مواضيع

الجاذبة والدافعة

المعيار الآخر في برنامج الإمام ونهجه وطريقه المستقيم هو ما يتعلق بقضية جاذبة الإمام ودافعته، فللعظماء ميدان وسيعٌ من الجاذبة والدافعة. الكل لهم جاذبة ودافعة، فأنتم بتصرفكم تجذبون شخصاً إليكم وتؤلمون شخصاً آخر؛ هذه هي الجاذبة والدافعة. أما العظماء فإن جاذبتهم تؤدي إلى إيجاد شريحة واسعة، وكذلك دافعتهم فإنها توجد شريحة واسعة أيضاً، فإنّ جاذبة الإمام ودافعته أمرٌ مذهل وملفت للنظر.

إن أساس المبنى والمعيار لجاذبة الإمام ودافعته هو الإسلام؛ تماماً كما يدعو الإمام السجاد(ع) في الصحيفة السجادية مناجياً ربه في دعاء استقبال شهر رمضان ـ. قلنا مراراً بأن أدعية الإمام السجاد في الحقيقة هي من أعظم كنوز المعارف الإسلامية، ففي هذه الأدعية معارف لا يمكن للإنسان أن يعثر عليها في الروايات والمأثورات، وقد صرّح بها في هذه الأدعية. ففي الدعاء من الصحيفة السجادية وهو دعاء لاستقبال شهر رمضان حيث كان الإمام السجاد يدعو به يطلب الإمام(ع) من الله أشياء في شهر رمضان، ومن بين هذه الأشياء التي يطلبها: «وَأَنْ نُسَالِمَ مَنْ عَادَانَا»، ثم يقول بعد ذلك مباشرةً: «حَاشَى مَنْ عُودِی فِیكَ وَلَكَ، فَإِنَّهُ الْعَدُوُّ الَّذِی لَا نُوَالِیهِ، وَالْحِزْبُ الَّذِی لَا نُصَافِیهِ».

هكذا كان الإمام؛ فإنه لم يكن يعادي أحداً للأغراض الشخصية، وإن كانت هناك بعض الخلافات الشخصية فقد كان الإمام يضعها تحت قدميه، لكن عداء الإمام وحزمه من أجل الإسلام كان أمراً جدياً للغاية لديه.

إنه هو الإمام الذي فتح ذراعيه لجماهير الشعب في بداية النهضة وقبل 48 سنة، وبمختلف شرائحهم وأفكارهم؛ حيث احتضن الجميع من أية قوميةٍ كانوا أو أي انتماء أو مذهب. هو ذلك الإمام الذي قد طرد جماعات من حوله في بداية الثورة، فقد طرد الشيوعيين علناً، في ذلك اليوم كان عمل الإمام عجيباً بالنسبة للكثير منا حيث كانت لدينا نشاطات في بداية الثورة. ففي بدايات الثورة اتخذ الإمام موقفاً حازماً ضد الشيوعيين وقام بإبعادهم من حوله، كان الإمام حازماً وقاطعاً في قبال أتباع المنهج الليبرالي وعشاق الأنظمة الغربية والثقافة الغربية، وقد أبعدهم وفصلهم عن نفسه، فلم يجاملهم أبداً. وقد طرد من حوله الرجعيين أولئك الذين لم يقبلوا الحقائق الإلهية والروح القرآنية للأحكام الإسلامية، ولم يقبلوا ذلك التغيير العظيم، وقد أدان الإمام هؤلاء الرجعيين مرات عديدة وبعبارات شديدة وقاسية، وأبعدهم عن نفسه. فلم يتروّ الإمام في التبري من أولئك الذين لم يكونوا في نطاق دائرته الفكرية ومبانيه الإسلامية؛ في حين أنه لم يكن لديه عداوة شخصية معهم.

انظروا إلى وصية الإمام؛ إنه في هذه الوصية يخاطب أولئك الشيوعيين الذين ارتكبوا الجرائم في الداخل وهربوا إلى خارج البلاد. لاحظوا لهجة الإمام؛ إنه يقول لهم: تعالوا إلى بلدكم وتحملوا الجزاء الذي سيفرضه القانون والعدالة عليكم، واخضعوا للعقاب؛ أي تعالوا وتحمّلوا الإعدام أو السجن أو غيرها من العقوبات من أجل أن تنجوا بأنفسكم من العذاب والانتقام الإلهي، وهو يخاطبهم برأفة، فيقول: فإن لم يكن لديكم تلك الجرأة للمجيء وقبول المجازاة، فعلى الأقل غيّروا طريقكم وتوبوا ولا تعادوا الشعب الإيراني والنظام الإسلامي والحركة الإسلامية وأنتم هناك؛ فلا تكونوا عملاء للظالمين والمقتدرين.

لم يكن للإمام أي خلاف شخصي، ولكنه في ضمن حدود الدين كان يُعمل جاذبته ودافعته بقاطعيةٍ تامة، ومثل هذا الأمر كان أحد المعايير الرئيسية في حياته ومدرسته، فينبغي أن يكون التولي والتبري في الساحة السياسية تابعاً للفكر والمباني الإسلامية والدينية أيضاً؛ فكذلك هنا ينبغي للإنسان أن يجعل هذا الأمر ملاكاً ومعياراً له، ولينظر ماذا يريد الله سبحانه وتعالى منه.

وبهذا النهج الذي اتبعه الإمام وتجلى في كلماته وأفعاله، فلا يمكن للشخص الذي يعتبر نفسه في نهج الإمام ومن أتباع الإمام أن يواكب الذين يرفعون راية صريحة تعارض الإمام والإسلام. لا يصح أن نقبل أنّ أمريكا، وإنكلترا، والسي آي إي، والموساد، وطلاب السلطة، والمنافقين، وسائر المخالفين يتفقون ويأتلفون حول محور واحد ويجتمعون حوله ثم يدعي ذلك المحور أنه أيضاً على نهج الإمام! فهذا لا يصح ولا يمكن قبوله.

لا يصح الائتلاف مع أيٍّ كان، فعلينا أن ننظر إلى أعداء الإمام بالأمس ماذا كانت مواقفهم تجاهنا، فإن رأَينا أنّ مواقفنا كانت على نحو بحيث تجعل أمريكا المستكبرة والصهيونية الغاصبة وعملاء القوى المختلفة والمخالفين والمعادين للإمام والإسلام والثورة يعظّموننا ويحترموننا فعلينا أن نشك في مواقفنا، وعلينا أن نعلم أننا لا نسير على الطريق الصحيح والمستقيم. فهذا معيارٌ، وهو ملاك، وقد اعتمد الإمام على هذا الأمر مراراً. كان الإمام يقول ويوجد هذا الأمر في كتاباته وفي الوثائق القطعية لكلماته إنهم لو مدحونا فعلينا أن نعلم بأننا خوَنة. فهذا أمرٌ مهم جداً.

عندما يأتي أشخاص ويتجهون بالضبط في الجهة المعاكسة لنهج الإمام، ويتخذون مثل تلك المواقف حول قضية القدس ويوم القدس، ويرتكبون تلك المأساة في يوم عاشوراء، ثم بعدها نظهر التأييد لأولئك الذين يخالفون بصراحة أساس مبادئ الإمام وحركة الإمام ونجعل أنفسنا إلى جانبهم ونمدحهم أو نسكت في قبالهم، وفي نفس الوقت نقول إننا أتباع الإمام! هذا غير ممكنٍ، ولا يمكن قبوله. كذلك الشعب يدرك هذا الأمر جيداً، فالشعب يشاهد ذلك ويعلمه ويعرفه ويدركه[1].

اللّعنة تعني الطّرد، وتعني الحرمان من الحبّ والعاطفة. عندما نقول لعنة الله ولعنة الملائكة ولعنة النّاس على كذا، وكذا الكافر أو المنافق فهذا يعني أنّ ذلك الكافر أو المنافق منبوذٌ من الله ومن رحمة الله ومن نصرة ودعاء الملائكة ومن حبّ النّاس. النّاس يرفضون الوجوه القبيحة، ولذلك رأيتم أنّ المنافقين تمّ رفضهم ولعنهم بعد حادثة 27 يوليو 1969 وبعد حادثة 28 سبتمبر من ذلك العام. واحداً تلو الآخر، قام عباد الله في هذه الأرض – عباد الله الصّالحين والأتقياء – وفي أجزاء أخرى من العالم الّذين كانوا على علمٍ بهذه الأمور، بطرد هؤلاء، ولعنهم، وإخراجهم تماماً من دائرة الحبّ والمشاعر الخاصّة بهم.

بالطّبع؛ أودّ فقط أن أوضح هنا أنّه لا ينبغي للنّاس أبداً التّخلّص من مشاعر كراهية الشّياطين والسّمات الشريرة لهم من قلوبهم. لا تقولوا: «لقد مضى الأمر، وانتهى، لماذا تذكّروننا بذلك؟» كلّا؛ ديننا هو: هَلِ الدّینُ إِلَّا الحُبُّ والبُغض؟ الدّين محبّةٌ وكراهيةٌ. حبّ الخير، حب الأخيار، حبّ المظلوم، حبّ البشر الّذين اضطّهدتهم الشّياطين؛ هذا من جهةٍ. ومن جهةٍ أخرى كراهية وعداء الشّياطين، والمخلوقات الشّرّيرة، والشرّ، ولمن عنده الإنسان والإنسانيّة والله مجرّد كلامٍ، الاستياء والكراهية هما أيضاً جزءٌ من الدّين. التّولّي والتّبرّي هما من فروع الدّين – وعند بعض العلماء من أصول الدين – لا تنسوا قبح وجوه أعداء الله والخلق. إذا غفلتم فالعدوّ ذاته سيغيّر وجهه، ويقترب، وعندما يقترب العدوّ، فهو يضرب؛ فالعدوّ لا يقترب من أجل المداعبة.

أن تروا أعداءنا – سواء كانوا أعداء واضحين؛ مثل مستكبري العالم ومتنمّري الحاضر الّذين هم أعداء للإسلام والمسلمين ومعروفين، أو أعداء مجهولين وخطرهم أكبر – يظهرون أحيانًا وجهاً حسنًا، يقتربون من الإنسان بوجهٍ مخادعٍ مثل ثعبانٍ مرقّطٍ، يتودّدون، يعبّرون عن الحبّ، يمدّون يدهم للمصافحة، فاعلموا أنّ هذا هجومٌ عدائيّ؛ كونوا حذرين. كراهية العدوّ – وهو ليس ملكاً في العالم، وليس الاختلاف في الأذواق ووجهات النّظر، هذه تخيّلات، ليس العدوّ الأمور الدّنيويّة والمادّية، وهي ممنوعةٌ ومطرودة؛ بل إنّ العدوّ هو الشّيطان وصفات الشّيطان الذي ينبذ الخير، الفضائل، الصّالحين والإصلاح، وهذا هو العدوّ الرّئيسيّ. العدوّ يعني هذا – لا يجب أن تغادر قلوبكم.

إذا شعرتم أنّ كراهية هذا العدوّ قد تضاءلت في قلوبكم، فهذه علامة على الخطر الشّخصيّ عليكم، يجب أن تشعروا أن درجة الإيمان آخذة في التّدهور كما لو كانت محبّة عباد الله الّتي يجب أن تصبح أقوى وأكثر رسوخًا في القلب يومًا بعد يوم. إن لم تستاءوا من إبليس ولم تجعلوه عدوّاً لكم، فسوف يأتي ويمنعكم عن الله، وهذا شيءٌ لا يمكن تعويضه. حسنًا؛ إذًا؛ لتحليل الحادثة، أصل الحادثة والأغبياء الّذين بدأوا هذه الحادثة، يجب أن يوصي النّاس بعضهم بالكراهية التي يجب أن يحملوها من جميع مناحي الحياة تجاه هؤلاء، والدّعوة لهذه الكراهية ضدّ أعداء الله[2].

الولاية تعني اتصالٌ وثيقٌ وقويٌّ لا ينفصل. المجتمع الإسلاميّ يؤمن بالولاية؛ أي أن جميع مكوّناته مرتبطةٌ ببعضها البعض وبهذا المحور ومركز هذا المجتمع – أيّ الوليّ. ومن لوازم هذا الارتباط أن يكون المجتمع الإسلاميّ واحداً في ذاته ومتّحداً ومتحالفاً ومتّصلاً ببعضه البعض، وفي خارجه يجتذب معه أيضاً المكوّنات المواتية له، ويرفض بقوّةٍ المكوّنات الّتي تتعارض معه؛ أي أنّ <أَشِدّاءُ عَلَى الكفّارِ رُحَماءُ بَینَهُم>[3]، شرطٌ أساسيٌّ للولاية والتّوحيد في المجتمع الإسلاميّ[4].


  • [1].  بيانات سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2010م
  • [2].  بيانات سماحته أمام أقشار مختلفة من الشعب بتاريخ 30-8-1989م
  • [3].  الفتح: 29
  • [4].  بيانات سماحته أمام جمع كثير من الجامعيين وطلبة العلوم الدينية بتاريخ 20-12-1989م
المصدر
كتاب الثوري الأمثل في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟