مواضيع

بطلان أي ولاية غير الله

التوحيد جزءان: الأول الله، الثاني لا إله غير الله، أحدهم إثبات والآخر نفي، مظهر التوحيد هو الحج؛ أي إثبات ولاية الله ونفي ولاية غير الله، هذا هو معنى البراءة[1].

ما قيمة الجهاد الإسلاميّ، الّذي اعتُبر في مئات الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة الإسلاميّة من أسمى الواجبات الدّينيّة، وأنّ تركه هو مصدرٌ للذّلّ والشّقاء في الدّنيا والآخرة؟ وما الهدف من تحقيقه؟ وعن أيّ قيمٍ يدافع؟ هل الحياة الطّيّبة الّتي يجب على المرء أن يسعى إليها هي أن يعيش في ظلّ ولايةٍ لغير الله؟ هل هو الجلوس بذُلٍّ ومراقبة الاستبداد وحكم القيم الفاسدة والاستسلام لها؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، وكان الجهاد لتحقيق حكم الله والخروج من ولاية الطّاغوت إلى ولاية الله، إذًا؛ كيف يمكن التّقليل من دور وقيمة السّياسة في الدّين أو تجاهلها في الأهداف المحدّدة دينيّاً؟

من الواضح أنّ النّغمة القبيحة لفصل الدّين عن السّياسة هي من صنع الأعداء الأشرار الّذين صفعهم الإسلام الحيّ في الميدان، وبهذه الحيلة سعوا إلى تفريغ مشهد الحياة من وجود الدّين والسيطرة على العالم وشؤون النّاس والتحكّم بمصير الإنسان من دون أيّ قلقٍ. ولكن من المرير والمؤسف أنّ بعض النّاس باسم الدّين وبلباس علماء الدّين يردّدون هذا الكلام نفسه ويحاولون التّرويج له. وهذا الصّوت للبعض ممّن ارتدى ثوب الدّين يلتقي مع صوت الأعداء القذرين والخطرين، وإن كان في بعض الأحيان بسبب إهمالهم لأهمّية السّياسة ودورها في مصير الإنسان، وفي حالاتٍ أخرى بسبب الكسل والخوف وحبّ الدّنيا، لكن في بعض الحالات، هو ينشأ من خطورة التّعاون بين هؤلاء الخونة وأحفاد بلعم بن باعوراء مع أرباب القدرة والسّلطة، وهذا ما يجب أن يعتبره المسلمون الخطر الأكبر ويدفعهم لاعتبار هؤلاء «المعمّمين» أقذر من سادتهم السّياسيّين ويلجؤون إلى جهودهم وعلمهم والاستعاذة بالله من شرّهم.

الولاية تعني السّيادة والحكم في المجتمع الإسلاميّ، وهي شيء منفصلٌ بطبيعة الحال عن الولاية والحكم في المجتمعات الأخرى. في الإسلام، سيادة المجتمع تتعلّق بالله تعالى، لا يحقّ لأيّ إنسانٍ تولّي شؤون البشر الآخرين، وهذا حقٌّ خاصٌّ لله عزّ وجلّ الّذي هو خالق الإنسان والعالِم بمصلحة الإنسان والكون ومالك شؤون النّاس بل هو مدبّر شؤون كلّ ذرّات الوجود. هذا الشّعور في حدّ ذاته فريدٌ من نوعه في المجتمع الإسلاميّ. لا توجد قوةٌ، ولا مهارةٌ في المبارزة، ولا ثروةٌ، ولا حتّى قوّة عِلمٍ ولباقةٍ تمنح أيّ شخصٍ الحقّ في التّحكّم بمصير البشر الآخرين واتّخاذ قراراتٍ بشأن مصيرهم؛ هذه قيمٌ لكنّها لا تمنح أيّ شخص الحقّ في تولّي شؤون النّاس. هذا حقٌّ لله، يمارس الله تعالى هذه الولاية والسّيادة عبر قنواتٍ خاصّةٍ؛ أي: أن يكون الحاكم الإسلاميّ ووليّ أمر المسلمين على قاعدة تعيين شخصٍ – كما نعتقد نحن بموضوع أمير المؤمنين والأئمّة (ع) – ويتمّ اختياره على أساس معايير وضوابط، وتُمنح هذه السّلطة لشخصٍ لإدارة شؤون النّاس. مرّة أخرى، هذه القدرة والملك الإلهيّين اللذان يُمارسان على النّاس، هما الولاية، وهما من اختصاص الله، وهما حقٌّ من حقوق الله تعالى. هذا الإنسان – أيّاً كان شخصه وأيا كانت طينته – هو دون الولاية الإلهيّة، ودون قوّة الله، ليس له حقوقٌ على البشر والشّعوب الأخرى، وهذه نقطةٌ مهمّةٌ للغاية وحاسمةٌ في مصير المجتمع الإسلاميّ.

وأمّا من كلّفه الله بهذه الولاية، فعليه أن يحقّق ويظهر مثالاً ضعيفاً، شعاعاً، ظلًا لتلك الولاية الإلهيّة، والمقصود بالولاية الإلهيّة؛ القوّة، الحكمة، العدل والرّحمة. يجب أن يكون الشّخص أو الجسم الّذي يدير شؤون النّاس تعبيراً عن قوة الله، عدالة الله، رحمة الله، وحكمة الله. هذا هو الفرق بين المجتمع الإسلاميّ وجميع المجتمعات الأخرى الّتي تحكم بطرقٍ أخرى. الجهل، الشّهوات المادّيّة، الهوى ، الأذواق الشّخصيّة القائمة على المكاسب والمصالح الفرديّة أو الجماعيّة، لا يحق لأيّ منها التّحكّم في حياة النّاس ومسار شؤونهم. لذلك؛ في المجتمع والنّظام الإسلاميّين، يجب أن تسود العدالة، يجب أن يسود العلم، يجب أن يسود الدّين، يجب أن تسود الرّحمة، ويجب ألّا تسود الأنانيّة، ولا يجب أن تكون الشّهوة هي الحاكم لدى أيّ شخصٍ وفي سلوك وكلام أيّ شخصٍ أو شخصيّةٍ، وهذا هو سرّ عصمة الإمام في شكله النّهائي والأصلي والمطلوب في الإسلام؛ أي ألا توجد إمكانيّة للانتهاك أو التّخلّف، وحيث لا توجد العصمة أو تتوفّر فالدّين والتّقوى والعدل وما شابه ذلك يجب أن يحكم النّاس، وهذا مثالٌ على الولاية الإلهيّة.

لذلك؛ عيد الغدير هو يوم الولاية، وهو يومٌ حاسمٌ في مصير المجتمع الإسلاميّ.

… إذا كان للإسلام، وهو دين الله، ويريد أن يحكم حياة النّاس وفقًا للقيم الإلهيّة، بُعداً دنيويّاً في مسألة الحكومة، فسيعاني ممّا تعاني منه المجتمعات الأخرى، ويتمّ انتزاع النّظام الإسلامي منه بالكامل. يجب أن يكون النّظام الرّوحيّ والإلهيّ إلهيّاً وروحيّاً في تنظيم الإدارة والحكم.

حقيقة أنّ علماء الإسلام وأمّتنا الثّوريّة والمتعاطفين مع المجتمع يعتمدون كثيراً على قضيّة ولاية الفقيه العادل، وقد اعتبرها إمامنا العظيم قدس سره أمراً بالغ الأهمّيّة، هو أنّه إذا أزلنا هذه القضيّة الرّوحيّة من مجتمعنا الإسلاميّ- مثلما كان أولئك الّذين أُغرموا بالأساليب الغربيّة والقيم الغربيّة وجعلوها المبدأ بالنّسبة لهم، في السنوات الأولى، أرادوا أن يتصرّفوا بنفس الطّريقة الّتي يتصرّف بها الغرب في حكم المجتمع الإسلاميّ – وهذا ما سيحصل إذا ارتكبنا خطأ نسيان المعيار الإسلاميّ في حكم المجتمع ونظامه وذهبنا إلى نفس أشكال الحكم الشّائعة في العالم، عندها سوف يضيع معنى مجتمعنا الإسلاميّ؛ هذه نقطةٌ جوهريّةٌ. ربّما قلنا وسمعنا وردّدنا هذا الحديث عدّة مرّات: لَأُعَذِّبَنَّ كلَّ رَعِیَّةٍ فِي الإِسلامِ أَطاعَت إِماماً جائِراً لَیسَ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ واِن كانَتِ الرَعِیّةُ فِی أَعمالِها بَرَّةً تَقیَّةً ولَأَعفُوَنَّ عَن كلِّ رَعِیّةٍ فِی الإِسلامِ أَطاعَت إِماماً هادِیاً مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ واِن كانَتِ الرَّعِیّةُ فی أَعمالِها ظالِمَةً مُسیئَة[2].

الإيمان بالله والكفر بالطاغوت

القرآن يقول: <وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللَّهِ جَميعًا وَلا تَفَرَّقوا>.

إنّ الاعتصام بحبل الله واجب على كل مسلم، ولكن القرآن لا يكتفي بمجرد الاعتصام بحبل الله؛ بل يريد منّا الاجتماع على ذلك؛ فيقول: (جميعاً) وهذا الاجتماع والاتحاد هو واجب آخر.

ولهذا فإنّ على كل مسلم أن يعتصم بحبل الله في صورة جماعية مع سائر المسلمين الآخرين، فعلينا أن نفهم هذا الاعتصام على الوجه الصحيح، وأن نجهد في تحقيقه.

إنّ الآية القرآنية الشريفة تقول: <فَمَن يَكفُر بِالطّاغوتِ وَيُؤمِن بِاللَّهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقىٰ>، وهذا يوضّح لنا معنى الاعتصام بحبل الله، فكيف يكون التمسّك بحبل الله؟ يكون بالإيمان بالله والكفر بالطاغوت.

الطاغوت الأعظم في الدنيا

إنّ الطاغوت الأعظم في العالم اليوم هو نظام الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك لأنه هو الذي ابتدع الصهيونية ويقوم بمساندتها. إنّ أمريكا هي خليفة الطاغوت الأعظم السابق؛ أي إنجلترا.

إنّ عدوانية الإدارة الأمريكية وحلفائها وأعوانها تضع العالم الإسلامي في مأزق عسير، وتعرضه لضغوطهم في السعي للتقدم، وفي اتخاذ القرارات، وفي تحقيق تطوره المادي والمعنوي.

لقد نزلت أمريكا إلى الساحة على رؤوس الأشهاد في هذا العدوان الذي شنّه الكيان الصهيوني على لبنان خلال الشهر الماضي، والذي انتهى إلى ملحمة إسلامية عظيمة سّطرها حزب الله وتكللت بالنصر الإلهي؛ حيث لم تكتف الولايات المتحدة بالدعم الإعلامي والمالي والسياسي للكيان الصهيوني؛ بل وفّرت له الدعم العسكري أيضاً وأمدّته بالسلاح والعدّة والعتاد.

وفي الحقيقة فإن الأمريكيين هم الذين أرادوا هذه الحرب وهم الذين أشعلوا فتيلها.

إنّ الطاغوت الأعظم في هذا العصر هم الأمريكيون.

إنّ الإيمان بالله متوفّر في الكثير من بقاع الأمة الإسلامية، ولكن لا يوجد كفر بالطاغوت.

إنّ الكفر بالطاغوت أمر ضروري، وإنّ التمسّك بالعروة الوثقى الإلهية لا يمكن أن يتحقق بلا كفر بالطاغوت.

إننا لا نؤلّب الدول والشعوب ولا ندعوها لشنّ حرب على أمريكا، ولكننا ندعوها إلى عدم الاستسلام لأمريكا، وإلى عدم التعاون مع أعداء الإسلام والمسلمين، ومن مصاديق ذلك عدم الوقوع في حبائلهم، وإحباط مؤامراتهم الرامية لزعزعة الوحدة الإسلامية، والحفاظ على الأمة الإسلامية من خلال اتّحادهم[3].


[1].     بيانات سماحته أمام المسؤولين عن الحج بتاریخ 26-10-2009م

[2].    الكافي، ج1، ص376

[3].    بيانات سماحته في مؤتمر الوحدة الإسلامية بتاريخ 21-8-2006م

المصدر
كتاب الثوري الأمثل في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟