مواضيع

الاعتقاد بشعار «نحن قادرون»

من المظاهر الأخرى لعقلانية الإمام بثه روح الثقة بالنفس والاعتماد على الذات في الشعب. طوال الأعوام والسنين ومنذ بداية هيمنة الغربيين ودخولهم إلى هذا البلد – أي منذ أوائل القرن التاسع عشر للميلاد بدأ‌ الغربيون يتدخلون في إيران – كانوا دائماً يهينون الشعب الإيراني وينكلون به بواسطة عملائهم وأعوانهم وبتحليلات شتى. كانوا يذلون الشعب الإيراني، ويوحون إليه الاعتقاد بأنه لا يستطيع، وهو عاجز عن اتخاذ خطوات تقدمية علمية، وليست لديه المقدرة على العمل والوقوف على قدميه. ساسة النظام البهلوي ومن كانوا قبلهم دأبوا على إهانة الشعب الإيراني، كانوا يوحون بأنه لو أمكن التطور ولو أمكن القيام بعمل كبير فيجب أن يقوم به الغربيون، والشعب الإيراني غير قادر على ذلك. وقد بث الإمام الجليل روح الثقة بالذات في مثل هذا الشعب، وكان ذلك بداية تحوّل الشعب الإيراني، ومظاهر تقدمنا في الميادين العلمية وفي المجالات الصناعية وعلى مختلف أصعدة الحياة ترجع إلى هذه الثقة بالذات. شبابنا الإيراني وأصحاب الصناعة الإيرانيون والعلماء الإيرانيون والساسة الإيرانيون والمبلغون الإيرانيون يشعرون اليوم بالاقتدار. الإمام العظيم هو الذي كرّس شعار «نحن قادرون» في أعماق روح هذا الشعب، هذا من المظاهر المهمة لعقلانية‌ الإمام الجليل[1].

الشعار الذي رفعه إمامنا الخميني الجليل؛ أي شعار «نحن قادرون» هو شعار واقعي وليس مجرد شعار لفظي. هذا هو الحال حقاً. الأعمال التي كانت بالنسبة لبلادنا – من وجهة نظر بعض الخواص والمدراء – غير ممكنة تحصل اليوم بسهولة وانسيابية في مجموعتكم هذه.

لا أنسى في الأعوام الأولى من عقد الستينيات [الثمانينيات من القرن العشرين للميلاد] حينما كنت رئيساً للجمهورية، في منطقة من البلاد لا أروم ذكر اسمها، كان لدينا محطة طاقة غازية نصف منتهية، وكنا نصرّ ونقول لهم إننا يجب أن ننهي هذه المحطة بأنفسنا، وجاءني بعض المسؤولين – والبعض منهم على قيد الحياة وبعضهم انتقل إلى رحمة الله وفارق الحياة – وقالوا: يا سيدي، هذا غير ممكن، لا تجهدوا أنفسكم عبثاً، ولا تبذلوا مساعي عبثية، جاءوا ليثبتوا لي ويقنعوني بأننا لا نستطيع، ويجب أن نطلب من تلك الشركة الصانعة أو شركة أخرى في العالم أن تأتي، وكان ذلك في بحبوحة الحرب، وفترة الحرب كانت فترة ضغوط كثيرة وحظر عسير.واليوم استطعتم أنتم شباب هذا البلد والناشطون فيه ومدراؤه الجهاديون الأعزاء أن ترفعوا أنفسكم إلى مرتبة عليا في إنشاء محطات الطاقة الغازية – المرتبة السادسة في العالم – هناك شركة في أمريكا وشركة في ألمانيا وشركة في فرنسا وشركة في إيطاليا وشركة في اليابان، وأنتم تحتلون المرتبة السادسة في العالم، وأنتم تصنعون محطة طاقة غازية.. هذا شيء مهم جداً. في تلك الأعوام كانوا يقولون لنا إن هذا غير ممكن، ولكن بفضل المثابرة والهمّة والتوكّل على الله تعالى، وبتشجيع الطاقات الموهوبة، وبالعزيمة الراسخة التي أبداها المدراء الإيرانيون، حصل هذا الشيء. أريد أن أقول: يا أعزائي.. هذا المستوى الذي أنتم فيه اليوم ضاعفوه عشرة أضعاف، فهذا الشيء أيضاً قابل للتحقيق والحصول، وسوف يحصل. بعض الأشياء لا تستطيع الهمم الدانية والنظرة القاصرة أن تدركها وتفهمها؛ لأنها لا تعرف طبيعة الإنسان، ولأنها لا تفهم المعونة الإلهية، ولا تدرك قدر وقيمة العزيمة الراسخة، وتنكر مواهبنا الداخلية الذاتية، وهذه بدورها من البلايا التي نزلت بشعب إيران. سنوات طويلة من الهيمنة الثقافية والسياسية والاقتصادية للأجانب على هذا البلد، رسّخت في الأدمغة فكرة أن الإيراني لا قدرة لديه، لاحظوا أية خيانة كبرى! الموهبة الإيرانية أعلى من المتوسط العالمي، الشاب الإيراني والموهبة الإيرانية تحتل درجات عالية في سلّم المواهب البشرية في العالم، وإذا بهم يتظاهرون بأنه لا توجد هنا مواهب. هذا ما يتعلق بقبل الثورة وقد بقي للأسف إلى سنوات بعد انتصار الثورة، فقد كان هناك أفراد تجذرت هذه الأفكار الخاطئة في أذهانهم.

ولأروي لكم أيها الأعزاء – الإخوة والأخوات – هذه الذكرى فأقول: جاءني شخص ليثبت أننا يجب ألا نتابع مشاريع الطرق والطرق السريعة التي نريد إنشاءها، كان يقول إننا ليس لدينا مدير مشاريع.. ليس لدينا مدراء.. وكان يسوق الأمثلة، الأشياء التي تجعل الشعب متخلفاً هو هذه الأفكار[2].

التصوّر الذي يراود البعض: بعدم وجود إمكانية للعمل والتقدّم وحل المعضلات؛ إنما ذلك ناجم عن الخطأ في الرؤية وضعف في النفوس، فإننا نمتلك القدرة على فتح كافة الطرق المسدودة بالإدارة الغيورة الكفوءة، وبالشعور بالمسؤولية واستثمار الإبداعات والمواهب الإنسانية، فلا ينقصنا شيء في هذا المجال.

ولقد قلت مراراً: إننا وحيث وقَفَت على رأس العمل إدارات ملتزمة مؤمنة حريصة تتميّز بنضجها العقلي والدراية والإيمان والالتزام قبال الشعب والنظام الإسلامي كان النجاح حليفنا.

أجيلوا أنظاركم في أرجاء بلدنا فلقد بلغنا المستوى المنشود على صعيد أكثر الصناعات تعقيداً؛ مما لم يكن يدور في خلد أرباب الصناعة في البلاد في يوم من الأيام، وذلك نتيجة لتوفّر الإدارة الكفوءة، وكثير من الأجانب والأعداء والمنافسين ليسوا على استعداد للإذعان بهذه الحقيقة، لكنهم سيعترفون في خاتمة المطاف؛ لأنهم سيرون آثارها هنا وهناك.

أين وصلنا في قطاع التصنيع العسكري؟ فلقد كنّا خلال فترة الحرب نعاني مشكلة فـي إنتاج أبسط الأعتدة، غـير أنّ كثيراً من الأجهزة المتطوّرة جداً – والتي تفتقر لها الكثير من الدول التي لها قصب السبق علينا في التصنيع – تصنع اليوم على أيدي شبابنا الملتزم والمسؤولين الغيارى في الحقول العسكرية؛ فالقابلية على التصنيع ليست خاضعة للتقييد، وإذا ما توفّرت القابلية والموهبة في مكان ما فهي مما يمكن تعميمه على القطاع الصناعي بأسره.

وهكذا الحال بالنسبة للقطاعات الإنتاجية، فنحن قد شيدنا عشرات السدود فـي البلاد، ولا زلت أتذكّر أنّ الماء أخذ يتسرّب من أحد السدود في الأيام الأولى لانتصار الثورة، فقال البعض يومها: لنستدعِ المهندسين أنفسهم الذين قاموا ببناء السد – وهم من مواطني إحدى الدول الأوربية – ليعالجوا تسرّب المياه من هذا السد.

بَيْدَ أنّ شبابنا المؤمن الملتزم ومسؤولينا الغيارى قاموا بتشييد عشرات السدود في غضون هذه السنوات القليلة، فأضخم سد في المنطقة وهو سد «كرخة»[3] قام بتشييده أبناء حرس الثورة الإسلامية، وقبل أربع أو خمس سنوات وعندما كانوا يعملون في بناء السد قمتُ بزيارة لموقع العمل فبصرت وعلى بعد عدة كيلومترات عبارة أطلقها الإمام كتبت على قمة جبل يقابل السد وبخط عريض، والعبارة هي: «نحن قادرون».

أجل، فنحن قادرون، ويجب أن يتصدّى لزمام العمل المدراء الغيارى الملتزمون، سواء في القطاع التجاري أو سائر القطاعات الخدمية أو في حقل التصنيع والمعادن أو في الحقل الزراعي[4].

تعزيز الثّقة بالنّفس الوطنيّة، هذه الثّقة موجودةٌ في كلّ مكانٍ، لقد رأينا أخيراً أمثلةً في مجال العلوم التّجريبيّة، على سبيل المثال؛ كالتّكنولوجيا النّوويّة، إنتاج الخلايا الجذعيّة، والعمل الجيّد الّذي تمّ القيام به في مختلف المجالات، ولا أريد كشفها أو التّحدّث عنها مسبقًا؛ وهي أيضاً مفيدةٌ لتطوّر المعرفة البشريّة. بالطّبع؛ هذا ليس سوى جزءا من العمل، ولا يقتصر استقلال الثّقة بالنفس على الأشياء الّتي يمكننا القيام بها؛ يمكننا بناء محطّة طاقةٍ، ويمكننا بدء أعمالٍ كبيرةٍ ومشاريع كبيرةٍ بدون مساعدةٍ أجنبيّةٍ، لكن يجب أن نثق أيضاً في السّياسة والفلسفة والمبادرات الشّعبيّة والقيم الأخلاقيّة. اُنظروا! يقوم الآخرون بحركاتٍ حمقاء مثل مصارعة الثّيران في شوارعهم، أو إزهاق الأرواح، أو السّخرية من أنفسهم؛ لكنّهم فخورون أيضاً بأنّ هذا هو تقليدهم الوطنيّ! العمل خاطئ، لكنّ الثّقة بالنّفس جيّدة. إنّهم لا يخجلون[5].

عزة الشعب ليس كلام فقط، بل عليه العمل في جميع أصعدة الحياة[6].


[1].     بيانات سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2011م

[2].    بيانات سماحته في يوم العمّال بتاريخ 30-4-2014م

[3].    سد الكرخة: يقع على نهر الكرخة في مدينة الصالحية في إقليم خوزستان بارتفاع 127 متراً، ومخزونه المائي 7300 مليون متر مكعب و934 غيغا واط من الكهرباء.

[4].    بيانات سماحته أمام أقشار مختلفة من الشعب بتاريخ 1-7-2001م

[5].    بيانات سماحته أمام مسؤولي الجمهورية الإسلامية بتاريخ 19-6-2006م

[6].    بيانات سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 6-4-2009م

المصدر
كتاب الثوري الأمثل في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟