تقبل المسؤولية الاجتماعية والاهتمامبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كلّ شخصٍ مسؤولٌ عن نفسه وعن رعاياه، لا ينبغي لأحدٍ أن يقول لماذا لا يفعل الآخرون ذلك؟ يجب أن يفعلوا الشّيء نفسه. جهاز الإعلان، الجهاز التّنفيذيّ، الجهاز القضائيّ والأجهزة الأخرى كلّها مسؤولة. عدم قيام أحدٍ ما بعمله لا يخلق عذراً لك ولي لعدم التّصرف وعدم العمل بشكلٍ صحيحٍ، كلا؛ يجب أن نفعل ما نعرف أنّه صوابٌ؛ حتّى لو لم يفعل ذلك أحد. بالطّبع؛ الطّريقة الصّحيحة للعمل هي شيءٌ آخر، ولا يعني ذلك عدم العمل[1].
إنّ لإمامنا الراحل العظيم حقّ كبير في عنق الأمة الإسلامية من هذه الناحية؛ إذ نبّه أفراد الشعب إلى مسؤوليتهم في التدخّل في أمر الحكومة والنظام الإسلامي، ففي النظام الإسلامي لكلّ شخص مؤمن بالعقيدة والشريعة الإسلامية مسؤولية، ولا يمكن لأيّ شخص أن يتنصّل عن مسألة الحكومة ويقول: إنّ هذا أمر سيحدث ولا علاقة لي به، فلا يوجد عندنا في النظام الإسلامي وفي مسألة الحكومة والمسائل السياسية والأمور العامة والمجتمع (لا شأن لي بذلك)، وهذا أكبر دليل على دخالة الناس[2].
ما يلزمنا هو ألا يفقد أبناء الشعب والمسؤولون وغير المسؤولين وخصوصاً الشباب وخصوصاً من لهم كلمة مؤثرة، أن لا يفقدوا شعورهم بمسؤولية التواجد في الساحة. لا يقل أحد إنني لا يقع علی عاتقي واجب أو مسؤولية.. الكل مسؤولون. وليس معنی المسؤولية أن نحمل السلاح ونمشي في الشارع، يجب أن نشعر بالمسؤولية في أي عمل أو موقع كنا.. مسؤولية الدفاع عن الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية؛ أي عن الإسلام وعن حقوق الشعب وعن عزة البلاد[3].
ضرورة الإحساس بالمسؤولية الواعية
ما يهمّكم أيّها الشباب مثل أيّ شخصٍ آخر هو الشّعور بالمسؤوليّة الواعية. بالطّبع؛ أنت شابٌّ ومليءٌ بالطّاقة وأنت أكثر حساسيةً. الشّعور بالمسؤوليّة يعني؛ أن يشعر الشّخص بالمسؤوليّة عن أهدافٍ تتجاوز شخصه، تماماً كما يفكّر في الحياة وسبل العيش والعمل والزّواج وكلّ ما يتعلّق به؛ أي الأهداف الّتي لا تقتصر عليه، بل تتعلّق بالمجموعة والأمّة والتّاريخ والإنسانيّة. يجب أن يكون لدى الإنسان أيضاً إحساسٌ بالواجب والالتزام والمسؤوليّة تجاه هذه الأهداف. لن يصل أيّ إنسانٍ ولا مجتمعٍ إلى أعلى قمم السّعادة بدون هذا الشّعور بالالتزام. يجب أن يكون هذا الشّعور بالمسؤوليّة والالتزام واعياً، يجب على المرء أن يعرف ما الّذي يبحث عنه، وأن يعرف العقبات الّتي تعترض طريقه. هذا هو الشّعور بالمسؤولية الواعية، والشّباب الإيرانيّ متيقّظٌ وحسّاسٌ وواعٍ ومتواجدٌ في الميدان، ويشعر بالتزامٍ ومسؤوليّةٍ أكثر وعياً من الشّباب في أجزاء أخرى من العالم[4].
مسؤولية الشباب تجاه المجتمع
من واجب المؤمنين تحديد المغرِض، وعدم الخلط بينه وبين الإنسان الخيّر، هذا واحد؛ وأن يعرفوا الغافل أيضاً، هذا واجبٌ يقع على عاتقكم، خصوصاً أنتم الشّباب الّذين تملكون روحاً وحيويّةً أكبر. الثورة ترتبط بالشّباب، هذا هو جيل الثّورة. بالطّبع؛ هي ملكٌ للجميع، [لكن] الشّباب لديهم قوّة أكبر، لذا فإنّهم يتحمّلون مسؤوليّةً أكبر. توعية النّاس، اليقظة، والتّعرّف على العدوّ في كلّ وجهٍ وفي كلّ لباسٍ؛ هذه هي المهمّة اليوم، هذا هو الواجب العام الأساسيّ لشعبنا. معرفة العدوّ شيءٌ مهمّ.
يجب أن نحافظ على نفس الإيمان والحافز والمشاعر لدى الجماعة. أولوا أهمّيّةً للتّجمّعات الإسلاميّة – مثل صلاة الجمعة .. حاولوا الدّفاع عن هذه الثّورة وهذا النّظام المقدّس والإسلام العزيز بكلّ قوّتكم، هذه ممارسة، وقد حدثت حتّى اليوم، ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة، بفضل هذا الدّفاع الصّادق من الشّعب، أصبح أكثر رسوخاً وأكثر تجذّراً يوماً بعد يوم[5].
بالدرجة الأولى: المسؤولية اتجاه نفسك
المسؤولية معناها أن الإنسان، فـي أية مرتبة كان، عليه أن يسأل نفسه أولاً، ويرى ما هي العوامل التـي تتحكم فـي سلوكه وأقواله وقراراته، هل هي عقلائية وعلى أساس التقوى؟ أو أنها كانت أنانية لإشباع شهواته وأغراضه الشخصية. إذا استطاع الإنسان إرضاء ضميره والاستجابة لندائه الداخلي، فسيمكنه أن يجيب الآخرين أيضاً: <إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً>، هذه العين التـي تمتلكونها وتستطيع أن ترى وتعرف وتميّز، وهذه الأذن التـي لكم وتستطيع أن تسمع كلام الحق وتنقله الى قلوبكم وتؤثر فـي جوارحكم، وهذا الفؤاد الذي عندكم والذي بوسعه أن يشعر ويقرر ويختار الطريق (وهوية الإنسان الحقيقية يُعبَّر عنها بالفؤاد)، هذه كلها أدوات يقول الله تعالى إنكم مسؤولون قبالها. كلنا يجب أن نجيب ما الذي رأيناه بأعيننا، هل رأينا؟ هل دققنا؟ هل أردنا أن نرى؟ هل أردنا أن نسمع؟ هل أردنا أن نتخذ قراراً ونعمل؟ هذه هي الإجابة وتحمّل المسؤولية، يقول: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، كلكم مسؤولون[6].
مسؤولية الإنسان بالنسبة إلى البشرية
الإنسان مخلوق مسؤول، والنقطة المضادة لهذه الفكرة هي حالة الشعور بعدم المسؤولية، أو عدم الشعور بالمسؤولية، فيقول المرء لنفسه: دعك من هذا، واذهب وتمتع بحياتك، وعليك بنفسك فقط. الأساس الفكري للتعبئة هو هذه المسؤولية الإلهية التي سوف أذكر أن لها ركائز دينية قوية. إنها ليست مجرد المسؤولية أمام الذات وأمام العائلة وأمام الأصدقاء والأقارب – وهذه مسؤولية قائمة في محلها طبعاً – إنما هي المسؤولية حيال أحداث الحياة ومصير العالم ومصير البلاد ومصير المجتمع؛ سواء المجتمعات المسلمة أو المجتمعات غير المسلمة. إنها ليست مسؤولية تقتصر فقط على الأفراد الذين يشاركوننا معتقداتنا وديننا وإيماننا؛ أي إنها ليست مسؤولية حيال المسلمين فقط؛ بل هو شعور بالمسؤولية حتى إزاء غير المسلمين وغير المؤمنين. إنه الفكر الذي يقف على الضدّ من ذلك، الفكر الانتهازي الأناني الذي يقول لصاحبه دع كل شيء واركن إلى الكسل والتهرّب من المسؤولية وما شابه. الركيزة الأساسية للتعبئة هي الشعور بالمسؤولية. فكرة مسؤولية الإنسان من بينات الإسلام؛ بمعنى أنه ليس بوسع أحد الشك في أن الإسلام يريد للإنسان أن يكون مخلوقاً من هذا الطراز: مخلوقاً مسؤولاً، وقد طلبت منه أعمال وواجبات.
لاحظوا الأحكام المختلفة: مثلاً حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ الأمر بالمعروف معناه أنكم جميعاً مسؤولون عن نشر المعروف والإحسان والأمور الإيجابية الحسنة الصالحة. أُأمروا بهذه الأشياء. والنهي عن المنكر معناه نهي الآخرين عن القبائح والسيئات والسلبيات. حُولوا دون هذه الأشياء بمختلف الأساليب؛ فما معنى هذا؟ معناه المسؤولية حيال سلامة المجتمع العامة. الكل مسؤولون: أنا مسؤول وأنتم مسؤولون، وذاك الإنسان مسؤول[7].
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة جميع الشعب
يجب أن نربط أنفسنا بمصدر الإسلام حتّى تكون الحياة حلوة تماماً، يقول القرآن الكريم: <الَّذينَ إِن مَكَّنّاهُم فِي الأَرضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَروا بِالمَعروفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ>[8]. أريد أن أذكّركم والأمّة الإيرانيّة بهذا الواجب المنسيّ للإسلام: الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، على جميع النّاس أن يأمروا بالأعمال الحسنة، وينهوا عن السّيّئات، سيضمن هذا حياةً كريمةً في النّظام الإسلاميّ، دعونا نعمل بذلك لنرى آثاره. للأمر بالمعروف مرحلةٌ بالقول وأخرى بالعمل؛ مرحلة العمل – أيّ العمل باليد، والعمل بالقوّة – وهي مسؤوليّة الحكومة اليوم ويجب أن تتم بإذنٍ من الحكومة ولا شيء آخر، لكن القول باللّسان واجبٌ على الجميع، وعلى الجميع فعله بدون أيّ اعتبار. مرّت أيّامٌ إذا ارتكب شخصٌ ما خطأً واعترض عليه شخصٌ آخر، كان النّظام الحاكم يقمع هذا الاحتجاج؛ وقد رأينا ذلك، إذا تمّ ارتكاب خطيئةٍ، يتمّ تشجيع المخطئ، لكنّ المحتجّ على ذلك يتعرّض للضّرب حتّى الموت! اليوم هو عكس ذلك، واليوم لا يعني عدم وجود خطيئةٍ في المجتمع – نعم، في عهد أمير المؤمنين(ع) كانت هناك خطيئةٌ في المجتمع – لكن من المهمّ أنّ النّظام الحاكم، الهيئة الحاكمة للمجتمع، أولئك المسؤولين عن إدارة البلاد، لديهم الرّغبة في الخير، ويعارضون الخطيئة، ويرفضون التّجاوز.
إنّ إخبار الخاطئ بخطأه بلغةٍ لطيفةٍ ونبرةٍ لائقةٍ – وفي مكان بلهجةٍ قاسيةٍ، في حالةٍ لمنع وجود فساد – يقلّل من الخطيئة في المجتمع ويؤدّي إلى تضعيفه وعزلته. لماذا نحن نغفل عن هذا؟ كلّ الناس في بيئة عملهم، في بيئتهم المنزليّة، مع أصدقائهم، في بيئتهم الدّراسية والجامعيّة، أينما كانوا، إذا رأوا منكراً، ليخبروا المخطئ بأنّه يخالف الإسلام. لماذا تفعل ذلك؟ هكذا؛ قول كلمةٍ. إذا حذّرت ألسنة مختلفة وأنفاسٌ متعدّدةٌ من الخطيئة، فإنّ الخاطئ – في الغالب – ينبذ الخطيئة والعدوان؛ سواء كانت هذه المخالفة مخالفةً للشّريعة أو مخالفةً للقانون[9].
كانت التقوى في بُعدها الفردي موضع عناية فائقة من قِبَل أمير المؤمنين(ع)، ولكن ليس هنالك خطاب يفوق في شدّته وحزمه وصرامته الخطاب المتعلّق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه تكليف عام، ولنا أن نأسف لعدم بيان معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل صحيح؛ فالأمر بالمعروف يعني: توجيه الأمر للآخرين للقيام بالعمل الصالح، والنهي عن المنكر هو: زجر الآخرين عن فعل القبيح، وكل من الأمر والنهي فعل لساني ولفظي تسبقهما مرحلة أخرى هي القلبية، التي إن توفّرت اكتملت بها المرحلة السابقة، فإذا ما أعنتم النظام الإسلامي في أمر الناس بالمعروف؛ من قبيل الإحسان للفقراء والإنفاق، والتزام الأمانة، والمحبة والتعاون، والقيام بالأعمال الصالحة والتواضع، والتحلّي بالحلم والصبر، ودعوتهم لالتزام هذه الخصال، فإن كانت قلوبكم عاشقة ومتعلّقة بهذا المعروف اتّسم أمركم ذاك بالصدق. ومَن نهى عن المنكرات من قبيل الظلم والعدوان على الآخرين، وقضم الممتلكات العامة، والتطاول على نواميس الناس، وممارسة الغيبة والكذب والنميمة، والتآمر على النظام الإسلامي، والتحالف مع أعداء الإسلام، ودعا الناس إلى الابتعاد عن هذه الأفعال، فإن حمل فؤاده بغضاً لها إذ ذاك يكون صادقاً في نهيه، وفي مثل هذه الحالة يكون عمله منسجماً مع الأمر والنهي.
أمّا إذا تباين القلب واللسان لا سمح الله فحينها يدخل المرء في عداد المشمولين بهذا الحديث «لَعَنَ اللّهُ الآمِرینَ بِالمُعْرُوفِ التّارِكینَ لَهُ»[10]؛ فاللعنة الإلهية تحيق بمَنْ يأمر الناس بالمعروف؛ لكنه لا يعمل به، وينهاهم عن منكر؛ لكنه يرتكب ذلك المنكر، وهذا الأمر من الخطورة بمكان[11].
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أكفأ طرق التعامل الاجتماعي
إذا ما جرى بيان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحدودهما للناس حينذاك سيتّضح أنهما من أكثر طرز التعامل الاجتماعي حداثة ورقيّاً ونفعاً وفعالية، ولا يبقى مجال أمام الآخرين للادّعاء بأنه ضرب من الفضولية، كلا؛ فإنه نوع من التعاون والرقابة العامة، والتعاون على نشر الخير وتقويض الشر والفساد، والمساعدة على أن تعتبر الخطيئة خطيئة، فإن أسوأ الأخطار عندما توصف الخطيئة يوماً ما بأنها صواب، ويتحوّل العمل الصالح إلى سيّئة، وتطال يد التحريف الجوانب الثقافية؛ فعندما يشيع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين أوساط المجتمع فإن ذلك سيؤدّي إلى أن تعتبر الخطيئة في نظر الناس خطيئة إلى الأبد، ولن تتبدّل إلى صواب وعمل صالح.
وإنّ أخطر ما يحاك ضد الأمة من مؤامرة يتمثّل في العمل على تبديل الأعمال الصالحة التي يأمر بها الدين وفيها يكمن صلاح البلد وتطوره إلى أعمال قبيحة لدى الناس، فيما تنقلب الأعمال القبيحة لديهم إلى حسنة! إنه خطر في غاية الفداحة.
بناءً على ذلك فإن أُولى ثمار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتبار الحسنة حسنة والسيئة سيئة، والثمرة الأخرى هي لو راجت الخطيئة في المجتمع واعتاد الناس عليها، فإذا ما أراد مَن يقف على رأس هرم المجتمع دعوة الناس إلى الخير والصلاح والمعروف، حينذاك سيواجه الصعاب في مهمّته، فلا يستطيع إنجازها بيسر، أو أنه ينجزها عن طريق رصد ميزانية باهظة؛ ولقد كان ذلك من دواعي عدم تمكّن أمير المؤمنين(ع) مع ما كان يتمتع به من قوة وعظمة من مواصلة طريقه، وأدّى بالتالي إلى استشهاده[12].
تسلط الأشرار حين ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قد وردت رواية عجيبة تهزّ كيان الإنسان؛ حيث يقول(ع): «لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهُنَّ عَنِ اَلْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسْتَعْمَلَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ»[13]؛ أي عليكم بتطبيق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أوساطكم والتمسّك به وترويجه، وإلاّ فسيسلّط الله عليكم شراركم وشذاذكم وأراذلكم؛ أي سيؤول زمام الأمور في خاتمة المطاف بِيَد الحجاج بن يوسف الثقفي وأشباهه! فالكوفة نفسها التي كان أمير المؤمنين(ع) يقف على رأس الحكومة وصاحب الأمر والنهي فيها ويخطب في مسجدها، وصل بها الحال؛ نتيجة لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى أن يقف الحجاج بن يوسف الثقفي في مسجدها يخطب في الناس ويعظهم كما يحلو له.
فمن هو الحجاج؟ إنه ذلك الرجل الذي لا فرق عنده بين دم الإنسان ودم العصفور! فلقد كان يقتل الإنسان كما يقتل الحيوان أو الحشرة، وقد أوعز ذات مرّة لأهل الكوفة بأن يحضروا عنده ويعترفوا بكفرهم ويعلنوا توبتهم، ومَن أبى قُطعت عنقه! لقد ابتليت الأمة بمثل هذه الضروب من الظلم العجيب الغريب الذي يفوق حدود التصوّر والوصف والبيان، وذلك نتيجة لإهمالها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإذا ما أهمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتفشّت في المجتمع الأفعال المنكرة من سطو وغشّ وخيانة، وأصبحت تدريجياً جزءاً من ثقافة المجتمع إذ ذاك ستتمهّد الأرضية إلى أن يمسك الأراذل بزمام الأمور[14].
دوائر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بطبيعة الحال فإن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دوائر متنوّعة أهمّها دائرة المسؤولين؛ أي عليكم أن تأمرونا بالمعروف وتنهونا عن المنكر؛ فعلى الشعب أن يطالب المسؤولين بالعمل الصالح، وليس ذلك عن طريق الدعوة والرجاء؛ بل عن طريق الأمر، وهنالك دوائر أخرى متعددة.
ولا تقتصر القضية على النهي عن المنكر؛ بل هنالك الكثير من الأعمال الصالحة التي ينبغي الأمر بها أيضاً؛ فبالنسبة للشباب يعتبر التحصيل العلمي والتعبّد والتحلّي بالأخلاق الفاضلة والتعاون الاجتماعي وممارسة الرياضة بأسلوبها السليم والمعقول والالتزام بالآداب والتقاليد الحسنة في الحياة، كل ذلك يعد من المحاسن، وهنالك الكثير من المسؤوليات والأعمال الصالحة بالنسبة للرجال والنساء وللأسرة، فحيثما دعوتم إنساناً للعمل بهذه الأفعال الصالحة فهو يعد أمراً بالمعروف، ولا يتحدد النهي عن المنكر بالردع عن الذنوب الشخصية؛ بحيث يتبادر إلى الذهن أن يسيء شخص ما التصرّف في الشارع، أو يرتدي زيّاً مُشيناً فيأتي مَن ينهاه عن ذلك، كلا؛ فالنهي عن المنكر لا يقتصر على ذلك؛ بل هو معشار العشر منه.
إنّ النهي عن المنكر يمتدّ ليشمل كافة المجالات؛ منها على سبيل المثال تطاول ذوي النفوذ على صعيد مجالات أعمالهم، وسوء استغلال المصالح العامة، ودخول العلاقات الشخصية في الشؤون العامة للبلاد من قبيل الواردات والشركات، واستغلال المصادر الإنتاجية، وترجيح المسؤولين للعلاقات الشخصية، فقد يرتبط تاجر وكاسب بعلاقة صداقة وتعاون فيما بينهما، فلذلك شأنه، وقد يقيم مسؤول في الدولة يتمتع بالصلاحيات ومقوّمات السلطة علاقة خاصة مع شخص آخر، فهذا هو الممنوع والمحذور وما يعتبر في عداد الذنب، ويتعيّن على كل مَن يطّلع على هذه الممارسات النهي عنها في حدود دائرته أو القسم الذي يعمل فيه، سواء إزاء رؤسائه أو مرؤوسيه؛ كي يضيّق الخناق على أولئك الانتهازيين[15].
ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بيئة الأسرة
يمكن ممارسة النهي عن المنكر في إطار الأُسرة أيضاً؛ ففي بعض الأُسر تُهضم حقوق النساء والشباب والأطفال، ولابدّ من تنبيه هذه الأُسر ودعوتها للالتزام بهذه الحقوق، ولا يقتصر إهدار حقوق الأطفال بعدم إبداء المحبة تجاههم؛ بل إنّ سوء التربية والإهمال وعدم الاعتناء بهم والبخل عليهم بالعواطف وما شابه ذلك يعد ظلماً بحقهم أيضاً[16].
ضرورة الاستنكار على المنكرات العامة
هنالك منكرات شائعة على صعيد المجتمع ينبغي بل يتعيّن النهي عنها، وهي من قبيل إهدار الثروات العامة والحياتية، والإسراف في استهلاك الطاقة الكهربائية، وإهدار المحروقات والمواد الغذائية، والبذخ في استهلاك الماء والخبز؛ فإننا نهدر كميات كبيرة من الخبز، وهذا بحد ذاته يعد منكراً في البُعد الديني أو الاقتصادي والاجتماعي، ومن اللازم النهي عن هذا المنكر أيضاً، كلٌ بطريقته؛ المسؤول بطريقته الخاصة، ومشتري الخبر بطريقة، وبائع الخبز بطريقة[17].
قيام الإمام الحسين(ع)المصداق الأبرز للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إنّ ثورة الإمام الحسين(ع) كانت لتأدية واجب عظيم هو إعادة الإسلام والمجتمع الإسلامي إلى الخطّ الصحيح، أو الثورة ضدّ الانحرافات الخطيرة في المجتمع الإسلامي.
وهذا ما يتمّ بالثورة، وعن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بل هو مصداق عظيم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
طبعاً – وكما قلتُ – فقد تكون نتيجتها إقامة الحكومة، وقد تكون الشهادة، وقد كان الإمام الحسين(ع) مستعدّاً لكلتا النتيجتين[18].
أفضل طريقة للتصدي للمنكرات
إنّ النّهي عن المنكر يكون باللّسان. بالطبع؛ هذا ليس هو الحال بالنّسبة للحكومة. إذا كان هناك منكر عظيم، فقد تكون معاملة الحكومة قانونيّةً وعنيفةً؛ أمّا النّهي عن المنكر والأمر بالمعروف في شريعة الإسلام المقدّسة فهو باللّسان؛ «إنّما هي اللّسان».
لا تتفاجؤوا؛ أقول لكم إنّ تأثير الأمر والنّهي الشّفهيّين، إذا تمّ القيام بهما، يكون أكبر من تأثير ضربةٍ من حديدٍ من الحكومات، وأنا أقول منذ عدّة سنوات بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. بالطّبع؛ البعض يفعل، لكن لا يفعل ذلك الجميع. لا يختبر الجميع ذلك، كما يقولون، سيّدنا؛ لماذا لا ينفع هذا؟ اختبروا ذلك. لا يجب أن تكون اللّغة لغة عضٍّ على الإطلاق، ولا يجب عليك إلقاء خطاب لرفع المنكر، قل كلمةً واحدةً: سيّدي! سيّدتي! أخي! هذا منكرٌ. أنت قل ذلك، شخصٌ ثانٍ يقول أيضاً، ثمّ شخصٌ ثالثٌ، وكذلك شخص عاشرٌ، يقول ذلك خمسون شخصاً؛ من يستطيع الاستمرار في المنكر عندها؟
بالطّبع؛ أقول لكم أعزّائي! يجب أن تشخّصوا المنكر، فقد تبدو أشياء للبعض منكراً، بينما هي ليست كذلك. عليك أن تعرف المعروف والمنكر، تحتاج حقًا إلى معرفة أنّ هذا منكرٌ. قال البعض إنّه يجب أن يكون هناك احتمال للتّأثير، أقول إنّ إمكانيّة التّأثير مؤكّدةٌ في كلّ مكانٍ؛ باستثناء الحكومات المتسلّطة وأصحاب النّفوذ والملوك، هؤلاء بالطبع لا يصغون إلى أيّ كلمةٍ ولا تؤثّر فيهم، لكن بالنّسبة للنّاس الكلمات لها تأثيرٌ[19].
ضرورة التصدي بالمداراة
ماذا يعني الحزم؟ هل يعني: التصدّي مادياً وبدنياً؟ لا مصلحة في ذلك وهو ليس صحيحاً، وإننا لا نحبّذ أن تقولوا إن هذا حزم، أما الحوار والتذكير فهو جيد، فما الإشكال في أن يذكّروا بأخلاق حميدة. بالأمس كنّا نقرأ لجماعة حديثاً يفيد بأن على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون عالماً وعاملاً بما يأمر به وينهى عنه «رفيق لمن يأمر ورفيق لمن ينهى»[20]؛ أي يأمر وينهى برفق ومرونة.
إنّ الأمر والنهي يعني الإيعاز بـ «افعل لا تفعل»، وهو يختلف عن الرجاء، ولكن عليه أنّ يقوم بذلك برفق ومرونة وتودّد وليس بالعنف، وباعتقادي يجب أن يكون العمل هكذا[21].
أكبر المعروف هو حفظ النظام
أكبر صنوف المعروف هو بالدرجة الأولى تأسيس النظام الإسلامي وحفظه وصيانته، هذا هو الأمر بالمعروف. لا معروف أعلى من تأسيس النظام الإسلامي وحفظه، كل من يبذل جهوده ومساعيه في هذا السبيل فهو آمر بالمعروف. الحفاظ على عزة الشعب الإيراني وسمعته أكبر معروف. هذه هي صنوف المعروف: الرفعة الثقافية وسلامة البيئة الأخلاقية وسلامة البيئة العائلية وزيادة النسل وتربية الأجيال الشابة المستعدة لرفعة البلاد والعمل على ازدهار الاقتصاد والإنتاج وتعميم الأخلاق الإسلامية ونشر العلم والتقنية وتكريس العدالة القضائية والعدالة الاقتصادية والمجاهدة من أجل اقتدار الشعب الإيراني، وفوق ذلك اقتدار الأمة الإسلامية والسعي والمجاهدة من أجل الوحدة الإسلامية، هذه هي أهم أنماط المعروف، ومن واجب الكل السعي والأمر من أجل تحقيق مصاديق المعروف هذه.
والموقف المقابل لذلك هو أنواع المنكر. الابتذال الأخلاقي منكر، ومساعدة أعداء الإسلام منكر، وإضعاف النظام الإسلامي وزعزعته منكر، وحلحلة الثقافة الإسلامية منكر، وإضعاف اقتصاد المجتمع وإضعاف العلم والتقنية منكر، يجب النهي عن هذه المنكرات[22].
- [1]. بيانات سماحته أمام قادة حرس الثورة الإسلامية بتاريخ 23-12-1991م
- [2]. بيانات سماحته أمام مسؤولي الدولة بتاريخ 7-5-1996م
- [3]. بيانات سماحته أمام أهالي مازندران بتاريخ 26-1-2010م
- [4]. بيانات سماحته أمام شباب وطلبة جامعات منطقة سيستان وبلوشستان بتاريخ 25-2-2003م
- [5]. بيانات سماحته أمام أقشار مختلفة من الشعب بتاريخ 25-6-1989م
- [6]. بيانات سماحته أمام أقشار مختلفة من الشعب بتاريخ 14-4-2004م
- [7]. بيانات سماحته أمام أعضاء قوات التعبئة بتاريخ 27-11-2014م
- [8]. الحج: 41
- [9]. بيانات سماحته أمام أهالي مدينة قم المقدسة بتاريخ 9-1-1990م
- [10]. نهج البلاغة: 150. الخطبة (129) في ذكر المكاييل والموازين.
- [11]. خطبة الجمعة بتاريخ 15-12-2000م
- [12]. نفس المصدر
- [13]. الكافي: ج5، ص56. باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحديث (3). وفيه بدل «ليسلطنّ» «لَيُستعمَلَن».
- [14]. خطبة الجمعة بتاريخ 15-12-2000م
- [15]. نفس المصدر
- [16]. خطبة الجمعة بتاريخ 15-12-2000م
- [17]. نفس المصدر
- [18]. خطبة الجمعة بتاريخ 9-6-1995م
- [19]. بيانات سماحته أثناء جلسة حوار في جامعة طهران بتاريخ 12-5-1998م
- [20]. وسائل الشيعة: ج16، ص130. باب (2) الحديث (10).
- [21]. لقاء سماحته مع طلبة جامعة الشهيد بهشتي بتاريخ 12-5-2003م
- [22]. بيانات سماحته في بداية العام الهجري الشمسي بتاريخ 21-3-2015م
تعليق واحد