مواضيع

امتلاك روحية مواجهة الخطر

إنني أقرأ لبعض الوقت عن مصير وتاريخ الشعوب ليس الأمر مختص في الزمان الماضي؛ بل في زماننا كذلك أيضاً أجد أنّ أهم عنصرين من العناصر المؤثّرة في التقدّم الوطني للبلدان، هما: أولاً: (مواجهة الخطر)، وثانياً: (العمل الشاق والدؤوب والجدّي)، ولديّ الرغبة في هذا اليوم أن أوصيكم بهاتين الخصوصيتين.

إنَّ المسألة التي تخالف مواجهة الخطر، هو الخوف، الخوف من ماذا؟ الخوف من عدم النجاح؛ كأن نقوم بترك الميدان خوفاً من عدم النجاح، أو نتوقف عن التحرّك خوفاً من عدم الوصول، أو لا نقدم على شيء خوفاً من الرفض، أو من مواجهة بعض المشاكل.

فإنَّ جميع هذه المسائل تتناقض مع مواجهة الخطر.

إنَّ إحدى الخصوصيات التي يمتاز بها الغربيون نجعل الخصوصيات السّيئة والحسنة بعضها مع البعض الآخر، وننظر لها على حدّ سواء، دون إنكار أي منها مواجهة الخطر، فإنَّ الغربيين والأمريكيين بتبعهم الذين أمسكوا بزمام الثقافة الأوربية لأول وهلة يتحلون بخصوصية مواجهة الخطر التي تعتبر من الخواص الإيجابية.

إنَّ مواجهة الخطر يمكن أن يكون عاملاً في نجاح المجتمع.

فعليكم أيَّها الشباب أن تستعدّوا، فإنَّ الخوف من عدم إمكانية تحقق العمل الفلاني يعتبر أمرا سيئا، فأحياناً تراود الإنسان بعض التصوّرات تجعله ينظر الى المستقبل نظرة تشاؤمية تماماً، وهذا أحد موارد الإشكال على ما أعتقد.

فلو أننا أردنا الآن دخول الجامعة، وكنّا قد درسنا، وقمنا بالبحث الفلاني، ودخلنا فرعاً من فروع التحقيق والبحث، فهل سننجح؟ وهل سوف يوثّقون أيدينا في مكان ما؟ أو لا يفعلون ذلك؟ فيجب علينا الدخول!

ولله درّ الشاعر العربي حيث يقول: (شر من الشر خوف منه أن يقع)، فإنَّ أشدّ من البلاء الخوف من وقوعه.

إنَّهم يقولون (لئلا يكون)، حسناً؛ يجب أن لا تعتنوا بـ (لئلا)؛ بل عليكم دخول الميدان وسوف ترون نتيجة ذلك، فإنَّ الجرأة وعدم الخوف من احتمال عدم النجاح في جميع الميادين المادية والمعنوية التي يحصل الإنسان من خلالها على النجاح، تعتبر من العوامل المهمّة جداً للمضي بنا نحو الأمام[1].

مواجهة الخطر من خصائص الثقافية الجيّدة للغرب

لقد مرّ زمن أغمض المبهورون بالغرب عيونهم داعين لاستلهام كل شيء من الغرب؛ فما الذي تعلمه هؤلاء من الغرب؟ من المزايا الجديدة لدى الأوربيين هي المخاطرة وهي كانت منطلق نجاحاتهم، فهل تعلّم المبهورون بالغرب تلك الميزة وجلبوها إلى إيران؟ هل أصبحت لدى الإيرانيين قابلية المخاطرة؟ ومن مزايا الأوربيين الجيدة أيضاً مثابرتهم وعدم التهرب من العمل، فهل جاء «المتغربون» بذلك إلى إيران؟ لقد كان أكابر العلماء والمخترعين في الغرب وأكثرهم مهارة من أولئك الذين عاشوا حياة قاسية، وانهمكوا سنوات طوالا في حُجرهم حتى أفلحوا في تحقيق الاختراعات، وحينما يتصفح المرء حياتهم تتضح أمامه الطريقة التي عاشوا فيها، فهل جاؤوا بهذه الروحية التي لا تعرف الكلل من أجل أن يعرفها الشعب الإيراني فقط؟ هذه جوانب صالحة من الثقافة الغربية لم يأت بها هؤلاء، فما الذي جاؤوا به يا ترى؟! لقد جاؤوا بالاختلاط بين الرجل والمرأة، والحرية الجنسية، والتربع وراء طاولات العمل، والاهتمام باللذات والشهوات![2]

في يوم آخر تقدم الغربيون؛ بيد أن النقطة المهمة هنا هي أن الغربيين حين أن تقدموا استخدموا هذا التفوق العلمي لمقاصدهم السياسية والاقتصادية الرامية إلى الهيمنة، فكان أن ظهر الاستعمار ولم يكن في السابق. معنى الاستعمار أن يعتدي بلد على بلدٍ يبعد عنه آلاف الكيلومترات لأن الثاني مصدر ثروة للأول – شبه القارة الهندية مثلاً – ويستولي عليه بقوة السيف والأسلحة المتطورة. وتعلمون أن بريطانيا محاطة بالبحار، لذلك تطورت في الملاحة وصناعة السفن وتقبّلت الأخطار والمجازفات، ووصل البريطانيون إلى الهند وسيطروا عليها؛ هنا استخدموا تفوقهم العلمي لأهداف سياسية، العمل الذي لم يقم به حتى ذلك الحين أي بلد تمتع بالتفوق العلمي. الإنجليز، والبلجيك، والهولنديون الذين توجهوا نحو الشرق وشبه القارة الهندية وأطلقوا الحالة الاستعمارية لأول مرة، والذين توجهوا بعد ذلك لأفريقيا – بعض البلدان الأوربية كالبرتغال – هؤلاء استخدموا تطورهم وقدراتهم العلمية سياسياً.. أي إنهم أوجدوا الاستعمار، وحينما ظهر الاستعمار وقع مصير الشعب المستعمَر بيد الشعب المستعمِر الذي استخدم علمه لإبقاء المستعمرين في الجهل، وأوقفوا السباق العلمي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً!

هذا حدث قد وقع وهو إساءة استغلال للعلم.. للعالم تحولاته وتغيّراته، والبشر لا يبقون ضمن حدود معينة ولا يمكن حبس الإنسان، فتفجّر المواهب الإنسانية العلمية والسياسية يفعل فعله بالتالي وقد فعل؛ حيث انطلقت حركات جماهيرية عديدة في مختلف أنحاء العالم. الواقع الراهن في العالم هو أن القوى المتقدمة علمياً تحاول احتكار هذا التقدم. تعلمون جيداً أن قسماً من العلم تمتلكه البلدان الغربية المتطورة ولا تسمح لأحد خارج نطاقها بالتوفر عليه إطلاقاً.. أي أنه علم حصري. الوثائق التي تصبح قديمة وبالية ينشرونها، وكذلك العلوم التي يمتلكونها حينما تسقط عن أهميتها الأولى يسمحون لغيرهم بامتلاكها، وذلك حينما يكونون هم قد بلغوا مرحلة أعلى. هكذا هم[3].

مواجهة الخطر في قبال الاستكبار عامل نجاح الشعب

اليوم إذا أراد مسؤولو البلاد، وكلّ فرد من أبناء الشعب الإيراني أن يصل الشعبُ الإيراني إلى تلك القمّة السامقة من المجد والعزّ الذي يتطلّع إليه ويتمنّاه، يجب عليهم أن يواصلوا السير على هذا الطريق، يجب عليهم أن يكملوا المشوار بكل شجاعة وبوعي وبصيرة تامّة مع التحلّي بروح مواجهة المخاطر في مجابهة أصحاب القدرة وأولي الطَوْل والقوّة في العالم، فالنجاح يكمن في الصمود[4].

مواجهة الخطر للأعمال الكبيرة من احتياجات شعبنا

إننا لم نوفر في أنفسنا تلك الحالة الإسلامية المتناسبة اللازمة في ساحة العمل، فنحن نعاني من الكسل إلى حدّ ما، هذا من مواريث عهد الاستبداد والهيمنة الدكتاتورية على البلاد. حينما تسود الدكتاتورية في بلد ما سوف يصيب الناس الكسل، ولا تدخل المواهب إلى ساحات التجربة والعمل، هذا من تراث عهد الاستبداد لا يزال فينا. يجب أن نترك الكسل جانباً، ولا توجد حالة تقبل الأخطار في جميع قطاعات المجتمع، يجب بالتوكل على الله تعالى وبالتدبير والدراية اللازمة أن نرفع من درجة تقبل الأخطار والمجازفة. هذا ما ينبغي أن نتحلى به جميعاً[5].


  • [1].  بيانات سماحته مع مجموعة من النخب الشباب بتاريخ 16-9-2006م
  • [2].  بيانات سماحته مع الشباب في مدينة رشت بتاريخ 2-5-2001م
  • [3].  بيانات سماحته مع مجموعة من النخب الجامعيين بتاريخ 26-8-2008م
  • [4].  بيانات سماحته بمناسبة ولادة الإمام علي (ع) بتاريخ 28-7-2007م
  • [5].  بيانات سماحته مه مسؤولي الدولة بتاريخ 24-7-2012م
المصدر
كتاب الثوري الأمثل في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى