مواضيع

الاستغفار مقدمة التوبة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونؤمن به ونتوكّل عليه، ونصلّي على حبيبه ونجيبه وخيرته من خلقه حافظ سرّه ومبلّغ رسالاته، المبشّر برحمته والنذير بنقمته، سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين، سيّما بقيّة الله في الأرضين، اللهم صل على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين.

قال الله الحكيم في كتابه: <قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا>[1]

أوصي جميع الأخوة والأخوات المؤمنين والمؤمنات بتقوى الله تعالى، والتوجه إليه سبحانه وتعالى، والاستغفار من الذنوب، والندم على ما بدر من المعاصي، والإقبال على عمل الخير والإحسان والبرّ.

شهر رمضان المبارك فرصة للاستغفار

اليوم هو آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، وهو من الفرص الكبرى التي ينبغي اغتنامها من قبل المؤمنين وأصحاب القلوب اليقظة؛ ولذا أرغب في بحث موضوع يتناسب مع شهر رمضان المبارك وعلى نحو موجز ومن أجل أن أذكّر نفسي وإيّاكم أيّها الأعزاء، وهو موضوع الاستغفار. إنّ احدى فرص الاستغفار هو شهر رمضان المبارك، وهو في طريقه إلى الانقضاء؛ إنّنا إذا لم نوفّق في طلب المغفرة والعفو الإلهي عن ذنوبنا في هذه الأيّام المعدودة، ولم ننجح في استنزال الرحمة الإلهية، فإنّنا نبوء بالخسران المبين.

إنّ الخسران الحقيقي هو الحرمان من الرحمة الإلهيّة في شهر الرحمة والمغفرة؛ وإنّ أحد الطرق إلى استمطار الرحمة الإلهيّة هو الاستغفار، والاستغفار يعني أن نطلب من الله سبحانه وتعالى ونسأله أن يعفو عنّا ويسامحنا ويغفر لنا ما ارتكبنا من الخطايا.

وقد أكّد القرآن الكريم موضوع الاستغفار، فقد طلب منّا أن نتوجّه إلى الله(عز وجل) في طلب الغفران والعفو عن الخطايا والذنوب التي ارتكبناها. ولا يوجد إنسان لا يخطىء، فكلّ ابن آدم خطّاء، طبعاً إنّ ذنوبنا نحن الأناس العاديين تختلف عن ذنوب الأولياء والمقرّبين؛ فأمير المؤمنين (ع) هو الآخر يستغفر، ولكنّ استغفاره ليس من نوع الأعمال التي نقوم بها؛ إنّه يستغفر من أشياء أخرى.

إننا في حياتنا الشخصية وحياتنا اليوميةّ وحياتنا الاجتماعّية نرتكب الأخطاء ونقترف الذنوب، وهذه الأعمال هي جرأة على الله سبحانه، علينا أن نستغفره ونطلب منه العفو. وسأتحدّث بضع دقائق حول هذا الموضوع.

الاستغفار في الآيات والروايات

أولاً: إنّ قسماً مهمًّا من الأدعية التي ندعو بها والواردة من أئمّتنا المعصومين(عليهم السلام) هي في الاستغفار، وهذا يدلّ على أهمّية موضوع الاستغفار.

إنّ الدعاء الشريف المعروف بدعاء كميل والذي نقرأه في ليالي الجمعات يعدّ من أجلّ الأدعية، وهو في الحقيقة دعاء أمير المؤمنين(ع) الذي علّمه لصاحبه كميل بن زياد، وعندما نطالع هذا الدعاء ونتأمّل فيه، نجده يبدأ بالاستغفار وينتهي بالاستغفار، فهو يسأل الله(عز وجل) العفو والغفران بمفردات متعدّدة ولغة ثرية متنوّعة.

في مطلع الدعاء يقسم الإمام(ع) على الله(عز وجل) بعشرة أشياء؛ يقسم أولاً برحمته وبقوته وجبروته وعزّته ونوره وبعشر صفات من صفات الربوبيّة، ويتضرّع في الدعاء والسؤال من خلال لغة شفّافة غاية في الرقّة والبلاغة التي اشتهر بها(ع).

بعد ذلك، أي بعد هذا القسم ـــ يطلب الإمام(ع) من الله(عز وجل)أن يغفر له خمسة أنواع من الذنوب «اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ»، أي الذنوب التي تمزّق أستار العصمة، و«الذُّنوبَ التِي تُغَيِّرُ النِّعَمَ»، و«الّذنُوبَ الّتي تُنْزِلُ البَلَاء»، والذنوب التي تمنع استجابة الدعاء. لاحظوا تأثير الذنوب والخطايا التي نرتكبها في حياتنا وما يترتّب عليها من أضرار في حياتنا، إنّ علينا أن نسأل الله تعالى أن يعفو عنّا ويتجاوز عن خطايانا وذنوبنا؛ وهكذا الأمر في الدعاء المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي والأدعية الأخرى، حيث تزخر جميعها بطلب الغفران والعفو الإلهي.

وفي آيات القرآن الكريم إذا ما ألقينا نظرة إجماليّة نجد جميع الأنبياء يحثّون أقوامهم على طلب المغفرة من اللّه(عز وجل): <وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ>[2] ذلك أنّ الاستغفار هو الخطوة الأولى في الطريق إلى تحقيق السعادة، وذلك من خلال قبول التوبة؛ لأنّ التوبة ليست في طلب المغفرة فقط، وإنّما تعني العودة إلى الله، وعدم ارتكاب الخطيئة مجدّداً؛ فالخطوة الأولى هي طلب المغفرة.

التأثير الاجتماعي للاستغفار

إنّ الاستغفار كما هو واضح من خلال الآيات القرآنية والروايات يفضي إلى حلّ مشكلات الإنسان والمجتمعات البشريّة.

إنّ المجتمع ـــ  أيّ مجتمع ـــ  إذا ما انتبه إلى ما يرتكبه من المعاصي، وحصلت لديه حالة من الوعي الذاتي، واستشعر حالة من الندم جرّاء ذلك، وحصلت له إرادة في اجتناب ارتكاب الذنوب والخطايا، واقبل بوجهه على الله(عز وجل) يسأله العفو والغفران، فإن البركات الإلهيّة سوف تغمره؛ وإنّنا لنجد شواهد عديدة حول هذه الحقيقة في سورة هود وفي سورة نوح: <وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا>[3] وفي آية أخرى: <وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ>[4]. إن الاستغفار وطلب العفو الإلهي يؤدّي إلى الخصب والفورة الاقتصاديّة، حيث تهطل السماء بالمطر المدرار الغزير، وتتدفّق الينابيع، وتمتلأ السواقي بالمياه العذبة.

ونقرأ في سورة نوح قوله تعالى على لسان نبيّه الكريم: <فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا 10 يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا 11 وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا >[5].

التأثير الاجتماعي للمعاصي

وفي مقابل ذلك فإنّ الذنوب والمعاصي تدمر الحياة الاجتماعية، وتفضي بالمجتمعات إلى هاوية السقوط والفناء، وما أكثر المجتمعات المرفّهة التي كانت تعيش في رخاء اقتصادي وتحيا حياة كريمة، ثم لمّا انغمست في الخطايا والذنوب والمعاصي، انتهى بها الأمر إلى الذلّ والبؤس والحرمان، وكان مصيرهم الهوان: <أَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ>[6] وحلّ بهم غضب من الله، وحاق بهم ما كانوا يفعلون! ليس فيه أيّ استثناء، فإذا غفلنا عن هذه الحقيقة فإنّه سيصيبنا ما أصاب الأمم الغابرة.

إن علينا أن نعي هذه الحقيقة دائماً، لذلك يجب أن ننتبه إلى سلوكنا؛ لأنّ الغفلة عن ذكر الله وطاعته، ولأنّ الشهوات والأفكار الخاطئة تهدّدنا بمصير المجتمعات الضالّة الغافلة والمنحرفة.

إن الطريق الوحيد للخلاص يكمن في مراجعة النفس، وتصحيح الأخطاء، والطلب من الله(عز وجل) التوفيق للتوبة من خلال الاستغفار، والعزم على تصحيح المسار، وذلك بالعودة إلى الصراط المستقيم وطلب الغفران؛ لأنّ طلب المغفرة يزيد من حالة الوعي.

عندما يطلب منّا أن نلهج بذكر الاستغفار دائماً فماذا يعني ذلك؟ إنّ ذلك يعني أنّنا دائماً معرّضون للانزلاق والخطأ والانحراف؛ لأنَّ الاستغفار بذاته يعني طلب العفو عن الذنب، يعني الاستغفار مقابل ارتكاب الذنب. عندما يقال: الاستغفار كذا مرّة في يوم كذا، فهذا يعني أنّ الإنسان معرّض كذا مرّة لارتكاب الذنب؛ وهذه هي الحقيقة، وهي أنّنا معرّضون لارتكاب الخطيئة دائماً.

إنّ ما يؤلم حقًّا أن يؤدّي ارتكاب الذنوب في المجتمع إلى أن يعرض الله سبحانه بوجهه الكريم عنه، فيبوء بالخسران والهوان، وهذا ما حصل في التاريخ؛ والآيات القرآنية الكريمة تشير على مصائر العديد من الأقوام البشريّة، وكيف تمزّقت شرّ ممزّق بسبب الانزلاق في ارتكاب الخطيئة والانغماس في المعاصي.

وقد ورد في الروايات الكثير الكثير من المآسي والكوارث التي عصفت بحياة الأُمم جرّاء ممارستها الظالمة وسقوطها الأخلاقي وانحطاطها الاجتماعي؛ ولا نريد التطرّق على هذا البحث، لأنَّه يخرج عن مناسبة خطبة صلاة الجمعة ووقتها.

وفي خصوص هذا اليوم وقد قمتم بمسيرة شاقّة (اليوم العالمي للقدس في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك) ومن المؤكّد أنّكم متعبون جدّاً، ومع ذلك فإنّه من اللازم توضيح هذا الأمر لعموم المجتمع، وهو أنّ على المبلّغين وعلماء الدين والخطباء في أيّام شهر رمضان المبارك وفي غيره من الشهور أن يتحدّثوا إلى الناس في التحذير من الغفلة؛ لأن الغفلة تعود بالأضرار الفادحة على المجتمع، وتسبّب له الخسائر الكبرى، وتقلب حياة الاُمم رأساً على عقب؛ وإنّه لمن أسوأ الذنوب ذنب لا يعود بالضرر على مرتكبه فقط.

الأثر المضاعف للمعصية في المجتمع الإسلامي

ومن هنا أذكّر نفسي وإخواني وأخواتي وكلّ أفراد الشعب الإيراني ـــ  وخاصّة الذين يتحملّون المسؤولية الاجتماعيّة صغيرة كانت أو كبيرة ـــ  بهذه النعمة والرحمة الإلهيّة الكبرى والعطف الإلهي، وهي في الحقيقة معجزة تاريخية كبرى، إنّ هذه النعم الكبرى لا يكتب لها الدوام ما لم نطلب من الله أن يعفو عن ذنوبنا ويتجاوز عن خطايانا. «اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنوبَ التِي تُغَيِّرُ النِّعَم»[7]، إنّ هذه النعمة الكبرى وهي نعمة العزّة والكرامة والنصر إذا تغيّرت بذنوبي وذنوب أمثالي فإنّ هذه خسارة كبرى. إنّ بعض الذنوب في بعض الأحيان تكون أكثر ضرراً؛ فالغيبة مثلاً هي معصية دائماً، ولها أضرارها الاجتماعيّة، إذا ما اقترفت جاءت في وقت يكون فيه أفراد المجتمع بحاجة ماسّة أكثر إلى المحّبة والألفة والإخاء والوحدة، فإنّ الغيبة تكون أكثر ضرراً، وتكون عواقبها وخيمة جداً، ولذا تصبح ذنباً كبيراً جداً؛ ذلك أنها تفرق بين القلوب وتقطع الأواصر الأخوية.

إنّ توجيه الاتّهامات ذنب كبير، ولكن عندما يكون المجتمع بحاجة ماسّة إلى أن تتبلور قيم الخير من أجل اجتذاب قلوب الأفراد إلى تشرّب هذه القيم ونشر الصفاء الروحي والنقاء الأخلاقي؛ فإنّ توجيه التهم يترك آثاراً سلبيّة في نفوس أفراد المجتمع لأنّه يزيح الستر عن العيوب وتصبح أمراً عادياً وهذا أمر يرفضه الإسلام ويعتبره ذنباً كبيراً جدّاً ومضاعفاً.

الكذب ذنب على الدوام؛ وعندما يحتاج المجتمع إلى أن يدرك لبّ الحقيقة ونشر الوعي الحقيقي من أجل أن يقرّر الشعب مصيره على نحو بنّاء، فإنّ الكذب الذي يعني تغييب الحقيقة يصبح ذنباً كبيراً جداً ومن أكبر الذنوب، إنّ التهاون في العمل (تخفيض وقت العمل)، أو إنجاز العمل على نحو خاطئ أمر سيء في المجتمع دائماً؛ وإذا كان البلد بحاجة إلى أن يقوم أفراد المجتمع بأعمالهم على نحو أكمل في موقعهم؛ الكاسب، والعامل، والمبلّغ الديني، والعسكري، والأستاذ، والطالب، والقروي كلّ يحتاج إلى الاخر، وهكذا ينهض المجتمع ويعمل وتسير الأمور على قدم وساق ويجتاز الجميع هذا المنعطف وهنالك تصبح البطالة والكسل والخمول والتخاذل والتخلّص من إنجاز العمل ذنباً كبيراً ومن كبائر الذنوب.

إنّ الظلم الاجتماعي ومصادرة الحقوق والتجاوز على الأعراض وغير ذلك من الذنوب دائماً، ولكن عندما يرفع المجتمع الإسلامي راية العدل القرآني، ويريد أن يكون مثالاً تحتذي به الأُمم والشعوب الأخرى من أجل تقديم النموذج والقدوة، فإن ممارسة الظلم سواء في المجال القضائي والدوائر العدلية والنظام الإداري وفي إقامة العلاقات العادية بين الأفراد وبين الجيران والزملاء والأصدقاء والتجاوز على حقوقهم، يصبح الذنب كبيراً جداً ومضاعفاً؛ لأنّنا نريد أن نجعل من مجتمعنا مجتمعاً نموذجياًّ، ولا يمكن للمجتمع في هكذا ظروف أن يغضّ النظر عن هكذا ذنوب وممارسات ظالمة.

والآن من الذي يدّعي أنّنا مبرّؤون من هكذا ذنوب؟ من الذي يزعم أنّنا لم نتلوّث بالكذب والغيبة وتوجيه الاتّهامات جزافاً والتملّص عن إنجاز ما نكلّف به من وظائف وأعمال، ومن التجاوز على حقوق الآخرين؟ طبعاً أنا المسؤول في البلاد ووفقاً للقانون الأساسي أحمل مسؤوليّة مهمّة على عاتقي إذا ما ارتكبت ذنباً معيناً من هذه الذنوب، فإنّ الأضرار التي يحدثها والخسائر التي يخلّفها ستكون أكبر وأكثر من الذنب الذي يرتكبه المواطن العادي والإنسان العادي! إنّي أنا المسؤول (في الدولة) إذا ما ارتكبت هذه التجاوزات سيكون وضعي أسوأ من وضعكم، غير أنّ جميع الناس اليوم هكذا أعمالهم وتجاوزاتهم لها تأثيرات أكثر خطراً قياساً بأوضاع المجتمع، حينما لم يكن المجتمع إسلامياً، ولم تكن الوحدة ضروريّة، ولم يكن يراد للمجتمع أن يكون مثالاً وقدوة.

الاستغفار هي وسيلة الأمان من العذاب الإلهي

لنكن مرهفين جدّاً إزاء الذنوب أيّها الإخوة والأخوات، وألّا نغفل عن الذنب، ألّا نغفل عن ذنوبنا ونهتمّ بذنوب الآخرين، إنَ أكبر الأعمال وأهمّ الدروس لدينا في الوقت الحاضر ومن أجل الحضور في ساحة الجهاد هو الوعي ورقّة الشعور، فإذا ما انتفت فأننا سوف نُهزم في ميادين الجهاد، سوف نفقد شجاعتنا في مواجهة أعداء الإسلام، وإذا ما انعدمت لدينا هذه الروح المعنويّة فإنّ الحياة الإسلاميّة تصبح مستحيلة، ولن يكتب لها الاستمرار، إنّ هذه الروحية يعني هذا الشعور إزاء ما نقترفه من الذنوب والتجاوز والوعي المستمرّ في ما نقوم به من عمل أو قول، ما تكلمّنا به هو ظلم وتجاوز على حقوق المسلم أو تجاوز لحدو اللًه.

إنّ نفس هذا الوعي ونفس هذا الشعور يدعى في اصطلاح الإسلام وفي معارفة السامية «التقوى».

إنّ الشعور الذي يفضي إلى اجتناب المعصية هو التقوى، وفي كلّ يوم جمعة ينهض أئمّة الجماعات بدعوة الناس إلى التقوى؛ ذلك أنّ التقوى لها دور مصيري في المجتمع بسبب آثارها الكبيرة في الحياة؛ وعندما تغيب حالة التقوى عن المجتمع أو انحلّت عراها، فإن استمرار الحياة الإسلاميّة يصبح أمراً مستحيلاً؛ ولذا يجب على الجميع إحياء روح الاستغفار في النفوس؛ لأن روح الاستغفار تقود إلى نموّ التقوى.

وأود أن أختم كلامي بحديث للإمام أمير المؤمنين علي(ع) في نهج البلاغة:

«كانَ في الأَرضِ أَمانانِ مِن عَذابِ اللَهُ، وقَد رُفِعَ أَحَدُهُما، فَدُونَكُمُ الْآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِه: أَمَّا الْأَمَانُ الَّذي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اللهُ(ص). وَأَمَّا الْأَمانُ الْبَاقِي فَالْإِستِغفَار، قالَ اللهُ تَعَالى: <وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ>[8]»[9].

إذن فإنّ الاستغفار أمان من نزول العذاب؛ والمجتمع الذي يستغفر أفراده من الذنوب سيكون في أمان العذاب.

لقد مرّت المجتمعات الإسلاميّة بمحن كبرى؛ وعانى مجتمعنا المسلم ـــ  إيران خاصة ـــ  من هيمنة القوى الاستعماريّة والدول الأجنبيّة، ونهب ممتلكاتنا، وسرقة أموالنا، وتخلّف مجتمعاتنا عن ركب البشريّة؛ إن كلّ هذا من آثار ارتكاب الذنوب وغياب حالة التقوى في الحياة الاجتماعيةّ وعدم الاستغفار.

لهذا يجب علينا في الوقت الحاضر التمسّك بهذا الأمان الإلهي وأن نحافظ عليه وألّا نكتفي بذكر الاستغفار والقول: «استغفر الله»؛ لا يكفي أن يقول المسلم: «استغفر الله وأتوب إليه»، إنه يعني طلب العفو والعودة إلى الله، لهذا يجب أن نجسّد هذا الكلام بأفعالنا وسلوكنا وتعاملنا؛ وأساس هذا كله يكمن في وعينا لحقيقة الاستغفار وعدم اقتراف الذنب؛ ومعرفة حقيقة ما نقوم به من أعمال. يتصور البعض أحياناً أنه يقوم بعمل يثاب عليه وهو في الحقيقة قد ارتكب ذنباً؛ فقد يندفع بروح ثورية، فيقوم بعمل ما، أو يقول كلاماً معيّناً بذريعة التمسّك بالإسلام والقرآن، وهو في الحقيقة يكون ضدّ الإسلام والقرآن.

إنّ علينا أن نكون في غاية الوعي لما نقوم به من أعمال، أن تكونوا واعين لما تفعلون وتقومون به من أفعال وأعمال، لا تقولوا: إننا لا نستطيع إدراك ذلك؛ كلا إنّ وجدان المرء يدرك جيداً ما هو جيّد، وما هو سيء، وما هو صواب، وما هو خطأ، وما هو الموقف الذين يوافق «ما أنزل الله». نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا للاستغفار.

اللّهم نقسم عليك بحقّ محمدّ وآل محمّد أن توفّقنا للتوبة والاستغفار في هذ الأيّام المتبقية في شهر رمضان المبارك.

اللهم وفّقنا لأن نعي ذنوبنا.

اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا بحقّ محمّد وآل محمّد.

اللهمّ اجعل هذه المواعظ والنصائح مؤثرة في القائل والمستمِع.


[1]. سورة الزمر: 53

[2]. سورة هود: 3

[3]. سورة هود: 3

[4]. سورة هود: 52

[5]. سورة نوح: 10-12

[6]. سورة آل عمران: 11، سورة الأنفال: 52، سورة غافر: 21

[7]. مفاتيح الجنان، دعاء كميل

[8]. سورة الأنفال: 33

[9]. نهج البلاغة، الحكمة 88

المصدر
كتاب الاستغفار والتوبة | الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟