مواضيع

طرح «الانتظار» من أجل الرجوع إلى ميكروب «الارتجاع»

لقد ذُكْرَت في القرآن الكريم حقيقة مُرّة وأشير إليها بتعابير متعدّدة، ولو أردنا أن نطلق عليها اسماً لأطلقنا عليها -من باب المثال- الردّة أو الارتداد.

وهذه الحقيقة -وللأسف- ترتبط بالمجتمعات والشعوب الّتي كانت تعيش حالات معنوية وإلهية أعني -شعوب العهد الإسلامي- ولا ترتبط بشعوب العصر الجاهلي، كما أن خطورة هذا المرض تمتد حتى تشمل الدول والشعوب الّتي خطت بحركة عظيمة خطوة إلى الأمام، وبتعبير اليوم قاموا بثورة، وقرّبوا أنفسهم إلى الله، وبتعبير آخر يخصّ الذين انعم الله عليهم.

إنّ هذه الجرثومة هي العدوّ الأكبر للثورة من الداخل، فهي تتسلّل إلى داخل المجتمعات الثوريّة ثمّ تنمو وتتكاثر فتعدي وتسري في هذه المجتمعات، بينما العدو الخارجي متربّص.

فمنذ اليوم الأوّل سعت أمريكا وكذا القطب الشرقي آنذاك وسائر الأعداء والرجعيين في المنطقة في قلع هذه الشجرة وهذه النبتة بالتدخّل العسكري، أو بتحريك الجيران، أو فرض الحصار الاقتصادي، أو سائر الوسائل، لكنهم كلّما سعوا كلّما تجذّرت واستحكمت هذه النبتة وأصبحت مصداقاً للآية الشريفة: <أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السّمَاءِ>[1].

ولا أودّ أن أقول إنّ الأعداء المسلّحين بالمال والقوّة قد انصرفوا اليوم عن توجيه الضربات لنا، بل أنّهم يوجّهون ضرباتهم، وترون أنّهم أصبحوا وقحين -وبالخصوص الأمريكان- إلى درجة بحيث يصرّحون بعدائهم ويقولون: إنّنا قلنا للدولة الفلانية أن تقطع علاقاتها أو تعاملها بتلك الصورة مع إيران.

وترون الصهاينة الّذين لا أصل لهم والمجهولي الهوية والنسب، الّذين لم يكونوا يجرأون يوماً ما على إظهار أنفسهم وكان جلّ سعيهم يصرف للدفاع عن أنفسهم، بلغوا من الوقاحة بحيث يتنقّلون هنا وهناك ليقولوا:

تعاملوا هكذا مع إيران! وذلك نتيجة سوء تصرّف بعض الزعماء العرب في المنطقة.

على أيّة حال، إنّ أهمّ مخطّط للعدوّ اليوم هو الانتظار، إنّهم ينتظرون ظهور أعراض هذه الجرثومة الّتي يعلم الجميع بوجودها ولا تخصّنا- في جسد النظام الإسلامي السليم والقوي، لذا يجب علينا الحذر.

إنّ الأعداء ينتظرون اليوم تنامي الفساد داخل البلاد وخلق الشكوك في أذهان الشباب وتغلُّب اللهو الفاسد والمانع للخير على الأهداف السامية، وإثارة النوازع الدنيويّة وحبّ الجاه والدعة، وظهور معالم البهرجة والترف بين العناصر الثوريّة، وكلّها وليدة تأثير جرثومة الردّة والارتداد.

ليس المقصود أن يُحرم النّاس أو الثوريون من زينة الدّنيا، فالنعم والبركات الإلهيّة للجميع، لكن الرغبة في الدّنيا والشهوات وحبّ المال واكتنازه وحبّ النفس أكثر من الله والدِّين والهدف والمجتمع والابتداء بالمفاسد الأخلاقيّة أعمّ من المالية والجنسيّة والإدارية، والصراع الداخلي وهذا من المفاسد الخطيرة للغاية، ثمّ الطموح في الجاه والمقام غير المشروع كالرائج في الغرب، كلّها من شأنها تدمير مباني الإسلام والثورة والحقيقة.

طبعاً، وسوف تقام بدل منها مباني جديدة لكنّها طاغوتيّة غير إلهيّة ومخالفة للإسلام وللقيم الّتي أريقت دماء شهدائنا من أجلها، وهذه من معالم الارتداد والردّة.

فإن رأيتم أنّ العدوّ يتابع بشدّة قضيّة الهجوم الثقافي أو الغارة الثقافيّة والمذبحة الثقافية الجماعيّة في هذا البلد، وإن ترون تركيز الإعلام المعادي على الجمهوريّة الإسلاميّة أكثر من أيّة دولة أخرى -لا أنّهم لا يعادون الآخرين، بل أنّ الإعلام المعادي المضاد للآخرين لا يساوي شيئاً فيما هو ضدّ الجمهوريّة-، وإن ترون أنّهم يحاولون باستمرار احتلال مواقع في أذهان الشعب وبالخصوص الشباب والمؤمنين، ذلك كي يصاب مجتمعنا الثوري بداء الردّة، طبعاً، إنّ العدوّ ليس شخصاً فحسب، بل هناك مؤسّسات أيضاً.

إنّ الأعداء يعلمون جيّداً أنّ كلّ إنسان معرّض للفساد غير أنّهم يجهلون استثناءاً واحداً وهو <إِلَّا الْمُتَّقُونَ>[2]، فلا يمكن إفساد المتّقين، إنّهم لا يفهمون معنى (التقوى)، نعم يمكن إفساد الناس، ويمكن عرض زينة الدّنيا من طرق غير مشروعة عليهم لجعل أفئدتهم بصورة بحيث يرغبون عن جميع القيم ويضحّون بها في سبيل المظاهر المادّية.

كلّ هذه الأمور يمكنها أن تتّفق مع غياب التقوى، فللتقوى تأثير في الدّنيا وفي الآخرة، وكما أنّ للتقوى تأثير في السياسة، كذا لها تأثير في حفظ النظام الإسلامي وفي الحرب، وقد أدركتم ولامستم بأنفسكم هذه الحقيقة.[3]


  • [1] إبراهيم: 24
  • [2] زخرف: 67
  • [3] خطاب سماحته أمام قادة وأعضاء الحرس الثوري بتاريخ 5-1-1995م
المصدر
كتاب الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟