مواضيع

اختلاف جهاد المرأة عن جهاد الرجل

إنّ للإسلام رؤىً قيّمة ومتميّزة ومهمّة فيما يتعلّق بشؤون المرأة، وكذلك فيما يخصّ الأُسرة؛ فهو أوّلًا ينظر إلى مسألة جنس الإنسان على أنها مسألةٍ من الدرجة الثانية، وهو في المقابل يضع الحيثيّة الإنسانيّة بالدرجة الأولى نصب عينيه، فالحيثيّة الإنسانيّة للإنسان لا دخل فيها لجنسه أبدًا، فالخطاب في الإسلام موجّهٌ إلى الإنسان.

وصحيحٌ أنّ قوله تعالى: <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا>[1]، جاء بصيغة المذكّر وليس بصيغة المؤنّث هكذا: «يا أيّها اللاتي آمنَّ»، إلّا أنّ هذا لا يعني أبدًا أنّ في هذا الخطاب ترجيحٌ للرجل على المرأة، وإنّما هذه الصيغة تعود إلى عوامل أُخرى خافية علينا. ونحن هنا لا نريد الولوج في هذا البحث، فنبحث مثلًا لماذا في اللغة الفارسية أيضًا نطلع على مجموعةٍ من الناس كلمة «مردم»، والتي هي مشتقّة من كلمة «مرد» -التي تعني «رجل» بالفارسيّة- ولا نقول: «زنم» -المشتقّة من كلمة «زن» التي تعني «امرأة» بالفارسيّة-.

وكذلك في اللغة الانجليزية كلمة ««Human مشتقّة مِن «man» غير أنّ هذا لا يعني أن تَغلُّبَ الثقافة الذكوريّة هو الذي أدّى إلى ظهور مثل هذه الصياغات في اللغة، وإنّما يعود سببُ ذلك إلى عوامل أُخرى.

وفي إطار الأُسرة يمثّل الرجل المظهر الخارجي لتلك الأُسرة على حين تمثّل المرأة المظهر الداخلي لها؛ وإن شئتم صياغة هذا المعنى بمشاعر أرفع يمكن القول: إنّ الرجل هو قشرة اللوزة والمرأة لبّها؛ فهذا المعنى يمكن التعبير عنه بمثل هذه التعابير.

إنّ الرجل أظهر، هكذا هو هيكله؛ فقد خلقه الله وصنعه لهذه المهمّة، وأمّا المرأة فقد خلقها لشيءٍ آخر، ومن الواضح طبعًا أنّ الظهور والبروز في الرجل أكثر من المرأة؛ ولأجل هذه الخصوصيّات؛ وليس من باب الترجيح.

أمّا بالنسبة إلى القضايا الأساسيّة التي تتعلّق بالإنسان بما هو إنسان؛ فلا فرق فيها بين الرجل والمرأة، ألا تلحظون في مجال التقرّب إلى الله أن نساءً من أمثال السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، أو السيّدة زينب(عليها السلام) أو السيّدة مريم(عليها السلام)؟، قد وصلن إلى مراتب تفوق تصوّر أمثالنا.

وتنصّ الآية الشريفة في سورة الأحزاب على أنّه لا فرق أبدًا بين الرجل والمرأة، ولعلّ السبب في ذلك يُعزى إلى أن هذه الآية أرادت تفنيد ما كان سائدًا من تصوّرات جاهليّة حول المرأة، قال تعالى: <إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ>[2]، وكما تلاحظون هناك فاصلة بين وصف المسلم ووصف الذاكر، فهناك سلسلة من المراتب المتدرّجة، وهذا ما يجده المرء حين يتأمّل هذه التعابير، <أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا>[3]. فحيثما جاء ذكر الرجل، جاء ذكر المرأة أيضًا: الرجل الخاشع، المرأة الخاشعة، الرجل المتصدّق المرأة المتصدّقة. لا يوجد بينهما أيّ فارقٍ أبدًا.

وفي سورة آل عمران المباركة بعد أن تكرّرت كلمة «ربّنا» جاء قوله تعالى: <فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ>[4]، فلا فرق بين الرجل والمرأة أبدًا.

بل حتّى إنّ القرآن رفع المرأة فوق الرجل ـ في أحد المواضع ـ من أجل دحض هذه الأفكار الجاهليّة التي ذكرتُها، ومثل هذه الحالة لا يجدها الإنسان في القرآن إلّا بشأن الأشخاص،‌ كقوله تعالى: <ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ>[5]، فالمثال الذي ضربه للكفّار هو هاتان المرأتان؛ امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ؛ فهما ليستا أنموذجًا للنساء وحسب، بل هما أنموذجٌ للنساء وللرجال معًا،‌ <كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا>[6]،‌ إلى آخر الآية.

وكذلك قال تعالى: <وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ>[7]، وهنا يذكر الله تبارك وتعالى للمؤمنين اسم امرأتين، وكما تلاحظون هنا: كم هو عدد المؤمنين من أوّل التاريخ إلى نهاية العالَم، بما في ذلك الأولياء والصالحين والأنبياء؟! ومع ذلك حينما أراد الله أن يضرب لهم مثلًا ويذكر لهم رمزًا، وأراد أن ينصب أمام أعينهم تجسيدًا، وجدناه يذكر لهم امرأتين، أحدهما «امرأة فرعون»، إذ قالت: <إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ>[8] إلى آخر الآية. وأمّا الأخرى فـ: <وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا>[9]، وهذا شيءٌ عجيبٌ أصلًا، وعلى هذا الأساس فإنّ مسألة الجنس تُمثّل أمرًا ثانويّاً، وأمرًا عارضًا، وهو إنّما يصبح له معنى فقط في شؤون الحياة اليوميّة للناس، ولكن لا معنى له ولا تأثير في المسيرة الأصليّة لبني البشر، بل حتّى إنّ وظائفهما مختلفة[10].

إنّ معنى حسن التبعّل الوارد في الرواية التي تروى عن النبيّ(ص)، حيث يقول: جهادُ المرأةِ حسنُ التبعّل، هو أن تهيّئ المرأة الأرضيّة بحيث يستطيع الرجل أن ينجز عمله بسهولة.

في عصر نظام الطاغوت، حينما كان هذا العبد وأمثالي من الرجال نناضل في ميدان النضال والمواجهة، كان النظام يعرفنا إمّا مبكّرًا أو متأخرًا، وكان يرسل إلينا بجلاوزته، فكان السافاك[11] يأتون إلينا ويخرجوننا من منازلنا أمام أعين النساء والأطفال بعنفٍ وغلظة.

حينما يجرّني السجّان، فإنّ أتحمّل عنفه، ولكنّني أعلم أنّ الأذى الأكبر قد وقع على السيّدة في المنزل، فالخوف والقلق والاضطراب والغصّة لن يسمحوا لها بالراحة لحظةً واحدة، وأنا كنتُ أعرف هذا الأمر، بل حتّى حينما كنتُ في السجن، وفي الحبس الانفرادي، فحينما كنتُ أفكّر في الأمر، كنتُ أرى أنّ حالهم أسوأ من حالي، فكان قلبي يحترق لأجلهم.

ثمّ بعد أن خرجت من السجن، حينما سألت وبحثت في أوضاعهم في غيابي، فعلى الرغم من أنّهم لم يكونوا يرغبون في إخباري، إلّا أنّني فهمت ما الذي مضى عليهم تلك المدّة،‌ تصوّروا حال إنسانٍ لديه عدّة أطفال صغار، ليس لديهم أيّ مدخول مادّي، ولا نقود، ولا أيّ وسيلةٍ تؤمِّن لهم الراحة أو الأمان، ثمّ يأتي أربعة أشخاص ويشمتون بك، ليصبح الأمر أصعب، والمرأة في منزلها وحيدة بلا رجل، ولا تعرف أين هو والد أبنائها ولا كيفيّة وضعه، وهؤلاء يأتون ويعنّفونها أكثر وأكثر[12].

إنّ البعض يظنّ أن جهاد المرأة هو العمل على تأمين وسائل الراحة للزوج وحسب، لكنّ حسن التبعّل لا يقتصر على ذلك، فهذا ليس بجهاد، إنّ الجهاد هو أن تقوم النساء المناضلات المؤمنات الفدائيّات بتحمّل أحمالٍ ثقيلة أكثر، كلّما تحمّل أزواجهنّ مسؤوليّات ثقالاً، وذلك بنفس النسبة.

فحينما يعود الرجل متعبًا، فإنّ آثار تعبه تظهر في المنزل، فحينما يعود، يعود متعبًا ومرهقًا، وأحيانًا يكون مزاجه سيئًا، وهذا التعب والإرهاق وسوء المزاج كلّه بسبب محيط عمله، وهو ينعكس داخل المنزل، والآن إذا أرادت المرأة أن تجاهد، فإنّ جهادها هو أن تتحمّل كلّ ذلك لوجه الله، هذا هو حُسن التبعّل.

حينما هاجر النبيّ(ص) من مكّة إلى المدينة، كان عمر أمير المؤمنين(ع) حوالي ثلاثة أو أربعة وعشرين عامًا، وكان منذ البداية قد بدأ بالنضال والمواجهة والمشاركة في الحروب المختلفة، وفي جميع الحروب كان هذا الشابّ إمّا حامل الراية أو متقدّمًا في الصفوف الأماميّة أو بطل المعركة الأساسي، وخلاصة الكلام، كانت الأحمال ملقاة على عاتقه، وكما تعلمون فإنّ الحرب لا تعرف الوقت، ولذا قد تشتعل في الجوّ الحارّ أو في الجوّ البارد أو في الصباح أو في غيره، وسواء كان ابنك مريضًا أم لا‌….‌

وطوال عشر سنوات من حكومة النبيّ(ص)، وقعت سبعون معركة تقريبًا بين حربٍ كبرى وقتالٍ صغير، فكان هناك الحروب التي استمرّت حوالي الشهر أو أكثر، وكانت هناك حروب استمرّت أيّامًا معدودةً، وقد شارك أمير المؤمنين في هذه المعارك جميعًا، عدا معركةٍ واحدةٍ فقط.

إضافة إلى مشاركته في المعارك، كان النبيّ يرسله في مأموريّاتٍ، مثلما حين أرسله النبيّ إلى اليمن، حيث أرسله إلى اليمن ليقضي بين الناس هناك.

وبناءً على هذا كانت فاطمة الزهراء(عليها السلام) تواجه دائمًا واقع كون زوجها في الحرب، أو رجوعه من المعارك مضرّجًا بالدماء ومليئًا بالجراح، أو كونه مشغولًا مع النبيّ بأعمالٍ ذات أهميّة داخل المدينة، أو سفره خارجها في مأموريّة معيّنة.

لقد كانت فاطمة الزهراء في غاية المحبّة والإيثار رغم كلّ هذه الأوضاع والظروف الصعبة، وعلى الرغم من أنّ زوجها مشغولٌ جدًا، وعملت على تربية أبنائها الأربعة وتعليمهم بالتربية والتعاليم السماويّة، هؤلاء الذين كان أحدهم الحسين بين علي(ع) الذي يفتخر به اليوم في كلّ تواريخ البشر، والذي لا نرى علمًا للحريّة والافتخار أرقى ولا أعلى ولا أنصع منه. إذاً هذا هو معنى حسن التبعّل[13].

«جهاد المرأة حسن التبعّل» يعني أنّ المرأة تُعطى في مقابل عملها هذا، ثواب جهاد ذلك الشاب الذي يقتحم سوح الوغى ويضع روحه على كفّه؛ وذلك لأن مشقّة هذا العمل الذي تقوم به المرأة لا يقل عن مشقّة ذلك العمل.

إنّ المسؤوليّة الزوجيّة للمرأة شاقّةٌ جدّاً طبعًا، إنّ المرأة التي تستطيع أن تتكيّف مع ما للرجل من توقّعات، ومطالب، وسوء خلق، وصوتٍ خشنٍ، وقامةٍ أطول، وأن تجعل محيط الأُسرة ـ في مثل هذه الظروف ـ دافئًا، ومأنوسًا وجذّابًا ويتّسم بالسكينة والهدوء، لهي على درجة عالية من المهارة، وعملها هذا جهادٌ بحقّ، وهذا شقٌّ من ذلك الجهاد الأكبر الذي وصفوه، وهو جهاد النفس[14].

لو أنّكنّ أيّتها النساء تحمّلتنّ المشاق التي تلقى على عاتقكم بسبب أزواجكنّ، والتي يُسبّبها هذا الزوج بسبب عمله وجهده وجهاده في الخارج، فاعلموا أنّ لهذا التحمّل له أجرٌ وثوابٌ عند الله حتّى لو يشعر بهذا التحمّل أيّ أحدٍ سواء طال لحظةً أم ساعةً.

هناك العديد من الأشخاص الذين لا يعرفون مقدار معاناة السيّدات، فقد تعوّد الناس أن يكون التحمّل للمشقات عبر العضلات وبالجهد البدني والجسمي؛ ولا يعلمون أنّ المعاناة الروحيّة والعاطفيّة تكون أحيانًا أقسى وأعتى على الإنسان؛ ولذا قد يكون هناك العديد من الأشخاص لا يلتفت إلى معاناتكنَّ، ولكنّ الله عزّ وجلّ «لا يخفى عليه خافية»[15]، وهو الناظر إلى أعمالكنّ، وأنتنّ مأجوراتٌ إن شاء الله، وعليكنَّ أن تساعدنَ أولئك الشباب الذين هم أزواجكنّ بقدر ما تستطعن، وكلّما كانت مساعدتكنَّ أكبر كان أجر الله لكُنّ أكبر[16].


  • [1]– البقرة: ١٥٣
  • [2]– الأحزاب: ٣٥
  • [3]– نفس المصدر
  • [4]– آل عمران: ١٩٥
  • [5]– التحريم: ١٠
  • [6]– نفس المصدر
  • [7]– التحريم: ١١
  • [8]– نفس المصدر
  • [9]– النحريم: ١٢
  • [10]– من خطاب سماحته في ملتقى الأفكار الإستراتيجية الثالث بالمتعلّق بموضوع المرأة والعائلة بتاريخ 4-1-2012م
  • [11]– السافاك (بالفارسية: ساواک) اختصار «منظّمة المخابرات والأمن القومي» (بالفارسية:سازمان امنیت واطلاعات کشور)، أسس جهاز السافاك في إيران بمساعدة وكالة المخابرات الأمريكية (C.I.A) في عام 1957م، وكانت مهمّة هذا الجهاز هو قمع المعارضين لشاه إيران ووضعهم تحت المراقبة، وقد استَخدَموا أيضًا ضدّ المعارضين من أبناء الشعب الإيراني كافة أنواع التعذيب والتجويع داخل السجون إضافة إلى التصفية الجسديّة لقادة المعارضة. (المترجم)
  • [12]– من كلمة سماحته في كتاب العائلة بتاريخ 23-9-2004م
  • [13]– من كلمته في كتاب العائلة بتاريخ 10-10-2002م
  • [14]– من خطاب سماحته في ملتقى الأفكار الإستراتيجية الثالث بالمتعلّق بموضوع المرأة والعائلة بتاريخ 4-1-2012م
  • [15]– الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني، كتاب الروضة، خطبةٌ لأمير المؤمنين(ع)
  • [16]– من كلمة سماحته في كتاب العائلة بتاريخ 10-10-2002م
المصدر
كتاب الحياة بأسلوب جهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟