مواضيع

معرفة فوارق الإسلام المحمدي الأصيل من الإسلام الأمريكي

إن الثورة الإسلامية – التي انبثقت الجمهورية الإسلامية عنها – وحدة واحدة لها بعدان: الإسلامية والشعبية.. إنها إسلامية وشعبية في آن واحد، وهي شعبية لأنها إسلامية.. ولأن الإسلام دين المجتمع، فالدين مسؤولية جماعية. ليس الإسلام دين الأفراد واحداً واحداً من حيث هم أفراد منفصلون. هو طبعاً دين الفرد أيضاً بما هو فرد، بيد أن الأفراد بما هم مجتمع مخاطبون أيضاً بخطاب الإسلام، فالإسلام دين شعبي جماعي، إنه دين مسؤولية عامة. إذًا؛ الحالة الشعبية تنبثق عن الحالة الإسلامية نفسها، وهي أيضاً إسلامية، فالله تعالى مَنَّ: <بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإيمَانِ>[1]، مَنَّ الله علينا وهدانا للإيمان.. لقد منَّ الخالق على شعبنا وعلينا إذ هدانا لهذا الدين، لذا فإن جمهورنا يريد الإسلام، وهذا الدين الإلهي منحه الله تعالى لنا وله الحمد على ذلك. إذًا؛ فهي «جمهورية إسلامية» إنها منظومة ومجموعة أو لنقل وحدة واحدة لها أبعاد يجب أخذها بنظر الاعتبار مع بعضها وإلى جانب بعضها. ينبغي حفظ هذا التناسج والحبكة، وأي جانب من هذه الجوانب يجري تضعيفه والمسّ به سيعود الضرر على مجمل المنظومة.

وقضية الولاية تمثل التزاماً بهذه المنظومة.. سواء كانت ولاية المعصومين (ع) أو ولاية الفقيه وهي تتمة لولاية المعصومين.

القضية قضية التزام بهذه المنظومة ومراعاتها وحفظها في البلاد وفي النظام لئلا يحدث فيها انحراف أو مشكلة أو نقص أو تمييز، ولكي تواصل مسيرتها بهذا الشمول وتتقدم إلى الأمام. والإسلام الأصيل المذكور في كلمات الإمام يتعلق بهذا الجانب.. فقد ذكر الإمام الإسلام الأصيل مقابل الإسلام الأمريكي، الإسلام الأمريكي ليس فقط ما ترضاه أمريكا؛ بل أي شيء خارج نطاق هذا الإسلام الأصيل: الإسلام الملكي أيضاً إسلام أمريكي..

والإسلام الانتقائي أيضاً إسلام أمريكي.. الإسلام الرأسمالي كذلك إسلام أمريكي.. والإسلام الاشتراكي أيضاً إسلام أمريكي.. أنواع الإسلام التي تعرض بأشكال وألوان مختلفة ولا تتوفر فيها تلك العناصر الرئيسية كلها على الضد من الإسلام الأصيل، وهي في الحقيقة إسلام أمريكي. يلاحظ الإنسان في هذه المعارضات التي شنت ضد النظام طوال الثلاثين عاماً الماضية حضور ونشاط هذه الأنواع من الإسلام، فقد كان هناك الإسلام الانتقائي، وكان هناك الإسلام الملكي، وكذلك الإسلام الاشتراكي، ومختلف أنواع الإسلام في مواجهة نظام الجمهورية الإسلامية. حسناً؛ في هذه النظرة للإسلام وفي هذا الفهم والوعي للإسلام يؤخذ الفرد والمجتمع كلاهما بنظر الاعتبار، وتؤخذ المعنوية والعدالة إلى جانب بعضهما، والشريعة والعقلانية مع بعضهما، والعاطفة والحسم إلى جوار بعضهما.. هذه العناصر كلها يجب أن تتوفر. الحسم في موضعه والعواطف في موضعها، والشريعة في مكانها والعقلانية – وهي طبعاً ليست خارج نطاق الشريعة – في موضعها.. كلها يجب أن تستثمر وتحضر إلى جانب بعضها، والانحراف عن هذه المنظومة المتينة يفضي إلى الانحراف عن النظام الإسلامي[2].

إنّ أساس النقاط وأولى مبادئ الإمام وآرائه هي الإسلام المحمدي الأصيل؛ أي الإسلام المناهض للظلم، الإسلام المتطلع للعدالة، الإسلام الجهادي، الإسلام المدافع عن المحرومين، الإسلام المدافع عن حقوق البائسين والمضطهدين والمستضعفين. وفي قبال هذا الإسلام أدخل الإمام مصطلح «الإسلام الأمريكي» في ثقافتنا السياسية، الإسلام الأمريكي هو إسلام المجاملات، الإسلام الذي يتخذ موقف اللامبالاة حيال الظلم والأطماع، الإسلام الذي لا يبالي بالعدوان على المظلومين، الإسلام الذي يدعم الجائرين، الإسلام الذي يعين الأقوياء، الإسلام الذي ينسجم مع كل هذه الأمور، هذا الإسلام هو الذي سماه الإمام بـ«الإسلام الأمريكي».

إنّ الهدف الرئيسي الذي كان يتطلع إليه إمامنا العظيم الشأن هو تطبيق الإسلام الأصيل، ولا ينحصر تطبيقه في عصر الجمهورية الإسلامية فقط؛ غاية الأمر لا يمكن تطبيق الإسلام الأصيل إلا بسيادة الإسلام وتشكيل نظام إسلامي، فلو لم يكن النظام السياسي للبلد على أسس الشريعة الإسلامية والفكر الإسلامي، فلا يمكن للإسلام أن يواجه الظالمين في العالم والمستبدين في المجتمع مواجهة حقيقية وواقعية، لهذا كان أوجب الواجبات عند الإمام هو صيانة الجمهورية الإسلامية والدفاع عنها. أقول أوجب الواجبات، لا من أوجب الواجبات. فأوجب الواجبات صيانة الجمهورية الإسلامية؛ لأن صيانة الإسلام بالمعنى الحقيقي للكلمة يعتمد على صيانة النظام السياسي الإسلامي، ولا يمكن ذلك بدون النظام السياسي[3].

كونوا متشائمين من الإسلام الأمريكي والبريطاني إذ أنّه يدفعكم إلى شَرَك الرأسمالية الغربية والروح الاستهلاكية والانحطاط الأخلاقي.

في العقود الماضية كانت النخب وكذلك الحكام يفخرون بمقدار قوة تبعيتهم لفرنسا وبريطانيا وأمريكا أو الاتحاد السوفيتي السابق، وكانوا يفرّون من النموذج الإسلامي، والأمر اليوم على عكس ذلك[4].

محاربة الإسلام بالإسلام

ما يلاحظ في العالم الإسلامي هو أن أعداء الإسلام يحاربون الإسلام باسم الإسلام، وهذا ما عبّر عنه إمامنا الخميني الجليل رضوان الله تعالى عليه بالإسلام الأمريكي في مقابل الإسلام المحمدي الأصيل. الإسلام الأمريكي هو الإسلام الذي يتحالف مع الطاغوت، وينسجم مع الصهيونية، ويعمل لخدمة الأهداف الأمريكية، وظاهره الإسلام، واسمه الإسلام، وقد يؤدّي بعض المراسم الإسلامية، مع أنه حسب ما يسمعه المرء – وليست لدينا معلومات دقيقة جداً – فإن الذين يظهرون باسم الإسلام بشكل جدّ متعصب في بعض البلدان – في العراق مؤخراً وفي أماكن أخرى قبل ذلك – ليسوا ملتزمين بالأحكام والشرائع الدينية والواجبات الدينية الشخصية كما ينبغي، ولكن القدر المتيقن منه هو أن مسيرتهم العامة تتعاكس مع الإسلام مائة وثمانين درجة. لقد اعتبر الإسلام أن مواكبة أعداء الدين وولاية أعداء الدين وولاية المستكبرين من الأمور التي ينبغي للمؤمن اجتنابها: <الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ>[5]، إذا سرتم باسم الإسلام على درب الطاغوت فاعلموا أن هذا الإسلام ليس إسلاماً صحيحاً حقيقياً، وأن هناك خللاً في أمركم، وهكذا هو الحال اليوم. طبعاً؛ بمستطاع المرء أن يشاهد أيدي الأعداء وأصابعهم، وينبغي التيقن من أن الأيدي الخبيثة للأجهزة الأمنية والتجسسية للأنظمة المعادية للإسلام لها دورها – بشكل مباشر أو غير مباشر – في مثل هذه الأمور والأحداث والقلاقل والويلات التي تنزل بالمسلمين، إنهم هم الذين يديرون هذه المشاهد، وهذا ما يمكن للمرء ملاحظته، وهناك علامات ومؤشرات ودلائل واضحة تشير لذلك[6].

الموضوع المهم وذو الأولوية، هو ما ينبغي للناشطين المخلصين في العالم الإسلامي أن يفرقوا بنظرة واعية بين الإسلام المحمدي الأصيل والإسلام الأمريكي، وأن يحذروا ويحذروا من الخلط بين هذا وذاك. لقد اهتم إمامنا الراحل لأول مرّة بالتمييز بين المقولتين، وأدخل ذلك في القاموس السياسي للعالم الإسلامي،فالإسلام الأصيل هو إسلام النقاء والمعنوية، إسلام التقوى والسيادة الشعبية، إسلام أشداء على الكفار رحماء بينهم. وإن الإسلام الأمريكي هو تقمّص العمالة للأجانب ومعاداة الأمة الإسلامية بزي الإسلام!! إن الإسلام الذي يشعل نيران التفرقة بين المسلمين، ويضعُ الثقة بأعداء الله بدلا من الثقة بالوعد الإلهي، ويشن الحرب على الإخوة المسلمين بدلاً من مكافحة الصهيونية والاستكبار، ويتحد مع أمريكا المستكبرة ضد شعبه أو الشعوب الأخرى ليس بإسلام، إنه نفاق خطر مُهلك يجب أن يكافحه كل مسلم صادق[7].


[1].     الحجرات: 18.

[2].    بيانات سماحته أمام أعضاء مجلس الخبراء بتاريخ 24-9-2009م

[3].    بيانات سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2010م

[4].    خطبة صلاة الجمعة بتاريخ 3-2-2012م

[5].    النساء: 76

[6].    بيانات سماحته في محفل الأنس بالقرآن في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك بتاريخ 29-6-2014م

[7].    رسالة إلى حجاج بيت الله الحرام 30-9-2014م

المصدر
كتاب الثوري الأمثل في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟