مواضيع

الإنجاب هو جهاد المرأة اليوم

لقد عين الله تعالى في القرآن الكريم حدود تكريم المرأة، فالمرأة عند الله سبحانه وتعالى مثلها مثل الرجل، وما من اختلافٍ بين المرأة والرجل أبدًا من جهة ارتقاء سلّم المراتب المعنويّة والإلهيّة، لقد مدّ الله عزّ وجلّ هذا الصراط للإنسان، لا للرجل ولا للمرأة.

إنّ الله تعالى خلق في التاريخ امرأةً كفاطمة الزهراء(عليها السلام)، التي يقول عنها الإمام العسكري أو الإمام الهادي(ع): «نحنُ حججُ الله على خَلقِه وفاطمَةُ حجّةُ اللهِ عَلَيْنا»[1]؛ ففاطمة الزهراء(عليها السلام) حجّةُ حجّةِ الله وإمامٌ للأئمة، فهل من شخصيّةٍ فوق هذه الشخصيّة؟! إنّ السيّدة الزهراء تتمتّع بمقام العصمة، وهذا الإنسان المعصوم هو امرأة. إنّ سيّدات نساء العالم أمثال: مريم وسارة وآسيا وغيرهن ـ أولئك النسوة العظيمات اللاتي كنّ في التاريخ ـ هنّ عظيماتُ عالم الخلقة بأكمله، إذاً؛ الذي يسير في جادّة التكامل والسموّ هذه، هو الإنسان، وما من فرق بين المرأة والرجل في الحقوق الاجتماعيّة، وما من فرق بين المرأة والرجل في الحقوق الشخصيّة والفرديّة.

نعم، أعطيت المرأة امتيازاتٍ في بعض المسائل الخاصّة الشخصيّة، ومُنح الرجل بعض الامتيازات في بعض المسائل، وذلك بحسب مقتضى طبيعة كلٍ من المرأة والرجل. هذا هو الإسلام؛ إنّه القانون الأكثر متانة وحكمة منطقيّة وعمليّة بين القوانين والحدود التي يمكن أن يفكّر فيها الإنسان بخصوص مسألة الجنسين.

يجب السير في هذا الطريق، ومن أهم النقاط في هذا الطريق تشكيل العائلة، ومن أهمها أيضاً العكوف على صيانة مناخ العائلة وإفشاء المودّة فيه والأنس به، وهذا ما تتولّاه ربّة المنزل.

الأمّ هي التي يُمكنها أن تُربّي الأبناء على أحسن وجه، فتربية الأمّ للأبناء ليست كتربيتهم في صفوف الدراسة، هي إنّما تربّيهم من خلال السلوك والكلام والعواطف والملاطفات والهدهدة والعيش والحياة؛ إنّ النساء يربّين أبناءهن من خلال حياتهنّ وعيشهنّ معهم، وكلّما كانت المرأة أصلح وأعقل وأكثر ذكاء، كانت هذه التربية أفضل؛ لذلك ينبغي أن نضع البرامج في البلاد لرفع مستوى الإيمان والتعليم والذكاء لدى السيّدات.

إنّ القيام على المنزل وكون المرأة ربّة المنزل هو من أهم واجبات المرأة، والجميع يعلم أنّني لا أعتقد بأنّ النساء يجب ألّا يعملن في المشاغل والمهن الاجتماعيّة والسياسيّة، لا.. لا إشكال في عملهن؛ ولكن إذا كان عملهنّ بمعنى النظر للقيام بشؤون المنزل بعين الامتهان والاستصغار، فهذه معصية.

إنّ القيام على شؤون المنزل هو شغل ومهنة، هو عملٌ كبيرٌ ومهمّ وحسّاس ومن شأنه صناعة المستقبل.

كما أنّ إنجاب الأبناء جهادٌ كبيرٌ. ولكن بسبب الأخطاء التي ارتكبناها ولعدم دقّتنا تعرّضت هذه القضية -أي: الإنجاب- في فترةٍ من الفترات في بلادنا للغفلة ياللأسف، وها نحن نشاهد اليوم أخطار ذلك، وقد ذكرتُ ذلك للناس مرّاتٍ عديدةٍ؛ إنّها شيخوخة البلاد، وقلة عدد الأشخاص من الجيل الشابّ بعد سنوات من الآن، وهذه من الأمور التي تظهر آثارها بعد فترة. وحين تظهر الآثار فلن يكون بالإمكان علاجها في ذلك الحين، أمّا اليوم فبلى يمكن تدارك الأمر ومعالجته.

إنّ إنجاب الأبناء، من أهم أنواع الجهاد والواجبات المختصّة بالمرأة، فإنجاب الأولاد هو في الحقيقة ميزةُ المرأة، وهي التي تتحمّل متاعب هذا العمل وجهوده وآلامه، إنّها هي التي منحها الله تعالى أدوات ولوازم تربية الأولاد، فالله عزّ وجلّ لم يعط أدوات تربية الأولاد للرجال، بل أعطاها للسيّدات؛ أعطاهن الصبر على ذلك، والعاطفة اللازمة لذلك، والمشاعر الضرورية لذلك، وأعطاهنّ الأعضاء الجسميّة اللازمة لذلك، وفي الواقع هذه هي ميزة النساء، وحينما لا ننسى هذه الأمور، فإنّ المجتمع سوف يتقدّم إلى الأمام.

احترام المرأة وتكريمها هي مسألةٌ من المسائل ـ ويجب أن تأخذ هذه المسألة نصيبها من الاهتمام والعناية ـ كما أنّ سلوكيّات النساء في البيئة العائليّة وفي بيئة العمل والتكسّب، وفي المناخ السياسي، وفي البيئة الاجتماعيّة مسألةٌ أخرى، وكذلك السلوك مع النساء مسألةٌ مستقلّةٌ أيضًا، فالسلوك مع النساء قضيّةٌ توجّه للرجال، سواء رجال العائلة ـ كالآباء والإخوة والأزواج ـ أم الرجال في بيئات العمل ممّن يتعاملون مع النساء، فالتعامل مع المرأة يجب أن يكون باحترامٍ ومحبّة وينبغي أن يكون مصحوبًا بالإخلاص والعفّة.

إذًا، تكريم المرأة، وواجبات المرأة، والواجبات تجاه المرأة كلّ واحدة من هذه القضايا والمسائل يجب أن تحظى بالاهتمام باستقلاليّةٍ، وينبغي أن توضع البرامج من أجلها.[2]


  • [1]– عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال‏، للبحراني الأصفهاني، ص1030. (المترجم)
  • [2]– من خطاب سماحته في لقائه بقراءٍ للعزاء والمدائح من أنحاء البلاد بتاريخ 1-5-2013م
المصدر
كتاب الحياة بأسلوب جهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟