فيه قادةٌ مثل الإمام عليّ أمير المؤمنين(ع) وإمامنا الرّاحل قدّس سرّه، يعملون ويأخذون المجتمع إلى الجنّة بأيدي الصّالحين، لكن لو لم يحالفهم الحظّ وكانوا في حالة <وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ>[3] أو <أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ 28 جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وبِئْسَ الْقَرارُ>[4] سوف يذهبون إلى الجحيم، لذلك؛ عليكم أن تكونوا حريصين على ألّا تكونوا من عوامّ النّاس.

ألا تكون من العوامّ لا يعني أنّه يتعيّن عليك تحصيل الشّهادات العليا؛ كلّا! قلت أن ليس هذا ما يعنيه عامّة النّاس، فكم من الأشخاص درسوا وحصّلوا مراتب بشهاداتٍ عليا، إلّا أنّهم من العوامّ، وكم من أشخاصٍ آخرين تلقّوا تعليماً دينيّاً أيضاً؛ لكنّهم من عامّة النّاس، وكم من فقيرٍ أو غنيٍّ، لكنّه من العوامّ أيضاً. أن نكون من العوامّ، هو أمرٌ بيدي وأيديكم، يجب أن نكون حريصين على عدم الانضمام إلى هذه الفرقة؛ أيّ أنّ يكون كل ما نقوم به يعتمد على البصيرة، أيّ شخصٍ لا يعمل بالبصيرة هو من عامّة النّاس[5].


  • [1].  بيانات سماحته بمناسبة المبعث النبوي بتاريخ 30-7-2008م
  • [2].  البقرة: 141.
  • [3].  قصص: 41
  • [4].  إبراهيم: 28-29
  • [5].  بيانات سماحته أمام قادة جيش محمد رسول الله(ص) 27 بتاريخ 9-6-1996م
المصدر
كتاب الثوري الأمثل في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى