مَدينون للثورة الإسلامية والإمام ودماء الشهداء
هناك نقطة أساسية يجب على الجميع أخذها بنظر الاعتبار، وهي: أنّ أي بلد إذا أراد الحياة الحرّة الكريمة الخالية من قيود التبعية للأجنبي وللقوى الغاشمة في العالم، لابدّ له من التمسّك بنهج الصمود.
ولكن من هو الذي يضطلع بمهمة الصمود في المُلمّات؟ لابدّ وأنّ الذين يضطلعون بهذه المهمّة هم خيرة أبناء ذلك الشعب، وأكثرهم إخلاصاً واستعداداً للبذل والتضحية، وهم الذين يذودون عن استقلال البلد وعن كرامته وهويته الوطنية. وفي ظل النظام الإسلامي انبرى للقيام بهذا الواجب أُولئك الشباب المضحّون الذين صمدوا طوال سنوات الحرب وما قبلها، في ميادين الحرب؛ وأعني بهم شهداءنا الكرام والمضحّين الأعزاء والأحرار الأُباة، وعوائلهم، والمفقودين.
والاقتدار الحقيقي للبلد رهين ونابع من وجود كل من صمدوا على هذا السبيل من عسكريين وحرّاس ثورة وقوات تعبئة؛ أي جميع القوى المؤمنة السائرة على نهج حزب اللّه في هذا البلد.
وكل شعب لديه مثل هؤلاء الشباب لا يمكن لأية قوّة عالمية غاشمة أن تتحدّاه أو تفرض هيمنتها عليه أو تتحكّم بزمام أُموره. على الشعب الإيراني أن يشكر قلباً ولساناً كل هذه التضحيات، ونحن جميعاً نستشعر آيات الامتنان لهؤلاء المضحّين.
من الطبيعي أنّ المتغرّبين ومن باعوا ضمائرهم للأجنبي، ومن يحلمون بعودة العهد الطاغوتي، ويميلون إلى مدّ جسور التقارب مع أمريكا والانضواء تحت لواء القوى المتجبّرة في العالم، ومثل الحكومات العميلة البعيدة عن اسم الإسلام وراية الإسلام، لا موضع لهم في مجتمعنا، ولا يحظون بالترحاب بين أبناء هذا الشعب. إنّهم يحاولون الاستخفاف باسم حرس الثورة والجيش وقوات التعبئة والشهداء والمعوّقين والأحرار والمضحّين.
فهؤلاء ترى الغيظ بادياً على وجوههم حينما يأتي الحديث على ذكر المضحّين أو عوائل الشهداء، أو قوات التعبئة، أو القوى المؤمنة من أبناء حزب اللّه التي تمثّل الأغلبية العظمى من الشعب الإيراني.
في حين أنّ هذه القوى هي التي حافظت على إيران ولازالت تحافظ عليها اليوم. وحيثما وجد اليوم أيّ تهديد أو خطر ضد هذا البلد تجد الناس الذين يتحلّون بروح الإيمان وبنزعة الإيثار هم المستعدون للنزول إلى الساحة وبذل النفس والنفيس.
أمّا الأشخاص الغارقون في حب ذاتهم فلا يفكّرون طوال أعمارهم إلاّ بمصالحهم الشخصية، ولا يرتجى منهم الدفاع عن البلد والذود عن مصالح الشعب، ولا تجد لهم أثراً في الشدائد ولا في زمان الحرب، أمّا في وقت الرخاء فهم أطول ألسنةً من الجميع، <سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ>[1].
الشباب الذين يرتجى منهم حماية البلد، ومؤازرة الحكومة والمسؤولين، والذود عن الثورة، والدفاع عن اسم الإمام الخميني، وحماية قيم الثورة، والتصدّي للمخاطر، هم أولئك الشباب المؤمنون من أبناء حزب اللّه ومن أفراد قوات التعبئة الجماهيرية ممن وقف أمثالهم طوال سنوات الحرب الثمانية بكل بسالة وصلابة، وإليهم يُعزى ما لدينا من اقتدار وطني.
ونحمد اللّه أنّ الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب هي القوى المؤمنة الموالية للإسلام وللثورة وللإمام ولنهج الجمهورية الإسلامية، والمعادية لأمريكا ولمختلف الشياطين الطامعين بهذه الأرض[2].
إذا نظرنا إلى الشهادة من زاوية أخرى نراها ظاهرة باهرة؛ وذلك لأن كل عمل خيري سواها وأيّ برّ آخر يفعله الإنسان إنّما هو عمله بمفرده، إلاّ الشهادة فهي حصيلة جهود جماعة من الناس.
فالشاب الذي يَمّم وجهه صوب الجبهة واستشهد هناك، لم يكن وحده قد جاهد فحسب؛ بل أنت والده قد جاهدت أيضاً.
فالشاب الذي يتوجّه نحو مكامن الخطر – حيث يتهدد الخطر حياته – لا يعتبر جهاداً له فقط، وإنّما يشاطره والداه جهاده، وتشاطره زوجته جهاده، ويشاطره أولاده جهاده، ويشاطره كل من يودّه جهاده.
والعجيب في الأمر هو أنّ هذا الجهاد لا نفاد له؛ فإذا ما توجّه هو إلى جبهة القتال ورابط هناك وصبر وجاهد إلى أن استقبل الشهادة وانتهى جهاده، لا ينتهي عند ذاك جهاد والدته ووالده؛ فصبرهما جهاد، ولا ينقطع عند هذا الحد جهاد أولاده وزوجته؛ لأن صبرهم جهاد، وهم إذا لم يتذمّروا، واحتسبوا كل ذلك في عين اللّه، واعتبروا ذلك الدم مفخرة لهم، فإنهم بشكرهم وصبرهم يغرسون بذور الشهادة ليتواصل نبتها بين سائر الناس، ويكونون مصدر تحفيز لهم للتسابق نحو الجهاد، وتصبح الحكايات التي يروونها عن صمودهم وبسالتهم مفخرة للشعب، ومدعاة لبروز الشعب والبلد على صعيد الرأي العام العالمي بشكل مثالي.
ولو كان آباء وأمهات وأزواج الشهداء يتذمّرون ويتأوّهون ويتشكّون ويظهرون معالم الجزع والمنّة، هل كانت تنعكس عن هذا الشعب مثل هذه الصورة الوضّاءة؟! الحقيقة هي أنكم رفعتم رأس هذا الشعب، وأبرزتم صورته الناصعة من خلال كلامكم وسلوككم ومن خلال شموخكم واعتزازكم باستشهاد أبنائكم.
ولازال هذا الجهاد قائماً حتى يومنا هذا.
لقد مرّت سنوات على التحاق الشهداء برضوان ربّهم، وأدّوا ما عليهم، بَيْدَ أنّ جهادكم لازال متواصلاً.
فأية فضيلة وأية مأثرة تتألف من مثل هذا التركيب المتداخل من شتّى ألوان المجاهدة، وتستمر لمثل هذه المدّة المديدة[3].
الشهداء هم بحق أنوار ساطعة تضيء المجتمع والمستقبل والتاريخ، وعوائلهم صبرت.. صبرت على جهادهم وعلى سيرهم إلى ميادين الخطر. قد يكون ذكر ذلك سهلاً باللسان: سيدة ترى زوجها سائراً إلى ساحة الأخطار، فتصبر.. عملها هذا ذو قيمة وأهمية عظيمة، ثم حينما يستشهد تصبر على استشهاده. لولا صبر عوائل الشهداء لما واجه تيار الشهادة هذه الحيوية والازدهار في المجتمع. عوائل الشهداء هي صاحبة هذه المنّة الكبيرة على مجتمعنا؛ حيث جعلت الشهادة حلوة جميلة في الأنظار إلى هذه الدرجة. على كل حال نقدّم لهم احترامنا وسلامنا وتكريمنا. سواء أبناؤهم أو أبناؤكم أيها العاملون يجب أن يفخروا ويتباهوا بأن آباءهم يسيرون في هذا الدرب[4].
في الحقيقة، إنّ مسؤولي البلد؛ بل وجميعنا مدينون لكل واحد من أبناء هذا الشعب، لاسيّما المضحّين منهم، الذين أتاحوا لنا هذا الظرف بأرواحهم وجهودهم.
فلولا هؤلاء المضحّون، لم يكن من المعلوم هل كان البلد قد حافظ على وحدة أراضيه أم لا؟ وهل توفر له الأمن أم لا؟ وهل كان من الممكن أن يتسنّى لأحد تقديم عمل وخدمة للبلد، وإنجاز هذا القدر من البناء؟ وهذا ما يملي علينا الانتباه في جميع المراحل، ولا نسمح بتضييع حق الشرائح المضحية في البلد كعوائل الشهداء، والمعوقين، والمقاتلين، والذين جاهدوا في سبيل اللّه حقّاً وتحملوا المشاق لقاء بعض الأقاويل التي تلفظ هنا وهناك من أفواه أولئك الذين لم يُبدو أي حرص في الحرب، ولم يبذلوا أي جهد لهذه الثورة ولا في ميادين الحرب.
تطرح بين الفترة والأخرى أقاويل من قبيل: لماذا تُمنح امتيازات في الجامعات أو في الوزارات أو في هذا الموضع أو ذاك لأسر الشهداء أو للمضحين أو لأفراد التعبئة؟ لا تعيروا لأصحاب هذه الأقاويل أي اهتمام.
فالذي يُمنح للشرائح المذكورة بصفة الامتياز وهو بحمد اللّه قانوني أيضاً اليوم ليس أكثر ممّا يستحقون، بل هو قليل جداً في مقابل عطاء وثمار جهودهم[5].
اليوم في النظام المقدس للجمهورية الإسلامية الذي يعتبر مقراً للإسلام ومنبع العظمة، كل من فيه مديون لدماء الشهداء الأعزاء، وكل الأيام هي أيام الشهداء والمضحين[6].
- [1]. الأحزاب: 19
- [2]. بيانات سماحته أمام مجموعة من المحررين والمجروحين وعوائل الشهداء بتاريخ 18-8-1998م
- [3]. بيانات سماحته أمام مجموعة من عوائل شهداء القوات المسلحة وجهاد البناء بتاريخ 27-9-1998م
- [4]. بیانات سماحته أمام القوات المسلحة بمنطقة الشمال وعوائلهم بتاريخ 18-9-2012م
- [5]. بیانات سماحته أمام أعضاء الدولة بمناسبة أسبوع الدولة بتاريخ 29-8-1996م
- [6]. رسالة سماحته بمناسبة يوم الإيمان، التضحية، الشهادة بتاريخ 8-2-1996م
تعليق واحد