عالمية النهضة
الأمر الآخر من الأمور البارزة في نهج الإمام كون هذه النهضة نهضة عالمية، فالإمام كان يعتبر النهضة نهضة عالمية ويعد الثورة لجميع الشعوب الإسلامية؛ بل وغير الإسلامية، ولم يكن الإمام يأنف من ذكر هذا الأمر، وهذا لا يعد تدخلاً في شؤون البلدان الأخرى؛ حيث إننا لا نقوم بذلك، وهذا لا يعني تصدير الثورة على الطريقة الاستعمارية الماضية، التي لا نقوم بها، ولسنا من أهلها؛ بل يعني أنه ينبغي أن تفوح الرائحة الطيبة لهذه الظاهرة الرحمانية في كل العالم، فلتعرف الشعوب ما هو دورها، وتكتشف الشعوب الإسلامية هويتها وموقعيتها، وكنموذج لهذه الرؤية العالمية موقف الإمام حول القضية الفلسطينية، فالإمام قال بصراحة أن إسرائيل غدة سرطانية. حسناً؛ ماذا نفعل مع الغدة السرطانية؟ أيوجد علاج لها غير القطع؟ إن الإمام لم يجامل أحداً.
هكذا كان منطق الإمام، ولم يكن كلامه للشعار؛ بل هو أمر منطقي[1].
لم تقتصر ثورتنا على جعل المسلمين يفكّرون في الإسلام فحسب؛ بل جعلته أيضاً مفيداً للمسيحيّة، فالدول التي نأت بنفسها لفترةٍ طويلةٍ عن دينها المسيحيّ عادت مجدّداً إلى الرّوحانيّات والدّين. كانت هذه مقدّمة لانهيار الإمبراطوريّة الشّرقيّة وتأسيس الحكم الماركسيّ في العالم. كم كانت هذه الحادثة عجيبة ونتائجها عظيمة![2]
الاتكاء على الإسلام عامل عالمية النهضة
إنّ ما أنجزه الإمام القائد على أرض الواقع وانطلاقاً من إيمانه وتوكّله وشخصيته الرصينة إنّما بنى أسسه على أساس الإسلام؛ بمعنى أنّ أهداف النظام الإسلامي أهداف إسلامية؛ صرّح بها القرآن والشريعة.
والأساليب والمناهج التي ينهجها النظام الإسلامي هي ذات الأحكام، والصيغ والمقررات التي بيّنتها وحددتها المصادر الإسلامية؛ أي أنّ النظام الإسلامي نابع من الإسلام مئة بالمئة.
لا ندّعي أنّ الواقع الاجتماعي يطابق الإسلام بالتمام والكمال وهو ما ينبغي العمل لأجله على المدى البعيد إلاّ أننا نؤكد أنّ مناهجنا مستقاة من الإسلام، وأساليبنا مستوحاة من أحكامه، وأهدافنا هي الأهداف التي وضعها الإسلام لبني الإنسان جماعة وأفراداً.
ومن هنا تتضح ماهية النقطة التي سبق عرضها؛ أي بما أنّ هذه الثورة قائمة على الإسلام فقد اتخذت أبعاداً أشمل وأوسع من مساحة إيران. طوال هذه الفترة التي ناهزت تسع عشرة سنة منذ انتصار الثورة كانت إحدى النقاط التي ركّز عليها الإعلام المعادي في مواجهته للثورة الإسلامية هي قضية تصدير الثورة، وقد صرّح مسؤولو الجمهورية الإسلامية مرات ومرات بأننا لا ننوي تصدير ثورتنا إلى الدول والشعوب؛ لكنهم ما انفكوا يرددون هذا المعنى، ومرادهم من تصدير الثورة: هو أنّ النظام الإسلامي متى ما تبلور على أُسس الأحكام الشرعية والتطلعات القرآنية وهو ما حصل فعلاً يشعر المسلمون حيثما كانوا وفي أية بقعة من بقاع العالم بانتمائهم إلى هذا النظام وهذه الثورة، ويفتخرون به ويرون عزتهم من عزته. غدت الجمهورية الإسلامية شامخة اليوم في الميادين السياسية والدولية، وفي مجال بناء البلد، وفي المواقف السياسية العظمى التي وقفها هذا الشعب، نظير قضية الانتخابات، أو سائر القضايا الأخرى التي تشارك فيها الجماهير، ومتى ما تجلّى أحد هذه المواقف، يتجلّى على أثره واحد من مثل العزّة والاستقلال، وهو ما يجعل كل مسلم أينما كان يعيش في هذا العالم يستشعر معاني الاعتزاز عند سماعه لمثل هذا الخبر؛ لأنه يرى في النظام الإسلامي ملكاً له؛ وسبب ذلك يعود إلى الأهداف الإسلامية التي رُسم وشُيّد عليها هذا النظام، وإلى الصبغة العالمية والدولية التي منحها إيّاه الإمام القائد المخطط والمعمار لهذه الثورة
ما من أحد قادر على حبس هذا النظام في إطار الحدود الإيرانية.
مسلمو العالم يعتبرون هذا النظام نظامهم، وهذا هو ما يثير حفيظة الاستكبار إلى أبعد حد، ويدفعه إلى تسميته بـ«تصدير الثورة» أي نفس التعبير الذي كان يتباهى به الثوريون الماركسيون في العقود الوسطى من القرن العشرين، بينما نحن لا نؤمن بتصدير الثورة بذلك المعنى وعلى تلك الصورة، حينما تكون هذه الثورة ثورة إسلامية، سيتفاعل معها كافة مسلمي العالم ويعتبرونها ثورتهم[3].
تعليق واحد