التضحية للإسلام والثورة
كلما نظرنا إليها نراها على قدر عظيم من الأهمية؛ بحيث كلما دنا منها الإنسان لمس عظمتها أكثر فأكثر، كالجبل الشاهق الذي يراه الإنسان عن بعد مجرد جبل، ولكنه كلما اقترب منه تعذّر عليه الإحاطة به فكرياً.
ولهذه الظاهرة تأثير في مناحي التقدّم الهائل لكل شعب.
فأي شعب استند إلى مبدأ الشهادة؛ يعني عرفها وتعلّم منها، يبقى على الدوام شامخاً لا يُهزم.
تستخدم القوى الكبرى عادة أساليب الإغراء والتهديد، والرشوة، والضغوط الإعلامية والعسكرية وما شاكلها في سبيل فرض أفكارها وإرادتها على الشعوب وعلى الحكومات وعلى الدول وعلى النخبة فيها.
ولكن من ذا الذي ينهار أمام هذه الضغوط؟ ينهار أمامها كل منخدع بمغريات الدنيا، وكل مغرور بزخرفها وزبرجها؛ لأن أمثال هؤلاء الناس يخشون الموت عادة، وهؤلاء هم الذين يتسنّى للقوى الكبرى تسخيرهم لإرادتها، فإذا كانوا على رأس السلطة في بلدانهم، يجلبون على شعوبهم الويل والدمار، وإذا كانوا في أوساط الشعب، يخذلون حكوماتهم عند الشدائد.
هؤلاء الناس متعلقة أفئدتهم بمظاهر الدنيا البرّاقة الخادعة، ويجهلون باطنها وما فيه من أسباب السعادة والعزة والفلاح.. هم نقطة الضعف في حياة الشعوب، وهنا تكمن نقطة ضعف البشرية.
فإذا كان هناك شعب يؤمن بمبدأ الشهادة؛ يعني أنّ مسألة الشهادة في سبيل اللّه محلولة بالنسبة له، لا بمعنى أنهم يريدون من الناس الذهاب إلى الحرب فيقتلوا؛ بل بمعنى أنه إذا استلزمت الضرورة، وإذا اقتضت عزّة وتاريخ ومصلحة ذلك الشعب أن ينفر بعض أبنائه ويضحوا بأنفسهم، تكون هناك ثلّة مستعدة للتضحية، فهو لا يواجه أيّة مشكلة في هذا السبيل.
فالشعب الذي يكون هكذا أو مُنجباً للشهداء، والشعب الذي يؤهّل أبناءه شباباً ورجالاً ونساءً للقتل في سبيل اللّه، هل يخضع للتهديد؟ وهل يرتشي؟ وهل يستسلم للجبابرة؟ وهل يداهن الاستكبار؟ كلا وألف كلا.
وإذا نظرتم إلى ما لهذه الدولة اليوم من عزّة وعظمة فهي بفضل دماء أعزّتكم، ولا تجدون أحداً في الحكومة أو من المسؤولين أو من أي فئات الشعب يرتضي أدنى مساس يصيب عزة هذا الشعب، وهم يقفون جميعاً كالطود، ولن يجني الاستكبار من وراء ضغوطه سوى الخيبة، وهذا ما ثبت على مدى عشرين سنة منذ مطلع الثورة وحتى اليوم حيث مارس الاستكبار خلالها الضغوط؛ كتألّيب الدول المجاورة ضدنا وشن الحرب علينا، ومحاصرتنا اقتصاديا، وإثارة الدعايات ضدّنا وَكَيْل التّهم لنا، والسعي لزرع الاختلاف والانشقاق بين أبناء شعبنا، وتجريد الناس من معتقداتهم.
لقد اندحر الاستكبار في كل هذه الهجمات الغادرة، وسيندحر فيما يأتي منها؛ لأن هذا الشعب أصبح بفضل دماء الشهداء شعباً شهماً ومنجباً للشهداء.
لاحظوا مدى تأثير الشهادة في سيادة وسعادة الشعوب.
إنّ وجود أمثال هؤلاء الرجال والنساء والشباب هو الذي يضمن للشعوب سعادتها في الدنيا والآخرة، وسيتمكن الشعب الإيراني بعون اللّه، وبفضل دماء الشهداء وببركة الشهادة من إزالة كل المعوّقات التي تعترض سبيله، ولن يكون بوسع هذه الأحقاد وكل ألوان التربّص أن تصمد طويلاً أمام عزم وصلابة هذا الشعب، وستتلاشى وتزول، ويعود سبب ذلك إلى ما يتّسم به شعبنا من وعي[1].
الإمام أمير المؤمنين تلميذ رسول الله المميّز الكبير في الجهاد، وفي الصبر، وفي كل هذه الأمور. مثل هذا الشخص هو الجدير، وعلينا جميعاً اعتباره نموذجاً وقدوة، لا لبلادنا وحسب؛ بل للعالم الإسلامي برمته.
مثل هذا الإنسان المتسامي الكبير غير الآبه للدنيا ولأموالها وبهارجها، والمستعد للتضحية في سبيل الحق والحقيقة هو القادر على إنقاذ المجتمعات البشرية الكبرى.. شخص لا يستسلم للنـزوات النفسانية، ولا تجعله المصالح الشخصية التافهة ينهزم أمام أحداث الحياة الكبرى[2].
أقول هنا للشعوب المسلمة: إنكم ترون اليوم أن لهجة العالم الغربي حيالكم قد لانت، وهذا ثمرة الصحوة العامة والصمود والمقاومة في العالم الإسلامي. وعْد الله الذي لا يُخلف بنصر المؤمنين لا يتحقق إلا إذا صمد المؤمنون وأصرّوا وضحوا، وبمقدار ما حصل هذا الصمود انقلبت الصفحة وخرج العالم الإسلامي من حالة الذل والهوان أمام الغرب[3].
ما يجعل الشعوب في التاريخ وفي عصورها التي تعيشها شامخة بين سائر شعوب العالم هو الجهاد والسعي، ولهذا السعي طبعاً أشكال متنوعة؛ فهناك السعي العلمي وهناك السعي الاقتصادي وهناك السعي بمعنى التعاون الاجتماعي بين الأفراد.. هذه كلها أمور لازمة وضرورية، ولكن على رأس كل هذه المساعي الاستعداد للتضحية بالأرواح، فهذا هو الذي يجعل شعباً شامخاً مرفوع الرأس بين الشعوب. إذا لم يكن بين أفراد شعب من الشعوب من هم على استعداد للتضحية بأرواحهم وراحتهم في سبيل الوصول لمطامحهم ومبادئهم، فإن هذا الشعب لن يصل لأية نتيجة. الشيء الذي فعلته الثورة لشعب إيران هو أنها أضاءت هذا الطريق أمامنا، فأدرك كل واحد من أبناء الشعب وشعر بضرورة الجهاد في سبيل المبادئ والأهداف، والصمود بوجه أعداء هذه المبادئ، وقد صمدوا[4].
أنا أيضا فخور بأن أكون من البسيج – قوات التعبئة -، سأكون حاضرًا حيثما تحتاج الثورة، يجب أن نكون جميعًا فخورين؛ لأن هذا هو العمل الأساسي للثورة.
مهمتنا الأولى هي الحفاظ على الثورة. عندما نقول ثورة، فتجسد الثورة في بلادنا هو نظام الجمهورية الإسلامية، لذلك كثيرًا ما قال الإمام: إن الحفاظ على النظام هو أوجب الفرائض. هل هذا صحيح؟ هذا ما قلناه، لنتذكر ما أراده الإمام منا: الحفاظ على النظام.
الثورة ليست منفصلة عن نظام الجمهورية الإسلامية، لا ينبغي لأحد بشكلٍ مطلق أن يظن أن لدينا نظام جمهورية إسلامي وثورة وهما منفصلان عن بعضهما البعض، تجسيد الثورة هو نظام الجمهورية الإسلامية، هذا هو الشيء الذي اتحد ضده كل المتسلطين في العالم.
اليوم الاستكبار الأمريكي، أصحاب رؤوس الأموال، الكيان الصهيوني والرجعيون ضد هذه الجمهورية، ثورتنا التي انتصرت كان معنى انتصارها أنها استطاعت أن تلد هذا النظام، لذلك فإن الدفاع عن نظام الجمهورية الإسلامية هو الواجب الأول والأقدس والواجب على الأمة الإيرانية، والبسيجي هو الشخص الذي يفتح صدره ويقول: أنا مستعد أن أضحي بحياتي، بجسدي، بذراعي، ومهما كانت الوسائل التي أمتلكها تحت تصرفي؛ لأن هذا دفاع عن الإسلام والقرآن، وعليه يتوقف الحفاظ على الإسلام[5].
والقائد ليس شخصاً بعينه، وليس طالباً حوزوياً يسمّى علي الخامنئي أو ما أشبه من الكثيرين من أمثاله؛ بل إنه عنوان وشخصية وحقيقة نابعة من إيمان وحب وعاطفة الشعب، وهو كرامة وماء وجه.
وإنّ للمئات من أمثال علي الخامنئي أن يضحّوا بحياتهم وكرامتهم في سبيل هذه الحقيقة، ولا أهمّية لذلك.
ودعوكم منّي؛ فأنا لست بشيء، ولكن إمامنا العظيم الذي كان بحق إماماً لأفئدة هذا الشعب لم يخرج عن هذا المعنى، فلقد كان مستعدّاً لإراقة ماء وجهه حفاظاً على النظام وقيادة هذا النظام؛ وهذه حقيقة لها حضور، ولن يستطيعوا تشويهها مهما قالوا ومهما فعلوا.
…. فإن الغاية والهوية والمسؤولية الأساسية للقائد هي: الدفاع عن مجموع النظام والحفاظ عليه، وإنني ليس لديّ ما أبذله من متاع سوى حياتي وماء وجهي، وهو متاع زهيد أضحّي به في هذا الطريق، وإنني على استعداد تام لبذل هذين الشيئين، لقد أمضينا مرحلة الشباب والتي هي فترة الاستمتاع بالحياة في هذا السبيل[6].
بناء الذات لدی التعبئة من عناصره أن یستطیع التعبوي تعزیز هذه الروح وتنمیتها في شخصیته بحیث یكون قادراً علی الإیثار. القمم التعبویة التي ذكرناها هم الذين وضعوا أرواحهم علی الأكفّ، وساروا للدفاع عن الإسلام والثورة والإمام الخمیني والبلد، وقاتلوا لصیانة البلد، فهل هناك تضحیة وإیثار فوق هذا؟ وأكثر من هذا؟ هذه قمّة الإیثار[7].
- [1]. بيانات سماحته أمام أعضاء من عوائل القوات المسلحة ومؤسسة جهاد البناء بتاريخ 27-9-1998م
- [2]. بيانات سماحته في عيد الغدير بتاريخ 17-12-2008م
- [3]. بيانات سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2009م
- [4]. بيانات سماحته في ذكرى كسر حصار آبادان بتاريخ 26-3-2014م
- [5]. بيانات سماحته أمام مجموعة نخب من قوات التعبئة بتاريخ 26-8-1989م
- [6]. بيانات سماحته أمام عناصر الدولة بتاريخ 9-7-2000م
- [7]. بيانات سماحته أمام قوات تعبئة منطقة شمال خراسان بتاريخ 15-10-2012م
تعليق واحد