التحريف
تحريف شخصية الإمام الخميني
ما أقوله لكم اليوم سيكون تحت عنوان «تحريف شخصية الإمام الخميني»، فهل يمكن تحريف الشخصيات؟ عادة ما نستخدم عنوان التحريف ومصطلح التحريف لتحريف النصوص، فهل يمكن أيضاً تحريف الشخصيات؟ نعم، تحريف الشخصيات هو بأن تبقى الأركان الرئيسية لشخصية ذلك الإنسان الكبير إما مجهولة أو تفسر بشكل خاطئ، أو تفسر بطريقة منحرفة وسطحية؛ هذه الحالات كلها من سنخ تحريف الشخصيات. الشخصية التي تكون نموذجاً وإماماً وقائداً ستبقي سلوكياته وأقواله مناراً ونبراساً للأجيال التي تأتي من بعده، وإذا جرى تحريف هذه الشخصية فسيكون الضرر كبيراً. ينبغي ألا يجري الاهتمام بالإمام الخميني كمجرد شخصية تاريخية محترمة، وهذا ما يريده البعض، حيث يتصورون أن الإمام الخميني كان شخصية محترمة في تاريخ هذا البلد، عاش في زمن معين وكان ناشطاً ومفيداً ثم فارق الناس والحياة وانتهى زمانه، فنحترمه ونذكر اسمه بجلال، هذا ليس إلّا؛ البعض يريدون أن يعرفوا ويعرّفوا الإمام الخميني بهذه الطريقة ويتصوروه على هذا النحو؛ هذا خطأ.
إن الإمام الخميني هو التجسيد العيني لمسيرة عظيمة بدأها الشعب الإيراني فغيّر تاريخه، والإمام الخميني مؤسس مدرسة فكرية وسياسية واجتماعية. وقد تقبل الشعب الإيراني هذه المدرسة وهذا الدرب وهذه الخارطة وهو سائر الآن على هداها، ومواصلة هذا الدرب منوط بأن تعرف خارطة الطريق هذه معرفة صائبة، فمن دون أن نعرف الإمام الخميني معرفة صحيحة -بمعنى معرفة أصول الإمام الخميني ومبادئه- لن تُعرف خارطة الطريق هذه.
من البديهي أن نقاشنا حول الأسس الفكرية للإمام الخميني، وليس نقاشاً حول قرارات آنية تتعلق بزمان أو مكان معينين، إنما هو نقاش حول الشكل الأصلي لفكر إمامنا الخميني الكبير، ونروم أن نعرف هذا الشيء بشكل صحيح.
لقد كنا نحن الشعب الإيراني شعباً خاضعاً وغارقاً في اللاهدفية وانعدام الأمل، كنا شعباً تابعاً فرضوا عليه عن عمد أن يبقى متخلفاً، وكانوا يفرضون علينا أفكارهم وثقافتهم أيضاً، وينهبون مصادرنا الاقتصادية ويصبّون على بلادنا، إلى ذلك، سيولاً من وحول العادات القبيحة؛ كنا مثل هذا الشعب.
وبدّلنا الإمام الخميني إلى شعب متحفز مفعم بالأمل ونشيط متحرك وله أهداف كبرى. الشعب الإيراني اليوم شعب كثير الحراك والفاعلية ومتحفز ومتفائل وسائر نحو أهداف كبرى. طبعاً لا تزال تفصلنا عن أهدافنا مسافة كبيرة لكن المهم هو أننا سائرون والمهم هو وجود الطاقة والهمة للتقدم لدى شعبنا، والمهم أن شبابنا يؤمنون بقدرتهم على الوصول إلى هذه الأهداف، وأن بمستطاعهم تأمين العدالة الاجتماعية على نحو كامل، وبمقدورهم تحقيق التقدم والثراء لهذا البلد، وباستطاعتهم تبديلنا إلى بلد متقدم ذي قدرة متلائمة مع هويته التاريخية؛ هذا الأمل يتموج اليوم في بلادنا، وشبابنا يتحركون بهذا الاتجاه. لقد خرجنا من حالة الخدر والخمول والنعاس، وهذا ما قامت به نهضة إمامنا الخميني الجليل وما قام به هذا الرجل الكبير.
إذا شاء شعب إيران أن يصل إلى تلك الأهداف ويواصل هذا الدرب فيجب عليه معرفة طريق الإمام الخميني الجليل معرفة صحيحة ومعرفة أصوله ومبادئه معرفة صائبة، وألا يسمح بتحريف شخصية الإمام الخميني، فتحريف شخصية الإمام الخميني هو تحريف لدرب الإمام وتحريف للصراط المستقيم الذي يسير عليه شعب إيران. إذا أضعنا درب الإمام الخميني أو نسيناه أو لا سمح الله نبذناه عمداً فإن شعب إيران سيتلقى الصفعات. على الجميع أن يعلموا أن الهاضمة التي لا تشبع للاستكبار العالمي لا تقلع عن طمعها في بلادهم؛ بلد كبير وثري ويقع على تقاطع طرق عالمية حساسة هو بلد مهم جداً بالنسبة لجبابرة العالم المخادعين. إنهم لم يقلعوا عن أطماعهم وجشعهم، ولا يتراجعون إلا إذا توصلتم أنتم -الشعب الإيراني- إلى درجة من القوة والاقتدار والتقدم تقطع عليهم آمالهم. من هنا تنبع أهمية خطر تحريف الإمام الخميني، فإذا جرى تحريف شخصية الإمام الخميني وأسيئ تعريفها وتم تعريفها بشكل خاطئ فإن كل هذه الأخطار الكبرى ستحدق بالشعب الإيراني، وهنا ينبغي أن يكون خطر تحريف شخصية الإمام الخميني إنذاراً في أسماع وأعين مسؤولي البلاد ومفكري الثورة وتلامذة الإمام الخميني القدماء والمحبين لهذا الدرب وعموم الشباب والواعين والجامعيين والحوزويين. طيب، كانت هذه مقدمة ما أروم قوله.
لقد كانت هناك أعمال لتحريف شخصية الإمام الخميني حتى في زمن حياته، فمن ناحية كان هناك الأعداء الذين حاولوا منذ مطلع الثورة تصوير الإمام الخميني في إعلامهم العالمي باعتباره ثورياً متصلباً عنيفاً -من قبيل من نعرفهم في تاريخ الثورات الكبرى والمعروفة في العالم مثل الثورة الفرنسية والثورة الماركسية السوفيتية وبعض الثورات الأخرى- وإنساناً متشدداً خشناً عبوساً دائم العبوس ولا ينظر إلا لمواجهة العدو، وليس فيه أية عواطف أو مرونة؛ كانوا يصورون الإمام الخميني بهذا الشكل، وهذا خطأ. نعم، لقد كان الإمام الخميني قاطعاً لا يتزلزل وكان راسخاً في قراراته -كما سوف أذكر- لكنه كان إلى ذلك تجسيداً للعواطف واللطف والمحبة والمواساة والمحبة مقابل الله وعباد الله، وخصوصاً حيال الشرائح المظلومة والمستضعفة من المجتمع. كان هذا عملاً قام به العدو في الإعلام العالمي تجاه ثورتنا منذ بدايتها فيما يتعلق بشخصية الإمام الخميني.
وفي الداخل أيضاً حرّف البعض عن جهل والبعض الآخر عن علم شخصية الإمام الخميني، حتى في زمن حياته. كانوا ينسبون للإمام الخميني كل ما يرونه مقبولاً ويرتاحون له، في حين لم يكن لذلك الشيء صلة بالإمام الخميني. وتواصل هذا السياق بعد رحيل الإمام الخميني أيضاً إلى درجة أن الإمام الخميني طرح في بعض الآراء والتصريحات على أنه إنسان ليبرالي لا توجد أية قيود أو شروط في سلوكه على المستويات السياسية وحتى في المجالات الفكرية والثقافية، وهذا بدوره خطأ كبير وبخلاف الواقع. إذا أردنا العثور على شخصية الإمام الخميني بالمعنى الحقيقي للكلمة فلهذه العملية طريقها، وإذا سرنا في هذا الطريق -الذي سوف أذكره- فإن القضية ستكون محلولة، وإلّا يأتي اليوم أناس يطرحون الإمام الخميني طبقاً لميولهم وأذواقهم، وقد يأتي غداً أناس آخرون يطرحونه طبقاً لأذواق أخرى ووفقاً لأحداث أخرى تقع في العالم، ويرون من المصلحة أن يطرحوا الإمام الخميني بطريقة أخرى؛ هذا غير ممكن. شعبية الإمام الخميني بين الناس شيء باق دائم، وهذا ما لم يستطع العدو القضاء عليه، لذلك يعد تحريف شخصية الإمام الخميني الساكن في قلوب الكثير من الناس داخل إيران وخارجها خطراً كبيراً.[1]
- [1] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2015م