مواضيع

امتلاك الروحية الجهادية

أقول لكم؛ إننا حققنا تقدماً علمياً وبحثياً كبيراً جداً في المضامير المختلفة، وقد شكّل الشباب الثوري المؤمن العماد الرئيسي للتقدم في هذه المضامير. هم الذين ملأوا الساحة، واجتازوا بهذه الروح الكثير من المنعطفات والعقبات التي واجهتهم في بحوثهم ومشاريعهم العلمية. أجل؛ المعنوية تضاعف من العمران حتى في دنيا الإنسان، لكنها تجعلها دنيا سليمة. حيثما تغيب الثقافة الجهادية وتسود الثقافة المادية يكون كل إنسان لوحده محور كل أحداث العالم، يريد الربح لنفسه ويدفع الضرر عن نفسه، هذا هو الأساس والأصل بالنسبة له؛ لذلك تظهر التعارضات، وانعدام الأخلاق، وغياب الصدق، والعداوات. حينما تتوفر الحركة والروح الجهادية يذوب الإنسان في الإيمان والمبدأ وخدمة الآخرين وينسى نفسه. ينبغي تعزيز هذه الروح في المجتمع[1].

الروحية الجهادية تستبدل الطموح بالواقع

البعض يخطئون حين يطرحون النظرة الواقعية مقابل النظرة المبدئية المثالية. الواقعية من وجهة نظر هؤلاء علی الضد من المبدئية، هذا خطأ كبير؛ لأن المبدئية هي التي تصنع الواقع في المجتمع. المنظومة ذات المبادئ والتي لها أهدافها البعيدة بوسعها تشكيل الواقع وصياغته حسب مبادئها، هكذا تقدم العالم. أنترك المبادئ جانباً بذريعة الواقعية؟! هذا منتهى الغفلة، المبدئية هي صانعة الواقع المنشود الطيب، إذا ثبت الإنسان أو الجماعة أو الشعب ومسؤولوه والناشطون فيه على المبادئ، ولم يكونوا مستعدين للتنازل عنها، وعملوا من أجلها، فماذا سيحصل؟ سيتغيّر الواقع باتجاه المبادئ، هذا هو أكبر واقع وقانون في الحياة. لماذا ينسى البعض هذا؟[2]

الثقة بالنفس والعمل الجهادي سبب للقيام بأعمال كبيرة

كل إنجاز كبير حققناه في بداية الثورة،كان ببركة الثقة بالنفس والطموح والعمل الجهادي.

لقد حقق الشباب التابعون للجهاد الزراعي إنجازات كبيرة في تلك الأيام، إلى الدرجة التي لم يصدق فيها حتى الأشخاص الذين كانت تُنجز أمامهم تلك الأعمال، إنَّ الشباب الإيراني قادر على تحقيق هذه الإنجازات.

في عهد النظام الطاغوتي، كانت الحكومة الإيرانية تستورد القمح من أمريكا، وكانت روسيا تصنع لهم مخازن القمح، فلم يكونوا قادرين على صناعة مخزنٍ واحدٍ للقمح! ويجب أن يأتي الروس من أجل ذلك؛ لأنَّ هذه الصناعة لم تكن موجودة في إيران آنذاك.

لقد جاء شباب الجهاد الجامعي في الأعوام الأولى للثورة، وقالوا: إنَّ الإمام الخميني قدس سره أصدر أمراً لزراعة القمح.

حسناً؛ القمح يحتاج إلى مخازن، فإلى أين نلجأ من أجل ذلك؟ ليس أمامنا سوى الاعتماد على عزمنا وابتكارنا، فبدأ الشباب بالعمل.

البعض كان يرى أنَّ بناء مخازن القمح أخذت بالازدياد – طبعاً؛ بإمكانيات قليلة في بادئ الأمر – فلم يكونوا يصدقوا ذلك! إلى أن أصبح بلدنا اليوم أحد البلدان المهمة في بناء مخازن الحبوب في العالم ببركة جهود أولئك الشباب، هذا هو العمل الجهادي.

لقد تقدّمنا في كل قطاع من القطاعات الصناعية والتقنية والعلمية والتحقيقية التي سلكناها بروحية جهادية[3].

الروحية الجهادية يعني الاعتقاد بـ«نحن قادرون»

ما معنى الروح الجهادية؟ معناها الاعتقاد بأننا قادرون، والعمل الدؤوب وعدم الكلل والملل، والاستفادة من جميع الإمكانات المادية والمعنوية، والاعتماد على الشباب.

فالآن أكثر الذين يعملون في مجال الطاقة النووية التي حيّرت جميع قوى الاستكبارـ هم من الشباب المتدرّبين، فالمئات من الشباب الفتي والمتعلّم، كانوا يديرون هذه العجلة، وقد أوجدوا هذه العزة للبلد، وهذا ما تحقق في المجالات الأخرى.

عليكم أن تعتمدوا على قدرات أصحاب الكفاءات؛ سواء كانوا من الشباب، أو من أصحاب التجربة، فإنَّ الاعتماد على هؤلاء الأشخاص والتوكل على الله تعالى وإخلاص النيّة مع الله، هو أساس العمل[4].

الغفلة عن الروحية الجهادية إحدى نقاط ضعف النظام

إن الغفلة عن روحية الجهاد والتضحية، والغفلة عن الغزو الثقافي للأعداء، والغفلة عن تربص العدو بنا، والغفلة عن نفوذ العدو في وسائل الإعلام، واللامبالاة في المحافظة على بيت المال، تعد جميعها ذنوبا ونقاط ضعف لنا[5].

لا يمكن التقدّم بواسطة الحركة العاديّة؛ لا يمكن أن تُنجَز الأعمال الكبرى بواسطة الحركة العاديّة والرتابة والغفلة والتثاقل أحيانًا وغياب الإحساس بالمسؤولية، المطلوب همّة جهاديّة وتحرّك جهاديّ وإدارة جهاديّة، هذا ضروريّ لهذه الأعمال. على الحركة أن تكون علميّة وفي الوقت نفسه مفعَمَة بالقوّة وأن تتحلّى بالتخطيط الجيّد وكذلك بالروح الجهاديّة[6].

إذا جرى النهوض بهذه المسؤوليات بشكل جدي وبعيداً عن الدوافع والمحفزات الشخصية وبمنأى عن أي شيء سوى خدمة مصالح البلد لكان ذلك أكبر عمل جهادي، هذا هو معنى العمل الجهادي. ينبغي عدم إشراك المحفزات والدوافع المختلفة؛ بل يجب النظر للأولويات[7].

في إطار مؤشر الخدمة؛ هو أن تجعلوا العمل عملاً جهادياً، والجهادي هنا لا يعني العمل غير القانوني. إنكم تعلمون أيها الأعزاء الذين عملنا مع البعض منكم لسنوات طويلة – تعاونّا وتزاملنا مع الكثير منكم أيها الإخوة في مجالات مختلفة – وتعلمون روحيّتي وميولي، إنني لست ممن يدعو إلى تجاوز القوانين؛ بل أنا معارض أشد المعارضة لتجاوز القوانين، ولكنني أعتقد أنه في إطار القانون يمكن العمل بشكلين:

أحدهما: العمل الإداري المقرّر العادي، والثاني العمل الجهادي؛ العمل الجهادي معناه تجاوز العقبات والموانع وتذليلها، وعدم مشاهدة الموانع الصغيرة على أنها كبيرة، وعدم نسيان المبادئ والمطامح، وعدم نسيان الاتجاه، والتشوّق للعمل.. هذا هو العمل الجهادي. يجب القيام بالأعمال على نحو جهادي؛ حتى تتم خدمة الناس بصورة جيدة إن شاء الله[8].

خصائص الحركة الجهادية

ما معنى الجهاد؟ بالطبع لا یعدّ كلّ فعلٍ جهاداً؛ لأنّ الجهاد هو فعلٌ له شروطه الخاصّة:

مواجهة العدو: فمن شروطه أن يعرف الإنسان أنّه يقوم به لمواجهة العدوّ؛ أي القيام به للتصدّي لحركةٍ معاديّةٍ هادفةٍ، فهذا الفعل الذي هدفه التصدّي لحركةٍ معاديّةٍ يعتبر من شروط الجهاد الأساسيّة.

الاستمرار الشامل والفطنة والإخلاص: أمّا الجانب الآخر الذي يجب أن يتّصف به الجهاد فهو تواصله وشموليّته، وكذلك أن يكون ناشئاً من فطنةٍ وإخلاصٍ؛ فهذا هو الجهاد الحقيقيّ. لذا فإنّ الجهاد الاقتصاديّ هو نشاطٌ متواصلٌ وشاملٌ الغايةُ منه تحقيق أهداف الشعب الإيرانيّ بغية إحباط جهود الأعداء ومساعيهم الدنيئة[9].

الميادين المختلفة للجهاد

الجهاد معناه الكفاح من أجل هدف سامٍ مقدس، ولهذا الجهاد سوحه، ومن سوحه التواجد فـي المعارك المسلحة المعروفة فـي العالم، وهنالك الساحة السياسية، وهناك الساحة العلمية، وهناك الساحة الأخلاقية. الملاك فـي صدق الجهاد هو أن يكون لهذا التحرك اتجاهه وأن تبذل الهمم لرفع العقبات التـي تواجهه. هذا هو الكفاح، الجهاد هو هذا الكفاح الذي إنْ كان له اتجاه وهدف إلهي، عندها سيكتسب الطابع القدسي. أنتم تمارسون كفاحاً علمياً؛ ذلك أن عملكم هذا له بكل وضوح أعداء جد ألداء لا يريدون لهذه الحركة العلمية والبحثية أن تتم، لذا أعتقد أن الجهاد الجامعي ليس مجرد مؤسسة، إنما هو ثقافة، إنه اتجاه وحركة. كلما استطعنا إنشاء هذه الثقافة فـي المجتمع أكثر وتكريسها وتعزيزها أكثر، نكون قد تقدمنا نحو الشموخ والعزة والاستقلال الحقيقي[10].


[1].     بيانات سماحته أمام المزارعين والعاملين في الجهاد الزراعي بتاريخ 4-1-2004م

[2].    نفس المصدر

[3].    بيانات سماحته أمام المزارعين بتاريخ 4-1-2006م

[4].    نفس المصدر

[5].    بيانات سماحته أمام مسؤولي الدولة بتاريخ 7-8-2011م

[6].    بيانات سماحته في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم بتاريخ 11-3-2014م

[7].    بيانات سماحته أمام أعضاء مجلس الشورى الإسلامي بتاريخ 25-5-2014م

[8].    بيانات سماحته أمام رئيس الجمهورية ومسؤولي الدولة بتاريخ 28-8-2013م

[9].    بيانات سماحته أمام الجهات الاقتصادية الفاعلة في البلد بتاريخ 17-8-2011م

[10].   بيانات سماحته أمام الهيئات العلمية للجامعات بتاريخ 21-6-2004م

المصدر
كتاب الثوري الأمثل في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟