معرفة خط الإمام الخميني
أبعاد خط الإمام قدس سره ومنهجه الحكومي
طريق الإمام؛ يعني سير وسلوك إمام الأمّة وحكمه، هذا هو الشّيء الذي يفسّر نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. يمكن تحقيق الجمهوريّة الإسلاميّة من خلال اتّجاهاتٍ مختلفةٍ، وممّا يقرّب هذه التّوجّهات من الحقيقة ويدفع الإمام قدّس سرّه لقبولها والإيمان بها هو[1]:
الأوّل: مقاومة سلطة وتأثير القوى الأجنبيّة وعدم المساومة مع هذه القوى. هذه هي الخاصّيّة الأولى لحركة إمامنا العظيم.
الثّاني: السّعي الدّائم وراء التّعبّد والعمل الفرديّ ومقاومة شيطان النّفس والوساوس الشّيطانيّة. لم يفصل الإمام بين هاتين المسألتين الكبيرتين وبين ساحتي القتال، وفي ساحة المجتمع والسّياسة وقف ضدّ الشيطان الأكبر وشياطين القوّة. في مشهد النّفس البشريّة وجوهر الإنسان حارب الإمام نفسه وأصرّ على العبادة والممارسة الإسلاميّة الفرديّة والشّخصيّة.
الثّالث: أهمّيّة الاعتراف بقدرة الشّعوب و«مبادئها»، تحدّث الإمام قدّس سرّه إلى الأمم وأعرب عن اعتقاده بأنّ التّغييرات الكبرى في العالم، إذا نفّذتها الأمم والشّعوب، لا يمكن هزيمتها، وأنّ الأمم يُمكن أن تحدث فرقاً في العالم وتغيّر بيئاتها.
الرّابع: الإصرار على وحدة المسلمين ومحاربة الاستكبار السّاعي إلى التّفرقة.
الخامس: الإصرار على إقامة علاقات صداقةٍ سليمةٍ مع الحكومات باستثناء بعض الموارد، بحيث كان لكلٍّ منها حجّةً قويّةً وراء ذلك. علّمنا الإمام قدّس سرّه أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة يمكنها وينبغي لها أن تتمتّع بعلاقاتٍ صحّيةٍ مع الحكومات في جميع أنحاء العالم. بالطّبع؛ العلاقة مع الولايات المتّحدة مرفوضة؛ لأنّ الولايات المتّحدة دولةٌ متغطرسةٌ ومعتديةٌ وظالمةٌ وهي في حالة حربٍ مع الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة. كما تمّ رفض الاتّصال بالكيان الصّهيونيّ، وكذلك الارتباط بالنّظام العنصريّ في جنوب أفريقيا[2]. لكنّ العلاقة مع الحكومات الأخرى تعتمد على مصالح الجمهوريّة الإسلاميّة والمبدأ هو إقامة التّواصل.
السّادس: الإصرار على كسر حاجز التّحجّر والانتقائيّة في فهم وممارسة الإسلام والالتزام بالإسلام المحمّديّ الأصيل. تمّ رفض كلٍّ من التّحجّر من وجهة نظر الإمام قدّس سرّه – في القول والفعل – وكذلك الانتقائيّة.
السّابع: إعطاء دورٍ محوريٍّ لإنقاذ المحرومين وتحقيق العدالة الاجتماعيّة. في نظر الإمام قدّس سرّه، كان النّاس دائماً هم «الأصل». في منطق وخطّ حكم إمام الأمّة، كان المحرومون والمضطهدون مركز اتّخاذ القرار، وتركّزت جميع الأنشطة الاقتصاديّة وغيرها على إنقاذ المحرومين من الحرمان.
الثّامن: تمّ إيلاء اهتمامٍ خاصٍّ للنّضال ضدّ كيان الاحتلال في القدس وضدّ الكيان الصّهيونيّ المغتصب. كان للنّضال ضدّ إسرائيل مكانةً خاصةً في منطق الإمام وفي طريقة الحكم لديه. من الأمور الّتي كان يرى إمام الأمّة أنّه لا يمكن تجاهلها بأيّ حالٍ من الأحوال بالنّسبة للأمم المسلمة هي النّضال ضدّ الصّهاينة؛ لأنّ الإمام العظيم أدرك بشكلٍ صحيحٍ الدّور المدمّر والتّخريبيّ لهذا الكيان المفروض منذ سنواتٍ قبل انتصار الثّورة.
التّاسع: الحفاظ على الوحدة الوطنيّة، وتحقيق الوحدة بين الأمّة الإيرانيّة، والإصرار على مواجهة ومحاربة أيّ شعارٍ مُسبّبٍ للانقسام.
العاشر: المحافظة على حكومة الشعب وإيجاد رابطٍ مع النّاس والحفاظ على العلاقات معهم، لذلك كان الإمام قدّس سرّه يأمر المسؤولين بـأن «لا تفترقوا عن النّاس، كونوا مع النّاس، البسوا ثوب النّاس وفكّروا بهم»؛ باختصار؛ قام الإمام قدس سره بإقامة العلاقة نيابةً عن السّلطات، وفي المقابل أمر النّاس بالمثل تجاه السّلطات والحكومات؛ أيّ أنّ الإمام واجه أضعف أجهزة النّظام والحكومة بطريقةٍ ما.
الحادي عشر: الإصرار على بناء الوطن وتقديم نموذجٍ عمليٍّ للبلاد والمجتمع الإسلاميّ للعالم والّذي كان له في الأشهر الأخيرة من حياة الإمام المباركة مكانةً هامّةً. كما أصرّ الإمام الخمينيّ على إعادة بناء البلاد اقتصاديّاً، من حيث البُنية التّحتيّة، ومن حيث الدّخل، وأن يتمّ تقديم مثالٍ ملموسٍ وعمليٍّ للبناء الإسلاميّ للنّاس.
هذه هي الأشياء الّتي أعتقد أنّها كانت النّقاط الرّئيسيّة في رؤية الإمام قدّس سرّه وسلوكه العمليّ والحكوميّ. ومع ذلك؛ ربّما خفِيَت بعض الحالات عن نظري أو غفلت عنها.
طريق نجاة الأمة هو من خلال استمرارية خط الإمام
تعتبر الأمّة أنّ طريقها في الخلاص يكون عبر الاستمرار في طريق الإمام الخمينيّ قدس سره، لقد أدركت الأمّة الإيرانيّة الخطر بشكلٍ صحيحٍ. بالنّسبة لأمّتنا وثورتنا، فإنّ الخطر الأكبر هو خطر نفوذ الغطرسة والقوى العالميّة، وعلى وجه الخصوص، خطر نفوذ القوّة العظمى الأمريكيّة الجامحة. إنّ أمّتنا تفهّم وتعرف جيّداً أنّ الاستكبار قد نصب كميناً بحيث عندما يغيب الإمام عن النّاس يتمكّنون من استهداف هذه القلعة العظيمة الّتي لم يعد لها حارسٌ ووصيٌّ عظيمٌ مثل الإمام قدّس سرّه. لقد جعلت أمّتنا هذه الرّغبةَ حسرةً في قلب الغطرسة العالميّة وأمريكا وإن شاء الله ستتركها دائماً كذلك.
… لكن دعونا ننظر إلى المستقبل، ما هو مسار الأمّة الإيرانيّة في المستقبل؟ باختصار؛ يجب أن نقول إنّ طريق الأمّة الإيرانيّة في المستقبل هو طريق الإمام والثّورة ومقاومة القوى العظمى والدّفاع عن المظلومين والمستضعفين والدّفاع عن الإسلام والقرآن ورفع علم الإسلام والقرآن في جميع أنحاء العالم.
أجزاء خط الإمام في وصية الإمام
حسناً؛ فنهج الإمام له أجزاء، وأهم ما يمكن أن يقال بشأن نهج الإمام وطريقه هو عدة نقاط أعرضها لكم، وخاصة أقول للشباب: اذهبوا واقرؤوا وصية الإمام، هذا الإمام الذي زلزل العالم، هذا الإمام متجسد في هذه الوصية، وفي هذه الآثار والأقوال.
الإسلام المحمدي الأصيل
إنّ أساس النقاط وأولى مبادئ الإمام وآرائه هي الإسلام المحمدي الأصيل.
العقيدة: معيار جذب ودفع الإمام
والمعيار الآخر في برنامج الإمام ونهجه وطريقه المستقيم هو ما يتعلق بقضية جاذبة الإمام ودافعته… إن أساس المبنى والمعيار لجاذبة الإمام ودافعته هو الإسلام.
الحسابات المعنوية في اتخاذ القرار ومراعاة التقوى
ومعيارٌ آخر في سلوك الإمام ونهجه والذي يُعد مهماً جداً هو قضية الحسابات المعنوية والإلهية، فالإمام كان يضع الحسابات المعنوية من الأولويات في اتخاذ القرارات والتدابير.
دور الشعب
ومن المناهج الأساسية لخط الإمام: دور الشعب؛ سواء في الانتخابات التي قام الإمام بحركة عظيمة حقيقةً في هذا المجال، أو في غير الانتخابات من القضايا الاجتماعية المختلفة، فلم يسبق في أي ثورةٍ من الثورات المختلفة حيث إن النصف الأول من القرن العشرين كان عصر الثورات المختلفة؛ وقد اندلعت في الشرق والغرب ثورات متعددة وبأشكال مختلفة أنه بعد شهرين من انتصار الثورة قيام استفتاءٍ عام من أجل اختيار أسلوب للحكومة والنظام؛ ولكن الذي حدث في إيران هو باهتمام الإمام. ولم تمرّ على الثورة سنة إلاّ وقد دُوّن وصُوّب الدستور، ففي الأشهر الأولى التي لم يدُوّن فيها الدستور وقد حدث فيه تأخير، أتذكر أن الإمام قد استدعانا، فذهبنا إلى قم حيث كان في تلك الفترة في مدينة قم قال لنا بامتعاض: عليكم أن تدوّنوا الدستور في وقت أسرع. حينها جرت انتخابات مجلس الخبراء، وانتخب الشعب الخبراء من أجل تدوين الدستور؛ وبعد أن دُوّن الدستور جُعل في معرض الرأي العام، جرى الاستفتاء واختار الشعب الدستور، ومن بعدها جرت انتخابات رئاسة الجمهورية ومجلس الشورى أيضاً. ولم تتعطل الانتخابات في أحلك مراحل الحرب وأشدها حينما كانت طهران تحت القصف؛ وإلى يومنا هذا ولم تؤخّر الانتخابات ليوم واحد في إيران. فأية ديمقراطية تجدونها في العالم؟ لا في الثورات ولا في أية ديمقراطية يجري مثل هذا الأمر وبهذه الدقة وفي الوقت المحدد، حيث يُقبِل الناس على صناديق الاقتراع. هذا هو نهج الإمام.
كذلك في غير قضية الانتخابات أيضاً، فقد كان الإمام يهتم بالشعب كثيراً، وقد أشار الإمام إلى دور الشعب بشكل جلي، وكان يصرح بذلك أحيانا، وكان يقول لمرات عديدة: لو لم يقم المسؤولون بواجبهم فإن الشعب سوف يتدخل ويقوم بذلك.
عالمية النهضة
والأمر الآخر من الأمور البارزة في نهج الإمام كون هذه النهضة نهضة عالمية[3].
المعيار: حال الأفراد
النقطةٌ الأساسية الأخرى في خط الإمام ونهجه هي أن الإمام قال مراراً أن حكمنا فيما يتعلق بالأشخاص ينبغي أن يكون بمعيار حالهم في الزمن الحاضر[4].
المعالم الأساسية لنهج الإمام
كُنّا قد أعلنّا من بعد رحيل الإمام أننا سنواصل السير على نهجه، ولم يكن الباعث على مثل هذا القرار هو التقليد، وإنّما انطلاقاً من وعي وتجربة؛ لأن نهج الإمام هو النهج الأمثل لإنقاذ هذا البلد، سواء في بداية الثورة أم في عهد الإمام القائد أم في الوقت الحاضر.
ولكن ما هو نهج الإمام الذي نتحدّث عنه؟ وما هو المراد من نهج الإمام؟
أستعرض فيما يلي بعض المعالم المهمّة من مجموع ما نسميّه بنهج الإمام الخميني؛ فقد كانت هناك عدّة أمور لها الأولوية في رأي الإمام.
حاكمية الإسلام
هناك الإسلام كدين؛ حيث لم يكن هناك في فكر الإمام أيّة مُثُل أسمى ولا أعلى من الإسلام، ولم تكن نهضته وثورته إلاّ من أجل تحكيم الإسلام.
ثم إنّ الشعب الذي فجّر هذه الثورة، وتقبّل هذا النظام، وارتضى بهذا الإمام إنّما كانت غايته الإسلام؛ ويكمن سرّ نجاح الإمام في أنه حمل الإسلام على يده، وأعلن صراحة وبلا تستّر: أنه يريد العمل من أجل الإسلام، والنظر إلى كل شيء من خلال الرؤية الإسلامية.
الاستناد إلى الشعب
الموضوع الثاني الذي يمكن التحدّث عنه في هذا المجال هو الاستناد إلى الشعب، وكما أشرت سابقاً، لا يحق لأحد في ظل النظام الإسلامي أن يتنكّر للجماهير ولرأي الجماهير ولإرادة الجماهير.
العدالة الاجتماعية
الموضوع الثالث هو أنّ من جملة المعالم البارزة لنهج الإمام هي العدالة الاجتماعية، وتقديم العون للطبقات المستضعفة والمحرومة، التي وصفها الإمام: بأنها هي صاحبة الحق في الثورة وفي البلد، إذ كان يرى أنّ الحفاة هم العنصر الأساس في الانتصارات التي أحرزها هذا الشعب، وكما ذكرنا فإنّ الإمام لم يكتف بالكلام وحده، وإنّما بادر منذ بداية الثورة إلى تأسيس جهاد البناء، ولجنة إغاثة الإمام، ومؤسسة المستضعفين، ومؤسسة الخامس عشر من خرداد، ومؤسسة الإسكان، وأصدر أوامر حازمة إلى الحكومة آنذاك حول هذا الموضوع.
فالعدالة الاجتماعية من جملة الأهداف الأصيلة في نهج الإمام الخميني، ولا يمكن إقصاؤها أو جعلها على درجة ثانية من الأهمية.
معرفة العدو
العنصر الآخر في هذا السياق هو: معرفة العدو وعدم الاغترار به؛ فإنّ أول عمل يقوم به العدو هو إشاعة فكرة عدم وجود الأعداء.
الاهتمام بمصير المسلمين
المحور الآخر هو: الاهتمام والحرص على مصير مسلمي العالم؛ فمسلموا العالم هم الحجر الأساس في التفكير الاستراتيجي للنظام الإسلامي، وهناك شعوب في آسيا وأفريقيا وفي منطقتنا تناصر النظام الإسلامي، وهي تعبّر بشكل لم يسبق له مثيل عن اعتزازها وولائها للإمام وللثورة.
وهذه حقيقة لا يوجد لها مثيل إزاء أيّ بلد لا في عالم اليوم ولا في الماضي؛ وهذا كله من أجل الإسلام. كان الإمام يعير اهتماماً فائقاً لمستقبل الإخوة المسلمين.
الاعتلاء العلمي والبنائي
وأخيراً، الاعتلاء العلمي والبنائي للبلد[5].
هدف العدو من تشويه صورة الإمام؛ حذف منهجه
هنا يَدرك المتأمّل سبب محاولات الأعداء تشويه صورة الإمام حتّى يومنا هذا؛ حيث إنّهم يهدفون من وراء ذلك إلى محو مسيرته والمنهج الذي قام برسمه، وإذا بادر مُحبّوه وأتباعه إلى الإشادة به، فإنّهم لا ينطلقون في ذلك من مجرد التعبير عن شكرهم لهذه الحقيقة الوضّاءة للأحبّة؛ بل لأنّهم يريدون الخلود لهذا النهج، وبقاء هذا العَلَم هادياً للذين يَنشدون الخلاص من الضَلال. علينا جميعاً أنْ نفكّر بالإمام على هذه الشاكلة.
لقد سعى جميع أُولئك الذين خالفوا أُسس الإمام ونهج الإسلام، والطريق الذي خطّّه الإمام، إلى أن تَطوي الإمامَ صَفحةُ النِسيان؛ كي يضمحل هذا النهج.
إنّ سعادة بلدنا حالياً تكمن في مواصلة نهج الإمام، وإنّ جميع آمال هذا الشعب إنّما تتحقّق عن طريق خطّ الإمام ونهجه؛ وإنّما أقول ذلك استنادا إلى معادلة دقيقة مدعومة بالشواهد والقرائن المحسوسة.
إنّ الشعب إذا أراد الوقوف حالياً بوجه القوى الاستكبارية الّتي لا تقنع بما هو أقل من ابتلاع الشعوب، وإذا أراد الحِفاظ على هُويته واستقلاله واختيار أُسلوب حياته، فليس أمامه سوى التمسّك بخط الإمام ونهجه، وتطبيق أفكاره وأساليبه على الصعيد العملي والفكري.
ولم يكن مِن منهجه الاستسلام للصياغات الأجنبية، وتَرك زمام المبادرة بِيَد الأعداء؛ ليديروا قواعد اللعبة وفُق هواهم؛ بل إنّ الإمام هو الذي كان يَتحكّم بِرسم هذه القواعد في الواقع، ولذلك كان يُفاجئ الأعداء.
لقد عَمِد الإمام على ضرب المعادلة الاستكبارية المعاصرة في العالم، وهو السبب الذي أثار حفيظة الغرب ودَعاه إلى التواجد في هذه المنطقة، بعدّته وعدده، برغم عدم وجود أيّ خلاف حدودي أو مصالح حكومية معاشيّة، فناهضوا الإمام في حياته وبعد وفاته لأنه وضع يده على الجرح واكتشف مصدر المعاناة[6].
[1]. بيانات سماحته في الذكرى السنوية لرحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-1992
[2]. أثناء هذا الخطاب، كان نظام أبارتايد العنصري الذي يقصل بين السود والبيض في جنوب أفريقيا
[3]. تم التطرق إلى هذه النقطة في العنوان الرابع من هذا الفصل.
[4]. بيانات سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2010م
[5]. بيانات سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-1999م
[6]. بيانات سماحته أمام الأعضاء القائمين على مراسم ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 31-5-2005م