مواضيع

المواجهة التامة مع نظام السلطة

حينما يكون هناك نظام، وبلد، وشعب ينادي بمثل هذه الأهداف الكبرى التي تبدو في الظاهر وكأنّها بعيدة المنال وهي مقارعة الظلم العالمي، ومجابهة الهيمنة الدولية للقوى الكبرى، والتصدي لنظام الهيمنة، ومناهضة الاستضعاف والاستكبار؛ كليهما معاً فمن الطبيعي أن يكون له أعداء أقوياء وأعداء كبار، وأن تأتي القوى الكبرى إلى ساحته بهدف مواجهته، ولهذا يُفترض به أن يوفّر لذاته الاستعدادات اللازمة لهذا الغرض، ومن أركان هذه الاستعدادات إعداد قوات التعبئة الشعبية[1].

إنما تحدي الثورة الأساسي هو أن الثورة عرضت على البشرية نظاماً جديداً.

لا نقول إن الثورة جاءت منذ اليوم الأول لتخاطب كل البشرية، لا؛ كانت الثورة الإسلامية في «إيران»، وكان لها تركيزها على قضايا إيران، وعلى اجتراح تغييرات أساسية في إيران، لكن لغة هذه الثورة ورسالتها كانت بحيث لا يمكنها بطبيعة الحال أن تبقى محصورة في حدود إيران. ثمة مفهوم عالمي وحقيقة عالمية وحقيقة بشرية حملت رسالتها هذه الثورة، وكل من يسمع هذه الرسالة في العالم يشعر بالانشداد إليها، فما هي هذه الرسالة؟ لو أردنا أن نعبّر عن هذه الرسالة في شكلها الاجتماعي والإنساني بكلمة واحدة لقلنا إنها مواجهة نظام الهيمنة، هذه هي رسالة الثورة. نظام الهيمنة نظام تقسيم العالم إلى ظالم ومظلوم، ومنطق الثورة وهو منطق الإسلام يقول <لا تَظلِمونَ وَلا تُظلَمونَ>[2].. يجب أن لا تظلموا أحداً ولا تسمحوا لأحد بظلمكم، ومن في كل هذه البشرية والإنسانية على اتساعها لا تروقه هذه الرسالة ولا ينشدّ إليها؟ لا تظلِم ولا تُظلَم. هذا على الضد تماماً من النظام السائد في العالم ما بعد ظهور الحضارة الصناعية الجديدة وشياع الأدوات الصناعية، وتبعاً لها انتشار ثقافة الهيمنة في العالم، وكل مؤسسة وجهاز في العالم تابع لنظام الهيمنة يعارض هذه الرسالة، الذين هم أنفسهم من أرباب الهيمنة – وأعني بهم الدول المتجبّرة والشبكات الاقتصادية المصّاصة للثروات الوطنية وخيرات الشعوب – يعارضون هذه الرسالة؛ لأنهم يمارسون الظلم. الحكومات التابعة التي تحكم الشعوب الفقيرة أو الثرية وتتبع نظام الهيمنة، لا قدرة ولا هيمنة لها من نفسها، لكنها تتبع المهيمنين وتسير على خطاهم، فتعارض بدورها هذه الرسالة[3].

الأكثرية الساحقة من شعب إيران هم تعبويون في حقيقتهم، وهذا هو سبب استعصاء نظام الجمهورية الإسلامية على الهزيمة، ولكن ينبغي على الجميع أن يكونوا واعين يقظين مفتّحي العيون، فالامتحانات موجودة دائماً ويمرّ بها الجميع، ويتعيّن على المسيرة ألا تصاب بالفتور، كما يتوجب ألا يكون الاتجاه خاطئاً، يجب أن يكون الاتجاه صوب مقارعة الاستكبار ومجابهته.

نحن وشعبنا عندما نذكر اسم أمريكا فلأن قضية أمريكا هي قضية الاستكبار، فأمريكا حكومة مستكبرة، وأسلوب أمريكا أسلوب استكباري. ليست لدينا أية مشكلة مع أمريكا كمنطقة جغرافية أو كشعب أو كجماعة إنسانية، فهي كسائر البلدان، لكن مشكلتنا مع أمريكا هي مشكلة الاستكبار الأمريكي، إنهم مستكبرون ومتكبرون ويتحدثون بمنطق القوة وجشعون[4].

من البديهي أننا حينما نتحدث عن المواجهة، فمعنى ذلك أننا نقف هذا الموقف المقتدر النابع من الإيمان، ولا نستسلم لأحد، وليس المراد من ذلك أننا نُحشّد الجيوش متجهين لمحاربة أمريكا! فليس هذا واجبنا ولا هدفنا، إلاّ أنّ أي معتدٍ إذا بغى علينا – أياً كان ذلك المعتدي – اعتباراً من أمريكا وانتهاءً بأذنابها وأدواتها وبدائلها في أي مكان من العالم، ستلقى ضربة موجعة من هذا الشعب، وهذا أمر لاشكّ فيه.

إنّ الأمر الأساسي بالنسبة لهذا الشعب هو الصمود والمقاومة والمجابهة الحقيقية التي تُرضي اللّه، وتسر القلب المقدّس لولي العصر (عج)، وتقوّي لديكم حالة انتظاره، وتبعث البهجة في روح الإمام المباركة، وتصيب العدو بالخيبة[5].

قبل عدّة سنوات وفي عهد الإمام الراحل، صرّح أحد الوزراء في حكومة الرئيس الأمريكي آنذاك علانية وعلى مسامع مراسلي الأجهزة الإعلامية إننا يجب أن نقتلع الشعب الإيراني من جذوره، لاحظوا مدى سذاجة هذا الكلام.

لقد أُذيع كلامه هذا يومذاك في كل أرجاء العالم، إذاً؛ فقضيتهم مع الشعب الإيراني وليست مع الحكومة الإيرانية فقط.

من البديهي أنّ شعبنا وعداد نفوسه أربعون أو خمسون مليوناً في ذلك الوقت لا يمكن اجتثاثه من الجذور والقضاء عليه بأجمعه، ومعنى كلامهم هذا هو تجريد الشعب من كل جذوره؛ من خلال سلبه ثقافته، وتقويض العوامل التي تدعوه للمقاومة والصمود.

سياسة أمريكا كمظهر للاستكبار في قبال الجمهورية الإسلامية واضحة وشفّافة[6].

السعي لإصلاح أمور الدولة أكبر مواجهةٍ مع أمريكا

لقد أتُخذ الثالث عشر من آبان يوماً لمقارعة الاستكبار، ولكن اعلموا يا أعزائي: إنّ كل يوم بالنسبة للشعب الإيراني هو يوم لمقارعة الاستكبار، وفي كل مكان خندق لمقارعة الاستكبار، حتى إنّ قاعة الدرس خندق، والمصنع خندق أيضاً، والمزرعة خندق، والعمل الحكومي والعلمي والتحقيقي خندق.

وكل من يؤدي عملاً من أجل تقدّم هذا البلد واستقلاله، يوجّه ضربة لأمريكا ولكل دعاة منطق القوّة.

لقد وعد اللّه السائرين على طريقه بالعون، وقد منَّ علينا حتى اليوم بما وعد به، وهو ما نشهده اليوم وسنشهده في المستقبل[7].

وإنّ أعظم جهادٍ ضد أمريكا في الوقت الراهن يتمثّل في العمل والجدّ والجهاد لإصلاح أوضاع البلاد، والأمريكيون لا يريدون ذلك، وعلى مسؤولي الحكومة ومختلف المرافق العمل والجد الحقيقي لتوفير فرص العمل ومكافحة الفساد، وحل الأوضاع المعاشية للشعب وإنعاش اقتصاد البلاد. ومن جاهد وعمل في هذه المجالات إنما يخوض أعظم جهاد ضد أمريكا؛ لأن الأمريكان لا يريدون لمعضلات هذا البلد وهذا الشعب الحلّ؛ بل يريدون البقاء للمشاكل.

على مسؤولي الحكومة اغتنام فرصة العمل، وهذه هي الفرصة الحقيقية، وإنّ تحصين البلاد إزاء التهديد الأمريكي يتمثّل في أن يعمل مسؤولو الحكومة بما في وسعهم وبكل صدقٍ من أجل الشعب، ويغتنمون هذه الفرصة[8].

ليحذر شبابنا الأعزاء المسار الثقافي الذي يسعون لإطلاقه بما يعنيه من تغذية لروح اللاأُبالية والتحلل والانجراف نحو الإباحية والاستهتار بالأخلاق الإسلامية المنضبطة، فعلى شبابنا ومسؤولينا في القطاع العلمي والتربية والتعليم وفي شؤون الشباب إلتزام الحيطة في هذه الميادين، فهي اليوم مواطن مقارعة أمريكا، فمكافحة أمريكا تصدق في ميدان العلم أيضاً.

إنهم – الأمريكان – منـزعجون للتطور العلمي الذي نحققه، ومنـزعجون للتطور الاقتصادي لشعبنا، ومنـزعجون لمقدرة الحكومة على تقديم الخدمة لأبناء الشعب وعلاج مشاكلهم، وإنّ كلّ من يساهم في إبقاء حالة التخلّف يكون قد عمل لصالح أمريكا، وكل من يساهم في عدم تمكّن الدولة سواء في السلطة التنفيذية أو القضائية أو التشريعية من تقديم الخدمات الضرورية يكون قد عمل لصالح أمريكا وقدم خدمة لها، وكل من يروّج أفكار الأمريكان وآرائهم عبر الجرائد والمنابر يكون قد عمل لصالح أمريكا.

إنّ إحدى ممارساتهم تتمثّل في بثّ الإشاعات وإلصاق التّهم، وهو ذات الفعل الذي كانوا يمارسونه في عهد أمير المؤمنين (ع)، ففي كل يوم كانت تثار إشاعة وتهمة وحرب نفسية، فكل من يساهم في تصعيد أجواء الاتهامات داخل البلاد والحرب النفسية ضد النظام ويعززها، فهو عميل لأمريكا ويعمل لها؛ سواء تلقّى الأموال من أمريكا، أو كان خادماً مجانياً ومدفوعاً من قِبَلها.

فمقارعة أمريكا اليوم عبارة عن المقاومة بوجه هذا المسار السياسي والثقافي، فعلى الجميع الحذر، وعلى الذين لا تدفعهم النوايا السيئة الحذر؛ لئلا يتفوّهوا بما يصبّ باتجاه المآرب الأمريكية وبما فيه معاداة الشعب والبلاد، بسبب دافع أو عاطفة عابرة، وليعرفوا الكيفية التي يستقوي فيها العدو، والمنافذ التي تنطلق منها أياديه وأرجله للعمل ضد هذا الشعب، وإنّ شعبنا واعٍ والحمد لله[9].


[1].     بيانات سماحته أمام قوات تعبئة منطقة كرمانشاه بتاريخ 14-10-2011م

[2].    البقرة: 279

[3].    بيانات سماحته أمام قادة حرس الثورة الإسلامية بتاريخ 17-9-2013م

[4].    بيانات سماحته أمام قادة قوات التعبئة بتاريخ 27-11-2014م

[5].    بيانات سماحته في يوم مقارعة الاستكبار العالمي بتاريخ 30-10-1996م

[6].    بيانات سماحته أمام أقشار مختلفة من الشعب بتاريخ 5-11-1997م

[7].    نفس المصدر

[8].    بيانات سماحته أمام المسؤولين عن صلاة الجمعة في كل البلد بتاريخ 27-7-2002م

[9].    خطبة الجمعة بتاريخ 14-11-2003م

المصدر
كتاب الثوري الأمثل في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟