مواضيع

الأمل بالمستقبل وتجنب اليأس

لا تفقدوا روح تفاؤلكم وأملكم بالمستقبل، اعلموا أن هذا التفاؤل وهذا الأمل في محله، وأنكم الشجرة الطيبة التي قال فيها القرآن الكريم: <أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ 24 تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا>[1].

فلماذا لا نشعر بالتفاؤل إزاء المستقبل؟! ولماذا لا يشعر بالأمل والتفاؤل إزاء المستقبل شعب شجاع وشهم وقوي ومتحد ويحب العمل ويفكر جيداً وذو طاقة ويعيش على أرض تزخر بالبركات الإلهية؟! في حين أننا قد اجتزنا أيام العُسرة والمكابدة؟ فلو كان مقرراً أن يحس أحد باليأس والتشاؤم، لكان ذلك في تلك الأيام.

لقد اجتزنا أشد المعابر خطورة بفضل هداية إمامنا وقائدنا العظيم، ولسوف نواصل الطريق بقوة واقتدار ونبني البلاد ونرفع من مستوى طاقتنا الاقتصادية والعسكرية والسياسية وإمكاناتنا الثقافية العظيمة، ونتقدم في المجتمع يوماً بعد آخر. إننا مسلمون، والقرآن معنا، وقلوبنا عامرة بالإسلام والقرآن، وإن القرآن يقول: <كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ>[2]، فينبغي أن نكون كذلك، ويجب أن نتقدم، ولسوف نتقدم. لقد أمضينا ليالي حالكة ومظلمة، وسوف نتخطى سحب الفتنة في كل زمان بفضل التمسك بالله والقرآن.

فلماذا لا نزخر بالأمل؟ إن على كل أفراد الشعب أن يحافظوا في قلوبهم على الشعور بالأمل والرضا إزاء المستقبل على رغم أنف العدو لأن العدو يريد أن يقتل الأمل في القلوب. إنه يعلم أن أملكم هو عدوه اللدود، وإن العدو سيتنفس الصعداء إذا تخلّيتم عن الأمل، وسينفسح أمامه الطريق، ولهذا فإنه يتحرق شوقاً إلى جعل اليأس يسيطر على قلوب الشعب[3].

الأمل إحدى خصوصيات العقيدة المهدويّة

تتسم عقيدة المهدوية بجملة من الخصائص التي تكون بالنسبة لكل شعب بمثابة الدم في الجسم، وبمثابة الروح في البدن، ومن جملة تلك الخصائص خاصّية الأمل.

فقد تصل القوى المتغطرسة المتجبّرة بالشعوب الضعيفة إلى درجة تُفَقّدها الأمل، وإذا فقدت الأمل لا تستطيع القيام بأي عمل، وتفقد الثقة بجدوى أي إجراء قد تلجأ إليه، متصوّرة أنّ الوقت قد فات، وأنها غير قادرة لها على مجابهة هذا الخصم بأي نحو كان.

هذه هي روح اليأس التي ينشدها المستعمر.

وكم يتمنّى الاستكبار العالمي اليوم أن تُمنى الشعوب الإسلامية، ومنها الشعب الإيراني العزيز بهذه الحالة من اليأس، فترى مَن يقول: فات الأوان.

لا يمكننا فعل شيء! لا فائدة من التحرك! يلقون هذه المفاهيم في أذهان الناس بالإكراه والقوة.

ونحن المطلعون على الدعايات الإعلامية المعادية المسمومة، نلمس بكل جلاء أن معظم الأخبار التي يبثونها تهدف إلى إشاعة اليأس في قلوب أبناء الشعب، يحبطون أمل الناس اتجاه الاقتصاد والثقافة والدين خوفاً من اتساع نطاق الدين كما ويحُبطون أمل دعاة الحرية والشؤون الثقافية والسياسية من إمكانية العمل السياسي أو الثقافي، ويصوّرون مستقبلاً مظلماً مبهماً أمام أبصار الطامحين نحو المستقبل.

ولكن ما هو الدافع من وراء ذلك؟ إنهم يحاولون تحويل الكيان الفعّال بقتل الأمل في القلوب إلى كتلة ميّتة أو شبه ميّتة، ليُتاح لهم عند ذاك التعامل معه كما يحلو لهم؛ إذ ليس بمقدورهم التعامل مع الشعب إذا كان حياً كما يرغبون.

الجسم الميت يمكن لكل من هبَّ ودبَّ أن يتصرف فيه كيف يشاء، ولكن لا يمكن لأحد أن يفعل ذلك مع الوجود الحيّ الفاعل المفكّر.

والمثل ينطبق على الشعوب أيضاً، فهم لا يستطيعون القيام بأي عمل ضدَّ الشعب الإيراني المسلم الثوري الذي يعيش تحت راية الجمهورية الإسلامية، الشعب الحي الواعي والمتيقّظ الذي يعرف قدر نفسه وقدر عزّته ويتعامل مع الآخرين على الصعيد العالمي كما يليق بشأنه.

ونتائج هذا ملموسة لديكم.

إذا كان الشعب خاملاً لا يرى لذاته قيمة ومستقبلاً، يتمكّن الأعداء وبكل سهولة أن يرسموا له مستقبله ويجعلوا أنفسهم أوصياء عليه؛ يقررون له ويعملون بدلاً عنه بلا أي رادع أو مانع، وهذا مبعثه الخمول، والخمول يأتي كنتيجة لفقدان الأمل، ولهذا تنصبّ مساعي الأعداء على انتزاع الأمل من نفوس أبناء الشعب.

اعلموا أنّ أي صوت يستهدف اليوم إشاعة اليأس في نفوس أبناء الشعب فهو صوت موجّه من العدو؛ سواء علم أم لم يعلم، وأي قلم يخط كلمة على الورق على طريق انتزاع الآمال من قلوب الشعب، فهذا القلم مسخّر للأعداء؛ سواء علم صاحبه أم لم يعلم.

إنّ الاعتقاد بالمهدوية، وبفكر المهدي الموعود أرواحنا فداه، يحيي الأمل في القلوب، والإنسان الذي يؤمن بهذه العقيدة لا يعرف اليأسُ طريقه إلى قلبه أبداً؛ وذلك لثقته بحتمية وجود نهاية مشرقة، فيحاول إيصال نفسه إليها بلا وجل من احتمالات الإخفاق[4].

أكبر جهاد في ساحة الإعلانات؛ إعطاء الأمل للناس

إنّ العالم الاستكباري يسعى اليوم لبثّ اليأس في قلوب الشعب الإيراني لمنعه من مواصلة السير على نهج أمير المؤمنين(ع)وفي طريق الإسلام.

إنني أقول لكم وللشعب الإيراني أنّ أعظم جهاد هذا اليوم في ميدان الإعلام هو أن يتمكّن الإنسان من بعث الأمل لدى الشعب الإيراني بعاقبة هذا الطريق، وكلّ من يعمل على خلاف ذلك، فإنّه يخون هذا الشعب.

إنّ أفضل وسيلة لمنع متسلّق من صعود الجبل هو أن يقال له كذباً: لا يمكنك الصعود إلى القمّة لوجود الإشكال والمانع الفلاني، إنه يريد الصعود إلى القمة ولديه هدف، ولكن ما إن يفهم أنّه ليس بإمكانه ذلك حتى يعود من حيث أتي.

ومنذ خمس عشرة سنة والإعلام السياسي في العالم يحاول بثّ اليأس لدى الشعب الإيراني السائر نحو الذروة والقمّة، فيقال: إنّ الوضع الاقتصادي متدهور والناس مستاءون وأمريكا تمنع من ذلك و… و…، ويهمسون هذه الأمور في آذان الناس بشكل دائم وفق أسلوب إعلامي ذكي.

إنّني أستمع أحياناً إلى كلامهم، وأقرأ ما ينقل عنهم وأرى ماذا يقولون، إنّهم يختارون الكلمات، ويبحثون عن الأسلوب الذي يصدّق الناس هذا الكلام وهذه الكذبة المسلّمة، وللأسف هناك في الداخل من يتكلّم لا لشيء سوى لبثّ اليأس في قلوب الشعب، أو يسكت.

لماذا تعملون على إثارة اليأس عند الناس؟ لماذا تقولون لهذا الشعب القوي والشجاع الذي يستطيع السير في الطرق الصعبة وقد سار حتى الآن في أصعبها إنك لا تقدر على الوصول إلى الحكومة الإسلامية والمجتمع الإسلامي والنظام العادل؟

لقد سلك العدو كلّ الطرق من الحرب العسكرية والاقتصادية والإعلامية، من توجيه التهم والشتائم للمسؤولين للتغلب عليكم أيها الشعب لكنّه لهم ولن يتمكن.

والآن تشبثوا بهذا الأمر، يتحدّثون ويأتون بشواهد كاذبة لبث اليأس في النفوس، وإنّني أقول لكم في أي مكان كنتم، وأيّاً كنتم، وفي أي نقطة تقطنون من هذا البلد، ومهما كانت مسؤوليتكم في مؤسسات هذه الحكومة أو خارجها: إنّ وظيفتكم هي زرع الأمل في نفوس الناس، وعلامات الأمل كثيرة والحمد للّه، رأيتم كيف أنّ اللّه سبحانه وتعالى حلّ لنا مشكلة الحرب التي كانت أصعب المشاكل، ورأيتم كيف أن اللّه بيّن لنا قدرته في الظروف الحسّاسة التي مرّت على البلد.

إنّ الإنسان حين يرى الفضل الإلهي يقول حقيقة: سبحانك يا اللّه، سبحانك يا لا إله إلا أنت[5].

جعل الغَلَبَة للنقاط السلبية عامل لإيجاد اليأس

نحن نمتلك نقاطاً إيجابية، ولدينا نقاط سلبية أيضاً؛ لذا ينبغي النظر إلى الاثنين معاً، فأحياناً تتغلّب النظرة السلبية. للأسف نشاهد اليوم أنّ بعض المسؤولين والنخب السياسية لهم نظرة سلبية، وكأن النظر إلى النقاط السلبية وإهمال النقاط الإيجابية قد أصبح موضة عندهم، كذلك الحال بالنسبة لوسائل الإعلام وغيرها فإنها تركز على الجانب السلبي باستمرار، وما إن يتساءل شخص عن السبب حتى يقولون: أنتم لا تسمحون لنا بكشف الحقائق، فإذا كنتم تقولون إنها نظرة متشائمة وغيرها، نقول إننا لا نريد سوى عرض الحقائق. كلا؛ هذه ليست سوى نظرة ضيقة وأحادية، فلو فرضنا أنّ إشكالا وقع في مصنع معين، وتريدون أن تكشفوا هذا بنظرة واقعية. حسناً؛ لنفترض أنه أنشئ في قباله مصنعان آخران أيضاً. فإذا وضّحنا النقطة الإيجابية عندئذٍ سنفهم مسائل البلاد بشكل معين، وأما إذا لم نوضّح هذه النقطة الإيجابية عندئذٍ سنفهم مسائل البلاد بشكل آخر، فلو لاحظنا النقاط السلبية فقط – وهي موجودة فعلا – فهذا لا يعدّ نظرة واقعية، ولن يقدم لنا صورة صحيحة عن أوضاع البلاد، وسيؤدّي إلى بثّ روح اليأس، وهذا هو ضرره الاجتماعي.

إنني عادة أطالع عشرة إلى عشرين صحيفة مطالعة سطحية يومياً، فألاحظ أنّ بعض الصحف تنشر يوميا أربعة إلى خمسة عناوين كل واحد منها يكفي لزعزعة قلب الإنسان الضعيف، فكلّها عناوين سلبية، وسلبية، وسلبية! فهم مولعون بهذا السلوك، لعلّه لأغراض سياسية، أو لكسب القراء أو غيرها، لا أدري؛ لا نريد أن نتّهم أحداً، لكن هذه حقيقة، هذا خطأ. إن تغليب النظرة السلبية أمر مخالف للواقع، ويؤدّي إلى بثّ اليأس.

وهكذا الحال بالنسبة للنظرة المقابلة لها؛ أي تغليب النظرة الإيجابية من دون رؤية النقاط السلبية، فهو تضليل أيضاً، وقد يجلب رضا الفرد، لكنه قد يكون رضاً كاذباً أحياناً، وهذه النظرة خاطئة أيضاً، فينبغي علينا رؤية النقاط السلبية إلى جانب النقاط الإيجابية، فنذكر مثلاً أنّ الحكومة تمكّنت من إنجاز هذا وفشلت في إنجاز ذاك؛ أي ننظر إلى هذين الأمرين مع بعضهما. إذًا؛ إذا أردنا أن نحصل على أوضاع البلاد بشكل صحيح، ينبغي علينا ملاحظة كلا النقاط السلبية والإيجابية مع بعضهما[6].


  • [1].  إبراهيم: 24 25.
  • [2].  آل عمران: 110.
  • [3].  خطبة الجمعة بتاريخ 20-10-1989م
  • [4].  بيانات سماحته في ذكرى ولادة الإمام المهدي(عج) بتاريخ 16-12-1997م
  • [5].  بيانات سماحته في ذكرى ولادة الإمام علي(ع) بتاريخ 27-12-1993م
  • [6].  بيانات سماحته أمام مسؤولي الدولة بتاريخ 7-8-2011م
المصدر
كتاب الثوري الأمثل في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟