مواضيع

التسلّط على التاريخ المعاصر

لا علم لي بمدى اطلاعكم على التاريخ المعاصر وكم طالعتموه؟

ويا حبّذا لو تضعون لأنفسكم منهجاً لاستثمار وقت فراغكم في العطلة الصيفية، وتطالعون في الأثناء أيضاً شيئاً من التاريخ المعاصر، ومن ضمنه قضية التنباك التي كُتبت بشأنها كتب عديدة.

وأقصد – طبعاً – الكتب التي ألّفها أشخاص أمناء؛ لأن البعض يأبى الاعتراف بهذه المفخرة الكبرى، أو التحدّث عنها انطلاقا من عدائه للدين وللعلماء الذين كان لهم دور أساسي فيها[1].

نحن أبناء البشر لدینا موهبة تكفير عظیمة كامنة في داخلنا. حینما لا نتدبّر في الآیات الإلهیة، وفي تاریخنا، وفي ماضینا، وفي الأمور والقضایا المختلفة التي حدثت للبشریة، وفي مشكلات الماضی، وفي عوامل الانتصارات الكبری للشعوب، نبقی محرومین من الكنوز المعنویة التي أودعها الله فينا. «وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، … وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ»[2]. البشریة الیوم بحاجة لهذین الأمرین.

المجتمعات البشریة بحاجة إلی التفكیر والتأمل في مكمن تعاسة الإنسان؟ وهل یوجد شك في وجود ظلم، ووجود تمییز، ووجود منطق مزدوج وكیل بمكیالین یسود القوی المهیمنة علی العالم؟ الظلم البارز الذي یجري علی البشریة في الوقت الراهن مشهود من قبل الجمیع، الظلم الذي تمارسه القوی المسیطرة علی الشعوب العزلاء من أدوات الدفاع قائم أمام أنظار الجمیع، وأنتم ترونه، تنطلق قوة وتزحف عن بعد آلاف الكیلومترات وتأتي إلی هنا إلی منطقتنا، وتفرض سلطتها وهیمنتها بالقوة علی بلد أعزل لا قدرة له ولا إمكانیات، فتبدّل مواكب الأعراس إلی عزاء، وتصبّ مروحیاتهم الموت علی رؤوس الناس، تهدم بیوت الناس، ولیس بوسع أحد أن یقول لهم شیئاً، ولا یعتذرون عن أفعالهم! هذا هو واقع العالم، وهو كذلك حتی في البلدان المتقدمة. حین تلاحظون الواقع الاقتصادي الیوم تجدون نفس الحالة، القضیة في أوربا الیوم لیست حلّ مشكلة الناس؛ بل حلّ مشكلة البنوك وأصحاب رؤوس الأموال والثروات الهائلة. هذه هي مشكلتهم الیوم، أبناء البشر والجنس البشري لیسوا مهمّین للقوی المهیمنة، هذه حقائق موجودة في العالم. لتفكر البشریة في مصدر هذه الحالة؟ في مصدر نظام الهیمنة، ومصدر وجود قطبین أحدهما مهیمن والثاني خاضع للهیمنة، كما أنه لو لم یكن هناك إنسان مهیمن فإن نظام الهیمنة سیزول، كذلك إذا لم یقبل الخاضع للهیمنة بهیمنة الأعداء والعتاة، فإن نظام الهیمنة سیزول. هنا یكون الواجب علی عاتق الشعوب، وفي داخل الشعوب یقع الواجب علی عاتق النخبة السياسية والثقافية[3].

إنكم لو طالعتم التاريخ لوجدتم أنّ كل شعب بلغ طموحاته لم يكن سبيله إلى ذلك سوى الإيمان والعقيدة بالدرجة الأولى، إنكم لو تتبعتم التحوّلات التاريخية حتى في التاريخ المعاصر، وليس بالضرورة تاريخ ما قبل ألف أو خمسة آلاف عام لشاهدتم أنّ بلدان العالم الحديث لديها في تاريخها أيّاً كان أمور إيجابية حصلوا عليها في مرحلة كانوا يتمتعون فيها بتلك العناصر والخصال، فالإيمان هو العنصر الأول والأساس؛ فعندما يحقق مجتمع عزّته وفخره وسعادته في الحياة، مستخدماً فكره السليم ونظرته الثاقبة، قاصداً سبيل الله، ومدركاً أنه سيفوز بالدنيا والآخرة، إذا ما آمن بالله وأنه سيبلغ أهدافه المادية والمعنوية، فإن الشرط الأول في تحقيق كل ذلك هو الإيمان بهذا الفكر وهذا المبنى وهذا الطريق…. العنصر والشرط الآخر هو: الشعور بالمسؤولية؛ أي أنّ هذا الإيمان لابدّ وأن يكون متوازياً مع الشعور بالمسؤولية، بمعنى أنّ الإنسان لابدّ وأن يشعر بأن لديه مسؤولية، وأنّ عليه واجباً وعبئاً؛ فبدون الشعور بالمسؤولية سيفقد هذا الإيمان دوره وفعاليته. كما ينبغي أن يترافق هذان العنصران أيضاً مع الشجاعة والوعي وروح النضال وإدراك الطاقة الباطنية؛ وذلك لأن أحد العوامل التي تؤدّي إلى هزيمة الشعوب والأمم والجيوش هو التغافل عن الطاقة والقوة الباطنية والذاتية[4].

إنّ الذين يتربّعون الآن على القمم العلمية لم يصبحوا هكذا فجأة، حتى إنّ أمريكا التي تقف اليوم في صدارة بلدان العالم على المستوى العلمي كانت تمدّ يدها لإنجلترا وفرنسا وإيطاليا قبل نحو قرن من الزمن طلباً للأدوات والأجهزة الحربية العادية.

فلتقرأوا التاريخ! ففي الحروب الأهلية الأمريكية المعروفة بحروب الانفصال كانت رحى المعارك دائرة بين الشمال والجنوب.

لقد كان الجنوبيون يناضلون من أجل الانفصال، ولكنّ الشماليين كانوا يحولون بينهم وبين ذلك، فاستمرت الحرب على مدى أربعة أعوام، وكان ذلك منذ نحو مئة وخمسين عاماً، أي حوالي عام 1860م، وكان كل واحد من الأطراف المتنازعة يرى قمة نجاحه في الحصول مثلاً على سفينة حربية مزوّدة بالمدفعية من إنجلترا والإبحار بها إلى مواقعه عبر مياه المحيط الأطلسي.

لقد كانوا يفتقرون إلى الإمكانيات آنذاك، وأما الآن فهم على قمة العلوم؛ لأنهم بذلوا جهودهم الحثيثة في سبيل ذلك[5].


  • [1].  بيانات سماحته أمام جامعيي جامعة طهران بتاريخ 12-5-1998م
  • [2].  نهج البلاغة، ومن خطبة له(ع) يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم وفيها ذكر الحج وتحتوي على حمد الله وخلق العالم وخلق الملائكة واختيار الأنبياء ومبعث النبي والقرآن والأحكام الشرعية
  • [3].  بيانات سماحته أمام مسؤولي الدولة وسفراء الدول الإسلامية بتاريخ 18-6-2012م
  • [4].  بيانات سماحته أمام مجموعة من قوات الحرس الثوري، المجروحين، الجامعيين والطلبة بتاريخ 1-11-2000م
  • [5].  بيانات سماحته أمام أساتذة وجامعيي جامعات سمنان بتاريخ 9-11-2006م
المصدر
كتاب الثوري الأمثل في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟